المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ الطَّلاق هو لغةً: حل القيد والإطلاق، وشرعاً: حلّ عقد النكاح - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌بابُ الطَّلاق هو لغةً: حل القيد والإطلاق، وشرعاً: حلّ عقد النكاح

‌بابُ الطَّلاق

هو لغةً: حل القيد والإطلاق، وشرعاً: حلّ عقد النكاح بلفظ الطلاق أو نحوه، وعرفه النووي رحمه الله تعالى في «تهذيبه» بأنه تصرفت مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح.

والأصل فيه قبل الإجماع: الكتاب؛ كقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، والسُنة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«أتاني جبريل فقال: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة» رواه أبو داوود بإسناد حسن، وكقوله:«ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق» رواه أبو داوود بإسناد صحيح، والحاكم وصححه، والاحتجاج بأنه صلى الله عليه وسلم راجع سودة .. أنكره ابن حزم وقال: لم يطلقها قط.

وللطلاق أربعة أركان: صيغة، ومطلق، وقصد للطلاق، وزوجة.

(صَرِيحُهُ سَرَّحْتُ أَوْ طَلَّقْتُ

خالَعْتُ أو فادَيْتُ أو فارَقْتُ)

(وكُلُّ لَفْظٍ لِفِرَاقٍ احْتَمَلْ

فَهْوَ كِنَايَةٌ بِنَيَّةٍ حَصَلْ)

(والسُنَّةُ الطَّلاقُ في طُهْرٍ خَلا

عَن وَطْئِهِ أَو باخْتِلاعٍ حَصَلا)

(وَهْوَ لِمَنْ لم تُوطَ أو مَن يَئِسَتْ

أو ذاتِ حَمْلٍ لا وَلا أو صَغُرَتْ)

(للحُرِّ تَطليقُ الثلاثِ تَكْرِمَهْ

والعَبْدُ ثِنْتَانِ وَلوْ مِنَ الأَمَهْ)

(وإِنَّمَا يَصِحُّ مِن مُكَلَّفِ

زَوْجٍ بلا إكْرَاهِ ذِي تَخَوُّفِ)

(وَلَوْ لِمَنْ في عِدَّةِ الرَّجْعِيَهْ

لا إِنْ تَبِنْ بِعِوَضِ العَطِيَّهْ)

(وَصَحَّ تعليقُ الطَّلاقِ بِصِفَهْ

إلا إذا بالمُستَحِيلِ وَصَفَهْ)

(وصَحَّ الاسْتِثْنَا إذا ما وَصَلَهْ

إِن يَنْوِهِ مِن قَبْلِ أَن يُكَمِّلَهْ)

ص: 783

[صيغة الطلاق وما يتعلق بها]

الركن الأول: الصيغة؛ وصريحه: (سرحت) ، أو (طلقت) ، أو (خالعت) ، أو (فاديت) ، أو (فارقت) ، أما الطلاق .. فلاشتهاره فيه لغة وشرعاً، وأما الفراق والسراح .. فلورودهما في القرآن بمعناه، قال تعالى:{أوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]، وقال:{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49].

وأما لفظ الخلع .. فلشيوعه في العرف والاستعمال للطلاق، وأما المفاداة .. فلورودها في القرآن بالخلع، قال تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وقضية كلامه كـ «الحاوي الصغير» و «المنهاج» و «أصله»: أن لفظ الخلع والمفاداة صريح في الطلاق وان لم يذكر المال، وصرح به البغوي وصاحب «الأنوار» والنسائي والإسنوي والبلقيني، وحكى في «أصل الروضة» في صراحة ذلك قولين بلا تصحيح، ثم قال: وإذا قلنا بصراحته .. فذاك إذا ذكر المال، فإن لم يذكره .. فكناية على الأصح.

وقال البلقيني: لا يشترط في صراحته ذكر العوض على طريقة الأكثرين، خلافاً لما وقع في «الروضة» وغيرها، ورجح الأذرعيّ: أنه كناية مطلقاً، قال: وعليه أكثر نصوص الشافعي رضي الله تعالى عنه.

