المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب السلم سمي به؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وبالسلف؛ تقديمه، - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌كتاب السلم سمي به؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وبالسلف؛ تقديمه،

‌كتاب السلم

سمي به؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وبالسلف؛ تقديمه، يقال: اسلم وسلم، وأسلف وسلف. والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل} الآية، فسرها ابن عباس بالسلم، وخبر "الصحيحين":"من أسلف في شيء .. فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، وهو: بيع موصوف في الذمة بلفظ السلم أو نحوه، فيعتبر له ما يعتبر للبيع، إلا الرؤية. ويختص بأمور أخذ في بيانها فقال:

(ألشرط: كونه منجزاً، وأن

يقبض في المجلس سائر الثمن)

(وإن يكن في ذمة: يبين

قدراً ووصفاً دون ما يعين)

(وكون ما أسلم فيه دينا .. حلولا أو مؤجلا لكنا)

(بأجل يعلم، والوجدان عم

وعندما يحل يؤمن العدم)

(دون ثمار من صغيرة القرى

معلوم مقدار بمعيار جرى)

(والجنس والنوع كذا الصفات

لجلها تختلف القيمات)

(وكونها مضبوطة الأوصاف لا

مختلطا أو فيه نار دخلا)

(عين لذي التأجيل موضع الأدا

وإن لم يوافقه مكان عقدا)

[شروط صحة السلم]

يشترط لصحة السلم زيادة على شروط البيع أمور:

أحدهما: كونه؛ أي: الثمن الذي هو رأس المال منجزاً؛ أي: حالاً لا مؤجلاً؛ فلو أجل ولو بلحظة .. لم يصح، وإنما لم أحمل كلامه على ظاهره؛ من أن شرط السلم كونه منجزاً

ص: 579

لا معلقاً، حتى لو قال:(إذا جاء رأس الشهر أسلمت إليك في كذا) .. لم يصح؛ لأن هذا الشرط ليس من خواص السلم، بل البيع ونحوه من العقود كذلك.

ثانيها: أن يقبض جميع الثمن في مجلس العقد، بأن يقبضه المسلم إليه، أو وكيله ولو استوفي المسلم فيه؛ إذ لو تأخر .. لكان ذلك في معنى بيع الكالئ بالكالئ؛ لنزول التأخير منزلة الدينية في الصرف وغيره؛ ولأن السلم عقد غرر فلا يضم إليه غرر آخر، ولأنه جوز للحاجة فاشترط ذلك تعجيلاً لقضائها، فلو تفرقا قبل القبض .. بطل، وكذا لو تخايرا قبله؛ كنظيره في الربا، ولو قبض بعضه في المجلس .. صح من المسلم فيه بقسط ما قبض، وبطل في غيره. ويجوز كون رأس المال منفعة؛ كأن يقول:(أسلمت إليك منفعة هذه الدار شهراً في كذا) ، وتقبض بقبض العين في المجلس؛ لأنه الممكن في قبضها فيه، فلا يعكر على هذا ما سيأتي من أن المعتبر في السلم القبض الحقيقي. وبما تقرر علم: أنه لو جعل رأس المال عقاراً غائباً، ومضى في المجلس زمن يمكن فيه المضي إليه .. صح؛ لأن القبض فيه بذلك. وأنه لو جعل المال الذي في ذمة المسلم إليه رأس مال .. لم يصح؛ لتعذر قبضه من نفسه. وأنه لا يشترط تعيينه في العقد؛ كما يعلم مما سيأتي أيضاً، وأن المسلم إليه لو قبض رأس المال في المجلس، وأودعه فيه المسلم .. جاز ذلك وصح العقد، ولو رده إليه عن دين .. قال أبو العباس الروياني: لا يصح؛ أي: العقد؛ لأنه تصرف فيه قبل انبرام ملكه عليه، وأقره الشيخان، والراجح: صحته. وأنه لو أعتق العبد الذي هو رأس المال في المجلس قبل قبضه، وقبضه في المجلس .. صح السلم؛ لما قلناه، ونفذ العتق أيضاً على أحد وجهين في "الروضة" و"أصلها"، وصححه في "مختصرها" أبو عبد الله الحجازي، وبه جزم صاحب "العجاب". وأنه لو كان رأس المال في الذمة فأبرأ منه مالكه، أو صالح عنه على مال .. لم يصح وإن قبض ما صالح عليه.

