المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الفرائض جمع فريضة؛ بمعنى مفروضة؛ أي: مقدرة؛ لما فيها من - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌كتاب الفرائض جمع فريضة؛ بمعنى مفروضة؛ أي: مقدرة؛ لما فيها من

‌كتاب الفرائض

جمع فريضة؛ بمعنى مفروضة؛ أي: مقدرة؛ لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها.

والأصل فيها: آياتها، والأخبار الصحيحة الآتية؛ كخبر "الصحيحين":"ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى .. فلأولى رجل ذكر".

وورد في الحث على تعلمها وتعليمها أخبار منها: خبر: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بها" رواه الحاكم، وصحح إسناده، وروى ابن ماجه وغيره:"تعلموا الفرائض؛ فإنه من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينتزع من أمتي"، وسمي نصفاً لتعلفه بالموت المقابل للحياة، وقيل: النصف بمعنى الصنف؛ كقول الشاعر: [من الطويل]

(إذا مت كان الناس نصفان شامت

وآخر مثن بالذي كنت أصنع)

وقيل غير ذلك.

[ما يتعلق بتركة الميت من الحقوق المرتبة]

ويتعلق بالتركة خمسة حقوق مترتبة، وقد بدأ ببيانها فقال:

(يبدأ من تركه ميت بحق

كالرهن والزكاة بالعين اعتلق)

(فمؤن التجهيز بالمعروف

فدينه ثم الوصايا يوفى)

(من ثلث باقي الإرث، والنصيب

فرض مقدر أو التعصيب)

أول الحقوق: أنه يبدأ وجوباً من تركة الميت بحق تعلق بعينها؛ لتأكد بها، وذلك

ص: 713

كالرهن؛ بأن رهن عيناً بدين عليه أو على غيره، فيقدم المرتهن بها على مؤنة التجهيز، والزكاة فيقدم مستحقوها على مؤنة التجهيز.

ولما كان المتعلق بالعين لا يكاد تنحصر صوره .. أشار الناظم إلي ذلك بإدخاله الكاف على أول المثالين، فمنها: الجاني المتعلق برقبته مال؛ بأن أتلف مالاً أو جنى على آدمي خطأ، أو شبه عمد، أو عمداً لا قود فيه، أو عفى عنه بمال، والمبيع إذ مات مشتريه بثمن في ذمته مفلساً، ولم يتعلق به حق لازم ككتابة، سواء حجر عليه قبل موته أم لا.

الحق الثاني: مؤن التجهيز؛ أي: تجهيز الميت، وتجهيز من تلزمه مؤنته إذا مات في حياته؛ كثمن كفن، وأجرة غسل وحفر ودفن؛ لاحتياجه إلي ذلك كالمحجور عليه بالفلس، بل أولى؛ لانقطاع كسبه بالمعروف بحسب يساره وإعساره، ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه أو تقتيره.

الحق الثالث: دينه الذي كان عليه لله تعالى أو لآدمي؛ لكونه حقاً واجباً عليه.

الحق الرابع: الوصايا نوفيها من ثلث باقي الإرث، ومثلها ما ألحق بها من عتقٍ علق بالموت، وتبرع نجز في مرضه المخوف أو الملحق به، وقدمت على الإرث؛ لقوله تعالى:{من بعد وصية يوصى بها أو دين} ، وتقديمها لمصلحة الميت؛ كما في الحياة، و (من) للابتداء فتدخل الوصايا بالثلث وببعضه.

الحق الخامس: نصيب الوارث؛ من حيث إنه يتسلط عليه بالتصرف؛ ليصح تأخره عن بقية الحقوق، وإلا .. فتعلقها بالتركة لا يمنع الإرث على الصحيح، ولهذا عطفه الناظم بالواو دون بقية الحقوق.

ثم الوارث إن كان له سهم مقدر في الكتاب أو السنة .. فهو صاحب فرض، وإلا فعاصب.

(فالفرض ستة، فنصف اكتمل

للبنت أو لبنت الابن ما سفل)

(والأخت من أصلين أو من الأب

وهو نصيب الزوج إن لم يحجب)

(بولد أو ولد ابن علما

والربع: فرض الزوج مع فردهما)

(وزوجة فما علا إن عدما

وثمن: لهن مع فردهما)

ص: 714

[الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى]

أي: الفرض بمعنى الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: الربع، والثلث، وضعف كل، ونصفه، وأشاروا بقولهم:(في كتاب الله تعالى) إلي أن المراد الحصر بالنسبة لما في القرآن، وإلا .. فمطلق الفروض تزيد على ستة؛ كثلث ما بقي في الجد، وفي مسألتي: زوج أو زوجة وأبوين.

