المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإجازة بكسر الهمزة، وحكي فتحها وضمها، وهي لغة: اسم للأجرة، - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌باب الإجازة بكسر الهمزة، وحكي فتحها وضمها، وهي لغة: اسم للأجرة،

‌باب الإجازة

بكسر الهمزة، وحكي فتحها وضمها، وهي لغة: اسم للأجرة، وشرعاً: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم، فالمعقود عليه المنفعة؛ لأنها التي تستحق بالعقد، ويتصرف فيها المستأجر، وقيل: العين؛ ليستوفي منها المنفعة؛ لإضافة اللفظ إليها غالباً، ولأن المنفعة معدومة، ومورد العقد يجب أن يكون موجوداً.

والأصل فيها قبل الإجماع: خبر البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق استأجر رجلاً من بني الديل)، وخبر مسلم:(أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة)، والحاجة داعية إليها.

ولها أربعة أركان: عاقد، وصيغة، وأجرة، ومنفعة.

وقد أشار إليها بقوله:

(شرطهما: كبائع ومشتري

بصيغة من مؤجر ومكتري)

(صحتها: إما بأجرة ترى

أو علمت في ذمة الذي أكترا)

(في نحض نفع مع عين بقيت

مقدورة التسليم، شرعاً قومت)

(إن قدرت بمدة أو عمل

قد علما، وجمع ذين أبطل)

(تجوز بالحلول والتأجيل

ومطلق الأجر: على التعجيل)

(تبطل إذ تتلف عين مؤجره

لا عاقد لكن بغصي خبره)

(والشرط في إجارة في الذمم

تسليمها في مجالس السلم)

(ويضمن الأجير بالعدوان

وبده فيها بد ائتمان)

(والأرض إن أجرتها بمطعم

أو غيره صحت ولو في ألذمم)

(لا شرط جزء علما من ربعه

لزارع ولا بقدر شبعه)

ص: 677

[عاقد الإجارة وشروطه]

أما العاقد - وهو المؤجر والمستأجر - فشرطهما كشرط البائع والمشتري؛ من الرشد وعدم الإكراه بغير حق؛ كما مر في البيع، وأعاد الناظم ضمير التثنية عليهما؛ لفهمهما من لفظ الإجارة.

[صيغة الإجارة]

وأما الصيغة .. فإيجاب من المؤجر؛ كـ (أجرتك هذا سنة بكذا)، أو (أكريتكه سنة بكذا)، أو (ملكتك)، أو (أعطيتك منفعته سنة بكذا)، أو (أجرتك منفعته سنة بكذا) لأن المنفعة مملوكة بالإجازة؛ فذكرها فيها تأكيد كما في:(بعتك رقبة هذا أو عينه)، ولا تنعقد بلفظ البيع في الأصح، ولأنه وضع لتمليك العين فلا يستعمل في المنفعة؛ كما لا يستعمل لفظ الإجارة في البيع، وتنعقد بالكناية مع النية؛ كـ (أسكن الدار شهراً أو سنة بكذا).

وقبول من المكتري متصل بالإيجاب؛ كسائر عقود المعاوضات؛ كـ (استأجرته)، أو (اكترتيته)، أو (استأجرت منفعته)، لا (اشتريتها).

وهي قسمان: واردة عن العين؛ كإجارة عقار، أو دابة أو شخص معينين، وعلى الذمة؛ كاستئجار دابة موصوفة، أو بأن يلزم ذمته خياطة أو بناء، ولو قال:(استأجرتك لكذا)، أو (لتفعل كذا) .. فإجارة عين في الأصح؛ كما لو قال:(استأجرت عينك)، أو (نفسك) أو (لتفعل بنفسك).