ص: 580

ولو أحال المسلم المسلم إليه برأس المال، وقبضه في المجلس .. لم يصح وإن أذن فيه المحيل؛ لأن بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه، فهو يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم. نعم؛ إن قبضه المسلم من المحال عليه، أو من المسلم إليه بعد قبضه بإذنه، وسلمه إليه في المجلس .. كفى؛ كما صرح به الشيخان. ولو أحال المسلم إليه برأس المال على المسلم: فإن تفرقا قبل التسليم .. بطل العقد وإن جعلنا الحوالة قبضا؛ لأن المعتبر في السلم القبض الحقيقي، وإن قبضه المحتال في المجلس بإذن المسلم إليه .. صح، ويكون وكيلا عنه في القبض، والفرق أن المقبض في تلك أقبض عن غير جهة السلم كما مر، بخلافه في هذه، والحوالة في المسألتين بكل تقدير فاسدة؛ لتوقف صحتها على صحة الاعتياض عن المحال به وعليه، وهي منتفية في رأس المال. وإذا فسخ السلم بسبب يقتضيه؛ كانقطاع المسلم فيه عند حلوله ورأس المال باق .. استرده بعينه، سواء أعين في العقد أم في المجلس، وليس له إبداله مع بقائه؛ لأن المعين في مكان العقد؛ كالمعين في العقد، ولو كن تالفاً .. رجع إلى بدله وهو المثل في المثلي، والقيمة في المتقوم. قوله:(وإن يكن) أي: رأس المال في ذمة يعين وجوباً قدراً له، ووصفاً له بصفات السلم؛ ليعلم، ثم يعين ويسلم في المجلس دون ما إذا كان معينناً؛ فإنه لا تشترط معرفة قدره، بل يكفي كونه جزافاً اكتفاء بالعيان؛ كما في البيع.

ثالثها: كون المسلم فيه ديناً؛ لأنه الذي وضع له لفظ السلم، فلو قال:(أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد) ، فقبل .. فليس بسلم؛ لانتفاء شرطه، ولا ينعقد بيعاً؛ لاختلال لفظه؛ لأن لفظ السلم يقتضي الدينية. ولو قال:(اشتريت منك ثوباً صفته كذا بهذه الدراهم) وفقال: بعتك .. انعقد بيعاً اعتباراً باللفظ؛ كما صححه الشيخان هنا، وقيل: سلماً اعتباراً بالمعنى؛ كما اقتضى كلامهما في (باب الإجارة) ترجيحه، ونص عليه الشافعي، ونقله الشيخ أبو حامد عنه،

ص: 581

وعن العراقيين، وصححه الجرجاني والروياني وابن الصباغ، وقال الإسنوي بعد نقله ذلك فلتكن الفتوى عليه، واختاره السبكي وغيره، وهذا كله إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، فإن قال:(بعتك سلماً)، أو (اشتريته سلماً) .. فسلم؛ كما جزم به الشيخان في تفريق الصفقة. قوله:(حلولاً أو مؤجلاً) أي: كون المسلم فيه ديناً حالاً؛ بأن شرط حلوله في العقد، أو أطلق مؤجلاً بأجل معلوم؛ لقوله تعالى:{إلى أجل مسمى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من أسلف في شيء .. فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، وإذا جاز السلم مؤجلاً .. فالحال أولى؛ عن الغرر. وفائدة العدول عن البيع إلى السلم الحال: رخص السعر، وجواز العقد مع غيبة المبيع، والأمن من الانفساخ، إذ هو متعلق بالذمة. وخرج بقوله:(بأجل يعلم) تأجيله بالميسرة والحصاد وقدوم ونحوها، فلا يصح؛ للآية والخبر السابقين، وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم:(اشترى من يهودي شيئاً إلى ميسرته) .. فمحمول-إن صح - على زمن معلوم عندهم، فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم .. جاز؛ لأنها معلومة مضبوطة، وإن أطلق الشهر .. حمل على الهلالي؛ لأنه عرف الشرع، وذلك بأن يقع العقد أوله، فإن انكسر شهر؛ بأن وقع العقد في أثنائه، وأجل بأشهر .. حسب الباقي بعد الأول المنكسر بالأهلة، وتمم الأول ثلاثين مما بعدها، ولا يلغي المنكسر؛ لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد. نعم؛ لو عقد في اليوم الأخير من الشهر .. اكتفي بالأشهر الهلالية بعده، ولا يتمم اليوم مما بعدها، فإنها عربية كوامل، فإن تم الأخير منها .. لم يشترط انسلاخه، بل يتمم منه المنكسر ثلاثين، ذكره المتولي، ولو أجل على شهر ربيع، أو إلى أوله .. صح، بخلاف قوله:(يحل فيه) فإنه لا يصح؛ لأنه جعله ظرفاً، فكأنه قال: محله جزء من أجزائه، وذلك مجهول، والأصح: صحة تأجيله بالعيد وجمادى وربيع والنفر، ويحمل على ما ولي العقد من العيدين وجماديين والربيعيين والنفرين؛ لتحقق الاسم به.