[فرض النصف]

فالنصف الكامل فرض خمسة: البنت، وبنت الابن وإن سفل، والأخت الشقيقة، والأخت للأب إذا انفردن عمن يعصبهن، وعمن يساويهن من الإناث، قال تعالى في البنت:{وإن كانت واحدة فلها النصف} ، وبنت الابن كالبنت إجماعاً؛ إذ لفظ البنت يشملها؛ إعمالاً له في حقيقته ومجازه، وقال في الأخت:{وله أخت فلها نصف ما ترك} ، والمراد: أخت لأبوين أو لأب؛ لما سيأتي أن للأخت للأم السدس.

والنصف فرض الزوج إن لم يحجب؛ أي: عنه بولد لزوجته، أو ولد ابن لها، قال تعالى:{ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} ، وولد الابن كالابن بما مر، والمراد به هنا، وفيما سيأتي: من يرث بخصوص القرابة، فيخرج غير الوارث، والوارث بعمومها كولد بنت الابن، وقد أشار إلي ذلك بقوله:(علما).

[فرض الربع]

والربع فرض اثنين: الزوج مع ولد الزوجة أو ولد ابنها، وزوجة فأكثر إن عدما؛ أي: ولد زوجها وولد ابنه، قال تعالى:{ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد} ، وولد الابن كالولد بما مر، وقد ترث الأم الربع فرضاً في حال يأتي، فيكون الربع فرض ثلاثة.

[فرض الثمن]

والثمن: فرض زوجة فأكثر مع ولد الزوج، أو ولد ابنه قال تعالى:{فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم} ، وولد الابن كالولد بما مر.

و(ما) في قول الناظم: (ما سفل) مصدرية.

ص: 715

[فرض الثلثين]

(والثلثان: فرض من قد ظفرا

بالنصف مع مثل لها فأكثرا)

أي: الثلثان فرض أنثى قد ظفرت بالنصف؛ أي: فازت به مع مثل لها فأكثر، فهما فرض أربعة: بنتين فأكثر، وبنتي ابن فأكثر، وأختين لأبوين فأكثر، وأختين لأب فأكثر، قال تعالى:{فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} ، وقيس بالبنات: بنات الابن، بل هن داخلات في لفظ البنات على القول بإعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وبالأختين: البنتان وبنتا الابن، وبالبنات في عدم الزيادة على الثلثين: الأخوات.

وألف (ظفرا) و (فأكثرا) للإطلاق.

(والثلث: فرض اثنين من أولاد أم

فصاعداً، أنثى تساوي ذكرهم)

(وهو لأمه إذا لم تحجب

وثلث الباقي: لها مع الأب)

(وأحد الزوجين، والسدس حبوا

أما مع الفرع وفرع الابن أو)

(إثنين من أخوات أو من إخوة

والفرد من أولاد أم الميت)

(وجدة فصاعداً لا مدليه

بذكر من بين ثنتين هيه)

(وبنت الابن صاعداً مع بنت

فرد، وأختاً من أب مع أخت)

(أصلين، والأب وجداً ما علا

مع ولدٍ أو ولد ابن سفلا)

[فرض الثلث]

أي: والثلث فرض اثنين فصاعداً من ولد الأم، قال تعالى:{وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا من ذلك أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} ، والمراد: أولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره: (وله أخ أو أخت من أم)، وهي وإن لم تتواتر، لكنها كالخبر في العمل بها على الصحيح؛ لأن مثل ذلك إنما يكون توقيفاً.

وسواء أكان الاثنان ذكرين أم أنثيين أم خنثيين أم مختلفين؛ إذ لا تعصيب فيمن أدلو،

ص: 716

بخلاف الأشقاء أو لأب؛ فإن فيهم تعصيباً، فكان للذكر مثل حظ الأنثيين.

وهو لأم الميت إذا لم تحجب؛ بأن لم يكن للميت ولد، ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات، ولا أب من أحد الزوجين؛ قال تعالى:{فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} ، وولد الابن كالولد بما مر.

والمراد من الإخوة: عدد ممن له إخوة ولو من الإناث على التغليب الشائع، وعلى أن أقل الجمع اثنان كما عليه جمع، أو ثلاثة على الأصح، لكنه استعمل في الاثنين مجازاً؛ للإجماع على أنهما كالثلاثة هنا، ولأنه حجب يتعلق بعدد فكان الاثنان فيه كالثلاثة؛ كما في حجب البنات لبنات الابن، وقد يفرض للجد مع الإخوة كما سيأتي.

