المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب النفقات جمع نفقة من الإنفاق وهو الإخراج، وأسباب وجوبها ثلاثة: - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌باب النفقات جمع نفقة من الإنفاق وهو الإخراج، وأسباب وجوبها ثلاثة:

‌باب النفقات

جمع نفقة من الإنفاق وهو الإخراج، وأسباب وجوبها ثلاثة: ملك النكاح، وقرابة

البعضية، وملك اليمين.

والأصل في وجوبها قبل الإجماع ما سيأتي، وبدأ بنفقة ملك النكاح؛ لأنها أقوى لوجوبها بطريق المعاوضة فقال:

(مُدَّانِ للزَّوجَةِ فَرْضُ المُوسِرِ

إِن مَكَّنَتْ والمُدُّ فْرُض المُعْسِرِ)

(مُدٌّ ونِصْفٌ مُتَوَسِّطُ اليَدِ

مِن حَبِّ قُوْتٍ غالِبٍ في البَلَدِ)

(والأَدْمُ والَّلحْمُ كَعَادَةِ البَلَدْ

وَيُخْدِمُ الرَّفِيعَةَ القَدْرِ أَحَدْ)

(لَهَا خِمَارٌ وقَمِيصٌ ولِبَاسْ

بِحَسْبِ عادَةٍ وفي الصَّيْفِ مَدَاسْ)

(ومِثْلُهُ مَعْ جُبَّةٍ فَصْلَ الشِّتَا

واعْتَبِرِ العادَةَ جِنْسَاً ثَبَتَا)

(وحالَهُ في لِينِهَا وَقُرِّرَا

الفَسْخُ بالقاضِي لَهَا إِن أَعْسَرَا)

(عَنْ قُوْتِهَا أو كِسْوَةٍ أو مَنْزِلِ

ثلاثَ أيَّامٍ لأَقْصَى المُهَلِ)

(والفَسْخُ قبلَ وَطْئِهَا بالمَهْرِ

وافْرِضْ كِفَايَةً على ذِي يُسْرِ)

(لأَصْلٍ اوْ فَرْعٍ لِفَقْرٍ صَحِبَا

لا الْفَرْعِ إِن يَبْلُغْ ولا مُكْتَسِبَا)

[وجوب النفقة بملك النكاح]

يجب للزوجة كل يوم مدان على الموسر، ومد على المعسر، ومد ونصف على المتوسط واحتج الأصحاب لأصل التفاوت بقوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الآية، واعتبروا النفقة بالكفارة بجامع أن كلاً منهما مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة، وأكثر ما وجب في الكفارة لكل مسكين مدان في كفارة الأذى في الحج، وأقل ما وجب فيها لكل مسكين مد، وذلك في كفارة اليمين والظهار وجماع رمضان فأوجبوا على الموسر الأكثر، وعلى المعسر الأقل، وعلى المتوسط ما بينهما كما تقدم، تستوي في ذلك الزوجة المسلمة والذمية والحرة

ص: 838

والأمة، ولا تعتبر حال الزوجة في شرفها وغيره، ولا يعتبر كفايتها كنفقة القريب؛ لأنها تستحقها أيام مرضها وشبعها.

والمد: رطل وثلث بغدادي؛ وهو مئة وأحد وسبعون درهماً وثلاثة أسباع درهم؛ بناء على الأصح: أن رطل بغداد مئة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم.

ومسكين الزكاة معسر، ومن فوقه: إن كان لو كُلف مُدَّين رجع مسكيناً .. فمتوسط، وإلا .. فموسر، ويختلف ذلك بالرخص والغلاء، والرقيق ليس عليه إلا نفقة المعسر، وكذا المكاتب وحر البعض وإن كثر مالهما؛ لضعف ملك المكاتب ونقص حال الآخر.

[شرط وجوب النفقة للزوجة]

قوله: (إن مكنت) أي: إنما تجب للزوجة نفقتها وكسوتها ونحوهما بتمكين زوجها من نفسها، وذلك بأن تعرض نفسها عليه ولو بأن تبعث إليه:(إني مُسَلَّمَةً نفسي إليك) ، والمعتبر في عرض المراهقة والمجنونة عرض الولي.

نعم لو سلمت المراهقة نفسها إلى الزوج بغير إذن وليها فَتَسَلَّمَها .. كفى لحصول التمكين، وكذا لو سلمت البالغة العاقلة نفسها إلى المراهق بغير إذن وليه، بخلاف تسليم المبيع للمراهق؛ لأن القصد هناك أن تصير اليد للمشتري، وهي للولي فيما اشتراه للمراهق لا له.

