الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشهادة
مصدر شهد، وهي لغة: الخبر القاطع، وشرعاً: إخبار بحق لغير المخبر على غيره على وجه مخصوص.
والأصل فيها: آيات؛ كقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} ، وقوله:{ولا تكتموا الشهادة} ، وأخبار؛ كخبر الصحيحين:((ليس لك إلا شاهداك أو يمينه))، وخبر: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة، فقال للسائل:"ترى الشمس؟ "، فقال: عم، فقال:"على مثلها فاشهد أو دع" رواه البيهقي والحاكم وصحح إسناده.
وتتحقق: بشاهد، ومشهود له، ومشهود عليه، ومشهود به، وبدأ بالأول فقال:
(وإنما تقبل ممن أسلما
…
كلف، حرا، ناطقا، قد علما) (عدلاً، على كبيرة ما أقدما
…
طوعاً، ولا صغيرة ما لزما) (أو ناب مع قرائن أن قد صلح
…
والاختيار سنة على الأصح) (مروءة المثل له، وليس جار
…
لنفسه نفعاً ولا دافع ضار) (أو أصل أو فرع لمن يشهد له .. كما على عدوه لن نقبله) (ويشهد الأعمى ويروي إن سبق
…
تحمل أو بمقر اعتلق) (وبتسامع نكاح وحمام
…
وقف ولاء نسب بلا اتهام)
فيها مسألتان:
[ما يعتبر لقبول الشهادة]
الأولى: يعتبر في قبول الشهادة أمور:
أولها: الإسلام؛ فلا نقبل شهادة الكافر ولو على أهل دينه؛ لقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} .
ثانيها: التكليف؛ فلا نقبل شهادة غير المكلف كإقراره بل أولى.
ثالثها: الحرية؛ فلا تقبل شهادة غير الحر ولو مكاتباً أو مبعضاً كسائر الولايات؛ إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير.
رابعها: النطق؛ فلا تقبل شهادة الأخرس وإن فهمت إرادته؛ لأنها لا تفصح عن المراد، وإنما صحت تصرفاته بها للحاجة.
خامسها: العلم بالعدالة وظهورها؛ فلا تقبل شهادة من لم تثبت عدالته كالفاسق؛ لقوله تعالى: {واشهدوا ذوي عدل منكم} ، ولقوله تعالى:{ممن ترضون من الشهداء} ، ولأن الحاكم لا يحكم إلا بشهادة من يغلب على ظنه صدقها.
و(العدل): من لم يقدم على كبيرة مختاراً؛ وهي ما لحق صاحبها ووعيد شديد ينص كتاب أو سنة؛ كالقتل والزنا واللواط، وشرب المسكر والسرقة، والغصب والقذف، والنميمة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة وقطيعة الرحم، والعقوق والفرار، وإتلاف مال اليتيم والربا، والسحر والوطء في الحيض وخيانة الكيل أو الوزن، وتقديم الصلاة على وقتها أو تأخيرها عنه، والكذب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب المسلم وسب الصحابي، وكتمان الشهادة، والرشوة والدياثة والقيادة والسعاية، ومنع الزكاة واليأس من الرحمة، والأمن من المكر، وأكل لحم الخنزير والميتة، والفطر في رمضان والغلول والمحاربة، ولا لازم صغيرة وأصر عليها؛ وهي كل ذنب ليس بكبيرة، والإصرار عليها: الإكثار من نوع أو أنواع منها، فتنتفي به العدالة إلا أن تغلب طاعات المصر على ما أعليه فلا يضر، والصغيرة: كالنظر إلى ما لا يجوزن والغيبة والسكوت عليها، والكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر، والإشراف على بيوت الناس، وهجر المسلم فوق ثلاث، والجلوس مع الفساق إيناساً لهم، واللعب بالنرد، واستعمال آلة من شعار شربة الخمر؛ كطنبور وعود، وصنج ومزمار عراقي، واستماعها، واللعن ولو لكافر أو بهيمة، وليس حرير وجلوس عليه، والهجو والسفاهة.
وخرج يقول الناظم: (طوعاً): من أقدم على كبيرة مكرهاً؛ فإنه عدل.
قوله: (أو تاب) أي: ما أقدم على كبيرة مختاراً، ولا أصر على صغيرة، أو فعل ذلك لكنه تاب مع قرائن تغلب على الظن بأنه قد صلح.