وثلث الباقي للأم مع الأب والزوج أو الزوجة؛ ليكون للأب مثلاها على الأصل في اجتماع الذكر والأنثى المتحدي الدرجة من غير أولاد الأم، ولاتفاق الصحابة على ذلك قبل إظهار ابن عباس الخلاف، ولأن كل ذكر وأنثى لو انفردا .. اقتسما المال أثلاثاً، فإذا اجتمعا مع الزوج أو الزوجة .. اقتسما الفاضل كذلك؛ كالأخ والأخت، فالأولى من ستة: للزوج نصفها ثلاثة، وللأم ثلث الباقي، وثلثاه للأب، وعبروا عن حصة الأم فيهما بثلث الباقي مع أنه في الأولى السدس وفي الثانية الربع؛ تأدباً مع لفظ القرآن في قوله تعالى:{وورثه أبواه فلأمه الثلث} ، وتسمى المسألتان بالغراوين؛ لشرتهما بينهم، وبالعمريتين؛ لأنهما رفعتا إلي عمر رضى الله عنه فحكم فيهما بما ذكر، وبالغريبتين؛ لغرابتهما.

وخرج ب (الأب): الجد، فللأم معه الثلث كاملاً لا ثلث الباقي؛ لأنه لا يساويها في الدرجة، وقد يرث الجد إذا كان معه إخوة ثلث الباقي.

[فرض السدس]

والسدس حبوا؛ أي: أعطاه العلماء سبعة: أما مع الولد أو ولد الابن، أو اثنين من الأخوات والإخوة؛ لقوله تعالى:{فإن كان له إخوة فلأمه السدس} ، كما مر بيانه، وسواء كانا من الأب والأم، أم من الأب، أم من الأم، وسواء أكانا وارثين أم محجوبين بغيرهما، أما بنو الإخوة .. فلا يحجبونها عن الثلث؛ كما أفهمه كلامه؛ لأنهم ليسوا إخوة بخلاف ولد الابن؛ لإطلاق لفظ الابن عليه مجازاً شائعاً، بل قيل: حقيقة، والفرد من أولاد أم الميت ذكراً كان أو أنثى أو خنثى؛ لما مر في آيته.

ص: 717

وقد علم مما مر: أن أولاد الأم يخالفون بقية الورثة في خمسة أشياء: أحدها: تقاسمهم بالسوية، ثانيها: يرثون مع من يدلون به، ثالثها: يحجبون من يدلون به حجب نقصان، رابعها: يدلون بأنثى ويرثون، خامسها: ذكرهم المنفرد كأنثاهم المنفردة.

وجدةً فصاعدا لأم أو لأب؛ لخبر أبي داوود وغيره: (أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس)، وروى الحاكم بسند صحيح:(أنه قضى به للجدتين)، وروى أبو داوود في "مراسيله"، والدارقطني بسند مرسل:(أنه أعطى السدس ثلاث جدات: ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم)، ويرث منهن أم الأم، وأمهاتها المدليات بإناث خلص؛ كأم أم الأم- ولا يرث من قبل الأم إلا واحدة -وأم الأب وأبيه وإن علا، وأمهاتهن المدليات بإناث خلص؛ لإدلائهن بوارث، وضابط إرث الجدات أن يقال: كل جدة أدلت بمحض إناث كأم أم الأم، أو بمحض ذكور كأم أبي الأب، أو بمحض إناث إلي ذكور أم أم الأب .. ترث.

ومن أدلت بذكر بين أنثيين كأم أبي الأم .. لا ترث لأنها مع الذكر من ذوي الأرحام.

ويسوى فيما لو كانت إحداهن بجهتين والأخرى بجهة بين ذات الجهة والجهتين، فلا تفضل الثانية على الأولى بزيادة الجهة؛ لأن الجدودة قرابة واحدة، بخلاف ابني عم أحدهما أخ لأم؛ أبي أبيه .. فهي ذات جهتين، فلو خلف معها أم أم أبية .. فالسدس بينهما مناصفة لا مثالثة،

وكذا لو كانت ذات جهات؛ كأن نكح هذا الولد بنت بنت بنت أخرى لهند، فأولدها ولداً، فهند جدته من ثلاث جهات؛ لأنها أم أم أم أمه، وأم أم أم أبيه، وأم [أبي] أبي أبيه.

والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم كما سيأتي، وللأب يحجبها الأب أو الأم؛ لأن إرثها بطريق الأمومة، والأم أقرب منها.