وإنما لم تجب المؤنة بالعقد كالمهر؛ لأن العقد لا يوجب عوضين مختلفين، ولأن جملتها في مدة العقد مجهولة، والعقد لا يوجب مجهولا.

فلو اختلفا في التمكين .. صدق بيمينه؛ لأن الأصل عدمه، ولو اتفقا عليه وادعى النشوز، أو أداء مؤنة المدة الماضية .. صدقت بيمينها لذلك.

ولو امتنعت من التمكين في ابتداء الأمر ليسلمها المهر الحال فقالت: (سلم المهر

لأمكن) .. فلها النفقة من حينئذ.

وشمل كلامه: الرتقاء والقرناء والمفضاة، والمريضة التي لا تحتمل الوطاء، والمجنونة فتجب لها المؤنة؛ لأنها معذورة في ذلك، وقد حصل التسليم الممكن، ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه، بخلاف من عصت؛ لخروجها عن قبضة الزوج، وفوات التمتع بالكلية، وما لو كان الزوج صغيراً لا يمكن وطؤه والزوجة كبيرة فتجب مؤنتها؛ إذ لا منع من جهتها، فأشبه ما لو سلمت نفسها إلى كبير فهرب، لا إن كانت صغيرة لا تحتمل؛ لتعذره لمعنى فيها كالناشزة.

ص: 839

وتسقط النفقة ونحوها بالنشوز؛ وهو الخروج عن طاعة الزوج ولو بمنع لمس بلا عذر؟ فتسقط النفقة كل يوم بالنشوز بلا عذر ولو في بعضه، وكسوة الفصل بالنشوز فيه، ونشوز المجنونة والمراهقة كالبالغة العاقلة، وخروجها من بيته بلا إذن منه نشوز؛ لأن له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة ونحوها إلا لعذر.

وسفرها بإذنه معه أو لحاجته لا يسقط، ولحاجتها كحج وعمرة تسقط في الأظهر؛ لانتفاء التمكين، ولو سافرت معه بغير إذنه .. لم تسقط.

نعم؛ إن منعها من الخروج فخرجت، ولم يقدر على ردها .. سقطت نفقتها ونحوها؟ قاله البلقيني تفقهاً، وهو ظاهر.

وقضية كلامهم: أنها لو سافرت بإذنه لحاجتهما معاً وحدها .. لم تسقط، قال الزركشي وابن العراقي: وهو قضية المرجح في (الأيمان) من عدم الحنث فيما إذا قال لزوجته: (إن خرجت لغير الحمام .. فأنت طالق) ، فخرجت لها ولغيرها، وقال ابن العماد: وينبغي سقوطها؛ أخذاً مما رجحوه من عدم وجوب المتعة فيما إذا ارتدا معاً قبل الوطاء، قال: وهو ظاهر؛ لأنه قد اجتمع فيه المقتضي والمانع فقدم المانع، وما قالاه أوجه؛ لاتحاد الفعل وهو الخروج للحاجتين في مسألتنا مع ما احتجَّا به، بخلافه فيها مع ما احتج هو به، على أن ما احتج به لا ينافي عدم سقوطها؛ لأن الأصل عدم وجوب المتعة حتى يوجد المقتضي لوجوبها خالياً من المانع ولم يوجد، والأصل هنا بعد التمكين: عدم سقوط النفقة حتى يوجد المقتضي لسقوطها خالياً من المانع، ولم يوجد؛ إذ المقتضي لسقوطها فيما نحن فيه سفرها لحاجتها فقط.

ولو خرجت في غيبته لزيارة لأهلها أو نحوها كعيادتهم .. لم تسقط.

ويمنعها الزوج صوم نفل مطلق؛ كالإثنين والخميس، ومن صوم مطلق النذر، ومن معين نذرته في نكاحه بلا إذنه، ومن قضاء موسع، ومن صوم الكفارة، وله قطعه إن شرعت فيه، فإن منعها ففعلته .. فناشزة؛ لامتناعها من التمكين بما فعلته، وليس له منعها من صوم عرفة وعاشوراء، ولا من تعجيل مكتوبة أول وقتها؛ لتحوز فضيلة أول الوقت، ولا من فعل سنن راتبة؛ لتأكدها وإن كان له المنع من تطويلها.

ص: 840

ويعتبر اليسار وغيره بطلوع الفجر؛ لأنه الوقت الذي يجب فيه التسليم، فالموسر حينئذ عليه نفقة اليسار ولو أعسر في أثناء النهار، والمعسر بعكسه.

[جنس النفقة الواجبة]

والواجب: الحَبُ السليم من العيب من غالب قوت أهل البلد، فإن اختلف قوت أهل البلد ولا غالب .. وجب لائق بالزوج، وتجب عليه مؤنة طحن الحب الواجب وخبزه؛ للحاجة إليهما.