[الأجرة وشروطها]

وأما الأجرة .. فقد أشار إليها بقوله: (ًحتها) أي: الإجارة؛ إما بأجرة ترى بأن يراها المتعاقدان إن كانت معينة، ولا يضر بالجهل بقدرها؛ كثمن المبيع، أو علمت للمتعاقدين جسناً وقدراً وصفة إن كانت في ذمة الذي اكترى كالثمن، فلو قال:(أجرتك هذا بنفقته) أو (كسوته) .. لم تصح.

وأما جواز الحج بالرزق .. فليس بإجازة؛ كما اقتضاه قول "الشرح الصغير" و"الروضة": يجوز الحج بالرزق كما يجوز بالإجارة، بل هو نوع من التراضي والمعونة؛

ص: 678

كما أشار إليه البيهقي، واختاره السبكي، وأما إيجار عمر أرض السواد بأجرة مجهولة .. فلما فيه من المصلحة العامة المؤبدة.

ولو أجر داراً بعمارتها، أو دابة بعلفها، أو أرضاً بخراجها ومؤنتها، أو بدراهم معلومة على أن يعمرها من عنده، أو على أن يصرفها في العمارة .. لم تصح؛ للجهالة، ولأن العمل في الصرف مجهول، ويرجع بها إن صرفها، فلو أطلق العقد ثم أذن له في الصرف .. جاز كما جزم به الشيخان، قال ابن الرفعة: ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض؛ لوقوعه ضمناً، فإن اختلفا في قدر ما أنفق .. ففي المصدق منهما وجهان، أشبههما في "الأنوار": المتفق إن ادعى محتملاً، ولا يجوز جعل الأجرة شيئاً يحصل بعمل الأجير، فلو استأجره ليسلخ بالجلد، أو يطحن ببعض الدقيق أو بالنخالة، أو لترضع رقيقاً ببعضه بعد الفطام، أو ليقطف الثمر بجزء منه بعد القطاف، أو لينسج الثوب بنصفه .. فسد، وله أجرة مثله.

[شروط المنفعة]

وأما المنفعة .. فلها شروط:

الأول: أن تكون محضة مع بقاء العين؛ بألا تتضمن الإجارة استيفاء عين قصداً، ولا استهلاكها؛ إذ هي عقد يراد به المنافع دون الأعيان، فلو استأجر بستاناً لثماره، أو شاة لنتاج أو صوف أو لبن، أو شمعاً للإيقاد له، أو طعاماً للأكل .. لم تصح؛ لما علم من أن الأعيان لا تملك بالإجارة، وقد تستحق بها الأعيان؛ تبعاً للضرورة أو الحاجة؛ كاستئجار بئر أو قناة للانتفاع بمائها؛ لتعذر بيعه، واستئجار المرأة للإرضاع مطلقاً يتضمن استيفاء اللين والحضانة الصغرى؛ وهي: وضع الطفل في الحجر، وإلقامه الثدي، وعصره له بقدر الحاجة.

والأصح: أن الأصل الذي يتناوله العقد فيما ذكر فعلها، واللبن تابع لا عكسه؛ لتعلق الأجرة في الآية بفعل الإرضاع لا باللبن، ولأن الإجارة موضوعة لاستحقاق المنافع، فإذا استحقت عين لضرورة .. فهي تابعة؛ كالبئر تستأجر ليستقى ماؤها، والدار تستأجر وفيها بئر ماء يجوز الاستيفاء منها.

ص: 679

والمراد بالنفع: النفع الحالي؛ فلا يجوز اكتراء الجحش الصغير؛ لأن وضع الإجارة على تعجيل المنافع.

الثاني: أن تكون مقدورة التسليم حساً وشرعاً؛ كما في البيع، فلا يصح استئجار آبق ومغصوب، وأخرس للتعليم، وأعمى للحفظ، وحائض أو نفساء لتعليم قرآن أو خدمة مسجد إجارة عين، وكذا من لا يحسن القرآن لتعليمه وإن وسع الوقت لتعلمه قبل التعليم؛ لأن المنفعة مستحقة من عينه، والعين لا تقبل التأخير، وأرضٍ للزراعة لا ماء لها دائم ولا يكفيها المطر المعتاد، فإن كفاها، او كان لها ماء دائم، أو ماء ثلج، أو مطر في الجبل والغالب حصوله .. جاز.

