الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوكالة
بفتح الواو وكسرها لغة: الحفظ والتفويض، وشرعاً: استبانة جائز التصرف مثله فيما يقبل النيابة في حال حياته، والأصل فيها قبل الإجماع: آيات؛ كقوله تعالى: {فابعثوا حكما من أهله} [النساء: 35] الآية، وأخبار؛ كإرساله صلى الله عليه وسلم السعاة لقبض الزكوات، وتوكيله عمرو بن أمية في نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في نكاح ميمونة، وعروة البارقي في شراء الشاة، والحاجة داعية إليها، فإن الشخص قد يعجز عن القيام بمصالحه ومعاملاته كلها فهي جائزة، بل قال القاضي حسن وغيره: إنها مندوب إليها؛ لأنها من التعاون على البر، والقيام بمصلحة الغير، وفي الخبر:"والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه".
ولها أربعة أركان: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة، وقد أشار إليها فقال:
(ما صح أن يباشر الموكل
…
بنفسه جاز له التوكل)
(وجاز في المعلوم من وجه، ولا
…
يصح إقرار على من وكلا)
(ولم يبع من نفسه ولا أبن
…
طفل ومجنون ولو بإذن)
(وباع بالتأجيل أو بغبن
…
وغير نقد بلد بالإذن)
(وهو أمين، وبتفريط ضمن
…
يعزل بالعزل وإغماء وجن)
[ضابط ما يصح فيه التوكيل وما يستثنى منه]
أي: ما يصح أن يباشره الموكل بنفسه .. جاز له أن يوكل فيه، فأفاد كلامه: أن شرط الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية، فيصح توكيل الولي في حق محجوره أباً كان أو جداً في الرويج والمال، أو وصياً أو قيماً في المال مما لم تجر العادة بمباشرته لمثله.
ويستثنى من هذا مسائل: منها أنه ليس للظافر بحقه التوكيل في كسر الباب وأخذه؛ ومثله: العبد المأذون، والسفيه المأذون في النكاح، وكذا من أسلم على أكثر من أربع في الاختيار، إلا إذا عين للوكيل المختارات.
وأن ما لا يصح أن يباشره الموكل بنفسه .. لا يجوز له أن يؤكل فيه، فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون في شيء، ولا توكيل المرأة غير وليها في تزوجيها، ولا المحرم في تزويجه أو تزويج موليته.
ويستثنى الأعمى في نحو البيع فصيح للضرورة، وتوكيل المحرم حلالاً في التزويج، سواء أقال بعد التحلل أم أطلق، والحلال محرماً في التوكيل فيه، والمشتري البائع في أن يوكل من يقبض منه، والمسلم المسلم إليه كذلك، والتوكيل في استيفاء قصاص الطرف وحد القذف وإن شرط الوكيل صحة مباشرته التصرف لنفسه، فيصح توكيل عبد وسفيه في قبول نكاح لا في إيجابه.
ويستثنى من هذا مسائل: منها توكيل الولي فاسقاً في بيع مال المحجور عليه.
وأن ما لا تصح مباشرته التصرف لنفسه .. لا يصح توكله فيه، ويستثنى منه مسائل: منها اعتماد قول الصبي في الإذن في دخول دار، وإيصال نحو هدية إذا كان مميزاً مأموناً؛ لاعتماد السلف غليه في ذلك، وتوكيل الزوج شخصاً في قبول نكاح محرمه، وموسراً في قبول نكاح أمة، وتوكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم من لا بثمنها .. فالأشهر في "المطلب": صحة التوكيل.
ويشترط في الموكل فيه: علمه من وجه يقل معه الغرر؛ كـ (وكلتك في بيع أموالي وعتق أرقائي)، ولا يشترط علمه من كل الوجوه؛ لأن تجويز الوكالة للحاجة يقتضي المسامحة فيه، بخلاف ما إذا أكثر الغرور؛ كـ (وكلتك في قليل وكثير)، أو (في كل أموري)، أو (فوضت إليك كل شيء)، أو (اشتر لي عبداً أو حيواناً).
