المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب البيوع يطلق البيع على أمرين: أحدهما: قسيم الشراء، وهو الذي يشتق - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌كتاب البيوع يطلق البيع على أمرين: أحدهما: قسيم الشراء، وهو الذي يشتق

‌كتاب البيوع

يطلق البيع على أمرين:

أحدهما: قسيم الشراء، وهو الذي يشتق منه لمن صدر عنه لفظ البائع، وحده: نقل ملك بثمن على وجه مخصوص، والشراء: قبول ذلك، على أن لفظ كل منهما يطلق على الآخر، تقول العرب:(بعت) بمعنى) (شريت) وبالعكس، ويقال لكل من المتابعين: بائع وبيع، ومشتر وشار.

وثانيهما: العقد المركب من الإيجاب والقبول، وهو مرادهم بالترجمة، وهو لغة: مقابلة شيء بشيء، وشرعاً: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص. والأصل فيه قبل الإجماع: آيات؛ كقوله تعالى: {وأحل الله البيع} . وأركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة، وبدأ بها؛ لأنها أهم للخلاف فيها فقال:

[صيغة البيع والشراء]

(وإنما يصح بالإيجاب

وبقبوله أو استيجاب)

أي: وإنما يصح البيع بالإيجاب من البائع؛ وهو ما دل على التمليك بثمن دلالة ظاهرة؛ كـ (بعتك) ، و (ملكتك) ، و (شريتك) ، و (هذا مبيع منك) ، أو (أنا بائعه لك بكذا)، وبقبوله؛ أي: ذلك الإيجاب؛ وهو ما دل على التملك بذلك الثمن دلالة ظاهرة؛ كـ (قبلت) و (تملكت) ، و (اشتريت)، و (ابتعت) قال تعالى:{يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما البيع عن تراض" رواه ابن حبان وصححه، وأنيط البيع بالرضا وهو أمر خفي؛ لأنه ميل النفس فاعتبر لفظ يدل عليه، أو استيجاب كـ (بعني) ، والبيع الضمني ينعقد بهذا الصيغة تقديراً؛ كـ (أعتق عبدك عني بكذا) ففعل؛ فإنه يعتق عن الطالب ويلزمه العوض، فكأنه قال:(بعينه بكذا، وأعتقه عني) وقد أجابه؛ أي: أو استقبال؛ كـ (اشتر

ص: 556

مني) وقبول؛ لأنه استدعاء جازم فقال الأول مقام القبول، والثاني مقام الإيجاب، فلا ينعقد البيع بصيغة الاستفهام ولو مقدراً، ولا بالمعاطاة ولو في المحقرات، والمأخوذ بها كالمأخوذ ببيع فاسد؛ فيطالب كل صاحبه بما دفعه له وببدله إن تلف. ويؤخذ من كلام الناظم: أنه لا يشترط اتفاق لفظ الإيجاب والقبول، وهو كذلك، فلو قال:(ملكتك بكذا)، فقال:(اشتريت) .. صح. ويؤخذ من عطفه القبول بالواو: أنه يجوز تقدم لفظ المشتري على لفظ البائع ولو بلفظ (قبلت) ، وهو كذلك، وأنه لابد من الإيجاب والقبول في بيع تولى الأصل طرفيه؛ كبيعه ماله لفرعه، وهو كذلك، وأنه ينعقد بالكناية مع النية؛ كـ (جعلته لك بكذا) ، أو (سلطتك عليه بكذا) ، وهو كذلك؛ إذ بالكناية مع النية تصح العقود وغيرها ولو لم يقبل التعليق، إلا فيما يجب فيه الإشهاد؛ كالنكاح .. فلا يصح بها وإن توفرت القرائن، وكبيع وكيل شرط عليه الإشهاد إن لم تتوفر القرائن، وإلا .. صح، ومنها الكتابة ولو إلى حاضر لا على المائع والهواء. ويؤخذ من قوله:(وبقبوله) أنه يشترط توافق الإيجاب والقبول في المعنى، وهو كذلك، فلو قال:(بعتك بألف) ، فقبل بألف وخمس مئة .. لم يصح؛ لعدم التوافق، بخلاف ما لو قبل: نصفه بخمس مئة ونصفه بخمس مئة. ويعتد بإشارة الأخرس في العقود والحلول ونحوها، ثم إن فهمها الفطن وغيره .. فصريحة، أو الفطن ونحوه .. فكناية.

ومن شروط العقد:

ألا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول؛ بأن يشعر بإعراضه عن القبول.

وألا يتخلل بينهما كلام أجنبي عن العقد ولو يسيراً؛ بألا يكون من مقتضى العقد، ولا من مصالحه، ولا يكون من مستحباته، فلو قال المشتي:(باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت) .. صح.

وأن يقع الإيجاب بلفظ الخطاب، وأن يسند لجملة المخاطب، فلا يكفي:(بعت يدك) ، ولا (بعت موكلك) ، ولا (بعت نصفك).

نعم؛ لو قال المتوسط للبائع: (بعت هذا بكذا؟ ) فقال: (نعم) أو (بعت) ، ثم قال

ص: 557

للمشتري: (اشتريت هذا بكذا) فقال: (نعم) أو (اشتريت) .. صح البيع على الأصح؛ لوجود الصيغة والتراضي. وأن يقع القبول من المخاطب بالإيجاب، فلو قبل وارثه بعد موته، أو وكيله أو موكله .. لم يصح. وأن يعتبر البادئ على ما أتى به من الإيجاب أو القبول، فلو أوجب بمؤجل أو بشرط الخيار، ثم أسقط الأجل أو الخيار قبل القبول .. لم يصح. وأن يبقيا على أهلية العقد إلى تمامه، فلو جن أحدهما، أو أغمي عليه، أو حجر عليه بسفه قبل تمامه .. لم يصح. وأن يتكلم بحيث يسمعه من بقربه وإن لم يسمعه صاحبه، وإلا .. لم يصح. وعدم التعليق إلا في نحو:(بعتك إن شئت) إذا تقدم الإيجاب. ومسألة اختلاف الوكيل والموكل في شراء الجارية؛ إذا قال له الموكل: (إن كنت أمرتك بعشرين .. فقد بعتكما بها)، وما لو قال:(إن كان ملكي .. فقد بعتكه). وعدم التأقيت، فلو قال:(ملكتك كذا بعشرة عمرك) .. لم يصح.

الركن الثاني: العاقد، ومن شرطه: أن يكون بالغاً، عاقلاً أو زائل العقل بما تعدى به، رشيداً أو سفيهاً مهملاً، مختاراً أو مكروهاً بحق، بصيراً.