وصرائح الطلاق منحصرة في ألفاظ ليس هذا منها، وأقوى مأخذ في صراحته اشتهاره واستعماله في الفراق، وسيأتي أن الاشتهار غير مقتض للصراحة عند العراقيين، وذكر نحوه الزركشي.

ويعتبر في نحو: (طلقت) إذا ابتدأ به ذكر الزوجة. فلو قال ابتداءً: (طلقت) أو (سرحت) ونواها .. لم تطلق؛ لعدم الإشارة والاسم، نقله الشيخان عن قطع القفال وأقراه.

ومثل ما ذكره الناظم: (أنت طالق) ، و (مطلقة) ، و (يا طالق) ، و (أنت مفارقة) ، و (يا مفارقة) ، و (أنت مسرحة) ، و (يا مسرحة) ، لا (أنت طلاق) ، و (الطلاق) ، و (فراق) ، و (الفراق) ، و (سراح) ، و (السراح) لأن المصادر إنما تستعمل في الأعيان توسعاً فتكون كنايات.

ص: 784

وترجمة الطلاق بغير العربية صريح على المذهب؛ لشهرة استعمالها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها، وفي ترجمة الفراق والسراح الخلاف، لكن الأصح هنا: أنها كناية، قاله الإمام والروياني؛ لأن ترجمتهما بعيدةً عن الاستعمال؛ كذا في «أصل الروضة» . ولو اشتهر لفظ للطلاق؛ كـ (الحلال) ، أو (حلال الله علي حرام)، أو (أنت عليَّ حرامٌ) .. قال الرافعي: فصريح في الأصح عند من اشتهر عندهم؛ لغلبة الاستعمال وحصول التفاهم به عندهم"، وصحح النووي: أنه كناية"، ونصت عليه في «الأم، كما ذكره في «المطلب " لأن الصريح إنما يؤخذ من ورود القرآن به، وتكرره على لسان حملة الشريعة، وليس المذكور كذلك، أما من لم يشتهر عندهم .. فهو كناية في حقهم قطعاً. ولو قال: (أنت حرام) ، ولم يقل (عليّ) .. فهو كناية قطعاً، وكل لفظ يحتمل الفراق .. فهو كناية بنية تقترن به فيحصل الفراق؛ ك (أطلقتك) ، و (أنت مطلقة) بسكون الطاء، (خليّة) ، (بريّة) ، (بتة) ، (بتلة) ، (بائن) ، (اعتدي) ، (استبرئي رحمك) وإن لم تكن مدخولاً بها، (الحقي بأهلك) ، (حبلك على غاربك) ، (لا أنده سَرْبك) ، (اغربي) ، (اعزبي) ، (دعيني) ، (ودُعيني) ، (تزودي) ، (تجرعي) ، (ذوقي) ، (اذهبي) ، (كلي) ، (اشربي) ، (اخرجي) ، (ابعدي) ، (سافري) ، (تجنبي) ، (تقنعي) ، (تجردي) ، (تستري) ، (الزمي الطريق) ، (برئت منك) ، (ملكتك نفسك) ، (أحللتك) ، (لا حاجة لي فيك) ، (أنت وشأنك) ، (أنت طلقة) ، أو (نصف طلقة) ، أو (لك الطلاق) ، أو (عليك الطلاق) ، أو (أنت والطلاق) ، أو (وطلقة). ولا تصير ألفاظ الكناية صرائح بقرينة من نحو غضب وسؤال طلاق، واعتبر في «الحاوي الصغير» : اقتران نية الطلاق بأول لفظ الكناية وإن عزبت في آخره؛ أي: بخلاف عكسه لا يكفي؛ إذ انعطافها على ما مضى بعيد، بخلاف استصحاب ما وجد، ولأنها إذا وجدت في أوله .. عرف قصده منه، والتحق بالصريح، وهاذا ما نقله النووي في «تنقيحه) عن تصحيح ابن الصلاح وأقره، وصححه الجرجاني، والبغوي في «تعليقه) وغيرهما، وقال ابن الرفعة: إنه الذي يقتضيه نص «الأم» ، قال في المهمات: وبه الفتوى؛ كما أشعر به كلام

ص: 785

الشيخين، وقال الماوردي بعد تصحيحه له: إنه أشبه بمذهب الشافعي.

