الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة العيدين
أي: عيد الفطر وعيد الأضحى، والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2]، والمشهور في التفسير: أن المراد به صلاة الأضحى، وأول عيد صلاه النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة.
(تسن ركعتان لو منفردا
…
بين طلوع وزوالها أدا)
(تكبير سبع أول الأولى يسن
…
والخمس في ثانيةٍ من بعد أن)
(كبر في إحرامه وقومته
…
وخطبتان بعدها كجمعته)
(كبر في الأولى منهما تسعاً ولا
…
والسبع في ثانية، أي: أولا)
فيها خمس مسائل:
[صلاة العيد سنة مؤكدة]
الأولى: صلاة العيد ركعتان، وهي سنة مؤكدة؛ لما مر؛ ولمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها، وليست بواجبة؛ لخبر "الصحيحين": هل علي غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوع".
وتسن جماعة كما فعلها صلى الله عليه وسلم، وفي المسجد إن اتسع، وتسن للمنفرد والعبد والمرأة والمسافر؛ كسائر النوافل، ولا يخطب المنفرد، ويخطب إمام المسافرين.
[وقت صلاة العيد]
الثانية: وقتها بين طلوع الشمس وزوالها، فتقع فيه أداء؛ لأن مبنى المواقيت على أنه إذا خرج وقت صلاة .. دخل وقت غيرها، وبالعكس، إلا أنه يسن تأخيرها إلى ارتفاع الشمس كرمح كما فعلها صلى الله عليه وسلم، وليخرج وقت الكراهة.
[كيفية صلاة العيد]
الثالثة: يسن أن يكبر سبع تكبيرات في أول الركعة الأولى، وخمسة في أول الثانية، من بعد أن كبر لإحرامه في الأولى ولقومته في الثانية؛ لخبر الترمذي وحسنه:(أنه صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الثانية خمساً قبل القراءة).
ويسن أن يقف بين كل ثنتين كآية معتدلة يهلل ويكبر ويمجد، رواه البيهقي عن ابن مسعود بنحوه بسند جيد، ويحسن في ذلك:(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، وهي الباقيات الصالحات في قول ابن عباس وجماعة.
ويسن أن يقرأ بعد (الفاتحة) في الأولى (ق) أو (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية (اقتربت الساعة) أو (هل أتاك حديث الغاشية) بكمالها جهراً.
[استحباب خطبتين بعد صلاة العيد]
الرابعة: يسن بعدها خطبتان كخطبتي الجمعة في أركانهما؛ لخبر "الصحيحين" عن ابن عمر: (أنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيد قبل الخطبة)، وتكريرها مقيس على الجمعة، ولم يثبت فيه حديث كما قاله النووي في "الخلاصة".
ولو قدمت على الصلاة .. قال في "الروضة": لم يعتد بها؛ كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمت، وأما شروط خطبتي الجمعة؛ كالقيام فيهما، والجلوس بينهما، والطهارة، والستر .. فلا تشترط في خطبتي العيد، لكن يعتبر في أداء السنة الإسماع والسماع وكون الخطبة عربية.
ويسن أن يعلمهم في عيد الفطر أحكام زكاة الفطر، وفي عيد الأضحى أحكام الأضحية.
[استحباب التكبير أول الخطبتين]
الخامسة: يسن أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات ولاءً، وفي أول الثانية سبع تكبيرات ولاءً؛ لقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من التابعين: إن ذلك من السنة، رواه الشافعي والبيهقي.
ولو فصل بينهما بالحمد والتهليل والثناء .. جاز.
قال في "الروضة": ونص الشافعي رضي الله عنه وكثيرون من الأصحاب: على أنها ليست من الخطبة، وغنما هي مقدمة لها، ومن قال منهم: يفتتح الخطبة بها .. يحمل على ذلك؛ لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه.
وقول المصنف: (في الأولى) بنقل الهمزة إلى الساكن قبلها.
(وسن من قبل صلاة الفطر
…
فطرٌ، كذا الإمساك حتى النحر)
(وبكر الخروج لا الخطيب
…
والمشي والتزيين والتطييب)
(وكبروا ليلتي العيد إلى
…
تحرم بها، كذا لما تلا)
(ألصلوات بعد صبح التاسع
…
إلى انتهاء عصر يوم الرابع)
فيها خمس مسائل:
[استحباب الفطر في عيد الفطر والإمساك في الأضحى قبل الصلاة]
الأولى: يسن أن يفطر في عيد الفطر قبل صلاته، ويمسك في عيد الأضحى عن الأكل حتى يصلي وينحر؛ لخبر البخاري:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً).
ولما روى بريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) رواه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم.
وحكمته: امتياز يوم العيد عما قبله بالمبادرة بالأكل أو تأخيره.
[استحباب التبكير لصلاة العيد]
الثانية: يسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الصبح؛ ليأخذوا مجالسهم إلا الخطيب، فيتأخر إلى وقت الصلاة؛ لخبر "الصحيحين" عن أبي سعيد الخدري: (أنه
صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة
…
) إلى آخره.