رابعها: كون المسلم فيه مما يعم وجوده، ويؤمن عدمه عند حلوله؛ ليقدر على تسليمه عند وجوب التسليم، وهو في السلم الحال بالعقد، وفي المؤجل بحلول الأجل؛ فلو أسلم فيما يندر وجوده؛ كلحم الصيد بموضع العزة، أو فيما لو استقصى وصفه عز وجوده كاللؤلؤ الكبار

ص: 582

واليواقيت، وجارية وأختها أو ولدها، أو في منقطع عند الحلول؛ كالرطب في الشتاء، أو مظنون الحصول عنده، لكن بمشقة عظيمة .. لم يصح، فإن كان يوجد ببلد آخر .. صح إن أعتيد نقله للبيع للقدرة عليه، وإلا .. فلا. ولو أسلم فيما يعم، ثم انقطع وقت حلوله .. تخير المسلم بين فسخه والصبر حتى يوجد. ولو علم قبل المحل انقطاعه عنده .. فلا خيار قبله في الأصح؛ لأنه لم يجئ وقت وجوب التسليم، ثم الانقطاع الحقيقي للمسلم فيه الناشئ بيلك البلدة: أن تصيبه جائحة تستأصله. ولو وجد في غير ذلك البلد، لكن يفسد بنقله، أو لم يوجد إلا عند قوم امتنعوا من بيعه .. فهو انقطاع، بخلاف ما إذا كانوا يبيعونه بثمن غال .. فيجب تحصيله، ويجب نقل الممكن نقله مما دون مسافة القصر على الأصح. قوله:(دون ثمار من صغيرة القرى) أي: لا يصح، حتى لو أسلم في قدر معلوم من ثمر، أو زرع قرية صغيرة، أو ثمر بستان معين .. لم يصح؛ لأنه لا يؤمن عدمه عند حلوله؛ إذ قد ينقطع فلا يحصل منه شيء، بخلافه في عظيمة؛ لأنه يؤمن عدمه غالباً فيصح في قدر معلوم منه، والمراد بـ (العظيمة): ما يؤمن فيها الانقطاع غالباً، وبالصغيرة غيرها.

خامسها: كون المسلم فيه معلوم المقدار بمعيار جرى في الشرع بالوزن أو بالكيل أو بالعد أو بالذرع كما سيأتي؛ للخبر السابق مع قياس ما ليس فيه على ما فيه، فيشترط العلم بقدره بالوزن فيما كبر جرمه، بحيث يتجافى في المكيال كالبيض والسفرجل، والبطيخ والرمان، والباذنجان والبقل والقصب، فلا يجوز السلم فيه بالكيل؛ للتجافي فيه، ولا بالعد؛ لكثرة التفاوت في أفراده، ولا تقبل أعالي القصب التي لا حلاوة فيها، ويقطع مجامع عروقه من أسفله، ويطرح ما عليه من القشور، وفيما لا يكال عادة وإن صغر جرمه؛ كفتات المسك والعنبر؛ إذ لليسير منه مالية كثيرة، والكيل لا يعد ضبطاً فيه، وهذا ما حكاه الرافعي عن الإمام وأقره، ثم ذكر أنه: لا يجوز السلم في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلاً ووزناً، قال في "الروضة": وهو مخالف لما قدمه عن الإمام فيما لا يعد الكيل فيه ضبطاً، فكأنه اختار هنا إطلاق الأصحاب. انتهى. وأجاب البلقيني بأنه ليس مخالفاً له؛ لأن فتات المسك والعنبر إنما لم يعد الكيل فيهما

