الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
جمع جناية؛ هي أعم من تعبير غيره بالجراح؛ لشمولها المثقل وشهادة الزور وغيرها.
[أقسام الجنايات]
وهي على ثلاثة أقسام: عمد، وخطأ، وشبه عمد، وقد أخذ في بيانها فقال:
(فعمد محض: هو قصد الضارب
…
شخصاً بما يقتله في الغالب)
(والخطأ: الرمي لشاخص بلا
…
قصد أصاب بشراً فقتلا)
(وشبه العمد بأن يرمي إلى
…
شخص بما في غالب لن يقتلا)
أي: العمد المحض: هو قصد الجاني شخصاً؛ أي: إنساناً معيناً بما يقتله في الغالب عدواناً، فقتله سواء أكان بجارح؛ كسيف وسكين، أم بمثقل؛ كحجر ودبوس، أم بغيرهما.
والخطأ: الرمي لشاخص بلا قصد؛ كأن زلق فوقع على إنسان فمات، أو بلا قصد لإنسان فأصاب إنساناً فمات، أو قصد شخصاً فأصاب غيره فمات.
وشبه العمد: قصد الشخص بما لا يقتله غالباً.
والألف في قول الناظم: (فقتلا) و (يقتلا) للإطلاق.
(ولم يجب قصاص غير العمد
…
إن يحصل الإزهاق بالتعدي)
(فلو عفا عنه على أخذ الديه
…
من يستحق وجبت كما هيه)
(لكن مع التغليظ والحلول
…
ولو بسخط قاتل المقتول)
(وفي الخطا وعمده: مؤجله
…
ثلاث أعوام على من عقله)
(وخففت في الخطأ المحض كما
…
قد غلظت في العمد فيما قدما)
فيها أربع مسائل:
[لا قصاص في الخطأ وشبه العمد]
الأولى: لا قصاص في الخطأ وشبه العمد؛ لقوله: {ومن قتل مؤمناً خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية} ، وخبر:«قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط والعصا، فيه مئة من الإبل» رواه أبو داوود وغيره، ويقتص في العمد؛ إذ يحصل إزهاق الروح بالتعدي بقصد عين الشخص بفعل يقتله في الغالب؛ للإجماع، ولقوله تعالى:{ولكم في القصاص حياة} ، ولخبر البخاري:«كتاب الله القصاص» ؛ فلو غرز إبرة بمقتل
…
فعمد، وكذا بغيره إن تألم حتى مات، فإن لم يظهر أثر ومات في الحال .. فشبه عمد.
[لو عقا مستحق القصاص وجبت الدية المغلظة]
الثانية: قد علم أن موجب العمد القود، والدية بدل عند سقوطه بعفو عليها أو نحو؛ لأنه بدل متلف فتعين جنسه كسائر المتلفات، فلو عفا مستحق القصاص عنه على أخذ دية مورثه .. وجبت كما في الدية المعروفة، لكنها تجب مغلظة حالة في مال القاتل ولو بسخط قاتل المقتول وعدم رضاه بالدية؛ لقوله:{فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل له قتيل .. فهو بخير النظرين: إما أن يؤدي، وإما أن يقاد» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وخرج بقول الناظم: (على أخذ الدية): ما لو أطلق العفو ولم يعف عليها على الفور .. فإنها لا تجب؛ لأن القتل لم يوجبها، والعفو إسقاط ثابت إلا إثبات معدوم.
وما لو عفا عن الدية .. فإن عفوه لاغ؛ بناءً على أن الواجب القود المحض، وله العفو بعده عليها.
وما لو عفا على غير جنس الدية، أو على أكثر منها كمئتي بعير
…
فإن المال يثبت ويسقط القصاص إن قبل القاتل، فإن لم يقبل .. لم يثبت المال، ولم يسقط القود في الأصح؛ لأنه إنما رضي بإسقاطه على عوض ولم يحصل.
وما لو عفا على بعض الدية كنصفها
…
فإنه لا يجب إلا ما عفا عليه.
وشمل قوله: (من يستحق) المحجور عليه بالفلس والسفه؛ فيصح عفو كل منهما عن
القود على مال ومجاناً، وبقوله:(عفا): ما لو ثب لصبي أو مجنون، فيؤخر حتى يبلغ أو يفيق.
نعم؛ إن كان المجنون فقيراً .. فلأبيه أو جده العفو عنه على المال بحسب المصلحة.
[دية الخطأ وشبه العمد مؤجلة على العاقلة]
الثالثة: تجب الدية في الخطأً وعمد الخطأ المسمى بشبه العمد مؤجلة ثلاثة أعوام على عاقلة القاتل في آخر كل سنة ثلثها، أما كونها مؤجلة
…
فلأن العاقلة تحملها على وجه المواساة، فوجب أن يكون وجوبها مؤجلاً؛ قياساً على الزكاة، وأما كون الأجل ثلاث سنين .. فللإجماع، واختلف الأصحاب في المعنى الذي كانت لأجله في ثلاث سنين، فقيل: لأنها بدل نفس محترمة، وقيل: لأنها دية كاملة وهذا هو الأصح، فدية المرأة تؤجل في سنتين، ففي آخر الأولى ثلثاها وفي آخر الثانية الباقي، ودية الكتابي والمجوسي ونحوه في سنة تؤخذ في آخرها، وقيمة العبد في كل سنة قدر ثلث دية.
ولو قتل رجلين .. ففي ثلاث.
ودية ما دون النفس، وأروش الجراحات والحكومات في كل سنة قد ثلث دية، وابتداء أجل دية النفس من زهوقها وغيرها من الجنابة، فإن سرت إلى عضو آخر .. فمن سقوطه.
ومحمل تحمل العاقلة دية الخطأ وشبه العمد: إذا صدقوا القاتل، أو قامت به بينة وهم عصبة، إلا الأصل والفرع، ويقدم الأقرب فالأقرب؛ بأن ينظر في الواجب آخر الحول، وفي الأقربين، فإن وفوا بالواجب موزعاً عليهم .. لم يشاركهم من بعدهم، وإلا .. شاركهن في التحمل، ثم الذين يلونهم، ثم المعتق ثم عصبته، ثم معتقه ثم عصبته، إلا الأصل والفرع.