ولو استأجر أرضاً للزراعة على شط النيل، أو الفرات ونحوهما، بعدما علاها الماء وانحسر، وكان يكفي لزرعها .. جاز، وكذا قبل انحساره إذا كان مرجواً وقت الزراعة عادة، وإن كانت الأرض غير مرئية على المذهب، أو قبل أن يعلوها، ووثق بحصوله كالمد بالبصرة .. صح، وكذا إن كان الغالب حصوله في الأصح.

الثالث: أن تكون متقومة؛ ليحسن بذل المال في مقابلتها، فلا يصح استئجار تفاحة للشم، لأنها لا تقصد له؛ فهي كحبة بر في البيع، فإن كثر التفاح .. فالوجه: الصحة؛ لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم، ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين، قاله في "الروضة" و"أصلها"، وفرق في "المهمات" تبعاً للسبكي: بأن المقصود من المسك والرياحين الش، ومن التفاح الأكل دون الرائحة.

ولو استأجر دراهم أو دنانير وأطلق .. فباطل، أو للتزيين. فكذا في الأصح، أو الأطعمة للتزيين .. فكذا على المذهب، أو الأشجار للتجفيف أو لظلها أو لربط الدواب بها .. فالوجهان، وقال بعضهم: الأصح هنا: الصحة؛ لأنها منافع مهمة، واستئجار الببغاء للاستئناس قال البغوي: فيه وجهان، وقطع المتولي بالجواز، وكذا ما يستأنس بلونه كالطاووس، أو بصوته كالعندليب.

واستئجار البياع على كلمة لا تتعب؛ ككلمة البيع .. باطل وإن روجت السلعة؛ إذ لا قيمة لها، قال محمد بن يحيي: هذا في مستقر القيمة؛ كالخبز واللحم، أما الثياب والعبيد، وما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين .. فللبائع فيه مزيد نفع، فتجوز الإجارة له وأقره

ص: 680

الشيخان، وبه جزم في "الكفاية"، وحيث منعنا ولم يتعب .. فلا أجرة له، وإن تعب بكثرة التردد والكلام .. فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون.

الرابع: حصولها للمستأجر لا للمؤجر; لئلا يجتمع العوضان في ملك واحد، فلو قال:(اكتريت دابتك لتركبها بمئة) .. لم يصحَّ، ولا يصح استئجار مسلمِ لجهاد، ولا لعبادة تجب لها نية، إلا لنحو حج، وتفرقة زكاة، وذبح أضحية، ويصح لفرض كفايةِ، كتجهيز ميت ودفنه، وتعليم قرآن، وكذا إن تعين عليه في الأصح، ولشعارِ كأذان في الأصح، والأجرة للأذان بجميع صفاته في الأصح، لا الإقامة في صلاة فرض، وكذا نفل في الأصح، ولا لقضاء أو تدريسِ، وجَوَّزه الإمام لتعليم معيَّن مسألةَ أو مسائل مضبوطة، وحمل إطلاقهم المنع على غيره، وكذلك يمتنع استئجار من يقرئ.

الخامس: العلم بها عيناً وقدراً وصفةَ، كما في البيع، فإذا لم يكن للعين إلا منفعة .. حمل العقد عليها، أو منافع .. وجب البيان، فلا يصح إيجار أحد الشَّيئين مبهماً، لا إيجار ما تعددت منفعته بلا تعيين.