فيشترط في توبة معصية قولية القول؛ فيقول القاذف: (قذفي باطل، وأنا نادم عليه،
ولا أعود إليه)، ويقول شاهد الزور:(شهادتي باطلة، وأنا نادم عليها، ولا أعود إليها).
ويشترط في توبة المعصية الفعلية؛ كالزنا والشرب والسرقة: إقلاع عنها، وندم عليها، وعزم ألا يعود إليها، ورد ظلامة آدمي إن تعلقت به من مال وغيره، فيؤدي الزكاة لمستحقيها، والمغصوب إن بقي، وبدله إن تلف لمستحقه، ويمكن مستحق القصاص والقذف من الاستيفاء.
ويشترط اختباره بعد توبته مدة يظن بها صدقه؛ وهي سنة على الأصح؛ لأن لمضي الفصول الأربعة أثراً في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت بالسلامة .. أشعر ذلك بحسن السيرة، وقد اعتبر الشرع السنة في العنة والزكاة والجزية.
نعم؛ من قذف بصورة شهادة لم يتم نصابها، أو خفي فسقه وأقربه ليحد .. تقبل شهادته عقب توبته؛ وكذا من أسلم بعد ردته؛ لإتيانه بضد الكفر، فلم يبق معه احتمال، وقيده الماوردي بما إذا أسلم مرسلاً، فإن أسلم عند تقديمه للقتل .. اعتبر مضي المدة، ومقابل الأصح: أنها تقدر بستة أشهر، وقيل: لا تقدر بمدة، ويختلف الظن بالأشخاص وأمارات الصدق.
وما ذكر في بيان التوبة .. محله في التوبة في الظاهر؛ وهي المتعلق بها الشهادة والولاية.
أما التوبة فيما بينه ويبين الله تعالى؛ وهي التي يسقط بها الإثم .. فلا يشترط فيها مضي مدة، وحد الله تعالى كالزنا والشرب إن لم يظهر عليه أحد .. فله أن يظهره ويقربه؛ ليقام عليه الحد، وله أن يستر على نفسه وهو الأفضل، وإن ظهر .. فقد فات الستر، فيأتي الإمام ويقر به ليقيم عليه الحد.
سادسها: أن تكون له مروءة؛ وهي تخلقه بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فمن لا مروءة له .. لا حياء له، ومن لا حياء له .. يقول ما شاء، وترك المروءة يشعر بترك المبالاة، وبدل على خيل في العقل، فالأكل في سوق، والشرب فيها لغير سوقي، إلا إذا غلبه الجوع أو العطش، والمشي فيها مكشوف الرأس أو البدن غير العورة ممن لا يليق به مثله، وقبلة زوجة أو أمة بحضرة الناس، وإكثار حكايات مضحكة، وليس فقيه قباء، أو قلنسوة في بلد لا يعتاد للفقيه، وإكباب على لعب الشطرنج، أو على اللعب بالحمام بالتطيير والمسابقة، أو على غناء أو سماعه، وإدامة رقص .. يسقطها.
ويختلف مسقطها بالأشخاص والأحوال والأماكن، فيستقبح من شخص دون آخر، وفي حال دون حال، في بلد د آخر كما علم مما مر، وحرفة دنية كحجامة وكنس ودبغ ممن لا يليق به .. تسقطها، لإشعارها بالخسة إن لم يعتدها، وإلا .. فلا في الأصح.
سابعها: عدم التهمة، وتهمته أن يجر إليه بشهادته نفعاً، أو يدفع عنه بها ضرراً، فترد شهادته لعبده المأذون له أو المكاتب، وغريم له ميت، أو عليه حجر فلس، وبما هو وكيل فيه، وببراءة من ضمنه، وبجراحة مورثه قبل اندمالها، وترد شهادة عاقلة بفسق شهود قتل يحملونه، وغرماء مفلس بفسق شهود دين آخر.
وترد شهادته لفرعه، أو أصله وإن قبلت عليه، ومنه أن تتضمن شهادته دفع ضرر عنه؛ كأن يشهد للأصل الذي ضمنه فرعه، أو أصله بالأداء أو الإبراء.