فإن لم يوجد من له الولاء على الجاني .. تحمل معتق الأب ثم عصبته، ثم معتق الأب، ثم معتق الجد ثم عصبته كذلك
…
وهكذا.
فإن لم تكن عصبة، أو فضل عنهم شيء من الواجب .. ففي بيت المال إن كان الجاني مسلماً، فإن فقد .. فكله على الجاني؛ بناء على أنه يجب عليه ابتداء، ثم تتحملها العاقلة. وشروط العاقلة: التكليف، والذكورة، والحرية، واتفاق الدين، والغني أو التوسط، وعلى الغني في آخر كل سنة نصف دينار، وعلى المتوسط في آخر كل سنة ربع دينار، ويعتبران آخر الحول، ومن مات في أثناء الحول .. فلا شيء عليه.
[وجوه التغليظ والتخفيف في الديات]
الرابعة: دية الخطأ المحض مخففة من ثلاثة أوجه: كونها مخمسة كما سيأتي مؤجلة على العاقلة، ودية شبه العمد مغلظة من وجه؛ وهو كونها مثلثة، مخففة من وجهين: كونها مؤجلة على العاقلة، ومثلها دية الخطأ الواقع في حرم مكة، أو الأشهر الحرم: ذي القعدة وذي الحجة والحرم ورجب، أو كان المقتول محرماً ذا رحم من النسب.
ودية العمد وإن لم توجب القود؛ كقتل الأصل فرعه مغلظة من ثلاثة أوجه: كونها مثلثة حالة على الجاني.
والألف في قول الناظم: (قدما) للإطلاق، والهاء في قوله:(هيه) هاء السكت.
(يقتص في غير أب من محرم
…
أو في الشهور الحرم أو في الحرم)
(في الحال، والجمع بفرد فاقتل
…
في النفس أو في عضوه ذي المفصل)
(إن يكن القاتل ذا تكلف
…
وأصل من يجني عليه ينتفي)
(عنه القصاص كانتفا من نزلا
…
عنه بكفر أو برق حصلا)
(واشرط تساوي الطرفين في المحل
…
لم تنقطع صحيحة بذي شلل)
[القصاص من المحرم وفي الأشهر الحرم وفي الحرم]
أي: يقتص في غير قتل الأصل فرعه كما سيأتي؛ كان قتل أصله أو أخاه أو عمه، ويقتص في الأشهر الحرم وفي حرم مكة؛ لأنه قل لو وقع فيه .. لم يضمن، فلا يمنع منه؛ كقتل الحية والعقرب، وسواء التجأ القاتل إلى الحرم فراراً من القتل أم لا.
نعم؛ لو التجأ إلى المسجد الحرام، أو غيره من المساجد .. أخرج منه على الأصح ثم قتل؛ لأنه تأخير يسير لصيانة المسجد، ولو التجأ إلى الكعبة .. أخرج قطعاً، ويجوز أن يقتص في الحال على الفور ولو في الحر والبرد والمرض.
وسواء في جميع ما ذكر قصاص النفس والطرف وغيرهما؛ لأن القصاص موجبه الإتلاف؛ كتغريم المتلفات.
[ثبوت القصاص للوارث]
ويثبت القصاص لكل وارق بنسب أو سبب كالمال، وينتظر غائبهم إلى أن يحضر، وصغيرهم إلى أن يبلغ، ومجنونهم إلى أن يفيق، فلا يجوز للمحاضر الكامل استيفاؤه، ويحبس القاتل حينئذ، ولا يخلى بكفيل، وتحبس الحامل في قصاص النفس أو الطرف حتى ترضعه اللبأ، ويستغني بغيرها ولو بهيمة أو فطام لحولين.
ولا يستوفى قصاص إلا بإذن الإمام أو نائبه؛ لأن أمر الدماء خطر، ولأن وجوبه يفتقر إلى الاجتهاد؛ للاختلاف في شروط وجوبه واستيفائه؛ فإن استقل .. عزر لافتئاته على الإمام.
ويستثنى من اعتبار الإذن: ما لو وجب للسيد على رقيقه قصاص، وما لو اضطر المستحق .. فله قتله قصاصاً وأكله، وما لو قتل في الحرابة .. فلكل من الإمام والمستحق النفراد بقتله، وما لو انفرد بحيث لا يرى.
وبأذن الإمام للمستحق إذا كان أهلاً للاستفياء في قتل لا في طرف ونحوه.
وليتفقوا على مستوف، وإلا .. فقرعة بين القادرين، فمن خرجت قرعته
…
استوفاه بإذن الباقين.
ولو قتله أحدهم قبل العفو .. فلا قصاص عليه، وللباقين قسط الدية من تركة الجاني، أو بعد عفو غيره
…
لزمه القصاص مطلقاً؛ لسقوط حقه من القصاص بالعفو.
ومن قتل بمحدد أو نحو تجويع .. اقتص به رعاية للمماثلة، أو بسحر أو خمر أو لواط، فبسيف، ومن عدل إلى سيف .. فله، لأنه أوحى وأسهل، بل هو أولى.
[قتل الجمع بواحد]
ويقتل الجمع بواحد إن كان فعل كل قاتلاً لو انفراد أو تواطؤوا؛ لأن عمر رضي الله عنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة؛ أي: حيلة، وقال (لو تمالأ عليه أهل صنعاء .. لقتلهم جميعاً) ولم ينكر عليه فصار إجماعاً، ولأن القتل عقوبة تجب للواحد على الواحد، فتجب للواحد على الجماعة كحد القذف، ولأنه لو لم يوجب القود .. لاتخذ الاشتراك في القتل ذريعة إلى انتفاء القود، وللولي أخذ حصة من الدية باعتبار الرؤوس في الجراحات، وباعتبار عدد الضربات في غيرها.
