الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ إحياء المَوات
هو مستحب ويحصل به الملك، و (الموات): الأرض التي لم تعمر، أو عمرت جاهلية، ولا هي حريم لمعمور.
والأصل في إحيائه قبل الإجماع: أخبار؛ كخبر: "من عمر أرضاً ليست لأحد .. فهو أحق بها" رواه البخاري، وخبر:"من أحيا أرضاً ميتة .. فهي له، وليس لعرق ظالم حق" رواه الترمذي وحسنه، وخبر:"من أحيا أرضاً ميتة .. فله بها أجر، وما أكلت العوافي منها .. فهو صدقة" رواه النسائي وغيره، وصححه ابن حبان، و (العوافي): طلاب الرزق.
(يَجُوزُ لِلمُسِلمِ إحيَا مَا قَدَر
…
إذ لَا لِمِلكِ مُسلِمٍ بِهِ أَثر)
(بمَا لإِحيَاءِ عِمَارَةِ يُعَد
…
يَختَلِفُ الحُكمُ بحَسبِ مَن قَصَد)
(وَمَالِكُ البِئرِ أَوِ العَينِ بَذَل
…
عَلَى المَوَاشِي لَا الزُّرُوعِ مَا فَضَل)
(والمَعدِنِ الظَّاهِرِ فَهوَ الخَارِج
…
جَوهَره مِن غيرِ مَا يُعَالَجُ)
(كَالنِّفطِ وَالكِبرِيتِ ثُمَّ القَارِ
…
وَسَاقِطِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ)
]
…
شرط المحيي والمحيا [
أي: يجوز للمسلم إحياء ما قدر على إحيائه من كل أرض لم ير بها أثر ملك مسلم؛ من عمارة وغيره، ولا دل عليها دليل؛ كأصل شجر، أذن له فيه الإمام أو لم يأذن.
وخرج بقوله: (للمسلم): الكافر، فلا يجوز له ذلك وإن أذن فيه الإمام؛ لما فيه من الاستعلاء، وروى الشافعي رضي الله تعالى عنه خبر:"عاديُّ الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني أيها المسلمون"
وللكافر غير الحربي الاصطياد والاحتطاب، والاحتشاش في دار الإسلام.
وبقوله: (إذ لا لملك مسلم به أثر) ما كان معموراً، فإن عرف مالكه .. فهو له مسلماً كان أو ذمياً أو لوارثه، فإن لم يعرف: فإن كانت عمارة إسلامية .. فحكمها حكم الأموال الضائعة؛ للإمام حفظها إلى ظهور مالكها، أو بيعها وحفظ ثمنها، أو استقراضه على بيت المال، وإن كانت جاهلية .. ملكها المسلم بإحيائها كالركاز؛ لأنه لا حرمة لملك الجاهلية، وإن كانت الأرض الموات ببلاد كفار دارِ حرب أو غيرها .. فلهم إحياؤها؛ لأنه من حقوق دارهم ولا ضرر علينا فيه، فملكوه بالإحياء كالصيد، وكذا المسلم إن كانت مما لا يدفعون المسلمين عنها؛ كموات دارنا، وإلا .. فليس له إحياؤها؛ كالعامر من دارهم.
وقول الناظم: (إحيا) بالقصر؛ للوزن.
]
…
ما يحصل به الإحياء [
ويحصل الإحياء بكل ما يعد عمارة للمحيي في العرف، ويختلف الإحياء بحسب غرضِ المحيي وقصدهِ؛ تحكيماً للعرف.
فإن أراد مسكناً .. اشترط لحصول الملك التحويط باللبن أو الآجر، أو الطين أو الخشب، أو القصب وتسقيف البعض، ونصب الباب.
أو زريبة للدواب ، أوحظيرةً لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب أو العلف فيها .. اشترط التحويط ونصب الباب لا التسقيف، ولا يكفي نصب سعف وقصب وأحجار من غير بناء،
ولا حفر خندق، ولا التحويط في طرف، ونصب الأحجار أو السعف في طرف.
