الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب محرمات الإحرام
أي: ما يحرم بسبب الإحرام.
(حرم بالإحرام مسمى لبس
…
خيط، وللراجل ستر الرأس)
(وامرأة وجهاً ودهن الشعر
…
والحلق والطيب وقلم الظفر)
(واللمس بالشهوة، كل يوجب
…
تخييره ما بين شاة تعطب)
(أو آصع ثلاثة لستة
…
مسكين أو صوم ثلاث، بيت)
(وعمد وطء للتمام حققا
…
مع الفساد والقضا مضيقا)
(كالصوم تكفير صلاة باعتدا
…
وبالقضا يحصل ما له الأدا)
(وصح في الصبا ورق، كفره
…
بدنة، إن لم يجد فبقره)
(ثم الشياه السبع، فالطعام
…
بقيمة البدنة، فالصيام)
(بالعد من أمداده، وحرما
…
لمحرم ومن يحل الحرما)
(تعرض الصيد، وفي الأنعام
…
المثل، فالبعير كالنعام)
(والكبش كالضبع، وعنزٍ ظبي
…
وكالحمام الشاة، ضب جدي)
(أو الطعام قيمة، أو صوما
…
بعدها عن كل مد يوما)
(بالحرم اختص طعام والدم
…
لا الصوم، إن يعقد نكاحاً محرم)
(فباطل، وقطع نبت الحرم
…
رطباً وقلعاً دون عذرٍ حرم)
[لبس المخيط على الرجال]
أي: حرم أنت بإحرام ولو مطلقاً على الرجل مسمى لبس من مخيط وما في معناه؛ كالمنسوج والمعقود في سائر بدنه وإن بدت البشرة من ورائه؛ كما في الزجاج الشفاف، إلا إذا لم يجد غيره .. فيجوز له لبس السراويل منه، والخفين إذا قطعا أسفل من الكعبين ولا فدية. وإن احتاج إلى لبس المخيط لمداواة أو حر أو برد .. جاز ووجبت الفدية.
ومن المحرم عليه: القفاز وسيأتي، وألحق به ما لو اتخذ لساعده مثلاً مخيطاً، أو للحيته خريطة يغلفها بها إذا خضبها. وأما المرأة .. فلها لبس المخيط في الرأس وغيره، إلا القفاز في الأظهر؛ وهو مخيط محشو بقطن يعمل لليدين ليقيهما من البرد، ويزر على الساعدين؛ والأصل في ذلك: خبر «الصحيحين» عن ابن عمر: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: «لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس» ، زاد البخاري:«ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين» ، وخبرهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «السراويل لمن لم يجد الإزار» ، وخبر مسلم:«من لم يجد إزاراً .. فليلبس سراويل» . والأصل في وجوب الفدية: قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} أي: فحلق ففدية، وقيس على الحلق باقي المحرمات للعذر، فلغيره أولى، ثم اللبس مراعى في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس، فلو ارتدى بقميص أو اتزر بسراويل .. فلا فدية، كما لو اتزر بإزار ملفق من رقاع. ولو لم يجد رداء .. لم يجز له لبس القميص، بل يرتدي به. ولم لم يجد إزاراً ووجد سراويل يتأتى الاتزار به على هيئته .. اتزر به، ولم يجز له لبسه؛ كما صرح به في «المجموع». والمراد بعدم وجدان الإزار والنعل المذكور في الحديث: ألا يكون في ملكه، ولا يقدر على تحصيله بشراء، أو استئجار بعوض مثله، أو استعارة، بخلاف الهبة فلا يلزم قبولها؛ لعظم المنة فيها. وإذا وجد الإزار أو النعلين بعد لبس السراويل أو الخفين الجائز له .. وجب نزع ذلك، فإن أخر .. وجبت الفدية.
ويجوز له أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطاً ليثبت، وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاماً، وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره، ولا يجوز عقد الرداء، ولا خلة بخلال أو مسلةٍ، ولا ربط طرفها في طرفه بخيط ونحوه، فإن فعل ذلك .. لزمته الفدية؛ لأنه في معنى المخيط من حيث إنه يستمسك بنفسه؛ قاله في «المجموع» .