ولا يقتل شريك مخطئ وشبه عمد، ويقتل شريك من سقط عنه القصاص لمعنى قائم به؛ كالأصل ويقتص من الواحد والجمع في النفس، وفي كل عضو له مفصل توضع الحديدة عليه؛ لأن القصاص خطر، فاختص بما يؤمن فيه الحيف والتعدي. وذلك في الأعضاء المنتهية إلى مفاصل؛ كالأنامل، والكوع، والمرفق، والركبة، والكف، وكذا أصل الفخذ والمنكب إن أمكن بلا إجافة، وكما يتقص في كل عضو ينضبط بمفصل .. يقتص أيضا في كل طرف ينضبط بنحيزه؛ ويجب في إبطال المنافع؛ كالسمع والبصر، والشم والذوق، والكلام والبطش.
ولا يقتص في العقل، ولا يقتص في شيء من الجراحات إلا في الموضحة؛ وهي الجراحة النافذة إلى العظم.
[شروط جريان القصاص في النفس وغيرها]
ويعتبر لجريان القصاص في النفس وغيرها أمور:
أحدها: أن يكون الجاني مكلفاً؛ أي: بالغاً، فلا قصاص على الصبي والمجنون؛ لأنهما لا يكلفان بالعبادات البدنية، فأولى ألا يكلفا بالعقوبات، ويجب على من تعدى بمزيل لعقله؛ كالخمر لتعديه؛ وهذا كالمستثنى من شرط العقل، وهو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب.
ولو قال: (كنت عند الجناية صبياً) أو (مجنوناً) صدق بيمينه إن أمكن الصبا فيه، وعهد الجنون قبله، ولو قال:(أنا صبي الآن) .. فلا قصاص، ولا يحلف أنه صبي.
ثانيها: أن يكون ملتزماً للأحكام، فلا قصاص على حربي؛ لعدم التزامه، ويجب على المعصوم بعهد أو غيره والمرتد، لالتزام الأول، وبقاء علقة الإسلام في الثاني.
ثالثها: أن يكون المجني عليه معصوماً بإسلام أو أمان، وفيهدر الحربي، وكذا المرتد في حق مسلم وذمي، ومن عليه قصاص معصوم في حق غير مستحقه، والزاني المحصن إن قتله ذمي .. قتل به، أو مسلم معصوم .. فلا.
رابعها: ألا يكون الجاني أصلاً للمجني عليه، فلا قصاص على الأصل بجنايته على فرعه
وإن سفل؛ لخبر: "لا يقاد للابن من أبيه" صححه الحاكم والبيهقي، والبنت كالابن، والأم كالأب، قياساً وكذا الأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأب أو الأم، والمعنى فيه: أن الوالد كان سبباً في وجوده فلا يكون الولد سبباً في عدمه.
وكما لا قصاص على الأصل بجنايته على فروعه .. لا قصاصا عليه بجنايته على مورث فرعه؛ كأن قتل عتيقه أو زوجة وله منها ابن؛ لأنه إذا لم يقتص منه بجنايته عليه .. فلأن لا يقتص منه بجنايته على مورثه أولى.
خامسها: ألا يكون الجاني مسلماً والمجني عليه كافراً، فلا يقتل مسلم بكافر؛ لخبر البخاري:"ألا لا يقتل مؤمن بكافر"، ولأنه لا يقتص للكافر من المسلم فيما دون النفس من الجراح بالإجماع، كما قاله ابن عبد البر، فالنفس بذلك أولى، ويقتل الذمي بالمسلم والذمي وإن اختلفت عقيدتهما، فلو أسلم القاتل أو الجارح .. لم يسقط القصاص؛ للمكافأة وقت الجناية، ويقتص الإمام بإذن الوارث، ويقتل مرتد بذمر وبمرتد، ولا ذمي بمرتد.
سادسها: ألا يكون الجاني حراً والمجني عليه رقيقاً، فلا يقتل حر بعبد، ولخبر الدارقطني:"لا يتقل حر بعبد" ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه بالاتفاق فأولى ألا يقتل به؛ لأن حرمة النفس أعظم من حرمة الأطراف، ويقتل قن ومدبر ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض، ولا يسقط القود بعتق القاتل أو الجارح، ولا يقتص لمبعض من مبعض، ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي.
سابعها: ألا يكون الجاني سيد المجني عليه، فلو قتل المكاتب أباه وهو ملكه .. فلا قصاص في الأصح.
[ما يشترط في قصاص الطرف والجرح]
واشترط في قصاص الطرف بالطرف، والجرح بالجرح مع ما شرط في النفس: تساوي العضوين في الاسم والمحل، فلا يقطع الإبهام وبالسبابة، والخنصر بالبنصر، ولا عكسه، ولا يسار بيمين، ولا شفة سفلى بعليا وعكسه، ولا أنملة بأخرى، ولا زائد بزائد في محل آخر؛ كزائد بجنب الخنصر وزائد بجنب الإبهام؛ لانتفاء المساواة في الجميع في المحل
المقصود في القصاص، ولا يضر تفاوت كبر وصغر، وطول وقصر، وقوة بطش وضعفه، ويشترط لقطع الزائد بالزائد: ألا يكون زائدة الجاني أتم، كإصبع لها ثلاث مفاصل ولزائدة المجني عليه مفصلان.
ولو كانت أصابع إحدى [يديه] وكفها أقصر من الأخرى .. فلا قصاص في القصيرة على مستويهما، بل تجنب فيها دية كاملة في الأصح.
ويعتبر قدر الموضحة طولاً وعرضا، ولا يضر تفاوت غلظ لحم وجلد.