[استحباب المشي لصلاة العيد]
الثالثة: يسن المشي في الذهاب لصلاة العيد بسكينة، فلا يركب إلا لعذر، سواء فيه الإمام والمأموم، أما الإياب .. فإنه مخير فيه بين المشي والركوب ما لم يتأذ به أحد.
ويسن لكل منهما أن يذهب في طريق ويرجع في أخرى؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك، رواه أبو داوود وغيره، وفي "صحيح البخاري" عن جابر قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد .. خالف الطريق)، والأرجح في سبب ذلك: أنه كان يذهب في أطول الطريقين؛ تكثيراً للأجر، ويرجع في أقصرهما، وقيل: لشهادة الطريقين، وقيل: ليتبرك به أهلهما، وقيل: ليستفتى فيهما، وقيل: ليتصدق على فقرائهما، وقيل: لنفاذ ما يتصدق به، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما، وقيل: ليزداد غيظ المنافقين، وقيل: للحذر منهم، وقيل: للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة، وقيل: لئلا تكثر الزحمة.
ويسن الذهاب في طريق والرجوع في آخر في الجمعة وغيرها؛ كما ذكره النووي في "رياضه".
[استحباب الغسل للعيد]
الرابعة: يسن التزين بالغسل، ويدخل وقته بنصف الليل، ولبس أحسن ثيابه، وإزالة الشعر والظفر والرائحة الكريهة، والتطيب بأجود ما عنده من الطيب؛ كالجمعة، وسواء في الغسل وما بعده القاعد في بيته والخارج للصلاة؛ لأن اليوم يوم سرور وزينة.
قال النووي: ولبس أحسن الثياب هنا أولى من الأبيض الأدون. انتهى.
فإن لم يجد إلا ثوباً .. سن له أن يغسله للجمعة والعيد، هذا حكم الرجال.
أما النساء .. فيكره لذوات الجمال والهيئة الحضور، ويستحب للعجائز، ويتنظفن بالماء، ولا يتطيبن، ولا يلبسن ما شهر من الثياب، بل يخرجن في ثياب بذلتهن.
[استحباب التكبير في العيدين]
الخامسة: يسن التكبير بغروب الشمس ليلتي العيد في المنازل والطرق والمساجد والأسواق ليلاً ونهاراً إلى تحرمه بصلاة العيد.
ويسن للذكر: أن يرفع صوته به، ويسمى هذا التكبير مرسلاً ومطلقاً؛ لأنه لا يتقيد بحال.
وأما التكبير في عيد الفطر .. فلقوله تعالى: {ولتكملوا العدة} [البقرة: 185] أي: عدة صوم رمضان {ولتكبروا الله] أي: عند إكمالها؛ كما نقله الشافعي رضي الله تعالى عنه عمن يرضاه من العلماء بالقرآن.
وأما في عيد الأضحى .. فبالقياس على عيد الفطر، قال البيهقي: وصح عن ابن عمر: (أنه كان يفعله ليلة الفطر حتى يغدو إلى المصلى)، قال: وروى ذلك عنه مرفوعاً في العيدين، ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى، بل يلبي.
وأما التكبير المقيد .. فيسن عقب الصلوات ولو فائتة أو نافلة، أو جنازة أو منذورة، لكل أحد حاج أو غيره، مقيم أو مسافر، ذكر أو غيره، منفرد أو غيره.
ولا يسن ليلة الفطر عقب الصلوات؛ لعدم وروده، وغير الحاج يكبر من صبح التاسع؛ وهو يوم عرفة، ويختم بعصر اليوم الرابع؛ أي: من أيام التضحية، وهو الثالث من أيام التشريق الثلاثة.
وأما الحاج .. فيكبر من ظهر يوم النحر؛ لأنها أول صلاته بعد انتهاء وقت التلبية، ويختم بصبح آخر أيام التشريق؛ لأنها آخر صلاته بمنى، والأصل في ذلك: قوله تعالى: {واذكروا الله فى أيام معدودات} [البقرة: 203] وهي أيام التشريق.
وما جرى عليه المصنف في غير الحاج .. هو ما اختاره النووي في "مجموعة"، قال: وعليه العمل، وصححه في "أذكاره"، قال في "الروضة": وهو الأظهر عند المحققين؛ للحديث؛ أي: الذي رواه الحاكم: (أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك)،
وقال فيه: صحيح الإسناد، قال: وصح فعله عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وابن عباس من غير إنكار، فجملة الصلوات التي يكبر خلفها غير الحاج ثلاث وعشرون، وصحح الرافعي: أن غير الحاج كالحاج قياساً عليه، وقال النووي في "مجموعه" وغيره: إنه المشهور في مذهبنا.
ولو خالف اعتقاد الإمام المأموم فكبر من يوم عرفة، والمأموم لا يرى التكبير فيه، أو عكسه .. فالأصح: اعتبار اعتقاد نفسه، بخلاف تكبير الصلاة لانقطاع القدوة بالسلام.
ولا يكبر عقب فائت هذه الأيام إذا قضاة في غيرها؛ لأن التكبير شعارها وقد فات.
وجميع ما ذكر هو في التكبير الذي يرفع به صوته ويجعله شعاراً، أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه .. فلا منع منه؛ نقله في "الروضة" و"أصلها" عن الإمام من غير إنكار.
* * *