[ستر رأس الرجل ووجه المرأة]
وحرم بإحرام للراجل؛ بمعنى الرجل؛ أي: عليه الرأس؛ أي: أو بعضه حتى البياض الذي وراء أذنه، وامرأةٍ وجهاً؛ أي: ستره بما يعد ساتراً عرفاً من مخيط أو غيره؛ كقلنسوة وعمامة، وخرقة وعصابة، وكذا طين ثخين في الأصح. والأصل في ذلك: خبر «الصحيحين» : أنه صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره ميتاً: «لا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً» ، وخبر البخاري المار:«ولا تنتقب المرأة» . نعم؛ تستر منه ما يتوقف على ستره ستر الرأس؛ لأن شعار الإحرام يحصل بما عداه، ولأن رأسها عورة، ومنه يؤخذ أن الأمة لا تستر ذلك؛ لأن رأسها ليس بعورةٍ، لكن قال في «المجموع»: ما ذكر في إحرام المرأة ولبسها .. لم يفرقوا فيه بين الحرة والأمة، وهو المذهب. وشذ القاضي أبو الطيب فحكى وجهاً أن الأمة كالرجل، ووجهين في أن المبعضة هل هي كالأمة أو كالحرة. ولها أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه بخشبةٍ ونحوها؛ لحاجة من حر أو برد، أو فتنة أو نحوها، أو لغير حاجة، فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها، ورفعته في الحال .. فلا فدية، وإن كان عمداً أو استدامته .. لزمتها الفدية. وإذا ستر الخنثى المشكل رأسه فقط، أو وجهه فقط .. فلا فدية، وإن سترهما .. وجبت،
وفي «المجموع» عن القاضي أبي الفتوح: وليس له كشفهما؛ لأن فيه تركاً للواجب، وله كشف الوجه، قال صاحب «البيان»: وقياسه لبس المخيط. ويستحب أن يستر بغيره؛ لجواز كونه رجلاً، فإن لبسه .. فلا فدية؛ لجواز كونه امرأة. وقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أنا نأمره بالستر ولبس المخيط؛ كما نأمره أن يستتر في صلاته كالمرأة ولا تلزمه الفدية؛ لأن الأصل براءته، وقيل: تلزمه احتياطاً. ثم محل التحريم المذكور: إذا لم يكن عذر، فإن كان؛ كمداواة أو حر أو برد .. جاز ووجبت الفدية. واحترز في ستر الرأس بالرجل عن المرأة، وفي ستر الوجه بالمرأة عن الرجل، وبما يعد ساتراً عما لا يعد، كوضع يده أو يد غيره، أو زنبيل أو حمل، والتوسد بوسادة أو عمامة، والانغماس في الماء، والاستظلال بالمحمل، وإن مس رأسه وشده بخيط لمنع الشعر من الانتشار وغيره.
[دهن الشعر]
وحرم بإحرام على المحرم ولو امرأة دهن الشعر؛ أي: من الرأس أو اللحية بدهن غير مطيب؛ من سمنٍ وزبد وزيت، وذائب شحم وشمعٍ وغيرهما؛ لما فيه من تزيين الشعر وتنميته المنافيين لخبر:«المحرم أشعث أغبر» أي: شأنه المأمور به ذلك، ففي مخالفته بالدهن المذكور الفدية، بخلاف اللبن وإن كان يستخرج منه السمن. وخرج بـ (الدهن): الأكل فلا يحرم، وفي دهن الرأس المحلوق الفدية في الأصح؛ لتأثيره في تحسين الشعر الذي ينبت بعده. ولا فدية في دهن رأس الأقرع والأصلع وذقن الأمرد؛ لانتفاء المعنى، ويجوز استعمال هذا الدهن في سائر البدن شعراً وبشراً، ظاهراً وباطناً؛ إذ لا يقصد به التزين، لكن قال المحب الطبري: الظاهر: أن غير اللحية من شعر الوجه؛ كالحاجب والشارب والعنفقة
والعذارين كاللحية، وفي «المهمات»: أنه القياس، وقال ابن النقيب: هو ظاهر فيما اتصل باللحية؛ كالشارب لا الحاجب ونحوه. ولا يكره غسل بدنه ورأسه بخطمي أو سدرٍ، لكن المستحب ألا يفعل.