ويشترط فيه أيضاً: أن يكون قابلاً للنيابة، سواء أكان عبادة؛ كالحج والعمرة وتوابعهما، والصوم عن الميت؛ كما رجحه النووي، وذبح الأصحية والهدي والعقيقة، وتفرقة الزكاة والكفارة والصدقة ونحوها، أم عقداً؛ كبيع، أو فسخاً؛ كرد يعيب، أم غيرها؛ كقبض الديون وإقباضها، والدعوى والجواب، واستيفاء عقوبة، وإثبات عقوبة آدمي، وتملك مباح، بخلاف سائر العبادات البدنية كالصلاة، والمعاصي كالقتل، واثبات عقوبة الله تعالى وشهادة وإقرار.
ويحتمل أن يكون هذا معنى قول الناظم الآتي: (ولا يصح إقرار على من وكلا) أي: لا يصح إقرار من الوكيل على من وكله فيه؛ لعدم صحة التوكيل على من وكله فيه؛ لعدم صحة التوكيل فيه كما سيأتي، ويجعل مقراً بنفس التوكيل على الأصح في "الروضة"، ويمين وإبلاء ولعان، ونذر وظهار وتعليق نحو عتق.
[صيغة الوكالة]
وأما الصيغة .. فكوكلتك في كذا، أو فوضته إليك، أو أنت وكيلي فيه، أو بع أو اعتق، ولا يشترط القبول لفظاً على الأصح، بل يكفي الفعل، ولا يصح تعليقها في الأصح، فإن نجزها وشرط للتصرف شرطاً .. جاز، وتصح مؤقتة.
ولو قال: (وكلتك، ومتى عزلتك فأنت وكيلي) .. صحت في الحال في الأصح، وفي عوده وكيلاً بعد العزل الوجهان في تعليقها، أصحهما: المنع، ويجريان في تعليق العزل، وأصحهما: عدم صحته.
[حكم إقرار الوكيل وإبرائه]
قوله: (ولا يصح إقرار على من وكلا) أي: لا يصح إقرار الوكيل في الخصومة بالإبراء، أو الإقرار من موكله بما يبطل حقه من قبض أو تأجيل ونحوه؛ كما لا يصح إبراؤه؛ لأن اسم الخصومة لا يتناوله، ولأن الوكيل إنما يفعل ما فيه الحظ والمصلحة لموكله، وينعزل بإقراره المذكور، ولا ينعزل بإبرائه الخصم، وما قررت به كلامه .. أظهر من حمله على أنه لا يصح التوكيل في الإقرار؛ لأنه إخبار عن حق، فلا يقبل التوكيل فيه؛ كالشهادة.
[التوكيل في البيع وأحكامه]
ومتى وكله في البيع، ولم يقيده بثمن ولا حلول، ولا تأجيل ولا نقد .. لم يجز له - نظراً للعرف - البيع بغير نقد البلد ولا بنسيئة ولا بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل غالباً، بخلاف اليسير وهو ما يحتمل غالباً؛ كبيع ما يساوي عشرة دراهم بتسعة، فلو باع بشيء منها وسلم المبيع .. ضمنه؛ لتعديه بتسليمه ببيع بتسليمه ببيع باطل فيسترده إن بقي، وإلا .. غرم الموكل قيمته من شاء من الوكيل والمشتري والقرار عليه، وإذا استرده .. فله بيعه بالإذن السابق، ولا يكون ضامناً لثمنه.
ولو كان بالبلد نقدان .. لزمه البيع بأغلبهما، فإن استويا .. فبأنفعهما للموكل، فإن استويا .. تخير بينهما، أما إذا قيد بشيء مما ذكر .. فيتعين، فلو أطلق الأجل .. صح وحمل على المتعارف في مثله، فإن لم يكن في المبيع عرف .. راعى الوكيل الأنفع للموكل.
ولو قال الموكل: (بعه بكم شئت) .. فله البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة، ولا بغير نقد البلد، أو:(بما شئت) .. فله البيع بغير نقد البلد، ولا يجوز بالغبن ولا بالنسيئة، أو:(كيف شئت) .. فله البيع بالنسيئة، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد.
[لا يبيع الموكل من نفسه ولا لمحجوره]
وللوكيل بالبيع بيعه لأصوله وفروعه؛ كما يبيعه لصديقه، ولا يصح بيعه لنفسه، ولا لمحجوره بصبي أو مجنون أو سفه، ولو بإذن من موكله له فيه؛ لتضاد غرضي الاسترخاص لهما والاستقصاء للموكل، ولاتحاد الموجب والقابل لغير جهة الأبوة، وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله:(ولم يبع من نفسه ولا ابن طفل ومجنون ولو بإذن).