والقربى من كل جهة تحجب البعدى منها كأم أم، وأم أم أم، وكأم أب، وأم أم أب، والقربى من جهة الأم؛ كأم أم تحجب البعدى من جهة الأب؛ كأم أم أب، والقربى من جهة الأب؛ كأم أب لا تحجب البعدى من جهة الأم؛ كأم أم أم في الأظهر، بل يشتركان في السدس.

ص: 718

وأعطى العلماء السدس بنت الابن فصاعدا من بنت فردة للصلب، وأختا فصاعدا من الأب مع أخت شقيقة، أما الأولى .. فللإجماع، ولقضائه صلى الله عليه وسلم فيها بذلك، رواه البخاري عن ابن مسعود، وبنت ابن الابن مع بنت الابن؛ كبنت الابن مع بنت الصلب

وهكذا، وأما الثانية .. فكما في بنت الابن مع بنت الصلب، والأب وأباه وإن علا مع ولد أو ولد ابن وإن سفل؛ قال تعالى:{ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} ، وولد الابن كالولد بما مر، وقيس بالأب الجد، وخرج ب (أب الأب وإن علا): أبو الأم وإن علا؛ فإنه من ذوي الأرحام.

وقول الناظم: (والسدس) يجوز رفعه ونصبه، قوله:(أو من إخوة) بدرج الهمزة للوزن، وقوله:(فرد) أي: فردة، فحذف الهاء للترخيم، وقوله:(سفلا) بفتح الفاء وضمها، وألفه للإطلاق.

ولما أنهى الكلام على ذوي الفروض .. شرع في ذكر العصبات فقال:

[العصبات]

(لأقرب العصبات بعد الفرض ما

يبقى، فإن يفقد فكلا غنما)

أي: لأقرب العصبات: جمع عصبة؛ وهو من ليس له سهم مقدر حال تعصيبه من جهة تعصيبه ما يبقي بعد الفرض وإن تعدد، وهذا صادق بالعصبة بنفسه: وهو كل ذي ولاء أو ذكر نسيب ليس بينه وبين الميت أنثى، وبغيره: هو كل أنثى عصبها ذكر، ومع غيره: وهو كل أنثى تصير عصبة باجتماعها مع أخرى، فإن يفقد؛ أي: الفرض .. فكل التركة غنمها أقرب العصبات، وهو صادق بالعصبة بنفسه، وبنفسه وغيره معاً.

والأصل في ذلك: خبر: (ألحقوا الفرائض).

والألف في قول الناظم: (غنما) للإطلاق.

ص: 719

(ألابن بعده ابنه فأسفلا .. فالأب فالجد له وإن علا)

(وإن يكن أولاد أصلين وأب

أو زاد ثلثه على قسم وجب)

(إذ ليس فرض، أو يكون راقي

بسدسه، أو زاد ثلث الباقي)

(وكان في القسمة فرض وجدا

فالجد يأخذ الأحظ الأجود)

(ثم اقسم الحاصل للإخوة بين

جملتهم لذكر كأنثيين)

(فالأخ للأصلين، فالناقص أم

فابن أخ الأصلين، ثم الأصل، ثم)

(العم فابنه، فعم للأب،

ثم ابنه، فمعتق، فالعصب)

أي: واقرب العصبات الابن؛ لقوة عصوبته؛ لأنه قد فرض للأب معه السدس وأعطى هو الباقي، ولأنه يعصب أخته، بخلاف الأب.

بعده ابنه؛ أي: بعد الابن الابن وإن سفل، فهو متقدم على الأب؛ لما مر، ومؤخر عن الابن، سواء أكان أباه أم عمه؛ لإدلائه به، أو لأنه عصبة أقرب منه، فالأب لإدلاء سائر العصبة به.

فالجد له؛ أي: للأب وإن علا، وفي درجته ولد الأبوين وولد الأب.

[أحكام الجد مع الإخوة]

وإن يكن؛ أي: وجد مع الجد أولاد أصلين؛ أي: الأب والأم، وأب؛ أي: أولاد الأب -فالواو بمعنى أو؛ إذ لا يستقيم ما ذكره في اجتماع الصنفين معه- شاركهم كما سيأتي؛ لمساواتهم له في الإدلاء بالأب ولا يسقطون به، بل كان القياس تقديمهم عليه؛ لأنهم أبناء أبي الميت، والجد أبو أ [يه، والبنوة أقوى من الأبوة، ولأن فرعهم وهو ابن الأخ يسقط فرع الجد وهو العم، قوة الفرع تقتضي قوة الأصل، إلا أن الإجماع منع منه؛ فلا أقل من أن يشاركوه.