ولو طلب أحدهما بدل الحب من خبز أو غيره .. لم يجبر الممتنع منهما، فلا يجوز على المذهب، أما الجواز في غيرهما؛ كالدراهم والدنانير والثياب .. فلأنه اعتياض عن طعام مستقر في الذمة لمعين؛ كالاعتباض عن الطعام المغصوب المتلف، وأما المنع في الدقيق والخبز .. فلانه ربا.

ولو أكلت معه كالعادة .. سقطت نفقتها في الأصح إن كانت رشيدة، أو غير رشيدة وأذن وليها فى أكلها معه؛ لاكتفاء الزوجات به في الأعصار وجريان الناس عليه فيها، فإن كانت غير رشيدة؛ ولم يأذن وليها في أكلها معه .. لم تسقط عنه.

قوله: (والأدم واللحم كعادة البلد) أي: يجب لها أدم من أدم غالب البلد؛ كزيت وسمن وجبن وتمر وخل، ويختلف بالفصول، فيجب في كل فصل ما يناسبه، ويقدره قاض باجتهاده، ويفاوت في قدره بين موسر وغيره، فينظر ما يحتاج إليه المد فيفرضه على المعسر، وضعفه على الموسر، وما بينهما على المتوسط، ويجب لها لحم يليق بيساره وإعساره كعادة البلد.

قال الشيخان: ويشبه أن يقال: لا يجب الأدم في يوم اللحم، ولم يتعرضوا له، ويحتمل أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم .. يلزمه الأدم أيضاً؛ ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء على العادة.

ولو كانت تأكل الخبز وحده .. وجب الأدم ولا نظر إلى عادتها، والأصل في وجوبه: قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وليس من المعاشرة بالمعروف تكليفها الصبر على الخبز وحده.

ص: 841

[وجوب إخدام الزوجة الرفيعة القدر]

قوله: (ويخدم الرفيعة القدر أحد) يعني: أنه يجب على الزوج أن يُخدم الرفيعة القدر؛ بأن كانت حرة لا يليق بها خدمة نفسها واحداً ولو كان الزوج معسراً، أو رقيقاً؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف، والاعتبار في استحقاقها الخدمة بحالها في بيت أهلها؛ كما أشار إليه الناظم بقوله:(الرفيعة القدر).

ويحصل بحرة أو أمة، قال في «أصل الروضة»: أو محرم لها أو صبي؛ أي: غير مراهق، وفي مملوكها وشيخ هم وذمية خلاف.

قال الإسنوي: وفي معنى محرمها: الممسوح، والراجح في مملوكها: الجواز، بخلاف الشيخ والذمية.

وليس له أن يخدمها بنفسه في الأصح؛ لأنها تستحي منه وتتعير بذلك سواء في ذلك ما يستحيا منه؛ كصب الماء عليها، وحمله إليها للمستحم أو للشرب ونحو ذلك، وما لا يستحيا منه؛ كالكنس والطبخ والغسل.

والإخدام بمن ذكر يكون بأجرة أو إنفاق، فإن أخدم بأجرة .. فليس عليه غيرها، أو بإنفاق: فإن كانت الخادمة أمته .. أنفق عليها بالملك، أو غيرها .. أنفق عليها المعسر والمتوسط مداً، والموسر مداً وثلثاً اعتباراً فيه وفي المتوسط بثلثي نفقة المخدومة، واعتبر في المعسر مد وإن كان فيه تسوية بين الخادمة والمخدومة؛ لأن النفس لا تقوم بدونه غالباً، وقد عرف أن جنس طعامها جنس طعام الزوجة، ويجب لها أدم؛ لأن العيش لا يتم بدونه، ويكون من جنس أدم المخدومة ودونه نوعاً كما في الكسوة، وقدره بحسب الطعام، وفي وجوب اللحم لها وجهان.

قال الرافعي: وتملك الزوجة نفقة أمتها الخادمة كنفقة نفسها، وفي الحرة الخادمة يجوز أن يقال: تملكها الزوجة لتدفعها للخادمة، وعليه: لها أن تتصرف في المأخوذ وتكفى مؤنة الخادمة.

وعلم من قول الناظم: (أحد) بمعنى واحد: أنه لا يلزمه الزيادة على خادم واحد؛

لحصول الكفاية به غالباً، ولا ضبط للزيادة.

ص: 842

نعم؛ إن كان بالزوجة مرض أو زمانة .. فيزيد بحسب الحاجة.

وخرج بـ (الحرة): الرقيقة؛ فلا إخدام لها وإن كانت جميلة يخدم مثلها، وبـ (من لا يليق بها خدمة نفسها) أي: في بيت أبويها مثلاً لمنصبها: من لم تخدم إذ ذاك، وإن صارت تخدم في بيت زوجها، والمراد: عادة مثلها في ذلك

نعم؛ إن احتاجتا للخدمة لمرض أو زمانة .. وجب إخدامهما.