وصحح في «أصل الروضة» : الوقوع في الصورتين، وفي «أصل المنهاج»: المنع فيهما، فاعتبر مقارنة النية لكل اللفظ، وجرى عليه البلقينى.

واللفظ الذي يعتبر قرن النية به هو لفظ الكناية؛ كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجى، فمثل الأول؛ لقرنها بالأول بالباء من (بائن) ، والآخران بقرنها بالخاء من (خلية) ، لكن مثّل له الرافعى تبعاً لجماعة بقرنها ب (أنت) من (أنت بائن) ، وصوب في «المهمات» الأول؛ لأن الكلام في الكنايات؛ إذ النية جعلت لصرف اللفظ لأحد محتملاته، والمحتمل إنما هو (بائن) مثلاً، وأما (أنت) .. فإنما يدل على المخاطب، لكن أثبت ابن الرفعة في المسألة وجهين، وأيد الاكتفاء بها عند (أنت) بما إذا وقع (أنت) زمن الطهر و (طالق) زمن الحيض، فإن ابن سريج قال: يكون الطلاق سنياً ويحصل لها قرء.

[انقسام الطلاق إلى سنيٍّ وبدعيٍّ ولا ولا]

ثم الطلاق ينقسم إلى: سني، وبدعي، ولا ولا.

فالسني: طلاق مدخول بها في طهر لم يجامعها فيه؛ أي: ولا في حيض قبله ولم تستدخل فيه ماءه، وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة، وهي تعتد بالأقراء، وذلك لاستعقابه الشروع في العدة وعدم الندم، وقد قال تعالى:{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي: في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة، وفي «الصحيحين»: أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء .. أمسكها، وإن شاء .. طلقها قبل أن يجامع، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء» .

والبدعي: طلاق مدخول بها بلا عوض في حيض أو نفاس ولو في عدّة طلاق رجعي، وهي تعتد بالأقراء، أو في طهر جامعها فيه ولو في الدبر، أو استدخلت ماءه، أو في حيض قبله

ص: 786

وكانت ممن تحبل ولم يتبين حملها، وكذا طلاق من لم تستوف دورها من القسّم.

أما الأول .. فلمخالفته قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، وزمن الحيض والنفاس

لا يحسب من العدة، والمعنى فيه تضررها بطول التربص.

وأما الثاني .. فلأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل؛ فإن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد.

وألحقوا الجماع في الحيض بالجماع في الطهر؛ لاحتمال العلوق فيه، وكون بقيته مما دفعته الطبيعة أولاً وتهيأ للخروج، وألحقوا الجماع في الدبر بالجماع في القبل؛ لثبوت النسب ووجوب العدة به.

ولو طولب المُولي بالطلاق فطلق في الحيض .. لم يحرم كما قاله الإمام والغزالي وبحث فيه الشيخان، ولو طلق الحاكم عليه، أو الحكمان في الشقاق .. فلا تحريم أيضاً.

ويستحب لمن طلق بدعياً أن يراجع مطلقته ما لم يدخل الطهر الثاني؛ لخبر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ثم إن راجع والبدعة لحيض .. فيسن ألا يطلقها في الطهر منه، أو لوطءٍ في طهر أو حيض قبله: فإن وطئها بعد الرجعة فيه .. فلا بأس بطلاقها في الطهر الثاني، وإلا .. استحب ألا يطلقها فيه، وأما من لم تستوف دورها .. فرجعتها واجبة.

وطلاق غير الموطوءة والآيسة والحامل والصغيرة؛ أي: والمختلعة .. ليس بسني ولا بدعي؛ لانتفاء ما ذكر فيها، ولأن افتداء المختلعة يقتضي حاجتها إلى الخلاص بالفراق، ورضاها بطول التربص، وأخذه العوض يؤكد داعية الفراق، ويبعد احتمال الندم، وما ذكرته في المختلعة .. هو المعتمد، خلاف ما ذكره الناظم فيها من أن طلاقها سني.

قال في «الشرح الصغير» : وقد تضبط الأقسام على الإبهام؛ بأن يقال: الطلاق إن حَرُم إيقاعه .. فبدعيّ، وإلا .. فسني في حق من يعتورها التحريم، وليس بسني ولا بدعي في حق غيرها.