أو مزرعةً .. اشترط جمع التراب أو القصب أو الحجر، أو الشوك حولها، وتسوية الأرض بطم المنخفض وكسح المستعلي وحراثتها وتليين ترابها، فإن لم يتيسر ذلك إلا بما يساق إليها .. فلا بد منه؛ لتهيَّأ للزراعة، وترتيب مائها بشق ساقية من نهر، أو حفر بئر، أو قناة إن لم يكفها المطر المعتاد، وإن كفاها .. فلا، وحبس الماء عنها إن كانت من البطائح، ولا يشترط التحويط، ولا إجراء الماء ولا الزراعة.
أو بستاناً .. اشترط جمع التراب حول الأرض؛ كالمزرعة إن لم تجر العادة بالتحويط، والتحويط حيث جرت العادة به، وتهيئة ماء كما سبق في المزرعة، ويشترط الغرس.
]
…
وجوب بذل الفاضل عن حاجة مالك البئر أو العين [
ويجب على مالك البئر أو العين أو نحوها بذل الفاضل عن حاجته لماشية غيره مجاناً؛ لحرمة الروح بشرط ألَاّ يجد مالكها ماءً آخرَ مباحاً، وأن يكون هناك كلأ ترعاه، وأن يكون الماء في مستقره، وأن يفضل عن مواشيه وزرعه وأشجاره، وألا يتضرر بورود المواشي في زرع أو غيره، ولا يجب بذله للزرع.
ويجب على السابق إلى المعدن الظاهر، وهو ما خرج جوهره بلا علاج، وإنما العلاج في تحصيله؛ كالنَّفط بكسر النون أفصح من فتحها، والكِبريت بكسر أوله، وهو عين تجري ويضيء في معدنه، فإذا فارقة .. زال ضوؤه، والقار وهو الزفت، والملح والكحل والجص .. ألَاّ يمنع غيره من الفاضل عن حاجته، قال الإمام: هو ما تقتضيه العادة لأمثاله فيما إذا ضاق نيله، ولو طلب زيادة عليها .. أزعج، فإن جاءا إليه معاً .. أقرع، فإنه لا يملك بإحياء ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع، وكذا الواصل إلى شيء من المباحات؛ كالصيد والسمك.
وما نبت في الموات من الكلأ والحطب، وكذا ما يسقطه الناس ويرمونه رغبة عنه، وما ينتثر من الزرع والثمار من سبق إلى شيء منه .. فهو أحق به من غيره.
والمعدن الباطن: ما كان مستتراُ لا يظهر جوهره إلا بالعمل؛ كالذهب والفضة، والفيروزج والياقوت، والعقيق والرصاص، والنحاس والحديد يملكه بالإحياء، ولا يملكه بالحفر والعمل وأخذ النَّيل وإن ملك النَّيل به.
ولو أحيا مواتاً فظهر فيه معدن باطن أو ظاهر لم يعلمه عند الإحياء .. ملكه، وإن علمه .. لم يملكه.
] حكم الوقوف في الشوارع ونحوها والجلوس فيها [
ويجوز الوقوف في الشوارع والجلوس؛ للمعاملة والحرف وغيرها إن لم يضيق على المارة، والسابق إلى مكان منها أحق به؛ كالمقطع له إلى أن يفارقه تاركاً لحرفته، أو منتقلا إلى غيره، أو منقطعاً عنه معاملوه، وكذا الأسواق المقامة في كل أسبوع أو شهر مرة، إذا اتخذ فيها
مقعداَ .. كان أحق به في النوب الآتية، والجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق يبطل حقه بالمفارقة.
ولو جلس في مسجد ليقرأ عليه القرآن أو نحوه، أو ليستفتى .. فالحكم كما في مقاعد الأسواق، أو لصلاة .. لم يصر أحق به في غيرها، وهو أحق به فيها وإن فارقه لعذر. و (ما) في قول الناظم:(من غير ما يعالج) موصول حرفي؛ أي: من غير علاج
* * *