ولا تؤخذ صحيحة من يد ورجل بشلاء وإن رضي به الجاني، فلو فعل بغير إذنه .. لم يقع قصاصا، بل عليه ديتها وله حكومة، ولو سرى .. فعليه قصاصا النفس، أو بإذنه
…
فلا قصاصا في النفس، ولا دية في الطرف إن أطلق الإذن، ويجعل مستوفياً لحقه، وإن قال:(اقطعها قصاصاً) ففعل .. فقيل: لا شيء عليه، وهو مستوف لحقه، وقيل: عليه ديتها وله حكومة، وقطع به البغوي؛ كذا في"الروضة" ك"أصلها"
وتؤخذ الشلاء من يد أو رجل بالصحيحة، إلا أن يقول أهل الخبرة: لا ينقطع الدم لو قطعت، وتجب دية الصحيحة، وتؤخذ شلاء بشلاء مثلها، أو أقل شللاً إن لم يخف نزف الدم، والشلل: بطلان العمل.
ويقطع سليم يد أو رجل بأعسم وأعرج، ولا أثر لخضرة أظفار وسوادها، وتؤخذ ذاهبة الأظفار بسليمتها دون عكسه.
والذكر صحة وشللاً كاليد فيما مر، والأشل: منقبض لا ينبسط أو عكسه، ولا أثر للانتشار وعدمه، ويؤخذ أنف صحيح بأخشم، وأذن سميع بأصم، لا عين صحيحة بحدقة عمياء، ولا لسان ناطق بأخرس.
وقول الناظم: (والجمع) بالنصب أو بالرفع، (والمفصل) بفتح الميم وكسر الصاد، والألف في قوله:(نزلا) و (حصلا) للإطلاق، وقوله:(أو برق) بدرج الهمزة للوزن، وقوله: (تساوي (بسكون الياء وتقدير الفتحة عليها كما هو لغة.
(ودية في كامل النفس: مئه
…
إبل، فإن غلظتها فالمجزئه)
(ستون بين جذعة وحقه
…
وأربعون ذات حمل: حقه)
(وإن تخفف: فابنة المخاض
…
عشرون كابنة اللبون الماضي)
(وابن اللبون قدرها، ومثلها
…
من حقه وجذعة إذ كلها)
(من إبل صحيحة سليمه
…
من عيبها، ولانعدام: قيمه)
(والنصف للأنثى، وللكتابي
…
ثلثها لشبهة الكتاب)
(وعابد الشمس وذو التمجس
…
وعابد الأوثان: ثلث الخمس)
(قوم رقيقاً وجنين الحر
…
بغرة ساوت لنصف العشر)
(ودية الرقيق: عشر غرمه
…
من قيمة الأم لسيد الأمة)
[الدية الواجبة في كامل النفس]
أي: ودية واجبة في كامل النفس؛ وهو المحقون الدم المسلم الحر الذكر غير الجنين: مئة من الإبل، والعبرة في كونها كاملة بوقت الموت وإن كانت ناقصة عند الإصابة أو بعده؛ كأن جرح ذمياً، أو مسلماً فارتد ثم أسلما، أو رقيقاً ثم عتق وماتوا.
فإن غلظت الدية؛ وذلك في العمد وشبهه والخطأ فيما مر
…
فالمجزئة فيها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ذات حمل ولو قبل خمس سنين، وهي الخلفة؛ لخبر الترمذي بذلك، وسواء أكان العمد موجباً للقصاص فعفا على الدية، أم لا؛ كقتل الأصل فرعه، ويثبت حمل الخلفة بعدلين من أهل الخبرة.
وإن تخفف في الخطأ المحض في غير ما مر
…
فعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة؛ لخبر الترمذي وغيره بذلك.
وتكون المئة كلها من إبل صحيحة سليمة من عيبها، أي: الدية، وهو ما يرد به في البيع، وإن كانت إبل دافعها مريضة ومعيبة، لتعلقها بالذمة، بخلاف الزكاة لتعلقها بالعين؛ فلا يقبل
مريض أو معيب إلا برضا المستحق به بدلاً عن حقه في الذمة السالم من المرض والعيب؛ لأنه له إسقاط الأصل فكذا صفته.
وتجب الدية من غالب إبل الدافع إن شاء وإن خالف إبل البلد؛ وإن شاء .. من غالب إبل البلد أو القبيلة لذي البادية وإن تفرقوا، فإن لم يكن في البلد أو القبيلة إبل
…
فمن غالب إبل أقرب البلاد، ويلزمه النقل إن قربت المسافة.
وتجب قيمة ما فقد حساً، أو شرعاً من غالب نقد بلد الإعواز يوم وجوب التسليم إن لم يمهل المستحق.
والنصف من الدية للأنثى والخنثى نفساً وجرحاً؛ لأنه زيادته علهيا مشكوك فيها.
[دية الكتابي]
وللكتابي- وهو اليهودي والنصراني اللذين تحتل مناكحتهما- ثلث دية المسلم؛ وهي ثلاث وثلاثون بعيراً وثلث بعير؛ لشبهة الكتاب وهو التوراة والإنجيل؛ أخذا من خبر عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلاً من أهل الكتاب أربعة آلاف ردهم) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" وقال به عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، والسامرة من اليهود، والصابئون من النصارى إن لم يكفروهم، وإلا
…
فحكمهم حكم المجوس.
[دية عابد الشمس والأوثان والمجوسي]
ودية عابد الشمس والقمر والمجوسي وعابد الأوثان- جمع وثن بالمثلثة؛ أي: صنم- ثلث خمس دية المسلم وهو ستة أبعرة وثلثا بعير، ويعبر عنه أيضا بثلثي عشر دية المسلم وبخمس دية الكتابي؛ وهو من له كتاب ودين كان حقاً، وتحل ذبيحته ومناكحته ويقر بالجزية، وليس للمجوسي من هذه الخمسة إلا الخامس؛ فكانت ديته خمس ديته، والمرأة والخنثى منهم على النصف مما ذكر.
[ما يجب في الرقيق]
قوله: (قوم رقيقاً) أي: تجب في الرقيق قيمته بالغة ما بلغت، عبداً كان أو أمة، لأنهما مال، فأشبها سائر الأموال المتقومة، والمبعض تجب قيمة جزئه الرقيق، ودية جزئه الحر،
وفي أطراف الرقيق ولطائفه ما نقص من قيمته إن لم تتقدر في الحر، وإلا .. وجب فيها من قيمته بتلك النسلة، ففي قطع يده نصف قيمته، وفي ذكره وأنثييه قيمتان.