[شروط المعقود عليه]

الركن الثالث: المعقود عليه، وله شروط بينها بقوله:

(في طاهر منتفع به، قدر

تسليمه، ملك لذي العقد، نظر)

(إن عينه مع الممر تعلم

أو وصفه وقدر ما في الذمم)

أي: إنما يصح البيع في طاهر؛ أي: أو يطهر بالغسل؛ كثوب تنجس بما لم يستر شيئاً منه، فلا يصح بيع كلب ولو معلماً، وميتة، وخمر، وخنزير، ونحوها؛ لخبر "الصحيحين":(أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب)، وقال: "إن الله حرم بيع

ص: 558

الخمر والميتة والخنزير"، وقيس بها في معناها، ولا بيع ما لا يطهر بالغسل سواء أكان يطهر بالاستحالة كجلد ميتة، أو بالمكاثرة كماء قليل متنجس، أم لم يطهر بذلك كمائع تنجس؛ لأنه في معنى نجس العين، ولأنه لو صح البيع .. لما أمر بإراقة السمن فيما رواه ابن حبان في "صحيحه": أنه صلى الله عليه وسلم قال في الفأرة تقع في السمن: "إن كان جامداً .. فألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان ذائباً .. فأريقوه". وأما القز وفي باطنه الدود الميت .. فهو كالحيوان في باطنه النجاسة فيصح بيعه وزناً وجزافاً؛ كما نقله في "الروضة" عن القاضي، وفي "المجموع" عنه وعن آخرين، وقال في "الكفاية": لا يجوز وزناً. منتفع به حساً وشرعاً في الحال؛ كالماء بالشط، والتراب بالصحراء، والحجر بالجبل، أو في المآل؛ كالجحش الصغير، فلا يصح بيع ما لا ينفع فيه؛ إما لقلته كحبتي حنطة أو زبيب وإن حرم أخذهما ووجب ردهما، وإما لخسته؛ كحدأة ورخمة وغراب وإن كان في أجنحة بعضها نفع، وحشرات لا ينفع فيها، وإن ذكر لها منافع في الخواص؛ لأن ذلك لا يعد مالاً؛ فلا يقابل به؛ لأنه إضاعة مال وقد نهي عنها، وكل سبع لا نفع فيه؛ كالأسد والذئب، وما في اقتناء الملوك لها من الهيبة والسياسة وليس من المنافع المعتبرة. فيصح بيع العلق؛ لامتصاص الدم، وما يؤكل من الحشرات كأم حبين، والضب واليربوع، وكل سبع ينتفع به؛ كالضبع للأكل، والفهد والهرة للصيد، والفيل للقتال، والزرافة للحمل، والقرد للحراسة، والطاووس للأنس بلونه. ويصح بيع العبد الزمن لا الحمار الزمن، ويحرم بيع السم، فإن نفع قليله كالسقمونيا والأفيون .. جاز بيعه. ولا يصح بيع آلات الملاهي والصور ولو كانت ذهباً؛ لأنها مادامت على هيئتها لا يقصد منها سوى الأمر المحرم، وقد حرم صلى الله عليه وسلم بيع الأصنام، رواه الشيخان، ولا بيع النرد إلا إن صلح بيادق للشطرنج. ويصح بيع جارية الغناء، وكبش النطاح، وديك الهراش ولو زاد الثمن لذلك، وبيع آنية

ص: 559

الذهب والفضة؛ لأن المقصود عين النقد، ولأن استعمالها عند الحاجة جائز. مقدور على تسليمه حساً وشرعاً؛ ليوثق بحصول العوض، وليخرج عن بيع الغرر والمنهي عنه في "صحيح مسلم". قال الماوردي: والغرر: ما تردد بين متضادين أغلبهما أخوفهما، وقيل: ما انطوت عنا عاقبته، فلا يصح بيع الضال والآبق والمغصوب؛ للعجز عن تسليمها حالاً، والمعتبر ظهور التعذر لا اليأس، فإن كان البيع ضمنياً؛ كأن قال:(أعتق عبدك عني على كذا) ، فأعتقه .. صح البيع، وكذا إن كان المشتري قادراً على تسلمها؛ نظر إلى وصوله إليها، إلا إن احتاجت قدرته إلى مؤنة، قال في "المطلب": فينبغي البطلان، ويثبت للمشتري الخيار إن جهل أو عجز، ويصدق بيمينه في العجز. ويصح بيع السمك في البركة، والحمام في البرج إذا سهل أخذه، وإلا .. فلا يصح، ولا يصح بيع بعض معين مما تنقص قيمته بفصله؛ للعجز عن تسليمه شرعاً؛ لأن التسليم فيه لا يمكن إلا بالفصل، وفيه نقص وتضييع مال وهو حرام. قال في "المجموع": وطريق من أراد شراء ذراع من ثوب نفيس أن يواطئ صاحبه على شرائه، ثم يقطعه قبل الشراء فيصح بلا خلاف. ولا يصح بيع بعض معين من إناء أو سيف، أو ثوب نفيس أو سفينة، ولا بيع جذع في بناء، وفص في خاتم، وجزء معين من جدار، أو أسطوانة فوقه شيء، أو كان قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما، أو كان لبن أو آجر، ولم تجعل النهاية صفاً. أما بيع بعض شائع، أو معين مما لا ينقص بفصله ككرباس، أو ينقص بتفريقه؛ كفردة خف وجزء من تصنيف، وذراع معين من أرض .. فيصح. ويصح بيع النحل خارج الكوارة إذا الأم في الخلية؛ لأنه لا يقوم إلا بالرعي، وحبسه يفسده بخلاف غيره. ولا يصح بيع المرهون بعد قبضه بغير إذن مرتهنه، ولا الجاني المتعلق برقبته مال قبل قبل اختيار الفداء بغير إذن مستحقه. مملوك لصاحب العقد الواقع؛ وهو العاقد أو موكله أو موليه؛ أي: يكون مملوكاٌ لأحد الثلاثة؛ ليكون للعاقد عليه ولاية؛ فلا يصح بيع الفضولي وسائر تصرفاته؛ لأنه ليس بمالك