فإذا اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب: فإن لم يكن معهم ذو فرض .. فله الأكثر من ثلث المال ومقاسمتهم كأخ، أما الثلث

فلأن له مع الأم مثلي ما لها، والأخوة لا ينقصوها عن السدس، فلا ينقصونه عن مثليه، وأما القسمة .. فلأنه كالأخ، والقسمة خير له إن كانوا أقل من مثليه؛ بأن يكون معه أخ، أو أخت، أو أختان، أو ثلاث أخوات، أو أخ

ص: 720

وأخت، والثلث خير له إن زادوا على مثليه، ولا تنحصر صوره، ويستوي له الأمران إن كانوا مثليه؛ بأن كان معه أخوان أو أخ، وأختان أو أربع أخوات، والفرضيون يعبرون في هذا بالثلث؛ لأنه أسهل، ويأخذه الجد فرضاً؛ كما صرح به ابن الهائم، وقال ابن الرفعة: إنه ظاهر نص "الأم"، لكن ظاهر كلام الغزالي والرافعي: أنه بالعصوبة، قال السبكي: وهو عندي أقرب.

وإن كان معهم ذو فرض .. فله الراقي؛ أي: الأكثر من سدس التركة؛ لأن البنين لا ينقصونه عنه، فالإخوة أولى، وثلث الباقي بعد الفرض الذي هو مستحق؛ كما يجوز ثلث الكل بدون ذي الفرض والقسمة؛ لما مر.

وضابط معرفة الأكثر من الثلاثة: أنه إن كان الفرض نصفاً أو أقل .. فالقسمة خير إن كانت الإخوة دون مثليه، وإن زادوا على مثليه .. فثلث الباقي خير، وإن كانوا مثليه .. استووا، وقد تستوي الثلاثة، وإن كان الفرض ثلثين .. فالقسمة خير إن كان معه أخت، وإلا .. فله السدس، وإن كان الفرض بين النصف والثلثين؛ كنصف وثمن .. فالقسمة خير مع أخ أو أخت أو أختين، فإن زادوا .. فله السدس.

وحيث أخذ السدس، أو ثلث الباقي .. أخذه فرضاً، وحيث استوت القسمة وغيرها .. فما يأخذه يكون فرضاً أو تعصيباً فيه ما مر.

ولا يتصور أن يرث بالفرض مع الجد والإخوة إلا ستة: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والزوج، والزوجة.

ثم بعد أخذ الجد نصيبه أقسم الحاصل للإخوة والأخوات بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

وقد لا يبقى بعد الفرض شيء؛ كبنتين وأم وزوج، فيفرض له سدس ويزاد في العول، وقد يبقى دون سدس؛ كبنتين وزوج، فيفرض له وتعال، وقد يبقى سدس؛ كبنتين وأم، فيفوز به الجد، وتسقط الإخوة في هذه الأحوال.

ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين ولأب .. فحكم الجد ما سبق، ويعد أولاد الأبوين عليه أولاد الأب، وإلا .. فتأخذ الواحدة إلى النصف، والاثنتان فصاعداً إلى الثلثين، ولا يفضل عن الثلثين شيء، وقد يفضل عن النصف فيكون لأولاد الأب.

ص: 721

[ترتيب بقية العصبات]

ثم إن لم يكن جد ولا من ذكر قبله .. فالأخ للأصلين؛ أي: الأبوين.

(فالناقص أم) بالوقف بلغة ربيعة؛ أي: ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ للأبوين، ثم ابن الأخ للأب، ثم العم للأبوين، ثم العم للأب، ثم ابن العم للأبوين، ثم ابن العم للأب، ثم عم الأب للأبوين، ثم عم الأب للأب، ثم ابن عم الأب للأبوين، ثم ابن عم الأب لأب، ثم عم الجد لأبوين، ثم عد الجد لأب

وهكذا، فالمعتق؛ لما رواه الحاكم وصحح إسناده: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب"، ولما رواه البيهقي: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقال: إني اشتريته وأعتقته فما أمر ميراثه؟ فقال: "إن ترك عصبة .. فالعصبة أحق، وإلا .. فالولاء لك"، وسواء كان المعتق رجلاً أم امرأة؛ لخبر "الصحيحين":"إنما الولاء لمن أعتق"، وقدم عليه عصبة النسب؛ للإجماع، ولأن النسب أقوى من الولاء؛ إذ يتعلق به أحكام لا تتعلق بالولاء؛ كالمحرمية ووجوب النفقة، وسقوط القود ورد الشهادة.