نعم، لو قال في إجارة الأرض:(إن شئت فازرع، وإن شئت فاغرس)، أو قال:(أجرتكها لتنتفع بها ما شئت) .. صحَّ، بخلاف ما لو قال:(أجَّرتك الدابة لتحمل عليها ما شئت) للضرر، فلا يصحُّ إيجار العين الغائبة، ولا إيجارٌ بلا تقديرِ للمنفعة، وتقديرها إما بمدة، كسكنى دارِ سنةّ، أو بعملِ كخياطة ذا الثَّواب، ثم قدر يتعين الطريق الأول كاستئجار العقار، فإن منفعته لا تنظبط إلا بالزمان، وكالإرضاع، فإن تقدير اللَّبن لا يمكن، ولا سبيلَ فيه إلا الضَّبط بالزمان، ويجب فيه تعيين الصبي، الاختلاف الغرض باختلافه، وتعيين موضع الإرضاع أهو بيته أم بيتها؟ وقد تتأتى الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة، فيمكن أن يقول في الشخص:(لتعمل لي كذا شهرًا) ، أو (تخيط لي هذا الشهر)، وفي الدابة:(لأتردد عليها في حوائجي يوماً) ، أو (لأركبها إلي موضع كذا).

قوله: (علما) أي: شرط المدة والعمل: أن يكونا معلومين للمتعاقدين.

قوله: (وجمع ذين أبطل) أي: أبطل أنت جمع الزَّمان والعمل في الإجازة، كأن استأجره ليَخِيط ذا الثَّوب اليوم، إذ تمام العمل قد يتقدم عن آخر النهار أو يتأخر، فعلم أن (أو) في

ص: 681

قوله: (بمدة أو عمل) للتخيير نحو: تزوَّج عائشةَ أو أختها، لا للإباحة، نحو: جالس الحسنَ أو ابن سيرين، إذ يمتنع الجمع فيه دونها.

] جواز الحلول والتأجيل في الإجارة [

قوله: (تجوز بالحلول والتأجيل) أي: تجوز الإجارة بالحلول، أو التأجيل للأجرة في إجارة العين إذا كانت في الذَّمة، كالثَّمن في البيع، فلا يشترط تسليمها في المجلس، ويجوز الاستبدال عنها، والحوالة بها وعليها، والإبراء منها كالثمن، وسيأتي الكلام على أجرة إجارة الذَّمة، ويجوز التَّأجيل للمنفعة في إجارة الذَّمة، كـ (ألزمت ذمتك الحمل إلى مكة غرة شهر كذا) ، وإن أطلقت .. فحالَّةٌ.

ولا تؤجل في إجارة العين، كـ (أجرتك الدار سنةَ أولها غداً) ، لأن منفعتها في الغد غير مقدورة التَّسليم في الحال، لكن تجوز إجارة العين ليلاً لعملِ لا يعمل إلا نهارًا إذا لم يصرح بالإضافة لأول المدة، وإجارة عين الشَّخص للحجَّ عند خروج الناس وإن كان قبل أشهره، إذا لم يتأت الإتيان به من بلد العقد إلا بالسَّير قبله، أو في أشهره ليحرم من الميقات، وإجارة دارِ ببلد آخر على الأصح عند النووي، وإن كان التسليم لا يتأتَّى إلا بقطع المسافة، ودارِ مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال على الأصح، إن أمكن تفريغها في مدَّةِ لا أجرة لها، وإلا .. فلا.

ولو أجَّر داره مثلًا لزيدِ سنةَ، ثمَّ في المدَّة أجرها السنةَ الثانية لغيره .. لم يجز، أو له .. جاز في الأصح، لاتصال المدَّتين.

ويصحُّ كراء العقب في الأصح وهو: أن يؤجِّر رجلاً دابة ليركبها بعضَ الطريق، أو رجلين ليركبها هذا زمانًا وذاك زماناً، ويُبيِّن البعضين، ثمَّ يقتسمان، فإن انضبطت الطريقُ عادة، كيوم ركوب ويوم مشي، أو فرسخ وفرسخ .. حُمِلَ العقد عليه، وليس لواحد طلب ركوب ثلاثٍ ومشي ثلاثٍ، وإن لم تكن عادةٌ مضبوطةٌ .. وجب البيان، وإن اختلفا في البدأة .. أقرع بينهما، وإن أكراهما وأطلق واحتملت ركوبَهما معاً .. ركبا، وإلَاّ .. فبالمهايأة.