ص: 560

ولا وكيل ولا ولي، وقد قال صلى الله عليه:"لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك" رواه أبو داوود بإسناد صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن جزام:"لاتبع ما ليس عندنا" رواه الترمذي وصححه. ولو تصرف في مال مورثه بيع أو نحوه ظاناً حياته وكان ميتاً .. صح، كما لو باع رقيقه ظاناً بقاء كتابته أو إباقه، فبان فاسخاً أو راجعاً. قوله:(نظر) أي: من العاقدين، فلا يصح بيع ما لم يرياه أو أحدهما، وإن وصف بصفة السلم؛ لصحة النهي عن بيع الغرر؛ لأن الرؤية تفيد أموراً تقصر عنها العبارة، وفي الخبر:"ليس الخبر كالعيان"، وأما خبر:"من اشترى ما لم يره .. فهو بالخيار إذا رآه" .. فضعيف؛ كما قاله الدارقطني والبيهقي. وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالباً إذا كان حال العقد ذاكراً للأوصاف، وذلك كالأواني والأراضي والحيوان؛ لأن الأصل بقاء المرئي بحاله، فإن بان متغيراً ولو بقول المشتري .. ثبت له الخيار، بخلاف ما يغلب تغيره من وقت الرؤية إلى العقد؛ كالأطعمة التي يسرع فسادها. وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه؛ كظاهر صبرة الحنطة والشعير، والتمر وإن التصقت حباته، والدقيق وأعلاه السمن والخل، وسائر المائعات في الظروف، وكأنموذج المتماثل بشرط إدخاله في العقد، أو كان صواناً للباقي؛ كقشر الرمان والبيض والخشكنان؛ لأن صلاح باطنه في إبقائه فيه، بخلاف جوز القطن، وجلد الكتاب، والفأرة وفيها المسك، وإن كانت مفتوحة. ولا تكفي رؤية ما في القارورة من رأسها، بخلاف السمك والأرض تحت الماء الصافي؛ إذ به صلاهما. وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به، فتعتبر في الدار: رؤية البيوت والسقوف، والسطوح والجدران، والمستحم والبالوعة، وفي البستان: رؤية الأشجار والجدران ومسايل الماء،

ص: 561

وفي العبد والأمة: ما عدا العورة واللسان والأسنان، وفي الدابة: رؤية مقدمها ومؤخرها، وقوائمها وظهرها، وفي الثوب الصفيق كالديباج المنقش: وجهيه وكذا البساط، وفي الثوب الرقيق كالكرباس: رؤية أحد وجهيه، وفي الكتب والورق: البياض، وفي المصحف: رؤية جميع الأوراق، ويتسامح في كوز الفقاع. قوله:(إن عينه مع الممر تعلم) أي: بأن يعلم العاقدان عينه في المعين، وممره ثمناً كان أو مثمناً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر رواه مسلم، فلو باع أحد عبديه أو صيعانه مبهماً .. لم يصح وإن تساوت قيمتها، وقال:(على أن تختار أيهم) ، أو (أيها شئت). وكذا لو باع داراً محفوفة من كل الجوانب، وشرط للمشتري حق المرور إليها من جانب مبهم؛ لتفاوت الأغراض باختلاف الجوانب، فيفضي إلى المنازعة، فجعل إبهامه كإبهام المبيع، بخلاف ما إذا عينه، أو أثبته له من كل الجوانب، أو أطلق وقال: بعتكها بحقوقها .. فيصح البيع ويتعين في الأولى ما عينه، وله في البقية المرور من كل جانب، فإن كانت الأرض في صورة الإطلاق ملاصقة للشارع، أو لملك المشتري .. لم يستحق المرور في ملك البائع، بل يمر من الشارع، أو ملكه القديم. ولو باع ذراعاً من أرض أو ثوب، وذرعه معلوم لهما .. صح وترك الإشاعة، وإن أراد معيناً .. لم يصح، فإن اختلفا في الإرادة .. صدق المعين، أو غير معلوم .. لم يصح. ويصح بيع صاع من صبرة، فإن علما صيعانها .. ترك على الإشاعة، وإن جهلت .. نزل على صاع مبهم، وله أن يعطيه من أسفلها، ولو لم يبق منها إلا صاع .. تعين، ولو باعه الصبرة إلا صاعاً: فإن علما صيعانها .. صح، وإلا .. فلا. قوله:(أو وصفه وقدر ما في الذمم) أي: بأن العاقدان قدر المبيع ووصفه؛ أي: وجنسه في الذمة ثمناً كان أو مثمناً، فلو قال:(بعتك بملء) أو (ملء ذا البيت حنطة) ، أو (بزنة) أو (زنة هذه الحصاة ذهباً) .. لم يصح؛ للجهل بالقدر، فلو عين العوض؛ كأن قال:(بعتك بملء) أو (ملء ذا البيت من هذه الحنطة) .. صح. ولو باع بألف، أو نقد مطلقاً، وثم نقود لا غالب فيها .. لم يصح؛ لجهالة الجنس في الأولى والوصف في الثانية.

ص: 562

نعم؛ إن تساوت قيمة النقود .. صح البيع وسلم المشتري ما شاء منها. وأفهم كلامه: أن المعين لا يعتبر العلم بقدره وهو كذلك، فيصح بيع المشاهد من غير تقدير كصبرة الطعام، والبيع به كصبرة الدراهم، لكنه يكره؛ لأنه قد يوقع في الندم، فإن علم أن تحتها دكة أو منخفضاً، أو اختلاف أجزاء الظرف .. بطل، وإن جهل .. خير. ولو قال:(بعتك هذه الصبرة) أو (القطيع) ، أو (الأرض) كل صاع، أو شاة أو ذراع بدرهم .. صح، ولا يصح بيع عشر شياه من هذه المئة، بخلاف مثله من الصبرة والأرض. ولو قال:(بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم) ، أو (كل صاع من هذه الصبرة بدرهم) ، أو (بعتك صاعاً من باطنها) .. لم يصح، أو (بعتكها بعشرة دراهم كل صاع بدرهم .. صح) إن خرجا سواء، وإلا .. فلا على الصحيح. وقول الناظم:(تسليمه) منصوب بنزع الخافض، و (الذمم): جمع ذمة؛ وهي لغة: الأمان، واصطلاحاً: النفس؛ إطلاقاً لاسم الحال على المحل. وقد علم مما تقرر: أن شروط المعقود عليه في غير الربوي ستة: طهارته، ونفعه، والقدرة على تسليمه، وكونه مملوكاً لصاحب العقد، ورؤيته، والعلم به، وممن جرى على جعلها ستة البارزي. قال العراقي: والتحقيق: أن اشتراط الرؤية داخل في اشتراط العلم، فإنه لا يحصل بدون الرؤية ولو وصف، فوراء الوصف أمور تقصر عنها العبارة؛ أي: فتكون الشروط خمسة؛ كما في "المنهاج" وغيره، وأورد على حصرها في الخمسة أو الستة: أنها موجودة في حريم الملك مع أنه لا يصح بيعه وحده، وأجيب بأنه: إن أمكن إحداث حريم للملك .. فالوجه الصحة، وإلا. ز فالمنع راجع إلى عدم القدرة على تسليمه؛ كبيع بعض معين من ثوب ينقص بالقطع.