[حلق الشعر وقلم الظفر]
وحرم بإحرام الحلق للشعر وقلم الظفر؛ يعني: إزالة الشعر من الرأس أو غيره حلقاً أو غيره، أو الظفر من اليد أو الرجل قلماً أو غيره؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أي: شعرها {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ، وقيس على شعر الرأس شعر باقي البدن، وعلى الحلق غيره، وعلى إزالة الشعر إزالة الظفر بجامع الترفه في الجميع، والمراد بالشعر في الآية: الجنس الصادق بالواحدة فصاعداً، وتكمل الفدية في إزالة ثلاث شعرات، أو ثلاثة أظفار؛ لأنها تجب على المعذور بالحلق للآية كما سيأتي، فعلى غيره أولى، والشعر يصدق بالثلاث، وقيس بها الأظفار، ولا يعتبر جميعه بالإجماع، ويعتبر إزالة الثلاث أو الثلاثة دفعة واحدة في مكان واحد. ولو حلق جميع شعر رأسه دفعة واحدة في مكان واحد .. لم تلزمه إلا فدية؛ لأنه يعد فعلاً واحداً، وكذا لو حلق شعر رأسه وبدنه على التواصل، ويقاس بالشعر في ذلك الأظفار من اليدين والرجلين. ولو حلق شعر رأسه في مكانين، أو مكان واحد، لكن في زمانين متفرقين .. وجبت فديتان. ولو أزال ثلاث شعرات، أو ثلاثة أظفار في ثلاثة أمكنة، أو ثلاثة أوقات .. وجب في كل واحدة ما يجب فيها لو انفردت؛ وهو مد طعام على الأظهر، وفي الثنتين أو الاثنين مدان. ويجوز قطع ما غطى عينيه من شعر حاجبه أو رأسه، ومنكسر ظفر، وقلع شعر داخل جفنه تأذى بهما، ولا فدية في الجميع، ولا في قطع عضو، أو جلدة عليه شعر أو ظفر، ولا في إزالة محرم مجنون أو مغمى عليه أو صبي لا يميز شعراً أو ظفراً على الأصح في «المجموع» . ويجوز للمعذور في الحلق أن يحلق ويفدي؛ للآية المتقدمة؛ كأن يحتاج إليه لكثرة قمل أو وسخ، أو حاجة أخرى في رأسه، أو سائر بدنه.
[استعمال الطيب]
وحرم بإحرام الطيب؛ أي: استعماله في بدنه أو ملبوسه، ولو نعلاً كالمسك والكافور والورس؛ وهو أشهر طيب في بلاد اليمن، والزعفران وإن كان يطلب للصبغ والتداوي أيضاً، وقد تقدم ذكره مع الروس في الخبر في الثوب، وقيس عليه البدن، وعليهما بقية أنواع الطيب، وأدرج فيه ما معظم الغرض منه رائحته الطيبة؛ كالورد والياسمين والنرجس والبنفسج والريحان الفارسي، وما اشتمل على الطيب من الدهن؛ كدهن الورد ودهن البنفسج. وعد من استعمال الطيب أن يأكله، أو يحتقن به، أو يستعط، وأن يحتوي على مجمرة عود فيتبخر به، وأن يشد المسك أو العنبر في طرف ثوبه، أو تضعه المرأة في جيبها، أو تلبس الحلي المحشو به، وأن يجلس أو ينام على فراش مطيب، أو أرض مطيبة، وأن يدوس الطيب بنعله؛ لأنها ملبوسه. ومعنى استعمال الطيب في محل: إلصاقه به تطيباً، فلا يحرم استعمال بشم ماء الورد، ولا بحمل المسك ونحوه في كيس أو نحوه، ولا بأكل العود أو شده في ثوبه؛ لأن التطيب به إنما يكون بالتبخر به. ولا يحرم على المحرم استعمال الطيب جاهلاً كونه طيباً، أو ظاناً أنه يابس لا يعلق به منه شيء، أو ناسياً لإحرامه، ولا فدية في ذلك، ولا فيما إذا ألقت عليه الريح الطيب، لكن تلزمه المبادرة إلى إزالته في هذه الصورة، وفيما قبلها عند زوال عذره، فإن أخر .. وجبت الفدية؛ كما تجب في استعماله المحرم، وتجب فيه المبادرة إلى الإزالة أيضاً.