ويجب لمن تخدم بالنفقة كسوة تليق بحالها؛ من قميص ومقنعة وخف وملحفة؛ لحاجتها إلى الخروج، وجبة في الشتاء لا سراويل عند الجمهور، ويجب ما تفرشه وما تتغطى به كقطعة لبد، وكساء فى الشتاء، وبارية فى الصيف ومخدة، ويكون ذلك دون ما يجب للمخدومة جنساً ونوعاً لا آلة تنظف؛ لأن اللائق بها أن تكون شعثة؛ لئلا تمتد إليها الأعين، فإن كثر وسخ وتأذت بقمل .. وجب ترفه بما يزيل ذلك؛ من مشط ودهن وغيرهما.

[وجوب الكسوة على الزوج]

ويجب على الزوج في أول كل من فصلي الصيف والشتاء كسوة زوجته؛ قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] على قدر كفايتها، ويختلف ذلك بطولها وقصرها وهزالها وسمنها، وباختلاف البلاد في الحر والبرد، ولا يختلف عدد الكسوة بيسار الزوج وإعساره، ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة، فيجب قميص ولباس؛ أي: سراويل أو نحوه بحسب عادتها، وخمار للرأس، ومداس بفتح الميم وحكي كسرها وهو ما يسمى بـ (السرموزة) ، أو نحوه في الصيف يقي قدمها من شدة الحر.

قال ابن الرفعة: وكذلك القبقاب في الشتاء إن اقتضاه العرف.

قال الماوردي: إلا إذا كانت من نساء قرية اعتدن المشي في بيوتهن حفاة .. فلا يجب لرجليها شيء.

ويجب مثله؛ أي: مثل هذا مع جبة محشوة بالقطن مخيطة، أو نحوها في فصل الشتاء؛ لحصول الكفاية بذلك، فإن لم تكف لشدة برد .. زيد عليها بقدر الحاجة، وجنس الكسوة قطن؛ ويكون لزوجة الموسر من لينه، ولزوجة المعسر من غليظه، ولزوجة المتوسط مما بينهما.

فإن جرت عادة بلد الزوج لمثله بكتان أو حرير .. وجب في الأصح، ويفاوت بين الموسر

ص: 843

وغيره في مراتب ذلك الجنس، وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله:(واعتبر العادة جنساً ثبتا وحاله في لينها) أي: حال الزوج في يساره وغيره في لين الكسوة وخشونتها، وغليظ القطن والكتان ورفيعهما.

ويجب لها ما تقعد عليه، فلزوجة الموسر طنفسة في الشتاء ونطع في الصيف، ولزوجة المتوسط زلية، ولزوجة المعسر لبد في الشتاء وحصير في الصيف.

قال الشيخان: ويشبه أن تكون الطنفسة والنطع بعد بسط زلية أو حصير للعادة، وكذا فراش للنوم في الأصح، فتجب مضربة وثيرة أو قطيفة ومخدة ولحاف، أو نحوه في الشتاء في البلاد -. الباردة"، وذكر الغزالي: الملحفة في الصيف"، وسكت غيره عنها.

والحكم في جميع ذلك مبني على العادة نوعاً وكيفية، حتى قال الروياني: لو لم يعتادوا لنومهم في الصيف غطاء غير لباسهم .. لم يلزمه شيء آخر، وليكن ما يلزم من ذلك لامرأة الموسر من المرتفع، ولامرأة المعسر من النازل، ولامرأة المتوسط مما بينهما. ويجب لها عليه آلة تنظيف؛ كمشط ودهن من زيت أو نحوه، ومرتك أو نحوه؛ لدفع صنان إذا لم ينقطع بالماء والتراب، لا كحل وخضاب وما يزين، فإن أراد الزينة به .. هيأه لها تتزين به.

ودواء مرض وأجر طبيب وحاجم وفاصد، ولها طعام أيام المرض وأدمها، وصرف ذلك إلى الدواء ونحوه.

والأصح: وجوب أجرة حمام بحسب العادة، فإن كانت المرأة لا تعتاد دخوله .. فلا يجب، ووجوب ثمن ماء غسل جماع ونفاس، لا حيض واحتلام، والفرق: أن الحاجة إليه في الأول من قبل الزوج بخلافها في الثاني، ويقاس بذلك ماء الوضوء.

ويجب لها آلة أكل وشرب وطبخ؛ كقدر وقصعة وكوز وجرة ومغرفة ونحوها.