قوله: (ومطلق الأجر على التَّعجيل) أي: ومطلق الأجر، بأن لم يقيد بتعجيل ولا تأجيل .. يُحمل على التعجيل، كالثمن، فإن قيد بتعجيل أو تأجيل .. فهو كما قيَّد، وإلَاّ إذا كان لا يَحتمل التأجيل، بأن كان مُعيَّناً .. فيتعين تعجيله، فلا يجوز تأجيله.

ويملك المؤجَّر الأجرة بنفس العقد سواءٌ كانت في الذَّمة أم معينةً.

ص: 682

[بطلان الإجارة بتلف العين لا بموت العاقد]

قوله: (تبطل إذ تتلف عين مُؤجرة) أي: تبطل الإجارة إن تلفت العين المؤجَّرة، كدار أو دابة معيَّنة فيها، لفوات محل المنفعة، هذا في الزمن المستقبل بخلاف الماضي، إن كان لمثله أجرة، لاستقراره بالقبض، فيستقر قسطه من المسمَّى باعتبار أجرة المثل، وكما تبطل الإجارة بتلف العين المؤجرة يثبت الخيار بعيبها.

وخرج بما ذكر: العين في إجارة الذَّمة فلا تبطل بتلفها، ولا يثبت الخيار بعيبها، بل على المؤجَّر إبدالها، والدابة المسلمة عما في الذمة يثبت للمستأجر فيها حق الاختصاص، حتى يجوز له إيجارها، والأصح: أنه ليس للمؤجر إبدالها، وللمستأجر الاعتياض عن حقه فيها لا قبل تسلمها.

قوله: (لا عاقد) أي: لا تبطل الإجارة بموت عاقديها أو أحدهما، بل إن مات المكتري .. خلفه وارثه في استيفاء المنفعة، أو المكري .. تركت العين المكتراة عند المكتري إلى انقضاء المدة، وإن كانت الإجارة في الذمة .. فما التزمه دين عليه، فإن وفت به التركة .. اكترى منها، وإلا .. فإن وفاه الوارث .. تقرر الأجر، أو لم يوفِّه .. فسخ المكتري، وأما انفساخها بموت الأجير المعين .. فلأنه مورد العقد، لا لأنه عاقد.

ويستثنى من ذلك صور:

منها: ما لو مات البطن الأول من الموقوف عليهم بعد أن أجر الوقف، فإنها تنفسخ، بمعنى أنا نتبين بطلانها فيما بعد موته، لأن المنافع بعد موته لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة، إذ البطن الثاني لا يتلقى من الأول، بل من الواقف، فلا ينفذ تصرفه في حق من بعده، وصورتها: أن يشترط الواقف النظر لكل بطن في حصته، فلا نظر له على من بعده.

ومنها: ما لو كان الناظر هو المستحق، ثم أجر الموقوف بدون أجرة مثله، ثم مات في أثناء المدة.

ومنها: ما لو أجر مالك المنفعة بإقطاع، أو وصية ثُمَّ مات.

ومنها: ما لو أجَّر رقيقه المعلَّق عتقُه بصفة، فوجدت مع موته.

وما لو أجَّر مُدبَّره ثمَّ مات، كما اقتضاه كلام الشيخين هنا، لكنهما نقلا عن المتولي في

ص: 683

(كتاب الوقف) بقاء إجارتهما، قال السبكي: وما ذكراه هنا أصحُّ.