[اللمس بالشهوة]
وحرم بإحرام اللمس بشهوة؛ يعني: مقدمات الجماع بشهوة، كالقبلة والمفاخذة قبل التحللين، فإن فعل ذلك عمداً .. لزمته الفدية سواء أنزل أم لا، ولا تحرم بغير شهوة، ومن فعلها ناسياً .. لا شيء عليه، والاستمناء حرام يوجب الفدية بشرط الإنزال؛ كما ذكره في «المجموع» و «الكفاية» .
[دم التخيير والتقدير]
قوله: (كل) أي: من لبس المخيط وما ذكر بعده .. يوجب تخيير المحرم بين شاة بصفة الأضحية تعطب؛ أي: تذبح، وثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاعٍ، وصوم ثلاثة أيام بيت؛ أي: أنت نية صومها بليل. ولو عبر الناظم بدل (أو) الجارية على الألسنة في مثل هذا الكلام بـ (الواو) .. كان أقوم، بل قال بعضهم: إنه الصواب؛ لأن (بين) إنما تكون بين شيئين. والأصل في ذلك: قوله تعالى: {تعلى فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} أي: فحلق ففدية {صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وخبر «الصحيحين»: أنه صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «أيؤذيك هوام رأسك؟ » ، قال: نعم، قال:«انسك شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقاً من الطعام على ستة مساكين» ، و (الفرق) بفتح الفاء والراء: ثلاثة آصع، وقيس القلم على الحلق، وغير المعذور فيهما عليه، والفقراء على المساكين، وهذه فدية الحلق ومثلها فدية الاستماع؛ كالتطيب والادهان واللبس ومقدمات الجماع؛ لاشتراكها في الترفه، وسيأتي فدية الجماع، وهذا دم تخيير وتقدير.
[دم الترتيب والتعديل في إفساد الحج بالجماع]
قوله: (وعمد وطء) بالنصب عطفاً على (مسمى لبس)، وبالرفع مبتدأ خبره (للتمام حققا)، فيحرم بالإحرام الوطء ولو لبهيمة من عاقل عامد عالم بالتحريم مختار في الأصح، قال تعالى:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} و (الرفث): الجماع، و (الفسوق): العصيان، والآية لفظها لفظ الخبر، ومعناها النهي؛ أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا؛ إذ لو كان معناها الإخبار عن نفي هذه الأشياء في الحج .. لاستحال وقوعها فيه. قوله: (للتمام حققا مع الفساد) فتفسد به العمرة مطلقاً، وكذا الحج قبل التحلل الأول بعد الوقوف أو قبله، ولا يفسد به بين التحللين، ولا تفسد به العمرة في ضمن القران أيضا؛ لتبعها له وإن لم يأت بشيء من أعمالها، ولا فساد بجماع الناسي والجاهل بالتحريم ومن جن بعد أن أحرم عاقلاً في الجديد.
ويجب إتمام ذلك النسك من حج أو عمرة أو قران، قال تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} ، وهو يتناول الصحيح والفاسد، وروي البيهقي بأسانيد صحيحة عن ابن عباس وابن عمر وعمرو بن العاص: أنهم أفتوا لمجامع بالمضي في فاسده، والقضاء من قابل، ولا يعرف لهم مخالف، والمراد بالمضي فيه: أن يأتي بما كان يأتي به قبل الجماع، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فإن ارتكب محظوراً .. لزمته الفدية، وغير النسك من العبادات لا يمضي في فاسده؛ إذ يحصل الخروج منه بالفساد، ويجب القضاء اتفاقاً وإن كان نسكه تطوعاً، فإن التطوع منه يصير بالشروع فيه فرضاً؛ أي: واجب الإتمام كالفرض، بخلاف غيره من التطوع مضيقاً؛ لأنه تضيق بالشروع فيه، روى مالك: أن عمر أمر الذي فاته الحج بالقضاء من قابل. وتعبير الناظم كـ «أصله» بما ذكر أحسن من تعبير كثير: (بالقضاء من قابل) لشموله القضاء قبله؛ إذ العمرة يمكن قضاؤها في عام الإفساد، وكذا الحج فيما إذا أحصر عن إتمامه قبل وطئه، أو بعده ثم تحلل، ثم زال الحصر والوقت باق .. فيلزمه القضاء في عامه، واستشكل تسمية ذلك قضاء؛ بأن من أفسد الصلاة ثم أعادها في الوقت .. كانت أداء لا قضاء؛ لوقوعها في وقتها الأصلي خلافاً للقاضي. وأجاب السبكي بأنهم أطلقوا القضاء هنا على معناه اللغوي، وبأنه يتضيق وقته بالإحرام وإن لم يتضيق وقت الصلاة به؛ لأن آخر وقتها لم يتغير بالشروع فيها؛ فلم يكن يفعلها بعد الإفساد موقعاً لها في غير وقتها، والنسك بالشروع فيه تضيق وقته ابتداء وانتهاء، فإنه ينتهي بوقت الفوات، ففعله في السنة الثانية خارج وقته فصح وصفه بالقضاء. وأيد ولده في «التوشيح» الأول بقول ابن يونس في «التنويه»: إنه أداء لا قضاء، ثم قال: وبسط الثاني: أن النسك وإن وقت بالعمر .. فإنما يقع في سنة، فأي سنة وقع فيها .. تبين أنها المطلوبة للإيقاع، وأنها وقته الأصلي لا العارض بالإحرام، فالمعنى بكون العمر وقتاً للحج: أنه يجب ألا يخلو العمر عنه؛ لأن كل جزء منه وقت له، فمتى أفسده .. وقع الثاني بعد وقته المقدر له شرعاً فكان قضاء، ولهذا لو مات مستطيعاً بلا أداء .. عصى من آخر سني الإمكان، ولو كان وقته جميع العمر .. لعصى من أولها، وأما الصلاة .. فوقتها بين شيئين،
فإيقاعه في جزء منه لا يتبين أنه وقتها؛ إذ الإحرام بها لم يتغير وقتها، بل يضيقها لتحريم الخروج من الصلاة الواجبة. انتهى.
وهذا إن تم في غير سنة الإفساد .. لا يتم فيها، فالمعتمد: الجواب الأول.
قوله: (كالصوم تكفير صلاة باعتدا) أي: كترك الصوم والصلاة باعتداء، فإن قضاءها مضيق، بخلاف تركهما بلا اعتداء، وتكفير ما ارتكب موجبة باعتداء فإنه مضيق وإن كان أصل الكفارات على التراخي؛ لأن المعتدي لا يستحق التخفيف، بخلاف غيره.
قوله: (وبالقضا يحصل ما له الأدا) أي: من فرض أو نفل، فلو أفسد النفل، ثم نذر حجاً وأراد تحصيل المنذور بحجة القضاء .. لم يحصل له ذلك، ومحل وجوب القضاء: إذا كان ما أفسده غير قضاء، فإن أفسد قضاء .. لم يقضه، وإنما يقضي ما أفسده أولاً؛ لأن المقضي واحدٌ.
قوله: (وصح) أي: القضاء (في الصبا ورق) اعتباراً بالأداء إن لم يكن الصبي والرقيق من أهل الفرض، وإذا أحرما بالقضاء فكملا قبل الوقوف .. انصرف إلى فرض الإسلام وعليهما القضاء، وفي بعض النسخ بعد قوله:(مضيقًا):
(عليه كالتكفير للذي اعتدى
…
وبالقضا يحصل ما له الأدا)
(كترك صوم واعتدا، وكفره ........................... )
قوله: (كفره) أي: عمد الوطء المفسد (بدنه) أي: واحد من الإبل ذكراً كان أو أنثى؛ لقضاء الصحابة بذلك، فأما ما لا يفسد؛ كالوطء في الحج بين التحللين
…
فإنه لا يوجب بدنة، بل شاة؛ لأنه محظورٌ لم يحصل به إفساد فأشبه الاستمتاعات، وكذا لو كرر الوطء في الحج قبل التحلل الأول؛ لأن الأول هو المفسد.
ولو كانت المرأة محرمة أيضًا، وفسد حجها بالوطء
…
فلا كفارة عليها في الأظهر.
ثم إن لم يجدها
…
فبقرة، ثم إن عجز عنها .. فسبع شياه من الغتم، ويعتبر في كل منها إجزاؤه في الأضحية.
ثم إن عجز عنها
…
فالطعام بقيمة البدنة؛ بأن يقومها بدراهم، ويخرج بقيمتها طعاماً يتصدق به، ويستحب ألا يزاد في الدفع إلى كل مسكين على مدين، ولا ينقصه عن مد، فإن عجز .. صام عن كل مد يوماً، وهذا دم ترتيب وتعديل.