ويجب لها عليه تهيئة مسكن يليق بها عادة من دار أو حجرة أو غيرهما، ولا يشترط كونه ملكه، فيجوز كونه مستأجراً او مستعاراً.

وما يستهلك كطعام وأدم ودهن تمليك كالكفارة، وتتصرف فيه بالبيع وغيره؛ لملكها له، فلو قترت بما يضرها.، منعها من ذلك، وكذا ما دام نفعه ككسوة وظروف طعام ومشط.

ص: 844

والمسكن والخادم إمتاع لا تمليك وقد تقدم أنها تعطى الكسوة أول شتاء وصيف من كل سنة، وما يبقى سنة فأكثر؛ كالفرش وجبة الحرير .. يجدد وقت تجديده على العادة، وإن تلفت فيه ولو بلا تقصير .. لم تبدل، وإن ماتت فيه.، لم ترد، ولو لم ينفق أو لم يكس مدة،. فدين.

[فسخ النكاح بإعسار الزوج بالنفقة]

قوله: (وقررا

) إلى قوله: (بالمهر) أي: إذا أعسر الزوج – بأن ثبت إعساره عند قاض بإقرار أو بينة ولو بغيبة ماله بمسافة القصر، أو بكونه مؤجلاً بقدر مدة إحضاره منها، أو حالاً على معسر - عن قوت زوجته الواجب على المعسر، أو عن كسوتها كذلك، أو عن مسكن يليق بها، أو عن مهرها المسمى أو المفروض، أو مهر المثل قبل وطئها .. أمهله القاضي ثلاثة أيام وإن لم يستمهله؛ ليتحقق عجزه، فإنه قد يعجز لعارض ثم يزول، وهي مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره، ثم في صبيحة اليوم الرابع يفسخ القاضي نكاحه بطلبها، أو يمكنها من فسخه؛ لخبر البيهقي بإسناد صحيح: أن سعيد بن المسيب سئل عن رجل لا يجد ما ينفق على أهله، فقال: يفرق بينهما، فقيل له: سُتّة؟ فقال: نعم سُنّة، قال الشافعي: ويشبه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها إذا فسخت بالجب والعنة .. فلأن تفسخ بعجزه عما عدا المهر أولى؛ لأن الصبر عن التمتع أسهل من الصبر عن النفقة ونحوها، وأما فسخها بعجزه عن المهر .. فكما في عجز المشتري عن الثمن، والفسخ بذلك لا ينقص عدد الطلاق؛ لأن العجز عما ذكر عيب كالعنة ..

قال الإمام: ولا حاجة إلى إيقاعه في مجلس الحكم؛ لأن الذي يتعلق بمجلس الحكم

إثبات حق الفسخ.

واحترز الناظم بقوله: (إن أعسرا) عن القادر على ما ذكر ولو بالكسب، أو كان يجد بالغداة غداءها وبالعشي عشاءها، حتى لو امتنع من أداء الواجب عليه .. فلا فسخ؛ لانتفاء العجز المثبت له، متمكنة من تحصيل حقها بالمحاكم، أو يدها إن قدرت، وعما لو غاب موسراً، أو لم يعلم حاله .. فلا فسخ، بل يبعث حاكم بلدها إلى حاكم بلده ليطالبه إن علم.

ص: 845

موضعه، ومتى ثبت عجزه .. جاز الفسخ ولا يتوقف على بعث.

ولا فسخ بعجزه عن نفقة الموسرين والمتوسطين وكسوتهم؛ لأن واجبه الآن واجب المعسرين، ولا بعجزه عن ذلك للزمن الماضي؛ لتنزيله منزلة دين آخر.

واحترز الناظم بقوله: (قبل وطئها) عن إعساره بالمهر بعد وطئها فلا فسخ به؛ لتلف المعوض، بخلاف ما قبله، وهذا كبقاء المبيع بيد المفلس وتلفه، ولأن تمكينها قبل أخذ مهرها يدل على رضاها بذمته، وإذا لم يكن لها الامتناع بعد تسليم نفسها .. فلأن لا يكون لها الفسخ بعد ذلك أولى.

قال بعضهم: ومحل الفسخ بالإعسار بالمهر قبل الوطء: إذا لم تقبض شيئاً منه، أما إذا قبضت بعضه كما هو الغالب، وأعسر بالباقي .. فلا فسخ لها به؛ لأنه استقر له من البضع بقسطه، فلو فسخت .. لعاد لها البضع بكماله؛ لتعذر الشركة فيه فيؤدي إلى الفسخ فيما استقر للزوج، بخلاف نظيره من الفسخ بالفلس؛ لإمكان الشركة في المبيع، قاله ابن الصلاح في «فتاويه» ، وجزم به ابن الرفعة في (كتاب التفليس) من «مطلبه» ، واعتمده الإسنوي في «المهمات» ، وخالفه البارزي، وكذا الأذرعي ناقلاً عن الجوري التصريح بالخيار، وهو قضية كلامهم؛ لصدق العجز عن المهر بالعجز عن بعضه. وبإعساره عن المذكورات: إعساره بالأدم فلا فسخ به؛ لأنه تابع والنفس تقوم بدونه، وكذا إعساره بمؤن الخادم؛ لأنه ليس ضرورياً، ويثبتان في الذمة.