ثم لعصبة بنسب المتعصبين بأنفسهم، لا لبنته وأخته، وترتيبهم كترتيبهم في النسب، لكن الأظهر: أن أخ المعتق وابن أخيه يقدمان على جده، فإن لم يكن له عصبة .. فلمعتق المعتق، ثم عصبته كذلك

وهكذا.

ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها، أو منتمياً إليه بنسب، أو ولاء.

والألف في قول الناظم: (فأسفلا) و (وجدا) و (الأجودا) للإطلاق، وقوله:(قسم) بفتح القاف.

(ثم لبيت المال إرث الفاني

ثم ذوي الفروض لا الزوجان)

(بنسبة الفروض، ثم ذي الرحم

قرابة فرضاً وتعصيباً عدم)

ص: 722

[من يرث الميت إذا لم يكن له وارث]

أي: ثم بعد من ذكر من ورثة الميت المسلم تصرف تركته أو باقيها لبيت المال؛ أي: للمسلمين إرثاً؛ كما يتحملون عنه الدية، ولخبر:"أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه" رواه أبو داوود، وصححه ابن حبان، ولكونهم عصبة قدموا على من يأتي، فلا يجوز صرف شيء منه إلى القاتل والكفار والمكاتبين.

ويجوز تخصيص طائفة من المسلمين به، وصرفه للموصى له، ولمن ولد أو أسلم أو أعتق بعد موته، هذا إن انتظم أمر بيت المال؛ بأن يلي إمام عادل يصرف ما فيه في مصارفه كما كان في زمن الصحابة رضي الله عنهم.

ثم بعده- بأن لم يكن إمام كذلك- لذوي الفروض إرث الفاني؛ بأن يرد عليهم الباقي بعدها إرثاً؛ لأن التركة مصروفة لهم أو لبيت المال اتفاقاً، فإذا تعذر أحدهما .. تعين الآخر، والتوقف عرضة للفوات، لا الزوجان فلا يرد عليهما؛ إذ لا قرابة بينهما، فإن وجد فيهما قرابة .. دخلا في ذوي الأرحام، وسيأتي بيانهم.

قال الرافعي: وإنما قدم عليهم ذوو الفروض؛ لأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى.

ثم إن كان من يرد عليه شخصاً واحداً .. أخذ فرضه والباقي بالرد، أو جماعة من صنف كبنات .. فبالسوية، أو من صنفين فأكثر .. رد الباقي بنسبة الفروض التي لهم.

ففي بنت وأم وزوج: الباقي من مخرج الربع بعد تنصيب الزوج ثلاثة لا تقسم على أربعة سهام البنت والأم من مسألتهما، فتضرب في مخرج الربع، فتصح من ستة عشر، للزوج أربعة، وللبنت تسعة، وللأم ثلاثة.

وفي بنت وأم وزوجة: الباقي من مخرج الثمن بعد إخراج نصيب الزوجة سبعة، لا تنقسم على أربعة سهام البنت والأم من مسألتهما، فتضرب في مخرج الثمن، فتصح من اثنتين وثلاثين، للزوجة أربعة، وللبنت أحد وعشرون، وللأم سبعة.

وفي بنت وأم سهامهما من مسألتهما أربعة تجعل أصل المسألة؛ للبنت ثلاثة، وللأم واحد.

ص: 723

[إرث ذوي الأرحام]

ثم إن عدم من يرثه بالفرضية ممن يرد عليه، ومن يرثه بالتعصيب كما مر .. صرفت التركة أو باقيها لذي الرحم ولو غنياً إرثاً؛ وهو كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة، وهم عشرة أصناف: أب الأم، وكل جد وجدة ساقطين، وأولاد البنات، وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، وبنو الإخوة للأم، والعم للأم، وبنات الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والمدلون بالعشرة.

ومن انفرد من ذوي الأرحام ذكراً كان أو أنثى .. أخذ جميع المال، وإن اجتمعوا .. نزل كل فرع منزلة أصله، ويقدم الأسبق إلى الوارث، فإن استووا .. قدر أن الميت خلف من يدلون به، ثم يجعل نصيب كل واحد للمدلين به على حسب ميراثهم منه لو كان هو الميت، ففي بنت بنت، وبنت بنت ابن: يقسم المال بينهما أرباعاً فرضاً ورداً، وفي بنت ابن بنت، وبنت بنت ابن: المال للثانية؛ لسبقها إلى الوارث.