نعم؛ لو ادعى السلطان على شخص بمال لبيت المال، فشهد له به أصله أو فرعه .. قبل؛ كما قاله الماوردي؛ لعموم المدعي به، ولو شهد لأصله أو فرعه ولأجنبي .. قبلت للأجنبي، وتقبل لكل من الزوجين، ولأخ وصديق، ولا تقبل شهادته على عدوه دنيا- وإن قبلت له –للتهمة، فترد شهادته بزنا زوجته ولو مع ثلاثة.
وتقبل شهادة المسلم على الكافر، وكذا السني على المبتدع وعكسه؛ إذ العداوة دينيه وهو من يبغضه، بحيث يتمنى زوال نعمته، وبحزن بسروره، ويفرح بمصيبته، وذلك قد يكون من الجانبين، وقد يكون من أحدهما فيختص برد شهادته على الآخر، وإن أفضت العداوة إلى الفسق .. ردت شهادته مطلقاً.
ومن خاصم من يريد أن يشهد عليه وبالغ، فلم يجبه ثم شهد عليه .. قبلت شهادته، وإلا .. لاتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الشهادات، ولو زالت العداوة ثم أعادها .. لم تقبل.
ولا تقبل شهادة مغفل لا يضبط، ولا مبادر بالشهادة قبل أن يسألها؛ إذ كل منهما متهم، لكن تقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى؛ كالصلاة والزكاة والصوم؛ بأن يشهد بتركها، وفيما له فيه حق مؤكد؛ كطلاق وعتق وعفو عن قصاص، وبقاء عدة وانقضائها؛ بأن يشهد بما ذكر ليمنع من مخالفة ما يترتب عليه، وحد الله تعالى؛ بأن يشهد بموجبه، والأفضل فيه
الستر، وكذا النسب على الصحيح؛ لأن في وله حق الله تعالى.
وصورتها: أن يقول الشهود للقاضي ابتداءً: (نشهد على فلان بكذا، فأحضره لنشهد عليه)، فإن ابتدؤوا وقالوا:(فلان زنى) .. فهم قذفة، وإنما تسمع عند الحاجة إليها، فلو شهد اثنان أن فلاناً أعتق عبده، أو أنه أخو فلانة من الرضاع .. لم يكف حتى يقولا:(إنه يسترقه)، أو (إنه يريد نكاحها)، أو (متزوج بها).
وما تقبل فيه: هل تسمع فيه الدعوى؟ فيل: لا؛ اكتفاء بالبينة، ولأنه لا حق للمدعي فيه ومن له الحق لم يأذن في الطلب، وقيل: نعم؛ لأن البينة قد لا تساعد، ويراد استخراج الحق بإقرار المدعى عليه؛ كذا في "الروضة" و"أصلها" هنا، وقضية كلامهما في (السرقة) وآخر (القضاء): ترجيح الثاني، صححه البلقيني، وهو محمول على غير حدود الله تعالى، فقد جزم في "الروضة" و"أصلها" في (الدعاوي) بعدم سماعها فيها؛ أي: إذا لم يتعلق بها حق آدمي.
[شهادة الأعمى وروايته]
الثانية: تقبل شهادة الأعمى وروايته إن سبق تحمله العمى، وكان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب، بخلاف مجهوليهما، أو أحدهما، أو تعلق بمقر في أذنه بطلاق أو عتق، أو مال لرجل معروف الاسم والنسب حتى شهد عليه عند قاض، وتقبل شهادته أيضاً فيما يثبت بالاستفاضة كالبصير؛ وهي التسامع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب؛ لكثرتهم، فيقع العلم، أو الظن القوي بخبرهم من نكاح وحمام بكسر الحاء؛ أي: موت، ووقف، وولاء ونسب وعتق، وملك بلا اتهام؛ أي: معارض، أما في الموت .. فلأن أسبابه كثيرة ومنها ما يخفى، ولأنه يقع في الأفواه فينتشر كالنسب وغيره، وأما باقيها .. فلأن مدتها تطول فتعسر إقامة البينة على ابتدائها، فمست الحاجة إلى إثباتها بالتسامع.
ومما يثبت بالتسامع: ولاية القضاء ونحوه، والجرح والتعديل، وكذا الرشد كما أفتى به ابن الصلاح، والإرث؛ بأن شهد بالتسامع أن فلاناً وارث فلان لا وارث له غيره؛ كما نص عليه في "البويطي".
