الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الدعوى
هي لغة: الطلب، ومنه قوله تعالى:{ولهم ما يدعون} ، وألفها للتأنيث، وشرعاً: إخبار عن وجوب حق للمخبر على غيره، والمدعي به قد يحتاج في إثباته إلى البينة؛ وهي الشهود، وسموا بها؛ لأن بهم تبيين الحق.
والأصل في ذلك: أخبار؛ كخبر مسلم: ((لو يعطي الناس بدعواهم .. لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعي عليه))، وروى البيهقي بإسناد حسن:((ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) والمعنى فيه: أن جانب المدعى ضعيف؛ لدعواه خلاف الأصل، فكلف الحجة القوية، جانب المنكر قوي؛ فاكتفى منه بالحجة الضعيفة.
(إن تمت الدعوى بشيء علماً
…
سأل قاض خصمه وحكما) (إن يعترف خصم، فإن يجحد وثم
…
بينة بحق مدع حكم) (وحيث لا بينة فالمدعى
…
عليه حلف حيث مدع دعا) (فإن أبى ردت على من أدعى
…
وباليمين يستحق المدعى) (والمدعي عينا بها ينفرد
…
إحداهما فهي لمن له اليد) (وحيث كانت معهما وشهدت .. بينتان حلفا وقسمت) (وحلف الحاكم من توجهت
…
عليه دعوى في سوى حد ثبت) (لله والقاضي –ولو معزولاً- وشاهد والمنكر التوكيلا) (بتا كما أجاب دعوى حلفا
…
ونفسي علم فعل غيره نفى)
[شروط سماع الدعوى]
أي: إن تمت الدعوى بشيء معلوم .. سأل القاضي خصمه؛ أي: المدعى عليه بالجواب، فيطالب العبد بالجواب فيما يقبل إقراره به؛ كقصاص وحد قذف، والسيد في
غيره؛ كأرش تعلق برقبته، والحرة أ، المجبر في دعوى النكاح، ولا يتوقف سؤاله على طلب المدعي.
وتمامها؛ بأن يكون المدعي والمدعي عليه مكلفين ملتزمين للأحكام.
وأن يذكر التلقي إن أقر بالمدعي به للمدعي عليه أو ملكه له، وألا يسبقها ما يناقضها، فلو ادعى على شخص شيئاً، ثم ادعى به على غيره .. لم تسمع.
وكونها ملزمة، فلو قال:(غصب لي كذا) أو (باعني) .. لم تسمع حتى يقول: (ويلزمه التسليم إلى)، وفي الدين:(لي في ذمته كذا وهو ممتنع من الأداء الواجب عليه)، ولا تسمع الدعوى بالدين المؤجل، وهذا إذا قصد بالدعوى تحصيل المدعى به.
فإن كان المقصود بها دفع المنازعة؛ بأن يكون المدعى به في يده وغيره ينازعه فيه، أو له بينة تشهد له بملكه ويخشى غيبتها وقت منازعته .. فلا يشترط التعرض لوجوب التسليم، فلو قال:(هذه الدار لي وهو يمنعنيها) .. صحت دعواه وسمعت بينته، وكذا لو قال:(كان له على كذا وقبضه وهو يطالبني به ظلماً).
وألا تكون بحد لله تعالى، إلا أن تعلق بها حق لآدمي؛ كقذف .. فتسمع، ولو ادعى سرقة مال .. سمعت دعواه بالمال، وحلف المدعى عليه، فإن نكل .. حلف المدعي وثبت المال، ولا يقطع؛ لأن حدود الله تعالى لا تثبت باليمين.
وقوله: (بشيء علما) أي: بأن ذكر في النقد جنسه ونوعه، وقدره وصفته إن اختلف بها الغرض، ومطلق الدرهم أو الدينار ينصرف إلى الشرعي، فلا حاجة إلى بيان وزنه، وفي العين التي تنضبط بالصفة؛ كالحبوب والحيوان والثبات صفات السلم.