وقول الناظم: (لا ولا) أي: لا سنة فيه ولا بدعة، فحذف كما قال الحريري:(بورك فيك من طِلا كما بورك في لا ولا) أراد: {شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35].

وللحر أن يطلق ثلاث تطليقات ولو كانت زوجته أمة؛ تكرمة لحريته؛ لأنه صلى الله عليه

ص: 787

وسلم سُئل عن قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]، أين الثالثة؟ فقال:«{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]» رواه أبو داوود، وصححه ابن القطان، وعمومها يشمل الأمة، ولأن الطلاق ملك فاعتبر بمالكه، ومشروع لحاجة الرجل فاعتبر بجانبه.

وللعبد طلقتان فقط؛ أي: وإن كانت زوجته حرة، قاله عثمان وزيد بن ثابت،

ولا مخالف لهما من الصحابة، رواه الشافعي عن مالك بإسناده، والمبعض كالقن.

ومحل ما ذكره: إذا كان رقيقاً عند الطلقة الثانية، فلو طلق الذمي طلقتين، ثم نقض العهد وحارب فاسترق .. ملك الثالثة.

[شروط الزوج المطلق]

الركن الثاني: المطلق وهو الزوج؛ فلا يصح الطلاق إلا من زوج مكلف مختارٍ، فلا ينفذ طلاق غير الزوج أو وكيله فيه، إلا فيما سيأتي في المُولي يطلق عليه الحاكم، ولا طلاق غير المكلف من صبي أو مجنون.

أما من أئم بمزيل عقله من شراب أو دواء .. فالمذهب: أنه ينفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولا وفعلاً؛ كالنكاح والعتق، والبيع والشراء، والإسلام والردة، والقتل والقطع وإن كان غير مكلفٍ؛ لأن ما عنده من الفهم والقصد يكفي في نفوذ التصرف؛ إذ هو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، ويرجع في حد السكران إلى العرف.

أما المكره على الطلاق بغير حق .. فلا يقع طلاقه؛ لخبر: «لا طلاق في إغلاق» رواه أبو داوود، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وفسر الشافعي وغيره الإغلاق بالإكراه.

وشرط الإكراه: أن يكون بمخوفي يؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً مما هدد به، فيختلف باختلاف المطلوب والأشخاص.

والتعيين، فلو قال:(طلق إحداهما) فطلق معينة .. فالمذهب: وقوعه، وكون المحذور عاجلاً غير مستحق، وقدرة المكره على تحقيق ما هدده به بولاية أو تغلب، وعجز المكرَه عن

ص: 788

دفعه بهرب وغيره، وظنه أنه إن امتنع .. حققه، ولو نوى المكره حال تلفظه بالطلاق إيقاعه، أو ظهرت قرينة اختيار؛ كأن أُكْرِه على ثلاث فوحد، أو صريح فكنى، أو تعليق فنجز، او على (طاقت) فسرح، آو بالعكوس .. واقع.

[اشتراط قصد الطلاق]

الركن الثالث: قصد الطلاق؛ فيشترط قصد اللفظ بمعناه، فحكاية الطلاق وكذا طلاق النائم،، لغوٌ وإن قال:(أجزته) أو (أوقعته) ، وكذا سبق اللسان؛ لكن يؤاخذ به، ولا يصدق ظاهراً إلا بقرينة، ولو ظنت صدقه بأمارة .. فلها مصادقته، وكذا للشهود ألا .. يشهدوا

فإن كان اسمها طالعاً أو طارقاً أو طالباً فناداها (يا طالق) .. طلقت، وإن ادعى سبق اللسان .. قُبل منه، أو كان اسمها طالقاً فناداها .. لم تطلق إلا إن نوى.

ويقع طلاق الهازل وعتقه وسائر تصرفاته ظاهراً وباطناً.