ص: 583

ضبطاً؛ لكثرة التفاوت بالثقل على المحل أو تركه، وفي اللؤلؤ لا يحصل بذلك تفاوت؛ كالقمح والفول فيصح فيه كيلاً، فلا مخالفة. وأما اللبن .. فالجمع فيه بين الوزن والعد مستحب، والشرط فيه: أن يذكر طوله وعرضه وثخانته، وأنه من طين معروف. وبالوزن وإن كان مكيلاً، أو بالكيل وإن كان موزناً فيما يصغر جرمه مما لا يتجافى في المكيال وعد فيه ضبطاً؛ كالجوز واللوز والمائعات، بخلاف ما تقدم في الربويات: لا يجوز الموزون إلا بالوزن، والمكيل إلا بالكيل؛ لأن المقصود هنا معرفة القدر، وثم المماثلة بعادة عهده صلى الله عليه وسلم كما مر. ويمتنع التقدير بالوزن والكيل معاً في كبير الجرم وصغيره؛ نحو الحنطة؛ لأن ذلك يعز وجوده، وفي معناها الثياب ونحوها، فلا تقدر بالوزن مع وصفها، بخلاف الخشب؛ فإن زائده ينحت، وبالعد والذرع في الثياب ونحوها البسط؛ لأنها منسوجة بالاختيار، وما لا يوزن ولا يكال ولا يصنع بالاختيار .. يكفي فيه العد كالحيوان. ولو عين كيلاً أو ميزاناً أو ذراعاً .. فسد السلم إن لم يكن معتاداً؛ لأنه قد يتلف قبل المحل، ففيه غرر، بخلاف مثله في البيع فإنه يصح في الأصح؛ لعدم الغرر. والسلم الحال كالمؤجل أو البيع؟ وجهان، وقطع الشيخ أبو حامد بأنه كالمؤجل، وإن كان معتاداً بأن عرف قدره .. فلا يفسد في السلم في الأصح وإن فسد التعيين؛ كسائر الشروط التي لا غرض فيها، ويقوم مثل المعين مقامه، فلو شرطا ألا يبدل .. فسد العقد؛ كما أفهمه كلام الرافعي في (المسابقة).

سادسها: كون المسلم فيه معلوم الجنس؛ كالحنطة والشعير، والنوع؛ كالتركي والنوبي، والصفات التي تختلف بها القيمة اختلافاً ظاهراً، بخلاف ما يتسامح الناس بإهمال ذكره غالباً؛ كالكحل والسمن، والدعج والتكلثم ونحوها فلا يشترط ذكره في الأصح، ومنهم من يعبر عن هذا الشرط بالصفات التي يختلف بها الغرض اختلافاً ظاهراً، ومنهم من يجمع بينهما.

ص: 584

قال الرافعي: والضوابط الثلاثة ليست على إطلاقها؛ لأن كون العبد ضعيفاً في العمل وقوياً، وكاتباً وأمياً، وما أشبه ذلك صفات يختلف بها الغرض والقيمة، ولا يجب التعرض لها، قال الإسنوي الضابط أن يزاد فيه فيقال: من الصفات التي لا يدل الأصل على عدمها؛ فإن الضعف والكتابة وزيادة القوة الأصل عدمها. ويشترط معرفة العاقدين صفات المسلم فيه المذكورة في العقد، فإن جهلاها أو أحدهما .. لم يصح العقد، وكذا معرفة غيرهما الأصح؛ ليرجع إليه عند تنازعهما وهو عدلان على الأصح، فيضبط الرقيق بالنوع؛ كتركي وزنجي، فإن اختلف صنف النوع .. وجب ذكره، واللون من بياض وسواد، ويصف البياض بالسمرة، أو الشقرة، والسواد بالصفاء أو الكدرة إن اختلف لون الصنف، بالأنوثة أو الذكورة، والثيوبة أو البكارة، وبالسن كمحتلم أو ابن ست أو سبع، والأمر فيه على التقريب، وتحديده مبطل، حتى لو شرط ابن سبع سنين من غير زيادة ولا نقصان .. بطل. ويرجع لقول العبد في الاحتلام، وكذا في السن إن كان بالغاً، ولسيده إن ولد في الإسلام، وإلا .. فالنخاسين، فتعتبر ظنونهم. ويجوز شرط التهود أو التنصر، وبالقد كطويل أو قصير أو ربعة. والإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير: الذكورة أو الأنوثة والسن، واللون والنوع. ويضبط اللحم بالجنس؛ كلحم بقر أو غنم، وبالنوع؛ كعراب أو جواميس، ضأن أو معز، وبالذكورة أو الأنوثة، وبالفحولة أو الخصاء، وبالسن كصغير أو كبير، أو رضيع أو فطيم، جذع أو ثني، وبالرعي أو العلف، من كتف أو جنب، وبالسمن أو الهزال، ويجوز في المملح والقديد، ويقبل بالمعتاد من العظم، إلا إن شرط نزعه، ويجوز في الشحم والألية، والكبد والطحال، والكلية والرئة، لا الرؤوس والأكارع. ولحم الصيد كما قدمنا في اللحم، سوى المعلوف والخصي، ويبين أنه صيد بأحبولة أو سهم أو جارحة، وأنها كلب أو فهد. ولحم الطير والسمك: الجنس والنوع، والصغر أو الكبر، من حيث الجثة لا الذكورة