وشمل كلامه كغيره: ما لو قدر له مع ذلك الثمن ونهاه عن الزيادة وإن انتفت التهمة؛ لاتحاد الموجب والقابل، ولهذا لو وكله ليهب من نفسه .. لم يصح على الأصح، ويمتنع على الوكيل شرط الخيار لغير نفسه وموكله.
ومتى باع بثمن وزاد راغب قبل انقضاء الخيار .. انفسخ بيعه؛ إذ ليس له البيع بثمن المثل وهناك زيادة؛ لأنه مأمور بالمصلحة، فإن رجع من رغب بالزيادة عنها قبل تمكن الوكيل من بيعه منه .. بقي البيع بحاله، فإن لم يرجع إلا بعده .. فقد ارتفع ذلك البيع، فلا بد من بيع جديد.
وللوكيل بالبيع مطلقاً قبض الثمن من المشتري وتسليم المبيع له؛ لأنهما من مقتضيات البيع، لكن لا يسلمه المبيع حتى يقبض ثمنه؛ إذ في تسليمه قبل القبض خطر ظاهر، فإن خالف .. ضمن قيمته للموكل وإن كان الثمن أكثر منها، وإذا قبض الثمن .. دفعه إليه واسترد القيمة.
أما لو كان الثمن مؤجلاً .. فله قبل قبضه تسليم المبيع؛ إذ لا حبس بالمؤجل، فإن حل .. لم يملك قبضه إلا بإذن جديد، وحيث نهاه عن التسليم أو القبض .. فليس له ذلك.
وإذا وكله في شراء شيء موصوف كان أو معيناً، فاشتراه معيباً بثمن في الذمة جاهلاً بعيبه .. وقع الشراء للموكل وإن لم يساو ما اشتراه به؛ كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً، وفارق عدم صحة بيعه بغبن فاحش؛ بأن الغبن لا يثبت الخيار فيتضرر الموكل، أو عالماً .. لم يقع لموكله وإن ساوى ما اشتراه به؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة ولا عذر، وإذا وقع للموكل .. فلكل من الموكل والوكيل الرد بالعيب، وإن رضي الموكل به .. فليس للوكيل الرد، بخلاف العكس.
وإن اشترى بعين مال الموكل .. وقع له حال الجهل، وليس للوكيل الرد في الأصح، وبطل حال العلم.
[حكم توكيل الوكيل غيره]
وليس لوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وكل فيه وإن قال له الموكل: (افعل فيه ما شئت)، أو (كل ما تصنعه فيه جائز)، وإن لم يتأت؛ لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به .. فله التوكيل على الصحيح، ولو كثر وعجز عن الإتيان بكله .. فالمذهب: أنه يوكل فيما زاد على الممكن.
ولو أذن في التوكيل وقال: (وكل عن نفسك) ففعل .. فالأصح: أن الثاني وكيل الوكيل؛ فينعزل بعزله وانعزاله، وأنه ينعزل بعزل الموكل، أو:(عني) .. فالثاني وكيل الموكل، وكذا إن أطلق في الأصح، وفي الصورتين: لا يعزل أحدهما الآخر، ولا ينعزل با نعزاله.
وحيث جوزنا للوكيل التوكيل .. فيشترط أن يوكل أميناً، إلا أن يعين الموكل غيره.
ولو كان أميناً ففسق .. لم يملك الوكيل عزله في الأصح؛ لأنه ليس نائباً عنه، ولو عين للبيع شخصاً أو زمناً أو مكاناً .. تعين، ولو قدر له الثمن فباع في مكان غيره بالقدر .. جاز.
وإن قال: (بع بمئة) .. لم يبع بأقل، وله أن يزيد عليها إلا أن عين المشتري، أو صرح بالنهي عن الزيادة، وليس له البيع بمئة وهناك زيادة.
ولو قال: (اشتر عبد فلان بمئة) فاشتراه بأقل .. صح.
ولو قال: (اشتر بهذا الدينار شاة) ووصفها، فاشترى به شاتين بالصفة: فإن لم تساو واحدة ديناراً .. لم يصح الشراء للموكل، وإن ساوته إحداهما أو كل منهما .. فالأظهر: الصحة وحصول الملك فيهما للموكل.