[التعرض للصيد]
قوله: (وحرم لمحرم ومن يحل الحرما تعرض للصيد) أي: وحرم على محرم ولو خارج الحرم وحده أو مع الصيد، وعلى الحلال بالحرم ولو غير محرم، أو كان الصيد بالحل كعكسه المفهوم بالأولى. تعرض الصيد؛ أي: منه ولو بتنفير، أو إعارة آلة، أو نصب شبكة، أو وضع يد بشراء، أو عارية أو وديعة، أو غيرها إلى كل صيد مأكول بري، أو متولد منه ومن غيره من طير أو دابة؛ لقوله تعالى:{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} أي: أخذه، وقوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} ، وخبر "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرام بحرمة الله تعالى؛ لا يعضد شجره، ولا ينفر صيده" أي: لا يجوز تنفير صيده لا لمحرم ولا حلال، فغير التنفير أولى، وقيس بمكة باقي الحرم.
وخرج بـ (البري): البحري؛ وهو مالا يعيش إلا في البحر، يحرم التعرض له وإن كان البحر في الحرم، قال تعالى:{أحل لكم صيد البحر} ، وما يعيش في البر والبحر بري؛ تغليباً للحرمة. وبـ (المأكول) وما عطف عليه: ما لا يؤكل، وما لا يكون في أصله ما ذكر، فمنه: ما هو مؤذ فيستجيب قتله للمحرم وغيره؛ كنمر ونسر وبق وبرغوث، لو ظهر على المحرم قمل .. لم تكره تنحيته، ولا شيء في قتله، ويكره أن يفلي رأسه ولحيته، فإن قتل منهما قملة .. تصدق ولو بلقمة ندباً، وكالقمل الصيبان وهو بيضه، لكن فديته أقل. ومنه: ما ينفع ويضر؛ كفهد وصقر وباز .. فلا يستحب قتله؛ لنفعه وهو تعلمه الاصطياد، ولا يكره؛ لضرره وهو عدوه على الناس والبهائم. ومنه: ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر؛ كسرطان ورحمة وجعلان وخنافس .. فيكره قتله، ويحرم قتل النحل والنمل السليماني والخطاف والهدهد والصرد، ولا فرق بين المستأنس وغيره، ولا بين المملوك وغيره، ولو توحش إنسي .. لم يحرم التعرض له. وشمل كلامه: التعرض لجزء البري المذكور؛ وكلبنه وشعره وريشه بقطع أو غيره، فإن حصل مع تعرضه للبن نقص في الصيد .. ضمنه.
وبيض المأكول مضمون بقيمته، ولا شيء في المذرة إلا بيض النعامة .. ففيه قيمته، ولو نفر صيداً عن بيض حضنه ففسد .. لزمته قيمته، أو أخذ بيض دجاج مثلاً فأحصنه صيداً ففسد بيض الصيد، أو لم يحصنه .. ضمنه، أو بيض صيد وأحصنه دجاجة .. فهو في ضمانه حتى يفرخ ويمتنع، فلو مات قبل الامتناع .. لزمه مثله من النعم. ولو كسر بيضة فيها فرخ فطار وسلم .. فلا شيء عليه، فإن مات .. فمثله من النعم. ومحل تحريم التعريض المذكور: إذا كان عامداً عالماً بالتحريم مختاراً، ولو رمى صيداً من الحل إلى الحل فاعترض السهم الحرم
…
ضمن في الأصح. وفي مثله في إرسال الكلب: إنما يضمن إذا لم يكن للصيد مهرب إلا بالدخول في الحرم. نعم؛ إن جهله .. لم يأثم. ولو أرسل الكلب في الحل إلى صيد في الحل، فدخل الحرم فقتله فيه، أو قتل فيه صيداً غيره .. لم يضمن، بخلاف نظيرهما في السهم. ولو رمى صيداً بعض قوائمه في الحرم، أو تحلل قبل أن يصيبه، أو عكسه .. ضمن، كذا لو نصب شبكة، ثم تحلل فوقع فيها الصيد؛ للتعدي؛ كما في "المهمات" عن "فتاوى البغوي" بخلاف عسكه. ولو وضع يده عليه لا المداواة أو نحوها فتلف هو أو جزؤه .. ضمنه كالغاصب، ولو صال عليه فقتله .. فلا ضمان. وكذا لو عم الجراد الطريق، ولم يجد بداً من وطئه ففعل، أو باض حمام، أو غيره في فراشة أو نحوه وفرخ، ولم يمكن دفعه إلا بالتعرض له، أو انقلب عليه في نومه فأفسده في الأظهر، وكذا لو جن فقتله؛ كما في "الزوائد" وهو مشكل، فلذلك قال في "المجموع" مع ترجيحه: إن الأقيس خلافه؛ لأنه من باب الغرامات. قال ابن المقري: ولعل الفرق: أنه وإن كان إتلافاً فهو حق لله تعالى، ففرق فيه بين من هو من أهل التمييز وغيره. قوله:(وفي الأنعام المثل فالبعير كالنعام) أي: ففي النعامة الذكر أو الأنثى بدنة؛ أي:
واحد من الإبل، وفي بقر الوحش وحماره: بقرة؛ أي: واحد من البقر، وفي الضبع بضم الباء: كبش؛ وهو ذكر الضأن والأنثى نعجة، وفي الظبي: عنز؛ وهي أنثى المعز التي تم لها سنة. وفي الحمام-وهي: كل ما عب وهدر-: شاة من ضأن أو معز بحكم الصحابة، ومستنده توقيف بلغهم، وإلا .. فالقياس إيجاب القيمة، وقيل: مستنده الشبه بينهما وهو إلف البيوت. وفي الضب: جدي: وفي الأرنب: عناق، وهي الأنثى من المعز من حين تولد ما لم تستكمل سنة، وفي اليربوع: جفرة، وهي الأنثى من المعز إذا بلغت أربعة أشهر، والمراد من العناق ما فوق الجفرة، فإن الأرنب خير من اليربوع. روى البيهقي عن عمر وعلي وابن عباس ومعاوية: أنهم قضوا في النعامة ببدنة، وعن ابن عباس: أنه قضى في الأرنب بعناق، وقال: في الضبع كبش، وعن ابن مسعود: أنه قضى في اليربوع بجفرة، وعن عمر وابن عوف: أنهما حكما في الظبي بشاة، وعن عبد الرحمن بن عوف وسعد: أنهما حكما في الظبي بتيس أعفر. وروى الشافعي عن مالك، عن أبي الزبير، وعن جابر: أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة، وهذا إسناد صحيح مليح. وما لا نقل فيه عن السلف .. يحكم بمثله من النعم عدلان فقيهان فطنان. ثم الكبير من الصيد يفدى بالكبير من مثله من النعم، والصغير بالصغير، ويجوز فداء الذكر بالأنثى وعكسه، والمريض بالمريض، والمعيب بالمعيب إذا اتحد جنس العيب كالعور وإن كان عور أحدهما في اليمين والآخر في اليسار، فإن اختلف كالعور والجرب .. فلا، ولو قابل المريض بالصحيح، أو المعيب بالسليم .. فهو أفضل. قال في "المجموع": ويفدي السمين بسمين، والهزيل بهزيل، وفيما لا مثل له كالجراد والعصافير القيمة قياساً، ويستثنى منه الحمام كما تقدم، وتعتبر القيمة بمحل الإتلاف، ويقاس به محل التلف.
قوله: (أو الطعام قيمة) أي: يتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله، والصدقة به على مساكين الحرم، وبين أن يقوم المثل بدارهم ويشتري بها طعاماً يجزئ في الفطرة، أو يخرج بقدرها من طعامه لهم؛ أي: لجلهم بأن يتصدق به عليهم، ولا يجوز أن يتصدق بالدراهم- وأقل ما يجزي الدفع إلى ثلاثة من الفقراء والمساكين، والصرف إلى القاطنين بأرض الحرم أولى من الغرباء- وبين أن يصوم عن كل مد يوما؛ قال تعالى:{هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما} . وغير المثلي يتصدق بقيمته طعاماً لمساكين الحرم ولا يتصدق بالدراهم، أو يصوم عن كل مد يوماً كالمثلي، فإن انكسر مد في القسمين .. صام يوماً؛ لأن الصوم لا يتبعض، ويقاس بالمساكين الفقراء، والعبرة في قيمة غير المثلي بمحل الإتلاف؛ قياساً على كل متلف متقوم، وفي قيمة مثل المثلي بمكة يوم إرادة تقويمه؛ لأنها محل ذبحه لو أريد، ويعتبر في العدول إلى الطعام سعره بمكة، لا بمحل الإتلاف على الراجح. قوله:(بالحرم اختص طعام والدم لا الصوم) أي: يجب اختصاص الطعام بالحر؛ أي: بمساكينه، وكذلك الدم؛ بأن يفرق لحمه على مساكينه، أو يملكهم جملته مذبوحاً لا حياً؛ لأن المقصود من الذبح هو إعطاء اللحم، وإلا .. فنفس الذبح مجرد تلويث الحرم وهو مكروه، ولا يجوز الأكل منه. ولا يختص الصوم بأرض الحرم، بل يجوز أن يصوم حيث شاء؛ إذ لا غرض فيه للمساكين.