[وجوب الغرة في الجنين]
وتجب في الجنين الحر ولو أنثى أو خنثى، أو ناقص الأعضاء، أو مجهول النسب غرة؛ لخبر "الصحيحين":(أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة)، وسوي بين الذكر وغيره؛ لظاهر الخبر، ولأنه لو اختلف واجبهما .. لكثر الاختلاف في أنه ذكر أو غيره، وهذا كما جعل صاع التمر بدل لبن المصراة، سواء أكثر اللبن أم قل، وسواء انفصل كله أو بعضه، أو ظهربلا انفصال.
فلو جنى على امرأة فماتت، ولم يظهر منه شيء، أو كان بها انتفاخ، أو حركة فزال .. فلا غرم للشك ..
ولو ضرب بطن ميته فألقت جنيناً .. قال القاضي أبو الطيب والروياني: تجب فيه الغرة؛ لأن الأصل بقاء الحياة، وقال الماوردي والبغوي: لا تجب؛ لأن الظاهر موته بموتها.
ورجحه البلقيني بأن الإيجاب لا يكون بالشك، قال: وقول الأول: (الأصل بقاء الحياة) ممنوع؛ لأنا لم نعلم حياته حتى نقول: الأصل بقاؤها.
أما لو علمنا حياة الجنين؛ كن صاح أو تنفس فمات، أو بقى متألماً حتى مات .. ففيه الدية، ولو ألقت ميتاً وحياً فمات .. فدية وغرة، أو بدين ولو ملتصقين .. فغرتان، أو أربع أيد أو أرجل ورأسين .. فغرة؛ لإمكان كونها لجنين واحد، بعضها أصلي وبعضها زائد، ويعتبر في الجنين كونه معصوماً حال الجناية، وظهور تخطيط بعضه ولو للقوابل فقط.
و(الغرة): رقيق مميز سليم من عيب مبيع؛ لورود الخبر بلفظ الغرة؛ وهي الخيار، ويعتبر فيها أن تساوي نصف عشر دية الأب المسلم، وهو عشر دية الأم المسلمة؛ كما روي ذلك عن عمر وعلي وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولا مخالف لهم، ولأنه لا يمكن تكميل الدية فيه؛ لعدم كمال حياته، ولا الإهدار، فقدرت بأقل دية وردت وهو الخمس في الموضحة والسنن.
فإن لم توجد، أو وجدت بأكثر من ثمن المثل .. وجب خمس من الإبل، وكما روي عن زيد بن ثابت وغيره، ولأنها مقدرة بها، فإذا فقدت
…
أخذ ما هي مقدرة به لا قيمته، ولأن
الإبل هي الأصل في الديات، فوجب الرجوع إليها عند تعذر المنصوص عليه، ولأن القيمة قد تبلغ دية كاملة، أو تزيد عليها، ولا سبيل إلى إيجابها.
فإن فقدت الإبل .. أخذت قيمتها كما في فقد إبل الدية، فإن فقد بعضها .. أخذت قيمته مع الموجود.
وفي الجنين الكتابي غرة كثلث غيرة الحنين المسلم، فيجب فيه رقيق يعدل بعيراً وثلثين، وفي الجنين المجوسي ونحوه غرة كثلث خمس غرة الجنين المسلم، فيجب رقيق يعدل ثلث بعير.
ويجب في الجنين الرقيق عشر قيمة أمة وإن كانت حرة، ولو ألفت الأمة بالجناية عليها ميتاً، ثم بعد عتقها آخر .. وجب في الأول عشر قيمة الأم، وفي الثاني غرة، ويعتبر أقصى قيمتها من الجناية إلى الإجهاض، وخرج بالرقيق المبعض، فالتوزيع فيه بالحصة.
وتحمل عاقلة الجاني الغرة؛ لانتفاء العمد في الجناية على الجنين وإن تعمد الجناية على أمه.
وقول الناظم: (إبل) هو في الأصل اسم جمع مرفوع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي إبل، أو منصوب تتميز المئة على لغة، ووقف عليه بلغة ربيعة، وإن كان حقه أن يضاف إليه، فيكون مجروراً، وفي قوله:(وحقه) الجناس المحرف، وفي قوله:(وللكتابي) و (الكتاب): الجناس التام المماثل.
[بيان الديات]
(في العقل واللسان والتكلم .. وذكر والصوت والتطعم)
(وكمرة: كدية النفس، وفي
…
أذن أو أستماعها للأحرف)
(واليد والبطش وشم المنخر
…
وشفة والعين ثم البصر)
(والرجل أم مشي لها أو خصية
…
وأليةواللحي: نصف الدية)
(وطبقة من مارن وجائفه
…
ثلثها، والجفن: ربع السالفه)
(لإصبع: عشر، ومنا الأنمله .. ثلث، ومن بهم، وفي المنقله)
(والسن أو موضحة وهاشمه
…
فنصف عشرها بلا مخاصمه)
(عضو بلا منفعة معلومه .... ) والجرح لم يقدر: الحكومة)
(في القتل تكفير ففرض الباري
…
العتق ثم الصوم كالظهار)
[ما بدله كبدل نفس المجني عليه]
أي: في إزالة العقل دية كدية نفس صاحبه؛ لخبر البيهقي (في العقل الدية) ولأنه أشرف المعاني وبه يتميز الإنسان عن البهيمة، ونقل ابن المنذر فيه الإجماع، والمراد العقل الغريزي الذي به التكليف، دون المكتسب الذي به حسن التصرف، ففيه الحكومة.
ومحل ما ذكر: إذا تحقق أهل الخبرة عدم عوده، فإن توقعوه انتظر إن قدروا مدة لا يظن انقراض العمر قبل فراغها، فإن مات قبل الاستقامة .. وجبت ديته، ويأتي ما ذكر في سائر المعاني.