ولو أمره بالشراء بعين مال فاشترى في الذمة .. لم يقع للموكل، وكذا عكسه في الأصح، ومتى خالف الموكل في بيع ماله، أو الشراء بعينه؛ كأن أمره يبيع عبد فباع غيره، أو بشراء ثوب بهذا الدينار فاشترى به آخر .. فتصرفه باطل.
ولو اشترى غير المأذون فيه في الذمة ولم يسم الموكل .. وقع للوكيل، وإن سماه فقال البائع:(بعتك)، فقال:(اشتريت لفلان) .. فكذا في الأصح.
ولو قال: (بعث موكلك)، فقال:(اشتريت له) .. لم يصح، بخلاف النكاح؛ فإنه لا يصح إلا كذلك، ووكيل المتهب يجب أن يسمي موكله، وإلا .. يقع له، ولا تصرفه النية، ولو وكله في بيع شيء لزيد فباعه لوكيله .. لم يصح.
[الوكيل أمين]
قوله: (وهو أمين) أي: والوكيل أمين وإن جعل بجعل؛ كما اقتضاه إطلاقه، فلا يضمن ما تلف في يده بلا تفريط؛ لأن الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضمان ينافيه وينبوا عنه.
قوله: (وبتفريط ضمن) كأن تصرف على غير الإذن أو المصلحة عند إطلاق الإذن، وسلم العين للغير، أو استعملها، أو وضعها في غير حرزها كسائر الأمناء، فإنهم لا يضمنون إلا بالتفريط، ولا ينعزل بذلك في الأصح؛ لأن حقيقة الوكالة الإذن في التصرف، والأمانة حكم مرتب عليه، فلا يلزم من رفعها رفعه.
وإذا باع وسلم المبيع .. زال الضمان عنه، ولا يضمن الثمن، ولو رد المبيع بعيب عليه .. عاد الضمان.
ولو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها شيئاً فيهل قرضاً عليه .. ضمنها، وليس له أن يشتري للموكل بدراهم نفسه، ولا في الذمة، فإن فعل .. فالشراء له، فلو عادت الدراهم إليه فاشترى بها الموكل .. صح على المذهب، والمشترى غير مضمون عليه، فلو رده بعيب واسترد الثمن .. عاد الضمان.
ومتى طالبه برد ماله .. لزمه أن يخلي بينه وبينه، فإن امتنع بلا عذر .. ضمن.
[تعلق أحكام العقد بالوكيل]
وأحكام العقد بالوكيل دون الموكل؛ لأنه العاقد حقيقة، فيعتبر في الرؤية، ولزوم العقد بمفارقة المجلس والفسخ فيه، والتقابض في المجلس حيث يشترط، وتسليم رأس مال السلم .. الوكيل دون الموكل.
وإذا اشترى الوكيل .. طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل، وإلا .. فلا إن كان الثمن معيناً، وإن كان في الذمة .. طالبه به إن أنكر وكالته، أو قال:(لا أعلمها)، وإن اعترف بها .. طالب به أيهما شاء في الأصح، والوكيل كضامن، والموكل كأصيل، وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن وتلف في يده وخرج المبيع مستحقاً .. رجع عليه المشتري ببدل الثمن وإن اعترف بوكالته في الأصح، ثم يرجع الوكيل على الموكل بما غرنه، وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء في الأصح؛ لأن الذي تلف في يده سفيره ويده كيده.
[ما ينعزل به الوكيل]
ثم شرع فيما ينعزل به الوكيل فقال: (يعزل بالعزل) أي: منه أو من موكله؛ كأن يقول الوكيل: (عزلت نفسي)، أو (أخرجتها من الوكالة)، أو (رددتها)، أو الموكل:(عزلته)، أو (رفعت الوكالة)، أو (فسختها)، أو (أبطلتها)، أو (أخرجته منها) لأن الوكالة جائزة من الجانبيين وإن ذكر فيها جعل ووجدت فيها شروط الإجازة؛ لتضرر العاقدين باللزوم.
ولا يتوقف انعزاله على علمه بالعزل كما اقتضاه كلامه؛ لأنه رفع عقد لا يتوقف على الرضا، فكذا العلم: كالطلاق، بخلاف انعزال القاضي؛ لتعلق المصالح الكلية به قاله الرافعي وغيره، وقضبته: أن القاضي في الواقعة الخاصة كالوكيل، وأن الوكيل العام كوكيل السلطان لا ينعزل قبل بلوغ الخبر؛ لعموم نظره، فالأحسن الفرق: بأن القاضي نائب عن المسلمين لا عن الإمام.