ولا يشترط ذكر القيمة ولو كانت متقومة، وكذا إن كانت تالفة وهي مثلية، فإن كانت متقومة .. اشترط ذكر القيمة، وفي العقار الناحية والبلدة، والمحلة والسكة والحدود، وهذا إذا ادعى بمعين، فإذا ادعى ليعين له القاضي .. صحت دعواه مع كون المدعى به مجهولاً؛ كالمفوضة تطلب الفرض، والزوجة تطلب النفقة والكسوة، والمطلقة تطلب المتعة، وكالغرة والحكومة والوصية بمجهول والإقرار به، ونحو ذلك من مسائل كثيرة.
وفي النكاح تزويجها بولي وشاهدي عدل، ورضاها إن اعتبر، وفي نكاح الأمة العجز عن
طول الحرة، وخوف العنت، وفي دعوى الرضاع أنه ارتضع منها، أو معها في الحولين خمس رضعات متفرقات، ووصل اللبن إلى جوفه.
[إذا اعترف الخصم بحقه بعد الدعوى]
وبعد الدعوى إن يعترف الخصم بحقه .. حكم القاضي عليه، بطلب المدعي أن يحكم به، ويلزم القاضي المقر بالخروج من الحق الذي عليه، ويثبت الحق بالإقرار من غير قضاء القاضي، وإن جحد المدعي عليه؛ يعني: أنكر؛ كأن قال: (لا يستحق على شيئاً)، أو أصر على السكوت .. جعل كالمنكر الناكل عن اليمين، وللقاضي أن يقول للمدعي:(ألك بينة؟ ) وأن يسكت، فإن كان ثم –بفتح المثلثة؛ أي: هناك- بينة تشهد بحق المدعي .. حكم بها بطلب المدعي أن يحكم له بها؛ كأن يقول: (حكمت له بكذا)، أو (نفذت الحكم به) أو (ألزمت خصمه الحق)، ولا يجوز له الحكم قبل أن يسأل.
ومن قامت عليه بينة بحق .. ليس له تحليف المدعي على استحقاقه؛ لأنه كطعن في الشهود.
فإن ادعى أداءه، أو إبراءه منه، أو شراء عين من مدعيها، أو هبتها وإقباضها منه .. حلف خصمه على نفيه؛ وهو أنه ما تأدى منه الحق، ولا أبرأه منه، ولا باعه العين، ولا وهبه إياها؛ لاحتمال ما يدعيه، وكذا لو ادعى علمه بفسق شاهده أو كذبه؛ لأنه لو أقر بذلك .. بطلت الشهادة.
فإن استمهل من قامت عليه البينة ليأتي بدافع .. أمهل ثلاثة أيام؛ لأنها مدة قريبة، وحيث لا؛ أي: وإن لم يكن للمدعي بينة أصلاً، أو كانت وطلب المدعي يمينه .. حلف المدعى عليه إن دعي؛ أي: طلب المدعي يميه، فإن لم يطلبها .. لم يحلفه القاضي، فإن حلفه بدون طلبه .. لم يعتد بيمينه.
فإن ادعى عليه عشرة، فقال:(لا تلزمني العشرة) .. لم يكف حتى يقول: (ولا بعضها)، وكذا يحلف؛ لأن مدعي العشرة مدعٍ لكل جزء منها، فاشترط مطابقة الإنكار واليمين دعواه، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه .. فناكل، فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء ويأخذه.
وإذا ادعى مالاً مضافاً إلى سبب؛ كـ (أقرضتك كذا) .. كفاه في الجواب والحلف: (لا يستحق علي شيئاً).
واليمين يفيد قطع الخصومة في الحال؛ لا براءة، فلو أقام بعدها بينة بمدعاه .. عمل بها.
وتعتبر نية القاضي المستحلف للخصم، فلو ورى أو تأول خلافها أو استثنى؛ بحيث لا يسمعه القاضي .. لأم يدفع ذلك إثم اليمين الفاجرة، وفي ذلك خبر مسلم:((اليمين على نية المستحلف))، وهو محمول على القاضي.
ولو حلف الإنسان ابتداء، أو حلفه غير القاضي من قاهر، أو خصم أو غيره .. فالاعتبار بنية الحالف، وتنفعه التورية.
ولو حلفه القاضي بالطلاق أو العتاق .. نفعته التورية، لأنه ليس له التحليف بهما.