وبقوله: (لها) عن وليها وسيدها؛ فلا حق لهما في الفسخ، نعم؛ للسيد حق الفسخ بالمهر؛ لأنه محض حقه.

وعلم من قوله: (بالقاضي) أنه لا بد مع ثبوت إعساره من الرفع إلى القاضي كما في العنة؛ لأنه محل اجتهاد فلا تستقل به الزوجة، فلو استقلت به .. لم ينفذ ظاهراً، وفي نفوذه باطناً وجهان حكاهما الشيخان، ثم قالا: قال في «البسيط» : ولعل هذا حيث كان هناك حاكم أو محكم، وإلا .. فالوجه استقلالها.

قال الإسنوي: والراجح من الوجهين: عدم النفوذ، ففي «النهاية»: أنه الذي يقتضيه كلام الأئمة.

ص: 846

قال الزركشي: ولو عجز عن الأواني والفرش .. فالمتجه: ما جزم به المتولي أنه لا فسخ، أو عن بعض الكسوة .. فقد أطلق الفارقي: أن لها الفسخ.

والمختار: ما أفتى به ابن الصلاح أنه إن كان المعجوز عنه مما لا بد منه؛ كالقميص والخمار وجبة الشتاء .. فلها الفسخ، أو مما منه بد كالسراويل والنعل .. فلا.

ولو سلم الزوج نفقة اليوم الرابع .. فلا فسخ؛ لتبين زوال العارض الذي كان الفسخ لأجله، وليس لها أن تقول:(آخذ هذا عن نفقة بعض الأيام الثلاثة، وأفسخ لعجزه اليوم) لأن العبرة في الأداء بقصد المؤدي، فلو سلمها لها عما مضى .. فظاهر كلامهم: أن لها الفسخ، قال الأذرعي: وهو المتبادر، ورجح ابن الرفعة عكسه، وللرافعي في ذلك احتمالان.

ولو سلمها عن الرابع وعجز عنها في الخامس أو السادس .. جاز الفسخ في الخامس أو السادس، ولا تستأنف المدة؛ لتضررها، ولو مضى يومان وأنفق الثالث وعجز الرابع .. بنت على اليومين، وفسخت صبيحة الخامس.

ولو عجز في يوم وقدر في الثاني، وعجز في الثالث وقدر في الرابع .. لفقت أيام العجز، فإذا تمت مدة المهلة .. كان لها الفسخ، ولها الخروج زمن المهلة؛ لتحصيل النفقة بكسب أو سؤال، وليس له منعها من ذلك؛ لانتفاء الإنفاق المقابل لحبسها، ويلزمها الرجوع ليلاً؛ لأنه وقت الدعة.

قال الروياني: وليس لها منعه من التمتع بها، وقال البغوي: لها منعه، قال الشيخان: ولا نفقة لزمن الامتناع، وبه جزم صاحب «الأنوار» وقال الإسنوي: وهو أقرب ما قاله الروياني من عدم المنع محله في الليل؛ كما أشعر به سياق كلام الرافعي، وصرح به الروياني في «البحر» والماوردي في «الحاوي» . وما قاله البغوي .. مردود؛ فإنه أطلق عدم وجوب الملازمة والتمكين، ولم يخص الليل، فلا منافاة بين الكلامين، فيترجح كلام الروياني والماوردي. انتهى.

ص: 847

ولو رضيت بإعساره العارض، أو نكحته عالمة بإعساره .. فلها الفسخ بعده؛ لأن الضرر يتجدد، ولا أثر لقولها:(رضيت بإعساره أبداً) ، فإنه وعد لا يلزم الوفاء به.

ولو رضيت بإعساره بالمهر، أو نكحته عالمة بإعساره به .. فلا فسخ لها به؛ لأن الضرر لا يتجدد.

[وجوب النفقة بقرابة البعضية]

قوله: (وافرض كفاية

) إلى آخره أي: وافرض على الموسر بفاضل عن مؤنته ومؤنة عياله في يومه وليلته كفاية لأصله، أو فرعه الفقير؛ أي: الحر من نفقة وأدم، وكسوة وسكنى، ومؤنة خادم إن احتاج إليه، وأجرة طبيب، وثمن أدوية وغيرها؛ إذ الواجب الكفاية وهي غير مقدرة؛ لأنها تجب على سبيل المواساة لدفع الحاجة، فيعتبر حاله في السن والرغبة والزهادة.