(وعصب الأخت أخ يماثل

وبنت الابن مثلها والنازل)

(والأخت لا فرض مع الجد لها

في غير (أكدرية) كملها)

(زوج وأم، ثم باق يورث

ثلثاه للجد وأخت ثلث)

[من يعصب الأخت]

أي: وعصب الأخت الشقيقة والأخت للأب: أخ يماثلها؛ أي: يساويها قرباً، فيكون المال أو ما بقي منه بعد الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين؛ كما يعصب الابن البنت؛ قال تعالى:{وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثتيين} ، وقال:{يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثتيين} ، وخرج بالمساوي غيره، فلا يعصب الأخ لأب الأخت الشقيقة، بل يفرض لها معه، ويأخذ الباقي بالتعصيب، ولا الأخ لأبوين الأخت لأب، بل يحجبها.

قوله: (وبنت الابن مثلها) أي: يعصبها أخ يساويها في الدرجة؛ كأخته وبنت عمه مطلقاً، سواء فضل لها شيء من الثلثين أم لا؛ كما يعصب الابن البنات والأخ الأخوات، وخرج بقوله:(مثلها) من أعلى منها؛ فإنه يسقطها.

ويعصب بنت الابن أيضاً الذكر النازل عنها من أولاد الابن؛ أي: إن لم يكن لها شيء من الثلثين كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شيء من الثلثين .. فلا يعصبها؛ كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، بل للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي له؛

ص: 724

لأن لها فرضاً استغنت به عن تعصيبه، ولو كان في هذا المثال بنت ابن ابن أيضاً .. كان الباقي بينهما وبين ابن ابن الابن أثلاثاً.

قال الفرضيون: وليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته، وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه، وبنات أعمام أبيه وجده، إلا النازل من أولاد الابن، وعصبت البنت أو بنت الابن أختاً شقيقة، أو أختاً لأب، فتأخذان ما بقي بعد الفرض وتسقطان بالاستغراق، فلو خلف بنتاً أو بنت ابن وإحدى الأختين .. فللبنت أو بنت الابن النصف، والباقي للأخت بالتعصيب، ولو خلفهما مع الأخت .. فللبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت بالتعصيب، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري.

[المسألة الأكدرية]

قوله: (والأخت لا فرض مع الجد لها) أي: سواء أكانت لأبوين أم لأب؛ كما لا يفرض لها مع أخيها؛ لوجود من يجعلها عصبة، ولا تعول المسألة بسببها وإن كان قد يفرض للجد، وتعول المسألة بسببه كما مر؛ لأنه صاحب فرض بالجدودة فيرجع إليه للضرورة، إلا في الأكدرية؛ وهي: جد وأخت شقيقة أو لأب كمل مسألتهما زوج وأم، فللزوج نصف، وللأم ثلث؛ لعدم من يحجبها عنه، وللجد السدس؛ لعدم من يحجبه، وللأخت النصف؛ لعدم من يسقطها ومن يعصبها، فإن الجد لو عصبها .. نقص حقه، فتعين الفرض لها، فتعول بنصيب الأخت وهو النصف إلى تسعة؛ فإن أصلها من ستة، ثم يقتسم الجد والأخت نصيبهما أثلاثاً له الثلثان ولها الثلث، ونصيبهما أربعة لا تنقسم على ثلاثة، فاضرب ثلاثة في تسعة .. تبلغ سبعة وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة، وللأخت أربعة، وللجد ثمانية.

وسميت أكدرية؛ لنسبتها إلى أكدر، وهو اسم السائل عنها، أو المسئول، أو الزوج، أو بلد الميتة، أو لأنها كدرت على زيد مذهبه، فإنه لا يفرض للأخوات مع الجد، ولا يعيل، وقد فرض فيها وأعال، وقيل: لتكدر أقوال الصحابة فيها، وقيل غير ذلك.

وقول الناظم: (وأخت) بالجر عطفاً على الجد.

[حجب الحرمان بالأشخاص]

ثم لما فرغ من ذكر العصبة لغيره، والعصبة مع غيره .. شرع في ذكر الحجب، وهو لغة: المنع، وشرعاً: منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية، أو من أوفر حظيه، ويسمى

ص: 725

الثاني: حجب نقصان وقد مر، والأول: حجب حرمان وهو المراد بقوله:

(وكل جدة فبالأم احجب

ويحجب الأخ الشقيق بالأب)

(والابن وابنه، وأولاد الأب

بهم، وبالأخ الشقيق فاحجب)

(وولد الأم أب أو جد

وولد وولد ابن يبدو)

أي: وكل جدة من جهة الأم أو الأب .. فبالأم احجبها؛ للإجماع، ويحجب الأخ الشقيق ومثله الشقيقة بالأب والابن وابن الابن وإن سفل بالإجماع، وأولاد الأب ذكوراً كانوا أو إناثاً احجبهم بهم؛ أي: بهؤلاء؛ لأنهم حجبوا الشقيق؛ فهم أولى، وبالأخ الشقيق؛ لقوته بزيادة القرب، وولد الأم ذكراً كان أو أنثى يحجبه أب أو جد لأب وولد ذكراً كان أو أنثى، وولد ابن ولو أنثى كما مر.

