الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحوالة
وهي بفتح الحاء أفصح من كسرها من التحول والانتقال، وفي الشرع: عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة، والأصل فيها قبل الإجماع: خبر "الصحيحين": "مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ .. فليتبع" بإسكان التاء في الموضعين؛ أي: وإذا أحيل أحدكم على مليء .. فليحتل؛ كما رواه البيهقي، والأمر بها فيه للندب، وصرفه عن الوجوب القياس على سائر المعاوضات.
ولها ستة أركان: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، وصيغة.
وهي بيع دين بدين جوز للحاجة، ولهذا لم يعتبر التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين، وقيل: بيع عين بعين، وقيل: بدين.
شرط: رضا المحيل والمحتال
…
لزوم دبنين، اتفاق المال
جنساً وقذراً أأجلاً وكثراً
…
بها عن الدين المحيل يبرا
[شروط صحة الحوالة]
أي: شرط لصحة الحوالة رضا المحيل والمحتال؛ لأن للمحيل إبقاء الحق من حيث شاء فلا يلزم بجهة، وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه، ومعرفة رضاهما بالإيجاب والقبول؛ كما في البيع ونحوه، وعبروا هنا بالرضا؛ تنبيهاً على أنه لا يجب على المحتال الرضا بالحوالة؛ كسائر المعاوضات، وتوطئة لقولهم: لا يشترط رضا المحال عليه؛ أي: لأنه محل الحق والتصرف؛ كالعبد المبيع، ولأن الحق للمحيل؛ فله أن يستوفيه بغيره؛ كما لو وكل غيره بالاستيفاء.
وصيغتها: نحو: (أحلتك على فلان بالدين الذي لك علي)، أو (نقلت حقك إلى
فلان)، أو (جعلت ما أستحقه على فلان لك)، أو (ملكتك الدين الذي لي عليه بحقك).
ويشترط: لزوم الدينين المحال به والمحال عليه، وتصح بالثمن في مدة الخيار وعليه؛ لأن أصله اللزوم، ولا تصح بالجعل قبل الفراغ ولا عليه، وتصح بنجوم الكتابة، ولا تصح عليها، والأصح: صحتها بدين المعاملة للسيد على مكاتبه، وفهم من هذا الشرط: أنها لا تصح على من لا دين عليه وهو الأصح، وقيل: تصح برضاه.
وقد علم مما مر أنها بيع دين بدين: أنها لا تصح بدين السلم ولا عليه؛ لعدم جواز بيعه، وأنها تصح بالثمن قبل قبض المبيع، والأجرة قبل مضي المدة، والصداق قبل الدخول والموت ونحوها وعليها.
ويشترط: اتفاق الدينين جنساً؛ كفضة وفضة، وقدراً؛ كمئة ومئة، وأجلاً وحلولاً، وصحة وكسراً، وهو اتفاقهما في الصفة؛ لأنها ليست على حقيقة المعاوضات، وإنما هي معاوضة إرفاق أجيزت للحاجة فاعتبر فيها التساوي؛ كما في القرض.
وقد يفهم من اعتبار التساوي في الصفة: أنه لو كان بأحدها رهن أو ضامن .. اعتبر كون الآخر كذلك، وليس كذلك؛ بل لو أحاله على دين به رهن أو ضامن .. انفك الرهن وبريء الضامن؛ لأن الحوالة كالقبض؛ بدليل سقوط حبس المبيع، والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق.
ويشترط أيضاً: علمهما بتساوي الدينين في الجنس والقدر والصفة، فلو جهلاء أو أحدهما .. لم تصح الحوالة وإن تساوى الدينان في في نفس الأمر؛ لأنها معاوصة فلا بد من علمهما بحال العوصين، وإنما اشترط استواء القدر في غير الربوي؛ لما مر أن الحوالة عقد إرفاق
…
إلى آخره، فلا تصح بإبل الدية ولا عليها.
[ما يترتب على صحة الحوالة]
ويبدأ بالحوالة المحيل عن دين المختال، وبلزم من ذلك براءة ذمة المحال عليه من دين المخيل، فلا رجوع للمحتال على المحيل وإن كان المحال عليه مفلساً عند الحوالة وجهل إفلاسه أو أفلس، أو أنكر الحوالة، أو دن المحيل؛ كما لا رجوع له فيها لو اشترى شيئاً وعين فيه، أو أخذ عوضاً عن دينه وتلف عنه، ولأنه أوجب في الخبر اتباع المحال عليه مطلقاً، ولأنه لو كان له الرجوع .. لما كان لذكر الملاءة في الخبر فائدة؛ لأنه إن لم يصل إلى حقه .. رجع به، فعلم بذكرها أن الحق انتقل انتقالاً لا رجوع به فيها، وأن فائدة ذكرها حراسة الحق،
وإلا .. فهي صحيحة على غير المليء بالإجماع، فلو شرط الرجوع بشيء من ذلك .. فهل تصح الحوالة والشرط، أو الحوالة فقط، أو لا تصحان؟ فيه ثلاثة أوجه بلا ترجيح في "الروضة" و"أصلها"، ورجح الذرعي الثالث، زجزم به ابن المقري.
وتبطل الحوالة بفسخ البيع في زمن الخيار، أو بالإقالة، أو بالتحالف، أو بالعيب إن أحال المشتري البائع، بخلاف ما إذا أحال البائع على المشتري لا تبطل الحوالة برد المبيع بشيء مما ذكر؛ لتعلق الحق هنا بثالث، فيبعد ارتفاعها بفسخ يتعلق بالعاقدين.
ثم إذا أخذ المحتال حقه من المشتري .. رجع به المشتري على البائع، ولا يرجع به قبل الأخذ منه وإن كانت الحوالة كالقبض؛ لأن الغرم إنما يكون بعض القبض حقيقة لا حكماً.
ولو باع رقيقاً وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته، أو ثبتت ببينة .. بطلت الحوالة، وإن كذبهما المحتال ولا بينة .. حلفاه على نفي العلم بحريته، ثم يأخذ المال من المشتري ويرجع المشتري على البائع.
* * *