ولو نقص وأمكن ضبطه بالزمن أو بغيره .. وجب قسطه، وإلا فحكومة. ولو ادعى وليه زوال عقله وأنكره الجان: فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته .. فله دية بلا يمين، وإلا صدق الجاني بيمنه.
وفي قطع اللسن أو إشلاله من ناطق دية كدية نفس صاحبه؛ لخبر عمرو بن حزم: «وفي اللسان الدية» رواه أبو داوود وغيره.
وشمل كلام الناظم: لسان الألكن والأرت، والألثغ والطفل وإن لم يبلغ أو أن النطق، فإن بلغه ولم ينطق .. لم تجب إلا الحكومة؛ كقطع لسان الأخرس.
وشمل كلامه أيضا: لسان من تعذر نطقه لا لخلل في لسانه، بل لكونه ولد أصم فلم يحسن الكلام؛ لأنه لم يسمع شيئاً ففيه الدية، وقد جزم به صاحب «الأنوار» وقيل: فيه الحكومة: ورجحه الأذرعي والزركشي، وهما وجهان في «الروضة» و «أصلها» بلا ترجيح
وفي إبطال التكلم بالجناية على اللسان مثلاً دية كدية نفس صاحبه، لخبر البيهقي:«في اللسان الدية إن منع الكلام» ونقل الشافعي فيه الإجماع، ولأنه عضو مضمون بالدية فكذا منفعته العظمى كاليد، فإن أخذت ديته فعاد .. ردت.
ولو أبطل نقطه بقطع لسانه. لزمه دية واحدة، وفي إبطال بعض الحروف قسطه إن كان في الباقي كلام مفهوم، وإلا .. فالدية، والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفاً، ولو عجز عن بعضها بغير جناية
…
كملت الدية في إبطال كلامه.
وفي قطع الذكر أو إشلاله دية كدية نفس صاحبه؛ لخبر عمرو بن حزم: «في الذكر الدية» رواه أبو داوود والنسائي وابن حبان والحاكم.
وشمل كلامه: الصغير والشيخ والعنين.
وفي إبطال الصوت مع إبقاء اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد دية كدية نفس صاحبه، روى البيهقي عن زيد بن أسلم قال:(مضت السنة في الصوت إذا انقطع بالدية)، وهذا من الصحابي في حكم المرفوع، ولأنه من المنافع المقصودة، فلو أبطل صوته وحركة لسانه فعجز عن التقطيع والترديد .. فديتان؛ لأنهما منفعتان في كل منها دية.
وفي إبطال التطعم وهو الذوق دية كدية نفس صاحبه؛ كغيره من الحواس، وتدرك به حلاوة وحموضة، ومرارة وملوحة وعذوبة، وتوزع الدية عليها، فإن نقص الإدراك .. فحكومة .. فلو أبطل مع الذوق النطق، وجب ديتان؛ لاختلاف المنفعة ولاختلاف المحل، فالذوق في طرف الحلقوم والنطق في اللسان، ذكره الرافعي عن المتولي وأقره، وجز به في «أصل الروضة» ونقله الولي العراقي عن الأصحاب، لكن جزم الرافعي في موضع آخر بأن الذوق في اللسان، وجزم به جماعة منهم ابن جماعة شارح «المفتاح» وجميع الحكماء، وقال الزنجاني والنشائي وغيرهما: إنه المشهور، وعليه قال بعضهم: ينبغي أن يكون كالنطق مع اللسان فتجب دية واحدة للسان.
وفي الكمرة- أي: الحشفة: دية كدية نفس صاحبها؛ لأن معظم منافع الذكر وهي لذة الجماع تتعلق بها، وأحكام الوطء تدور عليها، وهي مع الذكر كالأصابع مع الكف، ولو قطع بعضها وزعت الدية عليها، لا على الذكر كالمارن والحلمة، وتجب الدية أيضا في المضغ، وفي إبطال قوة الإمناء بكسر الصلب أو بغيره، وفي إبطال قوة الإحبال، وفي إبطال لذة
الجماع، وفي إبطال لذة الطعام، وفي إفضاء المرأة من الزوج وغيره؛ وهو رفع الحاجز بين مدخل الذكر والدبر.
[ما بدله كنصف دية صاحبه]
ولما فرغ من بيان ما بدله كبدل نفس المجني عليه
…
شرع في بيان ما بدله كنصف بدلها اللازم منه ما بدله مع مثله كبدلها فقال:
(وفي أذن): أي في قطعها أو قلعها أو إشلالها نصف الدية؛ لخبر عمرو بن حزم (وفي الأذن خمسون من الإبل) وعن عمرو وعلي: «في الأذنين الدية» ولأن فيها مع الجمال منفعتين: جمع الصوت ليتأدى إلى محل السماع، ودفع الهوام؛ لأن صاحبها يحس بسبب معاطفها بدبيب الهوام فيطردها، وهذه هي المنفعة المعتبرة في إيجاب الدية وإن عللوا قطع الأذن الصحيحة بالشلاء ببقاء الجمال ومنفعة جمع الصوت، وفي إبطال سماع أذن واحدة نصف دية صاحبها، لا لتعدد السمع؛ فإنه واحد وإنما التعدد في منفذه، بخلاف ضوء البصر، إذ تلك اللطيفة متعددة ومحلها الحدقة، وبل لأن ضبط نقصانه بالمنفعة أقرب منه بغيره، وفي إبطال السمع من الأذنين الدية؛ لخبر البيهقي:«في السمع الدية» ونقل ابن المنذر فيه الإجماع.
ولو أزال أذنيه وسمعه .. فديتان، ولو ادعى زواله وانزعج للصياح في نوم وغفلة .. حلف الجاني، وإلا .. حلف وأخذ دية، وإن نقص .. فقسطه إن عرف قدره، وإلا .. فحكومة باجتهاد قاض، وإن نقص من أذن .. سدت، وضبط منتهى سماع الأخرى ثم عكس، ووجب قسط التفاوت من الدية.