و(الكلالة): اسم لما عدا الوالد والولد، فدل على أنهم إنما يرثون عند عدمها، وكسر الناظم باء (احجب) في الموضعين؛ للوزن.

وقوله: (وأولاد الأب) بالنصب ويجوز رفعه، وقوله:(وولد الأم) بالنصب بفعل مقدر دل عليه (احجب) أي: يحجب ولد الأم.

[حجب الحرمان بالأوصاف]

ولما أنهى الكلام على حجب الحرمان بالأشخاص .. شرع في ذكره بالأوصاف، وهي موانع الإرث فقال:

(لا يرث الرقيق والمرتد

وقاتل كحاكم يحد)

(ولا تورث مسلماً ممن كفر

ولا معاهد وحربي ظهر)

أي: لا يرث الرقيق قناً كان أو مدبراً، أو مكاتباً أو أم ولد؛ لأنه لو ورث .. لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت، ومثل الرقيق المبعض، لكنه يورث عنه ما ملكه بحريته؛ لتمام ملكه عليه، ولا يرث المرتد من مسلم، وإن عاد إلى الإسلام بعد موته؛ لخبر: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ولا من كافر؛ إذ لا موالاة بينه وبين غيره؛ لتركه دين

ص: 726

الإسلام وعدم تقريره على ما انتقل إليه، وكما لا يورث، بل تركته فيء.

ولا يرث القاتل من مقتوله شيئاً، سواء أكان القتل عمداً أم خطأ أم شبه عمد، مباشرة أو سبباً أو شرطاً، وسواء أكان القاتل مكلفاً أم غير مكلف، مختاراً أم مكرهاً وإن لم يضمنه؛ كما إذا قتل الحاكم مورثه حداً؛ لكونه زانياً محصناً، أو كان قتله دفعاً لصياله، أو قصاصاً، أو بإيجار دواء، أو بشهادته عليه بما له دخل في قتله؛ لخبر النسائي بسند صحيح كما قال ابن عبد البر "ليس للقاتل من الميراث شيء"، ولتهمة استعجال قتله في بعض الصور، وسداً للباب في الباقي، وقد يرث المقتول من قاتله؛ كأن جرحه ثم مات الجارح قبل المجروح.

ولا تورث أنت مسلماً ممن كفر؛ أي: من كافر، سواء أكان ذمياً أم معاهداً، أم مستأمناً أم حربياً، ولا العكس؛ لخبر "الصحيحين":"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"، ولا فرق بين الولاء وغيره، وأما خبر:"لا يرث المسلم النصراني، إلا أن يكون عبده أو أمته" .. فقد أعله ابن حزم وإن صححه الحاكم، على أن معناه: أن ما بيده لسيده لا الإرث الحقيقي من العتيق؛ لأنه سماه عبده.

ولو مات كافر عن زوجة حامل فوقفنا الميراث للحمل، فأسلمت ثم ولدت .. ورثه ولده مع كونه محكوماً بإسلامه؛ لأنه كان محكوماً بكفره يوم الموت، وقد ورث منه إذ ذاك، وأفهم كلامه: أن الكافر يرث الكافر وإن اختلفت عقيدتهما؛ كاليهودي من النصراني، والنصراني من المجوسي، والمجوسي من الوثني، وبالعكس؛ لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة؛ قال تعالى:{لكم دينكم ولى دين} ، وقال تعالى:{فماذا بعد الحق إلا الضلل} .

ولا فرق في توارث بعضهم من بعض بين أن يكونا متفقي الدار ومختلفيها؛ بأن تختلف الملوك ويرى بعضهم قتل بعض؛ كالروم والهند، ولكن لا يرث الذمي والمعاهد والمستأمن من الحربي، ولا الحربي من واحد منهم؛ لانقطاع الموالاة بينهم.

وقول الناظم: (ولا معاهد) بكسر الهاء وفتحها، و (حربي) ظهرت محاربته، من عطف الخاص على العام.

ص: 727