والأصل في وجوب نفقة الفرع: قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] إذ إيجاب الأجرة لإرضاع الأولاد يقتضي إيجاب مؤنهم، وقوله صلى الله عليه وسلم الهند:(خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» رواه الشيخان، وفي لزوم نفقة الأصل: قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، وخبر: «أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وولده من كسبه، فكلوا من أموالهم) رواه الترمذي وحسنه.

والقياس على الفرع بجامع البعضية، بل هو أولى؛ لأن حرمة الأصل أعظم من حرمة الفرع، وهو بالتعهد والخدمة أليق، واعتبروا في وجوب كفايتهما أن يكون فاضلاً عما ذكر؛ لأنها شرعت على سبيل المواساة، ومن لم يفضل عنه شيء .. ليس من أهلها، بخلاف من فضل عنه، سواء أفضل بالكسب أم بغيره حتى يلزم الكسوب كسبها؛ كما يلزمه كسب نفقة نفسه، ويباع فيها ما يباع في الدين من عقار وغيره؛ لشبهها به، وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة، والثاني: لا يفعل ذلك؛ لأنه يشق، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له، قال البلقيني: رجح النووي في نظيرها من مسألة العبد: الثاني؛ فليرجح هنا، ولا تجب لمالك كفايته ولا مكتسبها، وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمناً أو صغيراً أو مجنوناً، وإلا .. فتجب لأصل لا لفرع؛ لعظم حرمة الأصل، ولأن

ص: 848

فرعه مأمور بمصاحبته بالمعروف، وليس منها تكليفه الكسب.

وخرج ب (أصله وفرعه الحرين): أصله وفرعه الرقيقان ولو مكاتبين وإخوته وأخواته ونحوهم؛ لأنهم ليسوا في معنى المنصوص عليه، فإن كانا مبعضين .. لزمه نفقتهما بقدر حريتهما، أو هو مبعضاً .. ففي «أصل الروضة» عن «البسيط»: الظاهر: أنه تلزمه نفقتهما، وصحح فيها من زيادته: لزوم نفقة تامة، وتسقط بفواتها.

فلو استغنى في بعض الأيام بضيافة أو غيرها .. لم تجب، ولو تلفت في يده .. وجب الإبدال، وكذا لو أتلفها بنفسه، لكن يؤخذ منه بدلها إذا أيسر، وتصير ديناً بإذن قاض في اقتراضها لغيبة أو منع.

ويلزم الأم إرضاع ولدها اللبأ بالهمز من غير مد؛ لأنه لا يعيش غالباً إلا به، وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة، ثم بعده إن لم توجد إلا هي أو أجنبية .. وجب عليها إرضاعه إبقاء له، وإن وجدتا .. لم تجبر الأم على الإرضاع، سواء أكانت في نكاح أبيه أم لا؛ لقوله تعالى:{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6].

فإن رغبت في الإرضاع وهي منكوحة أبيه .. فليس له منعها منه في الأصح؛ لأنها أشفق على ولدها من الأجنبية، ولبنها له أصلح وأوفق، فإن اتفقا على إرضاعه وطلبت أجرة مثل .. أجيبت، أو فوقها، أو تبرعت به أجنبية، أو رضيت بأقل من أجرة مثل .. فلا تجاب إلى ذلك؛ لقوله:{وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233].

ومن استوى فرعاه في القرب والإرث أو عدمهما .. أنفقا بالسوية بينهما وإن تفاوتا في اليسار؛ كابنين أو بنتين، وكابني ابن أو بنت، وإن اختلفا فيما ذكر؛ بأن كان أحدهما أقرب والآخر وارثاً .. لزمت أقربهما على الأصح؛ لأن القرب أولى بالاعتبار من الإرث، فإن استوى قربهما .. لزمت الوارث في الأصح؛ لقوة قرابته، والوارثان يستويان أم يوزع بحسب الإرث؟ وجهان: أرجحهما: ثانيهما؛ لإشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرابة.

ومن له أبوان .. فعلى الأب كفايته صغيراً كان أو بالغاً، أما الصغير .. فلقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، وأما البالغ .. فبالاستصحاب، أو أجداد وجدات .. لزمت الأقرب منهم وإن لم يُذل بعضهم ببعض.

ص: 849

ومن له أصل وفرع .. لزمت الفرع على الأصح وإن بعد؛ لأنه أولى بالقيام بشأن أصله لعظم حرمته، أو له محتاجون ولم يقدر على كفايتهم .. قدم زوجته؛ لأن نفقتها آكد، ثم الأقرب فالأقرب.