وفي كل يد نصف دية صاحبها إن قطعت من كف، روى النسائي وغيره من خبر عمرو بن حزم:«في اليد الواحدة نصف الدية» ، فإن قطعت من فوقه
…
فحكومة أيضا، وفي إبطال بطش كل يد نصف دية صاحبها؛ لأنه من النافع المقصودة.
وفي إزالة شم المنخر الواحد بالجناية على الرأس، أو غيره نصف دية صاحبه، وفي إزالة
شم المنخرين دية صاحبهما، ذكروا فيه خبر عمرو بن حزم:«في الشم الدية» وهو غريب، ولأنه من الحواس التي هي طلائع البدن فكان كغيره منها، وإن نقص وعلم قدر الذاهب .. وجب قسطه، وإلا .. فحكومة.
وقوله: (المنخر) بفتح الميم وكسرها مع كسر الخاء فيهما.
وفي قطع كل شفة أو إشلالها نصف دية صاحبها، سواء السفلى والعليا وإن تفاوت نفعهما؛ كما في اليدين والأصابع، ولأن فيهما جمالاً ومنفعة ظاهرة، وفي الشفتين الدية، لخبر عمرو بن حزم:«وفي الشفتين الدية» رواه النسائي وابن حبان والحاكم، وحدها في العرض إلى الشدقين وفي الطول إلى ما يستر لحم الأنسان.
وفي قلع العين الباصرة نصف دية صاحبها؛ لخبر عمرو بن حزم: «في العين خمسون من الإبل» رواه مالك، وخبره أيضا:«في العينين الدية» رواه النسائي وابن حبان والحاكم، ونقل ابن المنذر فيه الإجماع ولو كانت جهراء؛ وهي التي لا تبصر في الشمس، أو حولاء؛ وهي التي كأنها ترى غير ما تراه، أو عمشاء؛ وهي ضعيفة الرؤية مع سيلان الدمع غالباً، أو عشياء؛ وهي التي لا تبصر ليلاً، أو خفشاء، وهي صغيرة ضعيفة البصر خلقة، ويقال: هي التي تبصر ليلاً فقط، أو بها بياض لا ينقص الضوء؛ لأن المنفعة باقية، ولا نظر إلى مقدارها كمنفعة المشي، أما إذا نقص الضوء .. فقسط إن انضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها، فإن لم ينضبط .. فحكومة، وسواء أكان البياض على البياض أم السواد أم الناظر.
وفي إبطال بصر العين نصف دية صاحبه، وفي إبطال بصر العينين الدية، ذكروا فيه خبر معاذ:«في البصر الدية» وهو غريب، ولأنه من المنافع المقصودة، سواء الأحول والأعمش والأعشى وغيرهم، فلو فقأ العين .. لم تتعدد الدية، ولو ادعى زواله وأنكره الجاني
…
سئل أهل الخبرة فإنهم إذا وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينه
…
عرفوا أن البصر قائم أو ذاهب، ثم يمتحن بتقريب عقرب أو حديدة بغتة، ونظر هل ينزعج أو
لا؟ فإن انزعج .. فالقول قول الجاني بيمينه، وإلا .. فقول المجني عليه بيمينه، وإن نقص فكالسمع.
وفي قطع الرجل من القدم نصف دية صاحبها، فإن قطعت من فوقه .... فحكومة أيضا، وفي الرجلين الدية، وفي إبطال مشي الرجل الواحدة نصف دية صاحبها، وفي إيطال مشيها الدية.
وفي الخصية- بضم الخاء أفصح من كسرها: وهي البيضة- نصف دية صاحبها، سواء أقطعها أم أشلها، أو دقها بحيث زالت منفعتها، وفي الخصيتين الدية، لخبر عمرو بن حزم:«وفي الأنثيين الدية» رواه أبو داودد والنسائي وابن حبان والحاكم.
وفي الألية- وهي الناتئ عن البدن عند استواء الظهر والفخذ- نصف دية صاحبها وإن لم يصل القطع إلى العظم، وفي الأليتين الدية؛ كالخصيين سواء فيه الرجل والمرأة، ولو قطع بعض أحدهما .. وجب قسطه إن عرف قدره، وإلا .. فحكومة.
وفي إزالة اللحي- بفتح اللام أفصح من كسرها- نصف دية صاحبه؛ لأن فيه جمالاً ومنفعة وإشلاله كإزالته، وفي اللحيين- وهما منبت الأسنان السفلى وملتقاهما الذقن- الدية، ولو كان عليهما الأسنان كما هو الغالب .. وجب مع ديتهما أروش الأسنان على الأصح، ولو فكهما أو أشلهما لزمه ديتهما
وفي حلمة الأنثى- وهو رأس الثدي- نصف ديتها، سواء أقطعها أم أشلها؛ لأن منفعة الإرضاع لها كمنفعة اليد بالأصابع، وفي الحلمتين الدية، ولو قطع الثدي مع الحلمة .. لم يجب إلا الدية، وتدخل فيها حكومة الثدي كالكف مع الأصابع، أما حلمة غيرها .. ففيها الحكومة
وفي قطع شفرها أو إشلاله نصف ديتها كالخصية، وفي الشفرين الدية كالخصيتين، سواء شفر الرتقاء والقرناء وغيرهما؛ لأن النقصان فيهما ليس في الشفر، بل في داخل الفرج.
[ما بدله كثلث دية صاحبه]
ثم أخذ في بيان ما بدله كثلث دية صاحبه فقال: (وطبقة من مارن) وهو ما لان من الأنف، وهو ثلاث طبقات: طرفان ووترة حاجزة بينهما، ثلث دية صاحبها سواء أقطعها أم أشلها؛ لأن في كل منها جمالاً ومنفعة، وفي المارن الدية؛ لخبر عمرو بن حزم: «وفي الأنف إذا
استؤصل المارن الدية الكاملة» رواه البيهقي، سواء في ذلك الأخشم والسليم، ولا يزاد بقطع القصبة معه شيء، وتندرج حكومتها في ديته في الأصح.