أما إذا كان هناك معارض؛ كإنكار المنسوب نسبه إليه، أو طعن بعض الناس فيه، أو منازع له في الملك المشهود له به .. فلا تجوز الشهادة بالتسامع؛ لاختلاف الظن حينئذ.
ولا يكفي في التسامع ول الشاهد: (أشهد أني سمعت الناس يقولون كذا) وإن كانت شهادته مبنية عليه، بل يشهد أن هذه زوجة فلان، أو أن فلاناً مات، أو أن هذا وقف، أو أن هذا ابن فلان؛ لأنه قد يعلم خلف ما سمعه، ولأن ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة.
والألف في قول الناظم: (أسلما) و (علما) و (أقدما) و (لزما) للإطلاق، وقوله:(قرائن أن قد) بصرفه ودرج همزة (أن) للوزن، ويجوز في قوله:(أصل أو فرع) رفعهما وجرهما عطفاً على جار المجرور على التوهم؛ كقولهم: ليس زيد قائماً ولا قاعدٍ بالخفض على توهم دخول الباء في خبر ليس، وكقول زهير:
(بدا لي أني لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئاً إذا كان جاثياً)
فيكون التقدير هنا: وليس الشاهد بأصل أو فرع للمشهود له.
وقوله: (وقف ولاء نسب) معطوفات على (نكاح) مع حذف العاطف.
(وللزنا: أربعة أن أدخله
…
في فرجها كمرود في مكحله) (وغيره اثنان كإقرار الزنا
…
ولهلال الصوم: عدل بينا) (ورجل وامرأتان، أو رجل
…
ثم اليمين: المال أو مهما يؤل) (إليه، كالموضحة التي جهل
…
تعيينها أو حق مال كالأجل) (أو سبب للمال كالإقالة
…
والبيع والضمان والحوالة) (ورجل وامرأتا، أربع
…
نا لما الرجال لا تطلع) (عليه كالرضاع والولادة
…
وعيبها والحيض والبكارة)
[ما يشترط للشهادة على الزنا واللواط]
أي: يشترط للزنا؛ أي: وللواط، ووطء الميتة أو البهيمة أربعة من الرجال موصوفين بما مر؛ لقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} ، وقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه
بأربعة شهداء}، وقوله تعالى:{فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} ، ولما فيه وفي إثارته من القبائح الشنيعة فغلظت الشهادة فيه؛ ليكون أستر، ويشترط أن يذكروا فيها المزني بها، فقد يظنون وطء المشتركة وأمة ابنه زناً، وأن يفسروا الزنا كما ذكره بقوله:(أن أدخله) بفتح همزة (أن) أي: يشهدون بأنه أدخل ذكره، أو حشفته أو قدرها منه في فرجها على سبيل الزنا، فقد يظنون المفاخذة زنا، وفي الخبر:((زنا العينين النظر))، بخلاف شهادتهم بوطء الشبهة يكفي إطلاقها؛ لأن المقصود المال، ولهذا يثبت بما يثبت به المال.
وقوله: (كمرود في مكحلة) ليس شرطاً، بل أحوط، قال ابن الرفعة: واعتبر القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما ذكر مكان الزنا وزمانه؛ وهو ما في "التنبيه" في المكان تبعاً للشيخ أبي حامد، ورأى الماوردي: أنه إن صرح بعض الشهود بذلك .. وجب سؤال الباقين عنه، وإلا .. فلا.
[ما يشترط للشهادة على ما ليس مالاً ولا يؤول إليه]
ويشترط لغيه مما ليس مالاً ولا يؤول إليه ويطبع عليه الرجال غالباً: رجلان موصوفان بما مر، وذلك كالإقرار بالزنا أو غيره، والطلاق والرجعة، والإسلام والشهادة على الشهادة، والنكاح والموت، والإعسار والعتق، وانقضاء العدة بالأشهر، والخلع من جانب المرأة، والولاية، والجرح والتعديل، والكتابة من جهة الرقيق والتدبير، والإيلاد والوكالة، والوصاية والإحصان، والظهار واللعان، والنسب واستيفاء العقوبات، والكفالة بالبدن، وعقوبة لله تعالى؛ كحد الشرب وقطع الطريق والقتل بالردة، أو لآدمي؛ كالقصاص في النفس أو الطرف وإن عفي على مال؛ لأنه تعالى نص على الرجلين في الطلاق والرجعة والوصية، وصح في الخبر:((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل))، وروى مالك عن الزهري: مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح والطلاق.