[الربا]

ثم شرع في بيان الربا وهو لغة: الزيادة، وشرعاً: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما، وهو ثلاثة أنواع:

ص: 563

ربا الفضل: وهو زيادة أحد العوضين على الآخر، وربا اليد: وهو البيع مع تأخير قبض أحدهما، وربا النساء: وهو البيع لأجل، وكل منها حرام فقال:

(وشرط بيع النقد بالنقد كما

في بيع مطعوم بما قد طعما)

(تقابض المجلس والحلول، زد

علم تماثل بجنس يتحد)

[شروط بيع العقد بالنقد والمطعوم بالمطعوم]

أي: وشرط بيع النقد بالنقد، والمطعوم بالمطعوم: تقابض العوضين في مجلس العقد، وحلولهما، وعلم العاقدين بتماثلهما إن اتحد جنسهما؛ روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:"الطعام بالطعام مثلاً بمثل"، وأنه قال:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس .. فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" أي: متقابضة. قال الرفاعي: ومن لازمه الحلول؛ أي: غالباً، وإلا .. لجاز تأخير التسليم إلى زمنه. وعلة الربا في الذهب والفضة: جوهرية الثمن، وفي المطعوم: الطعم؛ لأنه علق في الخبر الأول الحكم باسم

الطعام الذي هو بمعنى المطعوم، والمعلق بالمشتق معلل بما منه الاشتقاق؛ كالقطع والجلد المعلقين باسم السارق والزاني، و (الطعام): ما قصد غالباً لطعم الآدمي اقتياتاً أو تأدما، أو تفكهاً أو تداوياً، وإنما لم يذكروا الدواء فيما يتناوله الطعام في الأيمان؛ لأنه لا يتناوله في العرف وهي مبنية عليه. وهذه الأقسام مأخوذة من الخبر السابق، فإنه نص فيه على أربعة أشياء مختلفة المقاصد. إذا المقصود من البر: ما يقتاته الآمي، فألحق به كل مقتات مختص به؛ كالأرز والذرة. والمقصود من الشعير: جريانه فيما يشارك الآمي في أكله البهائم ولو على السواء، فألحق به الفول ونحوه. والمقصود من التمر: التأدم والتفكه، فالحق به ما في معناه؛ كالزبيب والفواكه.

ص: 564

والمقصود من الملح: الإصلاح، فألحق به ما في معناه؛ كالزعفران والمصطكي والسقمونيا، والطين الأرمني والزنجبيل، ودهن البنفسج والورد، ولا فرق بين ما يصلح الغذاء وما يصلح البدن؛ فإن الأغذية لحفظ الصحة، والأدوية لرد الصحة. فلا ربا فيما اختص به الجن كالعظم، والبهائم كالحشيش والتبن، أو أغلب تناولها له، أو لم يقصد للطعم؛ كالجلود والتراب المأكول سفهاً، وكدهن الكتان ودهن السمك؛ لأنهما معدان للاستصباح ودهن السفن لا للأكل. ولا ربا في الحيوان وإن جاز بلعه كصغار السمك، بخلاف ما يؤكل نادراً كالبلوط؛ وتناول التداوي بالماء العذب فإنه ربوي مطعوم؛ قال تعالى:{ومن لم يطعمه فإنه مني} . غير العرض، فيتناول التبر والحلي وغيرهما، وخرج به: الفلوس وإن راجت. والمراد بالتقابض: ما يشمل القبض، حتى لو كان العوض معيناً .. كفى الاستقلال بقبضه، ولابد من القبض الحقيقي، فلا تكفي الحوالة وإن حصل القبض بها في المجلس، وتكفي الوكالة إن قبض الوكيل قبل مفارقة الموكل المجلس، ولو تقابضا البعض .. صح فيه فقط على المذهب، ولو كان العاقد عبداً مأذوناً فقبض سيده، أو وكيلاً فقبض موكله .. لم يكف، ولو مات أحدهما في المجلس .. قام وارثه مقامه في القبض في الأصح، وحيث شرطنا التقابض في المجلس فأجازا العقد قبله .. بطل كما صححه الشيخان هنا. والمماثلة تعتبر في المكيل كيلاً، وفي الموزون وزناً، والمعتبر في كون الشيء مكيلاً أو موزوناً: غالب عادة الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزناً وعكسه، فالذهب والفضة، والجوز والسمن، وقطع الملح الكبار واللحم موزونة، والحبوب والزبيب والتين، واللوز والعسل والخل، والعصير والدهن والملح ونحوها مكيلة، وما لم يكن في ذلك العهد أو بالحجاز، أو لم يعلم حاله، أو استعملا فيه ولم يتعين أغلبهما وكان أكبر من التمر .. فالوزن، أو مثله أو دونه .. فعادة بلد البيع وقته. وعلم من قوله:(زد علم تماثل بجنس يتحد) أنه لو بيع ربوي بجنسه جزافاً تخميناً .. لم يصح ولو خرجا سواء.

ص: 565

[قاعدة: مد عجوة ودرهم]

وأنه لا يصح البيع في قاعدة (مد عجوة): وهي أن يقع في جانبي العقد ربوي شرطه التماثل، ومعه جنس آخر ولو غير ربوي فيهما، أو في أحدهما أو نوع آخر، أو ما يخالفه في الصفة؛ كمد عجوة ودرهم أو ثوب بمثلهما، أو مد عجوة ودرهم بمدين أو درهمين، أو مد عجوة ومد صيحاني بمثلهما، أو بمدي عجوة أو صيحاني، أو مئتي دينار جيدة أو رديئة أو صحاح أو مكسرة تنقض قيمتها بمئة دينار جيدة ومئة رديئة، أو بمئة صحيحة ومئة مكسرة، وتعدد الصفقة هنا بتعدد البائع والمشتري كالاتحاد. ويصح بيع دار موهت بذهب فظهر فيها معدنه، وبيع دار موهت بذهب تمويهاً لا يحصل منه شيء بالعرض على النار بذهب. والألف في قوله:(طمعا) للإطلاق، والإضافة في قوله:(تقابض المجلس) بمعنى (في).