ولو قال المدعى عليه حين طلب المدعي تحليفه: (قد حلفني مرة على ما ادعاه عند قاض، فليحلف أنه لم يحلفني عليه) .. مكن؛ لأن ما قاله محتمل غير مستبعد، فإن قال:(قد حلفني مرة عندك أيها القاضي)، فإن حفظ القاضي ما قاله .. لم يحلفه ومنع المدعى مما طلبه، وإن لم يحفظه .. حلفه، فإن أبى؛ أي: امتنع المدعى عليه من اليمين؛ كأن قال: (أنا ناكل)، أو قال له القاضي: احلف، فقال:(لا أحلف) .. ردت اليمين على المدعي فيحلف؛ لتحول الحلف إليه؛ فإذا حلف اليمين المردودة .. استحق ما ادعاه، وقضى له به، ولا يقضي له بنكوله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رد اليمين على طالب الحق رواه الدارقطني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
واليمين المردودة؛ كإقرار المدعي عليه لتنزل نكوله منزلة إقراره؛ لأنه به توصل إلى الحق.
فلو أقام المدعي عليه بينة بعدها بأداء أو إبراء .. لم تسمع؛ لتكذيبه لها بإقراره، فإن لم يحلف المدعي، ولم يتعلل بشيء .. سقط حقه من اليمين، وليس له مطالبة الخصم في هذا المجلس ولا غيره، ويصير امتناعه كحلف المدعى عليه، وإلا .. لرفع خصمه كل يوم إلى القاضي، والخصم ناكل وهو لا يحلف اليمين المردودة، ويطول الخطب.
وله أن يقيم البينة، وإن تعلل بإقامة بينة أو مراجعة حساب .. أمهل ثلاثة أيام، وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه .. لم يمهل إلا برضا المدعي؛ لأنه مقهور بطلب الإقرار أو اليمين، بخلاف المدعي.
وإن ادعى اثنان عيناً ولا بينة لأحدهما، وانفرد أحدهما باليد عليها. فهي له مع يمينه، وعلى هذا: فالشخص تسمع دعواه بما في يده ويحلف عليه، وكذا لو كانت بيده وأقام غيره بها بينة، ثم أقام بها بينة .. قدمت بينة صاحب اليد وقضي له بها، لكن لا تسمع بينته إلا بعد بينة الخارج؛ لأنه وقت إقامتها.
ولو أزيلت يده ببينة، ثم أقام بينة مسنداً إلى ما قيل إزالة يده، واعتذر بغيبة شهوده .. سمعت وقدمت؛ لأنها إنما أزيلت لعدم الحجة وقد ظهرت، فينقض القضاء، وحيث كانت معهما؛ أي: في يدهما، وأقام كل منهما بينة .. بقيت كما كانت؛ لتساقطهما، وحلف كل واحد منهما أنها ملكه دون غريمه .. قسمت العين بينهما نصفين، وكذا إذا كانت في يد ثالث وأقام كل منهما بينة بها .. تساقطتا وكأن لا بينة، وتقسم بينهما.
ومتى أقاما بينتين متعارضتين .. رجحت إحداهما على الأخرى بأسباب:
منها: اليد كما م.
ومنها: إقرار صاحب اليد لأحدهما.
ومنها: قوة البينة؛ فلو أقام أحدهما شاهدين، والآخر شاهداً وحلف معه .. رجح الشاهدان، إلا إذا كانت اليد مع الآخر .. فيرجح باليد.
ومنها: زيادة العلم؛ فلو قال الخارج: (هو ملكي اشتريته منك) وأقام به بينة، وأقام الداخل بينة بأنه ملكه .. قدمت بينة الخارج.
ومنها: زيادة التاريخ؛ فلو أقام أحدهما بينة بأنها ملكه من سنة وآخر بينة بأنها ملكه من سنتين .. قدمت بينته، وله الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ، إلا إن كان لصاحب متأخرة التاريخ يد .. فإنها تقدم.
ولو أطلقت بينة، وأخت بينة أخرى .. فهما سواء، ولو شهدت بينة بإقرار المدعى عليه أمس بالملك للمدعي .. استديم الإقرار.