قوله: (لكن بغضب خيره) أي: خير الشَّارع المستأجر بغضب العين المؤجَّرة، أو إبقاءها في الإجارة العينية إذا لم تنقض المدَّة فيهما، وإلَاّ .. فتفسخ الإجارة، ومثلُ الغصب في ثبوت الخيار للمستأجر كلُّ نقصٍ بها تتفاوت به الأجرةُ، كمرض الدَّابة، وانكسار دعائم الدار، وانهدام بعض جدرانها، هذا إذا لم ببادر المؤجَّر إلى إزالة ذلك قبل مضي مدَّةٍ لمثلها أجرة، وإلا .. فلا خيارَ للمستأجر، لزوال موجبه، فإن كانت الإجارة في الذَّمة .. فلا خيار ولا انفساخ، بل على المؤجِّر الإبدال.

]

شرط إجارة الذمة [

قوله: (والشرط في إجارة في الذِّمم تسليمها) أي: الأجرة في مجلس لعقدها وحلولها، كالسَّلم، أي: كرأس مال السَّلم، لأنَّ الإِجارة في الذمة سلَمٌ فى المنافع، وإن لم تعقد بلفظه .. فلا يجوز لمالك هذه الأجرة استبدالٌ عنها، ولا الإبراء منها، ولا الحوالة بها، ولا عليها.

]

ضمان الأجير بالعدوان [

قوله: (ويضمن الأجير) أي: العين المؤجَّرة بالعدوان، أي: بتعدَّيه فيها، كأن ضرب الدابة، أو نخعَها باللجام فوق العادة، أو أركبها أثقل منه، أو اكتراها لحمل مئة رطل حنطة فحملها مئة شعير، أو عكس، أو لعشرة أقفزةٍ شعيراً فحملها حنطةً، أو نام ليلاً في الثوب أو ألبسه من هو دونه كقصار أو دبَّاغٍ، أو أسكن أضرَّ منه كقصَّارٍ أو حدَّادٍ.

قوله: (ويده فيها يد ائتِمان) أي: على ما اكتراه ولو بعد مدة الإجارة، سواءٌ أكان منفرداً وهو المعيَّن، أم مشتركاً وهو الملتزم للعمل في ذمته، إذ ليس أخذه العين لغرضه خاصةً فأشبه عامل القِراض.

قوله: (والأرض إن أجَّرتها بمطعم) أي: طعام أو غيره، كذهب أو فضة .. صحَّت، أي: إجارتها، لأن الإجارة كالبيع، فكلُّ ما صحَّ بيعه بالطعام وغيره صحَّت إجارته بذلك ولو كانت في الذمة، وقد علم مما مر أنه يشترط العلم بالأجرة.

قوله: (لا شرط جزء) يعني: لا تصحُّ الإجارة بشرط جزءِ معلوم من محل العمل يستحقُه من بعد العمل، كشرط جزء من ريع الأرض لزراعها، وصاعٍ من دقيق الحنطة وجلد الشَّاة لسالخها، ونصف رقيق لمرضعته، لأنَّه-صلى الله عليه وسلم (نهى عن قفيز الطَّحَّان) رواه

ص: 684

البيهقي بإسنادٍ حسنٍ، وفسروه استئجار الطَّحَّان على طحن الحنطة ببعض دقيقها، ولأنَّه جعل الأجرة ممَّا يحصل بعمل الأجير وهي غير مقدور عليها في الحال، وللجهل بها حينئذ، أما إذا كان قبل العمل، كأن استأجره لطحن الحنطة بصاع منها، أو لإرضاعِ الرَّقيق بنصفه الآن .. فيجوز.

قوله: (ولا بقدر شبعه) أي: لا يصحُّ الإجارة بقدر شبع الأجير، ولا بغدائه وعشائه، لأنَّه غير معلوم، وقد علم مما مر أنَّ الأجرة لا بدَّ أن تكون معلومة.

قوله: (والأرض) بالرفع والنصب، والألف في قوله:(جزء علما) للإطلاق.

* * *

ص: 685