(وإنما يعتبر التماثل

حال كمال النفع، وهو حاصل)

(في لبن والتمر، وهو بالرطب

رخص في دون نصاب كالعنب)

فيهما مسألتان:

[اعتبار التماثل في بيع الربوي بجنسه حال كماله]

الأولى: أنه إنما يعتبر التماثل في بيع الربوي بجنسه حال كمال النفع به؛ بأن يتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه، أو يكون على هيئة يتأتى معها ادخاره؛ فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال:"أينقض الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم؛ فنهى عن

ص: 566

ذلك، وفي رواية:"فلا إذن"، رواه الترمذي وصححه، فيه إشارة إلى أن التماثل يعتبر عند الجفاف، وقيس بالرطب غيره. قوله:(وهو) أي: حال كمال النفع (حاصل في لبن والتمر) فيباع اللبن باللبن، ولو حامضاً رائباً، وخاثراً ومخيضاً ما لم يغل بالنار، أو يختلط بالماء أو نحوه، ولا يبالي بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزناً، لكن لا يباع الحليب إلا بعد سكون رغوته. ويباع التمر بالتمر، ولا نداوة لا يظهر أثر زوالها في الكيل، ونزع نوى التمر أو الزبيب يبطل كماله؛ حينئذ لا بقاء له، بخلاف مفلق المشمش والخوخ ونحوهما؛ لأن الغالب في تجفيفها نزع النوى. وكمال الحبوب: بتناهي جفافها، وبقائها على هيئتها، وفيما يتخذ منه الدهن كالسمسم: التناهي والبقاء، أو الدهن، وكمال الفواكه: التناهي والبقاء، أو العصير أو الخل الصرف، وكمال اللحم: التناهي والخلو من الملح المؤثر في الوزن ونزع عظمه، ولا كمال للمطبوخ والمشوي والمقلي والمعروض على النار للعقد لا للتمييز. وما لا كمال له كالحنطة المقلية، أو المبلولة وإن جفت، والدقيق والسويق، والخبز والكشك، والنشا واللبن والمشوب بالماء، والزبد والمصل، والأقط والجبن، والبطيخ والسفرجل، والرمان وحبه الرطب، والمشمش والخوخ الرطبين، والكمثرى والرطب، والعنب والقثاء والبقل، وخل التمر والزبيب وعصيرهما، والدبس والسكر والفانيد واللبأ، واللحم الطري .. لا يجوز بيع بعضه ببعض من جنسه.

[الرخصة ببيع العرايا]

الثانية: أنه رخص في العرايا ولو للأغنياء؛ وهو بيع الرطب أو العنب على شجرة خرصاً بمثله على الأرض تمراً أو زبيباً كيلاً فيما دون نصاب الزكاة وهو خمسة أو سق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً، رواه الشيخان، ورويا أيضاً: أنه رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق، أو

ص: 567

في خمسة أوسق، شك داوود بن الحصين أحد رواته، فأخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه في أظهر قوليه بالأقل. وقيس بالرطب العنب بجامع أن كلاً منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه، ومثلهما البسر كما قاله الماوردي، بخلاف سائر الثمار كالجوز؛ لأنها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يمكن خرصها، وبخلاف الزائد على ما دون النصاب في صفقة واحدة. وسكت عن اشتراط التماثل والتقابض؛ للعلم به مما مر. فإن تلف الرطب أو العنب بأكل أو غيره .. فذاك، وإن جف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب: فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين .. لم يضر، وإلا فالبيع باطل، وقبض ما على الشجر بالتخلية، وما على الأرض بالكيل. وعلم مما تقرر: أنه يمتنع بيع كل من الرطب والعنب بمثله على الشجر أو الأرض؛ لانتفاء حاجة الرخصة؛ وهي تحصيل الرطب والعنب. وأنه يمتنع بيعه على الأرض بمثله يابساً؛ إذ من جملة المعاني فيها أكله طرياً على التدريج وهو منتف هنا. وأنه يمتنع بيعه على الشجر بمثله يابساً خرصاً؛ لئلا يعظم الغرر في البيع. وأنه يمتنع بيع كل من الرطب والعنب على الأرض بمثله جافاً على الشجر أو الأرض.

[حكم بيع الثمر والزرع]

ثم ذكر حكم بيع الثمر والزرع بقوله:

(واشرط لبيع ثمر وزرع

من قبل طيب الأكل: شرط القطع)

أي: واشرط أنت لبيع ثمر وزرع من قبل طيب أكلهما؛ أي: قبل بدو صلاح الثمر، واشتداد الحب منفرداً عن الأرض: شرط القطع وإن كان المشتري مالك الأرض؛ أخذاً من خبر مسلم عن ابن عمر: (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض) أي: يشتد،

ص: 568

وخبر "الصحيحين": "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" .. ظاهره المنع قبل بدو صلاحه، خرج منه بيعه بشرط القطع بالإجماع على جوازه، فيعمل به فيما عداه. ومفهوم الغاية فيه: جواز البيع بعد بدو الصلاح مطلقاً، وبشرط قطعه، وبشرط إبقائه، والمعنى الفارق بينهما: أمن العاهة بعده غالباً، وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت بتلفه الثمن. أما بيعه مع الأرض .. فيصح من غير شرط القطع؛ لتبعيته لما يؤمن فيه من العاهة، بل لا يجوز شرطه؛ لما فيه من الحجر على المشتري في ملكه، فلو قال (بعتك الشجر أو الأرض بعشرة، والثمر أو الزرع بدينار) .. لم يجز إلا بشرط القطع؛ لأنه فصل، فانتفت التبعية. ويشترط لبيع الثمر بعد بدو صلاحه والحب بعد اشتداده: ظهور المقصود؛ كتين وعنب، وشعير وأرز ليكون مرئياً، بخلاف الحنطة والعدس في السنبل، ولا بأس بكمام لا يزال إلا عند الأكل؛ كقشر الرمان؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته، وما له كمامان؛ كالجوز واللوز والباقلاء .. يباع في قشره الأسفل، ولا يصح في الأعلى؛ لاستتاره بما ليس من صلاحه بخلافه في الأسفل. نعم؛ يصح بيع قصب السكر في قشرة الأعلى؛ كما في "المطلب" عن الماوردي، ووجه: بأن قشره الأسفل كباطنه؛ لأنه قد يمص معه، فصار كأنه في قشر واحد كالرمان. قال في "الروضة": ويصح بيع طلع النخل مع قشره. وبدو الصلاح في الأشياء: صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالباً؛ ففي الثمار: ظهور أول الحلاوة بأن يتموه ويلين، وفي المتلون بانقلاب اللون، وفي نحو القثاء بأن يجني مثله للأكل، وفي الحبوب باشتدادها، وفي ورق الفرصاد بتناهيه. وقد جعله الماوردي ثمانية أقسام:

أحدهما: باللون؛ كصفرة المشمش، وحمرة العناب.

ثانيهما: بالطعم؛ كحلاوة السكر، وحموضة الرمان مع زوال المرارة.

ثالثها: بالنضج في البطيخ والتين.

ص: 569

رابعها: بالقوة والاشتداد؛ كالقمح والشعير.

خامساً: بالطول والامتلاء؛ كالعلف والبقول.

سادسها: بالكبر؛ كالقثاء.

سابعها: بانشقاق كمامه؛ كالقطن والجوز.

ثامنها: بانفتاحه؛ كالورد وورق التوت.