[عقد نكاح المحرم باطل]
قوله: (إن يعقد نكاحاً محرم فباطل) أي: ولو مع حلال ولياً كان العاقد ولو سلطاناً أو زوجاً، أو وكيلاً عن أحدهما، وكذا لو كان العاقد حلالاً والزوجة محرمة، وسواء كان محرماً بحج، أو عمرة أو بهما، لخبر مسلم:"لا ينكح المحرم ولا ينكح" والنهي يقتضي الفساد.
[قطع نبات الحرم وقلعه]
قوله: (وقطع نبت الحرم رطباً وقلعاً دون عذر) أي: على الحلال والمحرم، والأظهر: تعلق الضمان بهو والمستنبت كغيره على المذهب، فيحرم قطع كل شجر رطب غير مؤذ حرمي لا اليابس، وكذا العوسج، وكل ذي شوك على الصحيح.
ولو نقل شجرة منه إلى الحل .. حرم وعليه ردها، أو إلى موضع منه .. فلا رد عليه. ولو نقل الشجرة أو الأغصان إلى الحل، أو الحرم فيبست .. ضمن، أو نبتت .. فلا، فلو قلعها قالع .. ضمن. ولو غرس شجرة من الحل في الحرم فنبتت .. لم تصر حرمية بخلاف الصيد. ولو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل، فقطع غصناً .. ضمنه، وإن أخذ صيداً عليه .. فلا، أو العكس .. فبالعكس، أو بعض أصلها في الحل وبعضه في الحرم .. فكلها حرمية. ولو انتشرت أغصان الحرمية ومنعت الناس الطريق، أو آذتهم .. قطع المؤذي منها. ولو أخذ غصناً من الشجرة الحرمية ولم يخلف .. ضمنه، وإن أخلف تلك السنة .. فلا ضمان. ويجوز أخذ الأوراق بلا خيط، ويضمن الشجرة الكبيرة ببقرة، وإن شاء ببدنة، ودونها إلى قربها من سُبع الكبيرة شاة، وإن صغرت جداً .. فالقيمة. ويضمن الكلأ بالقيمة، فإن أخلف .. فلا، وإن كان يابساً فقطعه .. فلا بأس، أو قلعه .. ضمن، ويجوز ذلك للعذر؛ كرعي البهائم فيه، وأخذه لعلفها، ويحل الإذخر وكذا غيره للدواء. وصيد المدينة وشجرها حرام على المذهب، ولا يضمن في الجديد، ويحرم صيد وج على المذهب، ولا يضمن على الصحيح. ثم المحرمات تنقسم إلى: استهلاك كالحلق، واستمتاع كالطيب، وهما أنواع، ولا تداخل إلا إن اتحد النوع والزمان والمكان، ولم يتخلل تكفير ولم يكن مما يقابل بمثل، فإن حلق وقلم وتطيب ولبس .. تعددت مطلقاً، لا إن لبس ثوباً مطيباً، أو طلا رأسه بطيب؛ لاتحاد الفعل، وإن اختلف مكان الحلقين أو اللبسين أو التطيبين، أو زمانهما .. تعددت، وتعددت أيضاً بتخلل التكفير، ولا يتداخل الصيد ونحوه وإن اتحد نوعه، والطيب كله نوع، وكذا اللباس.
والألف في قول الناظم: (حققا): للإطلاق إن كان ماضياً، وإلا .. فبدل من نون التوكيد، ومثله قوله:(وحرم لمحرم)، وقوله:(والقضا) بالقصر للوزن، والألف في قوله:(الحرما) للإطلاق.