وقيس بالمذكورات غيرها مما يشاركها في الضابط المذكور.
ويشترط لإثبات هلال صوم رمضان لأجل وجوب الصوم فقط: عدل واحد عدالته بانت
وظهرت؛ لما مر في بابه، وذكره هنا تتمة للتقسيم، وقد يشمل كلامه ما لو نذر صوم شهر معين، فشهد به عدل .. فيكفي، وهو قضية ما في ((المجموع)) من أن فيه الخلاف في رمضان، قال بعضهم: لكن المشهور المفهوم من قول غيره: (لهلال رمضان): خلافه.
وخرج بقوله: (عدل بينا) مستور العدالة فلا تكفي شهادته، وهو أحد وجهين صحح في ((المجموع)) مقابلة كما مر.
[ما يشترط للمال أو ما يؤول إليه]
ويشترط رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ثم يمين المدعي للمال، أو ما يؤول إليه كالموضحة التي جهل تعيينها؛ بأن شهدوا بها وعجزوا عن تعيين محلها؛ فإنها لا توجب قصاصاً، وإنما تجب المال فقط.
وما قيل: من أن التمثيل بالموضحة المذكورة .. معدود من مفردات ((الحاوي الصغير))، وإن صريح كلام الغزالي والرافعي وغيرهما في (الجنايات): أن البينة الناقصة لا تثبت الأرش في هذه الصور .. ممنوع، فقد صرح الشيخان بأن كل جناية موجبة للمال؛ كقتل الوالد ولده، والحر العبد .. تثبت بالحجة الناقصة. انتهى.
أو حق مالي؛ كالخيار والأجل والشفعة، أو سبب للمال؛ كالإقالة والبيع، والضمان والحوالة والإجارة، والوصية بالمال والرد بعيب؛ لعموم قوله تعالى:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا جلين فرجل وامرأتان} ، مع خير مسلم:(أنه صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين)، والمعنى في تيسير ذلك: كثرة جهات المعاملات وعموم البلوى بها.
وفهم من قوله: (رجل وامرأتان) أنه لا فرق بين أن تتقدم شهادة الرجل على المرأتين وبين أن تتأخر، ولا بين أن يقدر على رجلين ويبين أن لا، وأنه مخير فيما يثبت برجل وامرأتين بين إثباته بهم وبرجل ويمين، وهو كذلك.
وفهم من قوله: (ثم اليمين) أنه يشترط أن يأتي بيمينه بعد شهادة الرجل بما يدعيه،
وتزكيته وتعديله، ويجب أن يذك فيحلفه صدق شاهده فيقول:(والله؛ إن شاهدي لصادق، وإني مستحق لكذا).
قال الإمام: ولو قدم ذكر الحق وآخر تصديق الشاهد .. فلا بأس، وذكر صدق الشاهد؛ ليحصل الارتباط بين اليمين والشهادة المختلفتي الجنس.
[ما يشترط لما يختص بمعرفته النساء]
ويشترط رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة لما يختص بمعرفته النساء، أو لا يطلع عليه الرجال غالباً؛ كالرضاع من الثدي أو أن اللبن الذي شربه من هذه المرأة، والولادة، وعيب المرأة؛ كرتق وقرن وبرص ولو في وجهها وكفيها، والحيض والاستحاضة، والبكارة والثيوبة، واستهلال الولد، روى ابن أبي شيبة عن الزهري:(مضت السنة بأنه تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن؛ من ولادة النساء وعيوبهن)، وقيس بذلك غيره مما شاركه في الضابط المذكور.
وإذا قبلت شهادتهن في ذلك منفردات .. فقبول الرجلين والرجل والمرأتين أولى.
وعلم مما مر: أن ما لا يثبت برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين، وأن ما ثبت بهم ثبت برجل ويمين، إلا عيوب النساء ونحوها، وأنه لا يثبت شيء بامرأتين ويمين.
وقول الناظم: (بينا) حال من (عدل)، وقوله:(يؤل) بحذف الواو للوزن، وقوله:(جهل) مبني للمفعول أو للفاعل، وقوله:(المال) و (سبب للمال) مجروران عطفاً على قوله: (بتسامع)، وقوله (نساً) بالتنوين وحذف الهمزة للوزن.
* * *