(بيع المبيع قبل قبض أبطلا

كالحيوان إذ بلحم قوبلا)

فيه مسألتان:

[بطلان بيع المبيع قبل قبضه]

الأولى: أن بيع المبيع قبل قبضه باطل، منقولاً كان أو عقاراً وإن أذن فيه البائع وقبض الثمن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:"لا تبيعن شيئاً حتى تقبضه" رواه البيهقي، وقال: إسناده حسن متصل، وقال صلى الله وسلم:"من ابتاع طعاماً .. فلا يبعه حتى يستوفيه"، قال ابن عباس:(ولا أحسب كل شيء إلا مثله) رواه الشيخان، وروى أبو داوود عن زيد بن ثابت:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم). قال في "المجموع": وفي "الصحيحين" أحاديث بمعنى ذلك، ولضعف الملك قبل القبض؛ بدليل انفساخ العقد بالتلف قبله. وشمل كلامه: بيعه لبائعه وهو الأصح؛ لعموم الأخبار ولضعف الملك، والخلاف في بيعه بغير جنس الثمن، أو بزيادة أو نقص، أو تفاوت صفة، وإلا .. فهو إقالة بلفظ البيع؛ قاله في "التتمة"، وأقراه في "الروضة" كـ"أصلها".

ص: 570

ومثل البيع الهبة، والرهن، والإجارة، والكتابة، والقرض، وجعله صداقاً، وعوض خلع وصلح، ورأس مال سلم، ويصح إعتاقه، وإيلاده وتزويجه، ووقفه وقسمته، وكذا بيع العبد من نفسه كما بحثه بعضهم؛ بناء على أنه عقد عتاقة وهو الأصح. وتصح الوصية به وتدبيره، وإباحته للفقراء إذا كان طعاماً واشتراه جزافاً، ومثل المبيع: كل عوض مضمون عليه في اليد الغير ضمان عقد. ويصح بيع ما له تحت يد غيره أمانة؛ كوديعة، ومشترك، وقراض، ومرهون بعد انفكاكه، وموروث، وباق في يد وليه بعد رشده، وكذا عارية ومأخوذ بسوم. ويصح بيع ما عاد إليه بفسخ عقد قبل استرداده كسلم، أو بيع إن رد الثمن، ويجوز الاستبدال عما في الذمة؛ من ثمن وقرض وبدل ونحوها، فإن استبدل موافقاً في علة الربا؛ كدراهم عن دنانير .. اشترط قبض البدل في المجلس لا تعيينه في العقد، أو ما لا يوافق .. اشترط تعيينه في المجلس لا قبضه فيه. ثم الرجوع في حقيقة القبض إلى العرف، فما لم ينقل كالأرض والثمرة .. فقبضه بالتخلية مع تسليم مفتاح الدار، وتفريغها من متاع، لا زرع من أرض بلا إعجال فوق العادة، وإن جمع الأمتعة بمخزن منها .. فما سواه مقبوض، وما ينقل .. فقبضه بالنقل، وما يتناول باليد .. فقبضه بالتناول، والمبيع قبل القبض من ضمان البائع، فإن أتلفه أو تلف .. انفسخ وسقط الثمن، وإتلاف المشتري قبض، ولا تنفسخ بإتلاف الأجنبي، بل يتخير المشتري بين الفسخ والرجوع عليه بالبدل.

[بطلان بيع اللحم بالحيوان]

الثانية: أنه يبطل بيع اللحم بالحيوان ولو لحم سمك، سواء أكان من جنسه؛ كلحم غنم بغنم، أم من غير جنسه من مأكول وغيره؛ كلحم غنم ببقر أو بعبد؛ (لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الشاة باللحم) رواه الحاكم والبيهقي وقال: إسناده صحيح، و (نهى عن بيع اللحم بالحيوان) رواه أبو داوود عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وأسنده الترمذي عن زيد بن سلمة الساعدي.

ص: 571

ومثل اللحم في ذلك سائر أجزاء الحيوان المأكولة؛ كالطحال والكبد والجلد قبل الدبغ، أما بيع بيض الدجاج ونحوه، أو اللبن بالحيوان .. فجائز على الأصح. وظاهر كلامهم والخبر: منع بيع اللحم بالسمك والجراد، وبه صرح صاحب "الخصال": وفرضه في بيع لحم الحيتان، وبيع لحم الجراد بالجراد، فما قيل: من أنه ينبغي جواز بيع السمك الصغير بلحم السمك .. مخالف لذلك. والألف في قو الناظم: (أبطلا) و (قوبلا) للإطلاق. ثم شرع في بيان الخيار؛ وهو ضربان: خيار نقص وسيأتي، وخيار ترو: وهو بمجرد التشهي، وله سببان: المجلس، والشرط، وبدأ بالأول منها؛ لثبوته بالشرع بلا شرط فقال:

[خيار المجلس]

(والبيعان بالخيار قبل أن

يفترقا عرفا وطوعا بالبدن)

أي: والبيعان بالخيار في أنواع البيع؛ كالصرف، وبيع الطعام بالطعام، والسلم، والتولية، والتشريك، وصلح المعاوضة، وشرائه من يعتق عليه، والهبة ذات الثواب، وبيعه ماله لفرعه وعكسه قبل أن يفترقا من مجلس العقد عرفاً وطوعاً بالبدن، وإن طال مكثهما، أو تماشيا منازل وزادت المدة على ثلاثة أيام؛ قال صلى الله عليه:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر" رواه الشيخان. و (يقول) قال في "المجموع": منصوب بـ (أو)، بتقدير:(إلا أن) أو (إلى أن) ، ولو كان معطوفاً .. لكان مجزوماً، مجزوماً، ولقال:(أو يقل). ولا يثبت خيار المجلس في بيع العبد من نفسه، والقسمة التي لا رد فيها، والحوالة وإن جعلناهما بيعاً، ولا في الإبراء والنكاح والهبة بلا ثواب، وكذا الشفعة والإجازة، والمساقاة والصداق، وعوض الخلع في الأصح.