قال في "الروضة" كـ"أصلها": وينبغي للموكل إذا عزل الوكيل في غيبته أن يشهد على العزل؛ لأن قوله بعد تصرف الوكيل: (كنت عزلته) لا يقبل.
قال في "المهمات": ومحله: إذا أنكر الوكيل العزل، فإن وافقه، لكن قال: كان بعد
التصرف .. فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف؛ قاله الرافعي في اختلاف الموكل والوكيل.
ولو أنكر أحدهما الوكالة .. فالأصح أنه: إن كان لنسيان أو لغرض في الإخفاء .. فليس بعزل، وإلا .. فعزل.
وأشار بقوله: (وإغماء وجن) إلى أن الوكيل ينعزل بزوال أهلية واحد منهما لذلك التصرف؛ لأن مات أو جن أو أغمي عليه أو رق، أو فسق فيما تعتبر فيه العدالة، أو حجر عليه بسفه، او فلس فيما لا ينفذ لأجلهما، ويستثنى منه إغماء الموكل برمي الجمار فلا ينعزل به الوكيل؛ لأنه قد زاد عجزه.
وينعزل أيضاً بخروج محل التصرف عن ملك الموكل بتلف أو بيع، أو عتق أو نحوها، أو عن منفعته؛ كما لو أجره، أو زوج الأمة؛ لإشعار الإجارة والتزويج بالندم على البيع، أو عن الوكيل إذا كان رقيق الموكل؛ كما نقل النووي تصحيحه عن جماعة وأقره، بخلاف زوال الملك عن رقيق غيره فليس بعزل، وينعزل بالإيصاء والتدبير، وتعليق العتق بصفة؛ كما رجحه جماعة من المتأخرين، وفي طحن الحب وجهان أطلقهما الشيخان وغيرهما، ونقل الأذرعي عن "التتمة": أن أصلهما ما لو حلف لا يأكل هذه الحنطة فأكل بعد الطحن، قال: وقضيته: ترجيح العزل، وذكر في "الخادم" أيضاً ذلك، وأن الرافعي إنما أخذهما من "التتمة"، وأن القاضي ذكرهما، وقال: بناء على أن المغلب الإشارة أو العبارة، ولا ينعزل بالعرض على البيع، ولا بتوكيل وكيل آخر.
قال في "الروضة": ولو عزل أحد وكيليه مبهماً .. منع كل منهما من التصرف في الأصح حتى يميز، للشك في أهليته، ومن يقبل قوله في الرد؛ كالوكيل والمودع .. ليس له أن يقول بعد طلب المالك:(لا أرد إلا بإشهاد) في الأصح، ومن لا يقبل قوله فيه كالغاصب .. فله الامتناع إن كان عليه بينة بالأخذ، وكذا إن لم تكن بينة في الأصح.
ولو قال رجل: (وكلني زيد بقبض ما له عندك من دين أو عين) وصدقه .. فله دفعه إليه،
والمذهب: أنه لا يلزمه إلا ببينة على وكالته، فلو دفع فحضر زيد وأنكر الوكالة .. صدق بيمينه، ثم إن الحق عيناً .. أخذها، وإن تلفت .. فله تغريم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، إلا إذا تلفت بتفريط القابض وغرم الدافع .. فإنه يرجع على القابض، أو ديناً .. فله مطالبة الدافع بحقه ويسترد هو المدفوع، فإن تلف بتفريط .. غرمه، وإلا .. فلا، وليس له مطالبة القابض إن تلف المدفوع عنده، وكذا إن بقي في الأصح.
وإن لم يصدقه .. لم يكلف الدفع إليه، فإن دفع، ثم حضر زيد وحلف على نفي الوكالة .. غرم الدافع، ثم يرجع هو على القابض.
ولو أنكر الوكالة أو الحق، وكان الوكيل مأذوناً له في إقامة البينة .. أقامها وأخذ الحق، وإلا .. فليس له التحليف في الأظهر.
ولو قال: (أنا وارثه) وصدقه .. وجب الدفع على المذهب، أو (أحالني عليك) وصدقه .. فكذا في الأصح، وإن كذبه ولا بينة .. فله تحليفه في الأصح.
والألف في قول الناظم: (وكلا) للإطلاق، وقوله:(وجن) بكسر الجيم؛ أي: جنون.
* * *