الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإيلاء
هو لغة: الحلف، قال الشاعر:
(وَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ أَبُو الْمُثَنَّى
…
إذَا آلَى يَمِينًا بِالطَّلَاقِ)
وكان طلاقاً في الجاهليّة فغير الشرع حكمه، وخصه بالحلف على الامتناع من وطاء الزوجة مطلقاً، أو أكثر من أربعة أشهر كما يؤخذ مما يأتى.
والأصل فيه: قوله تعالى {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} [البقرة: 226] الآية، وهو حرام للإيذاء، وليس منه إيلاؤه صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من نسائه شهراً.
وله ستة أركان: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه 6 وزوجة 6 وصيغة، ومدة.
(حَلفُهُ ألا يَطَأْ في العُمُرِ
…
زوجتَهُ أو زائِدَاً عَن أَشْهُرِ)
(أربَعَةٍ فإِنْ مَضَتْ لَهَا الطَّلَبْ
…
بالوَطْءِ في قُبْلٍ وتكفيرٌ وَجَبْ)
(أو بِطَلاقِهَا فإِنْ أبَاهُمَا
…
طَلَّقَ فَرْدَ طَلْقَةٍ مَن حَكَمَا)
[تعريف الإيلاء]
أي: الإيلاء: حلف زوج - يصخ طلاقه بالحلف بالله تعالى، أو صفة من صفاته، أو بتعليق طلاق أو عتق، أو بالتزام ما يلزم بالنذر ولو كافراً، أو خصياً، أو رقيقاً، أو مريضاً أو سكران - ألا يطأ زوجته في قبلها، ووطؤه لها ممكن ولو رقيقة أو رجعية، أو صغيرة أو مريضة، قال الزركشي: أو متحيرة؛ لاحتمال الشفاء، أو مُخرمة؛ لاحتمال التحلل بالحصر وغيره، أو مظاهراً منها قبل التكفير؛ لإمكان الكفارة. انتهى
فخرج بـ (الحلف): امتناعه بلا حلفي، وبـ (الزوج): السيّدُ والأجنبيّ، فلو قال لأجنبية:(والله؛ لا أطؤك) .. فليس إيلاء، بل يميناً محضة، وإن نكحها .. فيلزمه بالوطء قبل النكاح أو بعده ما تقتضيه اليمين الخالية عن الإيلاء، وب (من يصخ طلاقه): الصبي والمجنون والمكره.
وبقوله: (ألا يطأ): امتناعه من بقية التمتعات، أو من الوطء في غير القبل؛ إذ لا إيذاء بذلك، وبقولي:(ووطؤه لها ممكن): غيرُ الممكن؛ كأن كان الزوج أشل الذكر، أو مجبوبه بحيث لم يبق منه قدر الحشفة، أو كانت الزوجة ارتقاء أو قرناء؛ لعدم تحقق قصد الإيذاء، بخلاف ما لو جُبَ ذكره بعد الإيلاء،، لا يبطل؛ لعروض العجز، أو كانت صغيرة لا يمكن وطؤها فيما قدره.
[ألفاظ الإيلاء]
وألفاظه: صريح، وكناية، فمن الصريح:(إيلاج الحشفة) أو (إدخالها) ، أو (تغييبها في فرجها) ، و (النيك) ، ولا يديّن في شيء منها، و (الوطء) و (الجماع) ، و (الإصابة) ، و (افتضاض البكر)، فلو قال: أردت بالوطء: الوطاء بالقدم، وبالجماع: الاجتماع في مكان، وبالإصابة والافتضاض: الإصابة والافتضاض بغير الذكر .. لم يقبل في الظاهر، ويديّن.
نعم؛ لو ضم إليها (بذكري) .. التحقت بما لا يديّن فيه.
ومن كنايته: الملامسة، والمباضعة، والمباشرة، والإتيان، والغشيان، والقربان، والإفضاء، واللمس.
[مدة الإيلاء]
وأما المدة .. فقد ذكرها الناظم بقوله: (في العمر أو زائداً عن أربعة أشهر) كأن يقول: (والله؛ لا أطؤك أبداً) ، أو (مدة عمري) ، أو (عمرك) ، أو (خمسة أشهر) ، و (لا أطؤك مدة) ونوى تلك المدة، فيمهل أربعة أشهر ثم تطالبه بالوطء أو الطلاق كما سيأتي.