ص: 572

أما إذا افترقا من المجلس عرفاً وطوعاً ببدنها لو نسياناً أو جهلاً .. فينقطع خيارهما؛ للخبر السابق. ويحصل التفرق بأن يفارق أحدهما الآخر من مجلس العقد وإن استمر الآخر فيه؛ لأن التفرق لا يتبعض، وكان ابن عمر_ رواي الخبر- إذا ابتاع شيئاً .. فارق صاحبه، رواه البخاري، وروى مسلم: قام يمشي هنيهة ثم رجع. ويعتبر في التفرق: العرف، فإن كانا في نحو دار صغيرة .. فبأن يخرج أحدهما منها يصعد السطح، أو كبيرة .. فبأن يخرج أحدهما من بيت إلى صحن أو عكسه، وإن كانا في صحراء أو سوق أو دار متفاحشة الاتساع وولى أحدهما الآخر ظهره ومشى قليلاً .. حصل التفرق، ولا يحصل بإرخاء ستر وبناء جدار؛ لأن المجلس باق، ولو تبايعا متباعدين .. فالأصح: ثبوت الخيار، أنه متى فارق أحدهما موضعه .. بطل خيارهما. قال في "الروضة": ولو تبايعا ببيتين من دار أو صحن وصفة .. ينبغي أن يكونا كالمتباعدين، ولو تبايعا بالمكاتبة وقبل المكتوب إليه .. فله خيار المجلس ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه. وخرج بقوله:(طوعا) ما إذا افترقا إكراهاً لهما أو لأحدهما .. فإنه يبقى خيارهما، بخلاف الناسي والجاهل كما مر؛ لتقصيرهما، فلو فارق أحدهما مكرهاً .. لم يبطل خياره وإن لم يمنع من النطق بالفسخ؛ لأن فعل المكره كلا فعل، والسكوت عن الفسخ لا يبطل الخيار كم في المجلس. ولا يبطل خيار الماكث إن منع من الخروج معه، وإلا .. بطل. ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر: فإن كان مع التمكن .. بطل خيارهما، وإلا .. فخيار الهارب فقط؛ نقله الرافعي عن "التهذيب" وأقره، وأطلق جمع بطلان خيارهما، قال في "الروضة": وهو الأصح: ؛ لتمكنه من الفسخ بالقول، ولأن الهارب فارق مختاراً، بخلاف المكره فإنه لا فعل له.

ص: 573

ولو باع مال محجوره لنفسه، أو عكسه وفارق المجلس .. انتهى خيارهما. وخرج بـ (فرقة البدن): الموت والجنون والإغماء؛ فلا ينقطع بها الخيار، بل يقوم الوارث ولو عاماً مقام الميت، والولي ولو عاماً مقام المجنون، والسيد مقام المكاتب والعبد المأذون له، والموكل مقام الوكيل؛ كخيار الشرط والعيب، ويفعل الولي ما فيه المصلحة من الفسخ والإجازة، فإن كان الوارث طفلاً، أو مجنوناً .. نصب الحاكم من يفعل له ما فيه ذلك، ثم إن كان القائم بذلك في المجلس .. فواضح، أو غائباً عنه وبلغه الخبر .. امتد خياره امتداد مجلس بلوغ الخبر. ولو ورثه اثنان فأكثر في المجلس .. فلهم الخيار حتى يفارقوا العاقد، ولا ينقطع بمفارقة بعضهم، ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم .. انفسخ في الكل؛ كما لو فسخ المورث في البعض وأجاز في البعض، وسواء أفسخ بعضهم في نصيبه فقط، أم في الكل، ذكر ذلك في "الروضة". ولو أجاز الوارث، أو فسخ قبل علمه بموت مورثه وقلنا: من باع مال مورثه ظاناً حياته يصح .. قال الإمام: فالوجه نفوذ فسخه دون إجازته؛ لأنها رضا، وإنما يتحقق الرضا مع العلم وفيه احتمال، بهذا الاحتمال أجاب في "البسيط". وكما ينقطع الخيار بالتفرق ينقطع بالتخاير؛ بأن يختارا لزوم العقد؛ كـ (أجزناه) أو (أمضيناه) أ، (أفسدنا الخيار) ، فلو اختار أحدهما لزومه .. سقط حقه من الخيار وبقي الحق فيه للآخر، ولو قال أحدهما للآخر:(اختر) .. سقط خياره؛ لتضمنه الرضا باللزوم، ويدل عليه الخبر السابق، وبقي خيار الآخر، ولو اختار أحدهما لزوم العقد والآخر فسخه .. قدم الفسخ، ولو تنازعا في التفرق أو الفسخ قبله .. صدق النافي بيمينه؛ لموافقته الأصل.

[خيار الشرط]

(ويشترط الخيار في غير السلم

ثلاثة، ودونها من حين تم)

أي: ويجوز أن يشترط الخيار في غير السلم ثلاثة أيام، ودونها من حين تم العقد بالإيجاب والقبول؛ لخبر "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ذكر رجل لرسول الله

ص: 574

صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال له: "من بايعت فقل: لا خلابة"، ورواه البيهقي بإسناد حسن بلفظ:"إذا بايعت .. فقل: لا خلابة، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال"، وفي رواية للدار قطني عن عمر:(فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة ثلاثة أيام)، وسمي الرجل في هذه الرواية: حبان بن منقذ بفتح المهملة وبالموحدة، وفي التي قبلها منقذاً والده بالمعجمة، وبه جزم البخاري في "تاريخه"، وصححه النووي في "مبهماته"، وبالأول جزم البيهقي والنووي في "شرح مسلم"، وهما صحابيان أنصاريان. وقوله:(لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة معناها لغة: لا غبن ولا خديعة، وشرعاً: عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثاً، فإن أطلقاها عالمين بمعناها .. ثبت الخيار، ونبه بعدم جواز شرط الخيار في السلم على غيره من الربويات؛ لأنه إذا امتنع في السلم لاعتبار القبض فيه من جانب واحد .. فامتناعه فيما اشترط فيه القبض من الجانبين بطريق الأولى. والمعنى فيه: أن ما شرط فيه القبض في المجلس لا يحتمل الأجل، فأولى ألا يحتمل الخيار؛ لأنه أعظم غرراً منه؛ لمنعه الملك أو لزومه، لما في السلم من غرر إيراده على معدوم فلا يضم إليه غرر الخيار. وشمل كلامه: شرط الخيار للبائعين ولأحدهما، ولغيرهما حتى للرقيق المبيع في الأظهر، إلا الكافر في بيع العبد المسلم، والمحرم في الصيد على ما قاله الروياني، وخالفه ولده. وإنما يشرطه الوكيل لنفسه أو لموكله، فلو شرطه للآخر .. بطل العقد، وما لا يثبت فيه خيار المجلس كالحوالة .. يمتنع شرط الخيار فيه، وكذا للمشتري وحده في مبيع يعتق عليه، وشرط الثلاث في مصراة للبائع؛ كما في "المطلب" عن الجوري، أو فيما يسرع فساده في تلك المدة على الأصح. وقد علم من كلامه: أنه يجب كون المدة المشروطة معلومة لا تزيد على ثلاثة أيام؛ أي: متوالية متصلة بالعقد، وتحسب من العقد.