[وجوب نفقة الدواب]

قوله: (لدابة

) إلى آخره؛ أي: تجب على مالك الدابة كفايتها بعلفها وسقيها؛ لحرمة الروح، ولخبر «الصحيحين»: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " بفتح الخاء وكسرها؛ أي: هوامها، ويقوم مقامهما تخليتها لترعى وترد الماء إن ألفت ذلك.

فإن امتنع .. أجبر في المأكولة على إزالة ملك أو علف أو ذبح، وفي غيرها على إزالة ملك أو علف؛ صوناً لها عن التلف، فإن لم يفعل ذلك .. ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها.

[لا وجوب النفقة بملك اليمين]

كما يجب للرقيق ولو آبقاً وزمناً، وأم ولد ومرهوناً، ومستأجراً ومعاراً على مالكه كفايته من نفقة وكسوة وسائر المؤن بحسب العرف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق» ، وقو له: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عن مملوكه قوته " رواهما مسلم، وقيس بما فيهما ما في معناهما.

ويستثنى المكاتب ولو فاسد الكتابة، فلا تجب نفقته على سيده؛ لاستقلاله بالكسب،

ولهذا تلزمه نفقة أرقائه، وكذا تستثنى الأمة المزوجة إذا وجبت نفقتها على زوجها.

ويؤخذ من تعبير الناظم بـ (الكفاية): أنها تسقط بمضي الزمان.

وتجب كفايته من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم؛ من الحنطة والشعير والزيت والسمن، والقطن والكتان والصوف وغيرها؛ لخبر الشافعي رضي الله تعالى عنه:«للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف» قال: والمعروف عندنا: المعروف لمثله ببلده.

ص: 850

ويراعي حال السيد والإعسار، فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسة، فلو كان يستعمل دون اللائق به المعتاد غالبا؛ بخلا أو رياضة، أو فوقه تنعما ..

لزمه رعاية الغالب للرقيق، ولا يلزمه أن يسويه بنفسه إذا اختلفت عادتهما.

ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم؛ للأمر بذلك في "الصحيحين" المحمول على الاستجباب، ويستحب أن يسوي بين العبيد في الطعام والكسوة، وكذا بين الإماء، وأن يفضل الجميلة.

فإن امتنع من الإنفاق على رقيقه .. باع الحاكم ماله في نفقته، فإن لم يكن .. أمره ببيعه أو إجارته أو إعتاقه، فإن أبي .. باعه الحاكم، أو أجره بحسب المصلحة، وهل يبيعه شيئا فشيئا، أو يستدين عليه إلى أن يجتمع شئ صالح يبيع ما يفي به؟ وجهان، أصحهما: الثاني.

ولا يجوز للمالك أن يكلف الدابة والرقيق من العمل ما لا يطيقه؛ لخبر مسلم السابق.

قال الرافعي في "شرحيه ": ولا يكلفه الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات، زاد في "الكبير": ولا ما إذا قام به يوما أو يومين .. عجز وضعف شهرا أو شهرين. انتهي.

ولا يخفي أن ما دون الشهر كذلك، وإذا سافر به .. لا يكلفه المشي إلا أن يكون قريبا، وإن استعمله نهارا .. أرحه ليلا، وكذا بالعكس، ويريحه في الصيف بالقيلولة، ويستعمله في الشتاء النهار مع طرفيه، ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة، وعلى المملوك بذلك المجهود وترك الكسل.

وتجوز المخارجة برضاهما؛ وهي ضرب خراج معلوم عليه يؤديه كل يوم، أو أسبوع من كسبه، وليكن له كسب مباح دائم يفي بذلك؛ فاضلا عن نفته وكسوته إن جعلها في كسبه، فإن زاد كسبه على ذلك .. فالزيادة بر وتوسيع وهي جائزة، فلكل منهما نقضها.

وللسيد إجبار أمته على إرضاع ولدها منه، أو غيره؛ ولا يكره تركها إلا إذا أدي إلى الخراب.

ص: 851

فيكره، ويكره ترك سقي الزرع والشجر عند الإمكان؛ حذرا من إضاعة لمال.

والألف في قول الناظم: (ثبتا) و (أعسرا) و (صحبا) للإطلاق، وفي قوله:(وقررا) بدل من نون التوكيد إن بني للفاعل، وإلا .. فللإطلاق.

قوله: (أو فرع) بدرج الهمزة، ويجوز جعل ألف (صحبا) للتثنية عائدا على الأصل والفرع.

قوله: (ولا يكلفا) بحذف نون الرفع لغير ناصب ولا جازم وهو لغة.

* * *

ص: 852