ص: 585

والأنوثة، إلا إذا أمكن التمييز، وتعلق به غرض، وموضع اللحم إذا كان الطير والسمك كبيرين، ولا يلزمه قبول الرأس والرجل من الطير، والذنب من السمك. والتمر: لونه وبلده، وعتقه أو حداثته، وصغر الحبات أو أكبرها أو توسطها. والحنطة وسائر الحبوب كالتمر، والرطب كذلك، إلا الحداثة والعتق، والدقيق كالحنطة، وزيادة قرب زمن الطحن أو بعده، وما يطحن به، وخشن أو ناعم. والعسل: بلده، والناحية من البلد والمرعى، وجبلي أو بلدي، صيفي أو خريفي، أبيض أو أصفر. والسكر: الناحية ونوع القصب، واللون والقوة أو اللين، والحداثة أو العتق، والقند، ويجوز في قصب السكر وزناً إذا شرط قطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه، وقطع مجامع العروق من أسفله. واللبن كاللحم سوى الثالث والسادس، ويبين نوع العلف لا الحلاوة؛ فالمطلق ينصرف إلى الحلو، بل لو أسلم في اللبن الحامض .. لم يجز، إلا أن يكون مخيضاً لا ماء فيه .. فلا يضر وصف الحموضة حينئذ. والسمن كاللبن، وكونه رطباً أو يابساً. والصوف والشعر والوبر: البلد، واللون، والوزن، والطول أو القصر، وخريفي أو ربيعي من ذكر أو أنثى، ولا يقبل إلا خالصاً من الشوك والبعر، وإن كان الغسل لا يعيبه .. جاز شرطه. والقطن: البلد واللون، وكثرة لحمه أو قلته، والخشونة أو النعومة، وعتيق أو جديد إن اختلف به الغرض، والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب، ويجوز في كل منهما وحده لا في القطن في الجوز؛ لاستتاره، ولا في الأرز والعلس؛ لاستتارهما بالكمام. الإبرسيم: لونه وبلده، ورقته أو غلظه، لا النعومة والخشونة. ويجوز السلم في القز الخالي من الدود، والغزل كالقطن، ويذكر الرقة أو الغلظ، ويجوز

ص: 586

شرط كونه مصبوغاً مع بيان الصبغ، فيذكر اللون وما يصبغ به، والبلد الذي يصبغ فيه، وأنه صبغ الصيف أو الشتاء. والثبات: الجنس والنوع، والبلد والطول والعرض، والخشونة أو النعومة، والغلظ أو الدقة، والصفاقة أو الرقة، فالغلظ والدقة راجعان إلى كيفية الغزل، والصفاقة والرقة راجعان إلى كيفية النسج؛ فالصفاقة: انضمام الخيوط، والرقة: تباعدها، ويجوز في المقصور، والمطلق محمول على الخام.