ص: 575

نعم إن شرطت في أثناء المجلس .. فابتداؤها من الشرط في الأصح، وإن شرط ابتداؤها من التفرق أو التخابر .. بطل العقد؛ للجهالة، وإن انقضت المدة وهما في المجلس .. بقي خياره فقط، وإن تفرقا والمدة باقية .. فبالعكس. ويجوز إسقاط الخيارين أو أحدهما، فإن أطلقا .. سقطا، وله الفسخ في غيبة صاحبه وبلا إذن حاكم، ومتى كان الخيار لهما .. فملك المبيع موقوف، فإن تم العقد .. بان أنه لمشتري من حين العقد، وإلا .. فللبائع، وإن كان لأحدهما .. فملك المبيع له، وتصرفه فيه نافذ، وله فوائده وعليه مؤنته. وحيث حكم بملك المبيع لأحدهما .. حكم بملك الثمن للآخر، حيث توقف فيه .. توقف في الثمن. ويحصل الفسخ والإجازة في زمن الخيار بلفظ يدل عليهما، ففي الفسخ نحو:(فسخت البيع) ، أو (رفعته) ، أو (استرجعت المبيع)، وفي الإجازة نحو:(أجزته) ، أو (أمضيته). ووطء البائع الأمة المبيعة، وإعتاقه المبيع في زمن الخيار المشروط له أو لها لهما .. فسخ، وكذا بيعه وإجارته وتزويجه في الأصح: أن العرض على البيع والتوكيل فيه ليس فسخاً من البائع، ولا إجازة من المشتري.

[خيار النقص]

وأما خيار النقص: فهو متعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي، أو تغرير فعلي، أو قضاء عرفي.

الأول: ما يظن حصوله بشرط وصف مقصود تبين خلافه؛ كشرط كون الرقيق كاتباً أو خبازاً، أو مسلماً أو كافراً، أو فحلاً أو مختوناً، أو خصيباً أو بكراً، أو جعدة الشعر لا عكسها، ويكفي في الوصف ما يقع عليه الاسم، ولا يشترط فيه النهاية، وخيار خلفه على الفور، فلو تعذر الرد بهلاك أو غيره .. فله الأرش؛ كما في العيب.

والثاني: ما يظن حصوله بالتغرير؛ كالتصرية: وهي حرام تثبت الخيار على الفور إذا علم بها ولو بعد ثلاثة أيام، فإن در اللبن بقدر ما أشعرت به التصرية واستمر .. فلا خيار، ولو علم بها بعد الحلب .. ردها، ولزمه صاع تمر بدل لبنها إن تلف أو لم يتراضيا على رده، ويتعين

ص: 576

التمر والصاع، ولو قل اللبن: فإن تراضيا بغيره .. جاز، فإن فقد .. فقيمته بالمدينة، ولا يختص خيارها بالنعم، بل يعم كل مأكول، والجارية والأتان ولا يرد معهما شيئاً. ولو حبس ماء القناة أو الرحى، وأرسله عند البيع أو الإجارة، أو حمر وجنة الرقيق أو ورم وجهه، أو سود شعره أو جعده .. فللمشتري الخيار، بخلاف ما لو لطخ ثوبه بالمداد، أو ألبسه زي خباز مثلاً، أو ورم ضرع البهيمة. وأما الغبن .. فلا يثبت الخيار وإن فحش؛ كمن اشترى زجاجة ظنها جوهرة؛ لتقصيره.

والثالث: ما يظن حصوله بالعرف المطرد؛ وهو السلامة من العيب، وضابطه: أن الرد يثبت بكل ما ينقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمه، وقد أشار إليه بقوله:

(وإن بما أبيع عيب يظهر

من قبل قبض: جائز للمشتري)

(يرده فوراً على المعتاد

ككون من تباع في اعتداد)

أي: وإن يظهر بالذي أبيع عيب من قبل قبض من المشتري للمبيع، سواء أوجد قبل العقد، أم حدث بعده؛ أي: أو حدث بعد القبض، واستند إلى سبب متقدم جهله المشتري .. فجائز له أن يرده فوراً على المعتاد، فلا يكلف غير المبادرة المعتادة، فلو علمه وحضرت صلاة ولو نافلة، أو أكل، أو لبس، أو قضاء حاجة، أو كان في حمام، أو ليل فأخر لذلك .. جاز. ولا يتوقف الرد على حكم القاضي ولا حضور الخصم، وله الرد ولو بوكيل إلى وكيل، وله الرفع إلى القاضي وهو آكد. فإن كان البائع غائباً ولا وكيل له حاضر، ورفع المشتري إلى الحاكم، وأثبت الشراء منه وتسليم الثمن إليه، والعيب والفسخ به، وحلف .. قضى له بالثمن من ماله، ووضع المبيع عند عدل، وإن لم يكن له مال .. بيع فيه المبيع. ولو أمكنه الإشهاد على الفسخ في طريقه أو حال عذره .. لزمه، فإن عجز عن الإشهاد .. لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح، وإنما تعتبر فورية الرد في بيع الأعيان، ويعذر في تأخيره؛ لجهله إن قرب إسلامه، أو نشأ بعيداً عن العلماء، ولجهل فوريته أيضاً؛ كما قاله الرافعي،

ص: 577

وقيده النووي بمن يخفى عليه، وكذا الحكم في الشفعة. ولو اشترى عبداً فأبق قبل القبض، فأجاز المشتري البيع، ثم أراد الفسخ .. فله ذلك ما لم يعد إليه.

فمن العيوب: كون من تباع في العدة، والخصاء والجب، والزنا والسرقة، والإباق، والبخر من المعدة، والصنان المستحكم المخالف للعادة، واعتياد ابن سبع بوله بالفراش، والبرص، وكونه مجنوناً مخبلاً أو أبله، أو أشل أو أقرع، أو أصم أو أعور، أو أخفش أو أجهر، أو أعشى أو أخشم، أو أبكم أو أرت لا يفهم، أو فاقد الذوق أو أنملة، أو الظفر أو الشعر، أو في رقبته دين، أو له إصبع زائدة، أو سن شاغية، أو سن مقلوعة، أو به قروح، أو ثآليل كثيرة، أو أبهق أو أبيض الشعر في غير سنه، وكونه نماماً أو كذاباً أو ساحراً، أو قاذفاً للمحصنات، أو مقامراً، أو تاركا للصلاة، أو شارباً للخمر أو مزوجاً، أو خنثى مشكلاً أو واضحاً أو مخنثاً، أو ممكناً من نفسه، أو كونها رتقاء أو قرناء أو مستحاضة، أو يتطاول طهرها فوق العادة الغالبة، أو لا تحيض وهي في سنه غالباً، أو حاملاً لا في البهائم، أو محرمة بإذن، وكذا كفر رقيق لم يجاوره كفار، أو كافر يحرم وطؤها، واصطكاك الكعبين، وانقلاب القدمين إلى الوحشي وسواد الأسنان، وتراكم الوسخ الفاحش في أصولها، والكلف المغير للبشرة، وكون الدابة جموحاً أو عضوضاً أو رموحاً، أو تشرب لبنها، أو تسقط راكبها، واختصاص الدار بنزول الجند، ومجاورة قصارين يؤذونها بالدق أو يزعزعونها.

ص: 578