وأن تصرح البينة بالملك في الحال، ولو أقامها بملك جارية أو شجرة .. لم يستحق ثمرة موجودة، ولا ولداً منفصلاً، ويستحق حملها.
ولو اشترى شيئاً أخذ منه بحجة مطلقة .. رجع على بائعه بالثمن، ولو ادعى ملكاً مطلقاً، فشهدوا له مع سببه .. لم يضر.
[تحليف من توجهت عليه دعوى صحيحة وما يستثنى من ذلك]
وحلَف الحاكم وجوباً كلَ من توجهت عليه دعوى صحيحة ـ كدعوى الضرب والشتم الموجبين للتعزيز ـ لو أقر بمطلوبها .. ألزم به؛ لخبر: «اليمين على المدعى عليه» ، ويستثنى من طرد هذه القاعدة صور؛ ذكر الناظم بعضها:
الأولى: حدود الله تعالى؛ كحد الزنا والشرب لا يجري فيها التحليف، فلا يخلف المدعى عليه، بل لا تسمع الدعوى بها عليه؛ لأنها ليست حقاً للمدعي، ومن له الحق لم يأذن في الطلب، بل أمر بالستر والإعراض ما أمكن.
نعم؛ لو تعلق بالحد حق آدمي؛ كما إذا قذف إنساناً، فطلب المقذوف حد القذف، فقال القاذف: حلفوه أنه ما زنى .. حلف؛ كما مر في القذف.
الثانية: أنه لا يحلف القاضي على تركه الظلم في حكمه وإن كانت الدعوى عليه بعد عزله لأن منصبه يأبى التحليف والابتذال.
الثالثة: أنه لا يحلف الشاهد إذا ادعِيَ عليه أنه تعمد الكذب، أو ما يوجب سقوط شهادته وإن انتفع المدعي بإقراره لذلك؛ لأنه منصبه يأبى التحليف.
الرابعة: أنه لا يحلف منكر وكالة من طالبه بحق على نفي علمه بها؛ لأنه لو أعترف بها .. لم يلزمه التسليم إليه؛ لأنه لا يأمن أن يجحدها المستحق؛ فلا معنى لتحليفه.
ويستثنى أيضاً: كال لو قال المدعى عليه: (أنا صبي) وهو محتمل. . لم يحلف، وقف الأمر حتى يبلغ؛ لأن حلفه يثبت صباه، وصباه يبطل يمينه، ففي تحليفه إبطال تحليفه.
وإذا حلف على فعل نفسه .. حلف بتّاً، أي: قطعاً في حالتي النفي والإثبات؛ لأنه يعرف حال نفسه ويطلع عليها؛ كما أجاب به في الدعوى.
فإن ادعى عليه عشرة مثلاً، أو أنه أقرضه عشرة، أو أنه غضبها منه: فإن اقتصر على الجواب المطلق؛ كأن قال: (لا يستحق عليً شيئاً) أو (لا يلزمني تسليم ما ادعى به إليه) .. حلف كذلك، وإن تعرض فى الجواب للجهة؛ كأن قال:(ما أقترضتها منه) ، أو (ما غضبتها منه) .. حلف كذلك.
فإن أراد أن يقتصر على النفي المطلق .. لم يمكن منه، وكذا إن حلف على فعل غيره في الإثبات؛ لأن الوقوف عليه سهل، وإن كان على نفيه .. حلف على نفي علمه به؛ لعسر الوقوف على النفي المطلق، ولهذا لا تجوز الشهادة به، ولو حلف على البت .. اعتد به؛ كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره، ويحمل على نفي العلم، ويجوز البت في الحلف بظن مؤكد؛ كأن اعتمد خطه، أو خط مورثه، ويحلف على البت في نفي جنابة رقيقه؛ لأنه ماله وفعله كفعله، وكذلك جنابة بهيمته؛ لأن ضمانها بتقصيره في حفظها لا بفعلها.
والألف في قول الناظم: (عُلما) و (حكما) و (التوكيلا) و (حلفا) في البيت الأخير للإطلاق، وقوله:(حَلَّفْ) فعل أمر، وقوله (إحداهما) بمعنى أحدهما، وقوله:(والمنكرِ) بالجر عطفاً على (حد? ) ، (ونفيَ علم) بالنصب.
* * *