ولو قال: (والله؛ لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت: فو الله؛ لا وطئتك أربعة أشهر
…
) وهكذا مراراً .. فليس بمولي في الأصح، لانتفاء فائدة الإيلاء من المطالبة بموجبه في ذلك؛ إذ بعد مضي أربعة أشهر لا يمكن المطالبة بموجب اليمين الأولى؛ لانحلالها، ولا بموجب الثانية؛ لعدم مضي مدة المهلة من وقت انعقادها، وبعد مضي الأربعة الثانية يقال فيه مثل ذلك
…
وهكذا إلى اخر حلفه.
نعم؛ يأثم إثم الإيذاء على الراجح في «الروضة» .
فلو لم يكرر اسم الله تعالى بل قال: (والله؛ لا أطؤك أربعة أشهر، فإذا مضت .. لا أطؤلك أربعة أشهر) .. فهذه يمين واحدة اشتملت على أكثر من أربعة أشهر .. فيكون مولياً وجهاً واحداً، قاله ابن الرفعة.
وخرج بقوله: (أو زائداً عن أشهر أربعة) الأربعة أشهر فأقل؛ لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة اشهر، وبعد ذلك يفنى صبرها أو يقل.
ولو قيد الامتناع من الوطء بمستبعد الحصول في أربعة أشهر؛ كنزول عيسى عليه الصلاة والسلام، أو خروج الدجال، أو الدابة، أو طلوع الشمس من مغربها .. فمول؛ لظن تأخر حصول المقيد به عن الأربعة الأشهر، بخلاف ما إذا لم يظن ذلك.
ولو قال: (إن وطئتك .. فعبدي حر) ، فزال ملكه عنه؛ كأن مات أو أعتقه، أو باعه أو وهبه وأقبضه .. زال الإيلاء؛ لأنه لا يلزمه بالوطء بعد ذلك شيء، فلو عاد إلى ملكه،. لم يعد الإيلاء، وفيه قول عود الحنث.
ولو قال: (إن وطئتك .. فعبدي حر عن ظهاري) وكان ظاهر .. فمول، وإلا
…
فلا ظهار ولا إيلاء باطناً، ويحكم بهما ظاهراً؛ لإقراره بالظهار، وإذا وطاء .. عتق العبد عن الظهار في الأصح، ولو قال:(عن ظهاري إن ظاهرات) .. فليس بمولي حتى يظاهر.
[الحكم إذا مضت المدة ولم يطأ]
قوله: (فإن مضت) أي: الأربعة أشهر من وقت الإيلاء إن كان من غير رجعية ولو مبهمة، ومن الرجعة في الرجعية لا من الإيلاء؛ لاحتمال أن تبينَ، وإنما لم يحتج في الإمهال إلى قاض؛ لثبوته بالآية السابقة، وهذا فيمن يمكن جماعها حالاً، وإلا .. فمن زمان إمكانه؛ كما في صغيرة ومريضة ومتحيرة ومحرمة ومظاهر منها على ما مر، ولم ينحل الإيلاء بزوال المحذور؛ كبينونة زوجته التي علق طلاقها على وطاء هذه، ولم يطأها في قبلها في مدة (، الإيلاء، ولم يكن بها مانع وطاء .. فلها طلب زوجها بوطئها في قبلها؛ لأنه محل الاستمتاع وهو المراد بالفينة في آية الإيلاء، فإن وطئها فيه،. لزمه كفارة يمين؛ لحنثه، كما لو وطئها في المدة، أو بطلاقها؛ للآية السابقة.
وما ذكره الناظم من أنها تردد الطلب بين الوطاء والطلاق: هو ما حكاه الشيخان عن الإمام،
وعليه اقتصرا في الطرف الثاني"، وجزم به في «المنهاج» كا المحرر "، وحكى الرافعي عن المتولي أنها تطالبه بالوطء أولاً؛ لأن حقها فيه، فإن أبى .. طالبته بالطلاق، واعتمده، وتبعه في «الروضة) في الطرف الثالث.