[محل الطلاق]

الركن الرابع: الزوجة، ولو كانت في عدّة طلاق رجعي .. فيلحقها الطلاق؛ لبقاء الولاية على المحل والملك؛ بدليل أن كلاً منهما يرث الآخر، بخلاف من بانت منه بعوض أو غيره؛ فإنها لا يلحقها الطلاق؛ لأنها ليست بزوجة؛ بدليل أنه لا يصح ظهارها ولا الإيلاء منها ولا يتوارثان،

[تعليق الطلاق]

ويصح تعليق الطلاق بصفة كتعليقه بفعله أو فعل غيره؛ كقوله: (إن دخلت الدار .. فأنت طالق).

وأدوات التعليق: (إن) و (إذا) و (متى) و (متى ما) و (كلما) ونحوها، ولا يقتضين فوراً إن علق بمثبت؛ كالدخول في غير خلع، إلا (أنت طالق إن شئت) ولا تكرراً إلا (كلما).

ولو قال: (إذا طلقتك .. فأنت طالق ثم طلق) ، أو علق بصفة فوجدت .. فطلقتان، أو (كلما وقع طلاقي .. فأنت طالق) فطلق .. فثلاث في موطوءة؛ واحدة بالتنجيز وثنتان بالتعليق بـ (كلما) واحدة بوقوع المنجزة وأخرى بوقوع هذه الواحدة، وفي غيرها طلقة.

ص: 789

ولو علق بنفي فعل .. فالمذهب: أنه إن علق بإن؛ كـ (إن لم تدخلي الدار .. فأنت طالق) .. وقع عند اليأس من الدخول، أو بغيرها؛ كإذا .. فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل من وقت التعليق ولم يفعل يقع الطلاق.

ولو قال: (أنت طالق أن دخلت الدار وأن لم تدخلي) بفتح (أن) .. وقع في الحال؛ لأن المعنى للدخول أو لعدمه بتقدير لام التعليل؛ كما في قوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] ، وسواء أكان فيما علل به صادقاً أم كاذباً، إلا في غير نحويّ .. فتعليق في الأصح؛ لأن الظاهر قصده له، وهو لا يميز بين (إن) و (أن).

ولو علق الزوج الطلاق بفعله؛ كأن علقه بدخوله الدار ففعل المعلق به ناسياً للتعليق، أو ذاكراً له مكرهاً على الفعل، أو طائعاً جاهلاً بأنه المعلق عليه .. لم تطلق في الأظهر؛ لخبر ابن ماجه وغيره:«إن الله عز وجل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أي: لا يؤاخذهم بذلك.

أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه لصداقة أو نحوها، وعلم به أو لم يعلم، وقصد الزوج إعلامه به، وفعله ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً .. لا يقع الطلاق في الأظهر.

وإن لم يبال بتعليقه كالسلطان، أو كان يبالي به ولم يعلم به، ولم يقصد الزوج إعلامه به .. وقع الطلاق بفعله وإن اتفق في بعض صوره نسيان أو نحوه؛ لأن الغرض حينئذ مجرد التعليق بالفعل من غير أن ينضم إليه قصد المنع.

قوله: (إلا إذا بالمستحيل وصفه) أي: فإنه يقع في الحال؛ لاستحالة ذلك فيلغو التعليق، ولا فرق فيه بين المستحيل عقلاً؛ كالجمع بين الضدين، والمستحيل شرعاً؛ كإن نسخ صوم شهر رمضان، والمستحيل عرفاً؛ كـ (إن صعدت في السماء وطرت).

وما جرى عليه الناظم .. رأي مرجوحٌ، والأصح: لا وقوع في المستحيل عقلاً وشرعاً كالمستحيل عرفاً؛ لأن الأصحاب اتفقوا على تصحيحه وهو المنصوص؛ لأنه لم ينجُزه، وإنما علقه بصفة ولم يوجد، وقد يكون الغرض من التعليق بالمستحيل امتناع الوقوع؛ لامتناع وقوع المعلق به، كما في قوله تعالى:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].

والأقرب: أن معنى كلام المصنف: أن تعليق الطلاق بالمستحيل الشامل لأقسامه الثلاثة

ص: 790

لا يصح؛ فلا يقع به طلاق؛ لأنه لاغ، فقد صحح الرافعي في (الأيمان) فيما لو حلف لا يصعد السماء .. أن يمينه لا ينعقد"، ومقتضاه: عدم انعقاد التعليق هنا.