ويجوز في القمص والسراويلات إذا ضبط طولها وعرضها وضيقها أو سعتها، ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج، لا في المصبوغ بعده. وأما الأخشاب: فلما يطلب للحطب: نوعه وغلظه أو رقته، وأنه من نفس الشجرة، أو من أغصانها، ووزنه، ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف؛ محمول على الجاف، ويجب قبول المعوج والمستقيم. ولما يطلب للبناء والغراس، أو للقسي والسهام: النوع والعدد والطول والغلظ أو الرقة ولا يشترط الوزن. والحديد: النوع واللون، والوزن والخشونة، وأنه ذكر أو أنثى، ويجوز في الدراهم والدنانير إن كان رأس المال غيرهما ويذكر السكة، ومن ضرب فلان. وفي أنواع العطر؛ كالمسك والعنبر والكافور: يذكر النوع والوزن. وفي الزجاج والطين والجص والنورة وحجارة الأرحية والأبنية: النوع والطول، والعرض والسمك، لا الوزن. وفي الكاغد: النوع والطول والعرض، والبلد والزمان والعدد، والوزن فيه أحوط، ولا يجوز في الرق والجلود.

سابعها: كونها؛ أي: الصفات التي تختلف بها القيمة مضبوطة، فيصح في المختلط المقصود الأركان المنضبطة؛ كعتابي وخز من الثياب، الأول مركب من القطن والحرير، والثاني من الإبرسيم والوبر أو الصوف، وهما مقصود أركانهما.

ص: 587

وفي المختلط الذي لا يقصد إلا أحد خليطيه والآخر من مصلحته؛ كجبن وأقط كل منهما فيه مع اللبن المقصود الملح والإنفحة من مصالحه، وخل تمر أو زبيب، وهو يحصل من اختلاطهما بالماء، وفي المختلط خلقه كالشهد. ولا يصح في المختلط الأركان التي لا تنضبط؛ كهريسة ومعجون وغالية؛ وهي مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور؛ كذا في "الروضة" كـ"أصلها" وفي "التحرير" ذكر الدهن مع الأولين فقط، وخف ونعل وترياق مخلوط. ولا يصح السلم فيما دخلت فيه نار وأثرت فيه؛ كالمطبوخ والمشوي؛ لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط، ولا يضر تأثير الشمس، فيجوز السلم في العسل المصفى بها. ويصح السلم في الجص والنورة والزجاج، وكذا الآجر في الأصح، وفي ماء الورد تردد نقله الشيخان، وفي "المهمات": أن الراجح: الجواز، وفي جوازه في المصفى بالنار وفي السكر والفانيد والدبس واللبأ- بالهمز من غير مد- وجهان، سكت عن الصحيح منهما في "الروضة"، وصحح في "تصحيح التنبيه" الجواز في كل ما دخلته نار لطيفة، ومثل بما ذكر غير العسل وهو أولى، ومثله السمن.

ثامنها: تعيين مكان أداء المسلم فيه المؤجل إن لم يصلح موضع العقد له؛ كالمفازة؛ أي: أو يصلح، ولكن لحمله مؤنة؛ لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة، فإن صلح وليس لحمله مؤنة .. فلا يشترط التعيين، ويتعين مكان العقد للتسليم، وإن عينا غيره .. جاز وتعين، أما الحال .. فيتعين فيه موضع العقد الداء، قال ابن الرفعة: والظاهر: تقييده بالصالح للتسليم، وإلا .. شرط البيان. انتهى. ولو عينا غيره .. جاز وتعين، والمراد بموضع العقد: تلك المحلة، لا ذلك الموضع بعينه. ولا يجوز أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه ونوعه، ويجب قبول الأجود، ويجوز قبول

ص: 588

الأردأ، ولا يجبر المسلم على قبول المسلم فيه قبل حلوله إن كان امتناعه لغرض صحيح؛ كأن كان حيواناً أو ثمرة، أو لحماً يريد أكله عند المحل طرياً، أو كان الوقت وقت إغارة، وإلا .. أجبر على القبول أو الإبراء، فإن أصر على الامتناع .. أخذه الحاكم، ولا يلزم المسلم إليه الأداء في غير محل التسليم إن كان لنقله مؤنة، لكن للمسلم الفسخ والرجوع لرأس المال، ولا يلزم المسلم الأخذ في غير المحل إن كان لنقله مؤنة، أو كان الموضوع مخوفاً. في غير المحل إن كان لنقله مؤنة، أو كان الموضع مخوفاً. والرطب والتمر، وما سقي بماء السماء وماء الأرض، والعبد التركي والهندي .. تفاوت نوع، لا تفاوت صفة. وقول الناظم:(حلولاً أو مؤجلاً) بدرج الهمزة، للوزن، والألف في قوله:(لكنا) و (دخلا) و (عقدا) للإطلاق.

ص: 589