أمّا إذا انحل الإيلاء، أو كان بها مانع وطء ابتداء، أو دواماً حساً أو شرعاً من نحو: غيبة وحبس، وجنون ونشوز، ومرض وصغر يمنعان الوطء، وفرض إحرام أو اعتكاف أو صوم .. فلا طلب لها، وليس الحيض والنفاس أو نفل صوم أو اعتكاف بمانع، أما الحيض .. فلأنها لا تخلو عنه غالباً، فلو قطع المدة .. لتضررت بطولها، وألحق به النفاس؛ لمشاركته له في أكثر الأحكام، وأما نفل الصوم والاعتكاف .. فلأنه متمكن فيهما من وطئها.
فلو طرأ المانع وزال في المدة .. استؤنفت؛ كما في الطلاق الرجعي والردة، ولا يبني على ما مضى؛ لانتفاء التوالي المعتبر في حصول الضرر.
وأما إذا كان المانع به .. فلا يمنع الاحتساب؛ لأنها ممكنة والمانع منه، وهو المقصر بإيلائه وقصده المضارة، وليس لسيد الأمة مطالبته؛ لأن الاستمتاع حقها.
وينتظر بلوغ المراهقة، ولا يطالب لها وليها لما مر، ولو تركت حقّها .. فلها المطالبة بعده؛ لتجدد الضرر.
وإن كان به مانع طبيعي؛ كعنة ومرض يتعذر معه الوطاء، أو يخاف منه زيادة الضعف، أو بطء البرء .. طالبته بأن يفيء بلسانه؛ بأن يقول:(إذا قدرت .. فنت) لأن به يخف الإيذاء" ويطلق إن لم يفاء، أو شرعي؛ كصوم وإحرام وظهار قبل التكفير .. لم يطالب بالوطء، بل بالطلاق؛ لأنه الذي يمكنه لحرمة الوطء عليه، فإن عصى بوطاء .. سقطت المطالبة.
وتحصل الفيئة بتغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها بقبلها؛ لأن سائر الأحكام تتعلق به ثيباً كانت، أو بكراً إن زالت بذلك بكارتها، وإلا .. فلا بد من إزالتها، ولا يكفي الوطء في الدبر؛ لأنه مع حرمته لا يحصل الغرض.
نعم؛ إن لم يصرح في إيلائه بالقبل ولا نواه بأن أطلق .. انحل بالوطء في الدبر.
ولو حصل تغييب الحشفة مع نزولها عليه، أو إجباره على ذلك، أو جنونه .. سقطت
المطالبة؛ لوصولها إلى حقها من غير حنث وانحلال ليمينه؛ لأنها لا تتناول نزولها، وفعل المكره والمجنون كلا فعل، فلو وطئها ثانياً مختاراً عاقلاً .. حنث وانحلت اليمين.
ولا تلازم بين حكم الإيلاء وعدم الانحلال؛ إذ قد يرتفع الأول ويبقى الثاني، كما لو طلقها بائناً بعد الإيلاء منها بما لا ينحل ببينونتها .. فإنه يرتفع حكم الإيلاء، ويبقى عدم الانحلال وإن أعادها إلى نكاحه.
ولا يمهل عند المطالبة ثلاثة أيام إذا استمهل ليفيء أو يطلق فيها، بخلاف ما دونها؛ كيوم ونحوه بقدر ما يستعد به للوطء؛ كزوال صوم أو جوع أو شبع؛ لأن مدة الإيلاء مقدرة بأربعة أشهر فلا يزاد عليها أكثر من قدر الحاجة.
ولا يقع طلاق القاضي في مدة إمهاله، فإن أبى الوطء والطلاق بعد أمر الحاكم بذلك .. طلقها الحاكم نيابة عنه – لأنه حق توجه عليه وتدخله النيابة، فإذا امتنع منه .. ناب عنه الحاكم؛ كقضاء الدين والعضل - طلقة واحدة؛ لحصول الغرض بها فلو زاد عليها .. لم يقع الزائد ويوقع طلاقه معيناً إن عين الزوج في إيلائه المُولى منها، ومبهماً إن أبهمها؛ كقوله:(والله؛ لا أطأ إحداكن) ، ثم يبين الزوج المُولى منها إن عينها، ويعينها إن أبهمها، ويمنع من الجميع إلى البيان أو التعيين.
والألف في قول الناظم: (حكما) للإطلاق، وقوله (يطأ) بالسكون للوزن.