[حكم الاستثناء في الطلاق]

ويصح الاستثناء في الطلاق؛ كـ (أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة) .. فيقع ثنتان؛ لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب، وهو الإخراج ب (إلا) أو إحدى أخواتها من متكلم واحد.

قال النحويون: اللفظ قبل الاستثناء يحتمل المجاز، فإذا جاء الاستثناء .. رفع المجاز وقرره، فاللفظ قبل الاستثناء ظني، وبعده قطعي.

ويعتبر في صحته اتصاله بالمستثنى منه، فإن انفصل .. لم يؤثر، ولا يضر في الاتصال سكتة تنفس أو عي أو تعب؛ لأنها لا تعد فاصلة، بخلاف الكلام اليسير الأجنبي فيضر على الصحيح، وتلفظه به بحيث يسمع نفسه، وإلا .. لم يقبل، ولا يديّن على المشهور، ونيته قبل فراغ اليمين، وعدم استغراقه للمستثنى منه فلو قال:(أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً) .. لم يصح الاستثناء، ويقع الثلاث.

ولا يجمع المفرق في المستثنى ولا في المستثنى منه؛ فلو قال: (أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين وواحدة) .. فواحدة، ولا يجمع المستثنى ليكون مستغرقاً، ويلغى قوله:(وواحدة) لحصول الاستغراق بها، أو (أنت طالق طلقتين وواحدة إلا واحدة) .. فثلاث، ولا يجمع المستثنى منه فتكون الواحدة مستثناة من الواحدة فيلغو الاستثناء، وهو من نفى إثبات وعكسه.

فلو قال: (أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين إلا واحدة) .. فثنتان؛ لأن المستثنى الثاني مستثنى من الأول فيكون المستثنى فى الحقيقة واحدة، أو ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا ثنتين .. فثنتان؛ لما ذكر، أو خمساً إلا ثلاثاً .. فثنتان، أو ثلاثاً إلا نصف طلقة .. فثلاث.

ولو قال: (أنت طالق إن شاء الله، أو إن لم يشأ الله) أي: طلاقك، وقصد التعليق .. لم يقع الطلاق؛ لأن المعلق عليه من مشيئة الله تعالى أو عدمها غيرُ معلوم، ولأن الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى محال، وكذا (أنت طالق إلا أن يشاء الله)؛ لأن استثناء المشيئة يوجب حصر الوقوع في حالة عدم المشيئة، وذلك تعليق بعدم المشيئة، وقد تقدم أنه لا يقع الطلاق فيه. ويمنع التعليق بالمشيئة أيضاً انعقاد تعليق، نحو: (أنت طالق إن دخلت الدار إن

ص: 791

شاء الله) ، وعتق نحو:(أنت حر إن شاء الله)، ويمين نحو:(والله؛ لأفعلن كذا إن شاء الله)، ونذر نحو:(لله عليّ أن أتصدق بمئة إن شاء الله) ، وكل تصرف غير ما ذكر كبيع وغيره.

ولو قال: (يا طالق إن شاء الله) .. وقع في الأصح؛ نظراً لصورة النداء المشعر بحصول الطلاق حالته، والحاصل لا يعلق بالمشيئة.

والألف في قول الناظم: (حصلا) للإطلاق، وقوله:(توط) بحذف الألف المبدلة من الهمزة، ثم إن كان الإبدال قبل دخول الجازم .. فهو إبدال شاذ، فحذفها جائز؛ نظراً إلى صيرورتها حرف علة وإن كان الأكثر إثباتها؛ نظراً إلى أصلها المبدل عنه، وكما لا تحذف الهمزة .. لا يحذف ما انقلب عنها، وإن كان بعده .. فهو إبدال قياسي، ويمتنع حينئذ حذفها؛ لاستيفاء الجازم مقتضاه، فحذفها حينئذ للوزن.

وقوله: (تكرمه) بكسر الراء تفعلة من الكرامة، (والعبد) بالجر عطفاً على (الحر) أو بالرفع على الابتداء، وقوله:(الاستثنا) بالقصر للوزن.

* * *

ص: 792