وفي جائفة ثلث دية صاحبها؛ لخبر عمرو بن حزم بذلك رواه النسائي وابن حبان والحاكم، وهي جرح ينفذ إلى جوف فيه قوة تحيل الغذاء والدواء؛ كبطن وصدر وثغرة نحر، وجبين وخاصرة ونحوها، بخلاف الفم والأنف واللحي ونحوها؛ لأنها ليست من الأجواف الباطنة؛ بدليل أنه لا يحصل الفطر بما يصل إليها، ولأنه لا يعظم فيها الخطر كتلك، وبخلاف العين وممر البول من الذكر ونحوهما؛ إذ ليس فيها قوة تحيل الغذاء والدواء.
[ما بدله كربع دية صاحبه]
ثم بين ما بدله كربع دية صاحبه فقال: (والجفن) أي: في الجفن الواحد من الأجفان الأربعة ربع دية صاحبه وإن كان لأعمى، سواء أقطعه أم أشله، وفي الأربعة الدية؛ لأن فيها جمالاً ومنفعة، وفي جفنين نصف الدية؛ لأن كل متعدد من الأعضاء تجب في جنسه الدية توزع على عدده؛ كاليدين والرجلين والأصابع.
[ما بدله كعشر دية صاحبة]
ثم بين ما بدله كعشر دية صاحبه فقال: (لإصبع عشر) أي: لكل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر دية صاحبه، ففي إصبع الذكر المسلم عشرة أبعرة، روى النسائي وغيره من خبر عمرو بن حزم:«وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل» ومن الإصبع الأنملة لغير الإبهام لها ثلث من العشر؛ لأن واجب غير الإبهام التي هي ثلاث أنامل عشر الدية.
[ما بدله كنصف عشر دية صاحبه]
ثم أخذ في بيان ما بدله كنصف عشر دية صاحبه فقال: (ومن بهم) أي: والأنملة من بهم- بفتح الباء؛ وهي الإبهام- نصف عشر دية صاحبها؛ لأن واجب الإبهام التي هي أنملتان عشر الدية.
وفي كل من الموضحة: وهي التي توضح العظم، والهاشمة: وهي التي تهشمه، والمنقلة: وهي التي تنقله، أي: إذا كان كل منها في الرأس أو الوجه .. نصف عشر دية
صاحبها؛ لما رواه الترمذي وحسنه: «في الموضحة خمس من الإبل» مع ما روي عن زيد بن ثابت: (أنه صلى الله عليه وسلم أوجب في الهاشمة؛ أي: مع الإيضاح عشراً من الإبل» رواه الدارقطني والبيهقي موقوفاً على زيد، وما رواه أبو داودد والنسائي وابن حبان والحاكم في خبر عمرو بن حزم:«وفي المنقلة- أي: من الموضحة والهاشمة- خمس عشرة من الإبل» .
والمراد هنا بـ (عظم الرأس والوجه) عظم سائر البدن، فلا تقدير فيه؛ لأن أدلة ذلك لا تشمله؛ لاختصاص أسماء الثلاثة المذكورة بجراحة الرأس والوجه، وليس غيرهما في معناهما؛ لزيادة الخطر والقبح فيهما.
وفي السن؛ أي: ممن سقطت رواضعه ثم نبتت، أو ظهر فساد منبتها بالجناية نصف عشر دية صاحبه، لخبر عبد الله بن عمرو بن العاص:«في كل سن خمس من الإبل» رواه أبو داوود وخبر عمرو بن حزم: «وفي السن خمس من الإبل» رواه أبو داوود والنسائي وابن حبان، سواء أكسر الظاهر منها دون أصلها المستتر باللحم، أم قلعها به، وساء أكانت صغيرة أم كبيرة، ثابته أم متحركة.
نعم؛ إن أبطل نفعها .. ففيها الحكومة، فلو قلعها كلها، وعدتها في الغالب ثنتان وثلاثون
…
فبحسابه وإن اتحد الجاني والجناية، وكذا إن زاد على ثنتين وثلاثين، وفي السن الشاغية الحكومة.
[ما تجب فيه الحكومة]
قوله: (عضو بلا منفعة) البيت؛ يعني تجب الحكومة؛ وهي جزء نسبته إلى دية النفس نسبة نقص الجناية من قيمته لو كان رقيقاً بصفاته، فمن ذلك قطع عضو لا منفعة فيه، بأن
وجملة شجاج الرأس والوجه عشر: حارصة؛ وهي ما شق الجلد قليلاً، ودامية تدميه من غير سيلان دم، وقيل: معه، وباضعة تقطع اللحم، ومتلاحمة تغوص فيه، وسمحق تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم، وموضحة وهاشمة ومنقلة وتقدم بيانها وحكمها، ومأمومة تبلغ خريطة الدماغ، ودامغة تخرقها، وفي كل منهما ثلث الدية كما علم من قوله:(وجائفة)، ففي هذه الشجاع ما عدا الخنسة المذكورة الحكومة.
كما تجب الحكومة في جراحة ما عدا الرأس والوجه، ثم إن كانت الحكومة لطرف له أرش مقدر .. اشترط ألا تبلغ مقدره، فإن بلغته .. نقص القاضي شيئاً باجتهاده.
قال الإمام: ولا يكفي حط أقل متمول، ويقوم بعد اندماله، فإن لم يبق نقص اعتبر أقرب نقص إلى الاندمال، فإن لم يبق نقص .. أوجب الحاكم شيئاً باجتهاد على وجهين رجحه بعض المتأخيرين.
[وجوب الكفارة في القتل]
ويجب في القتل كفارة، قال تعالى:{من قتل مؤمناً خطئا فتحرير رقبة مؤمنة} وغير الخطأ أولى منه، وروى أبو داوود وغيره عن واثلة بن الأسقع قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال:«أعتقوا عنه رقبة .. يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار»
وخرج ب (القتل): الأطراف والجراحات فلا كفارة فيها، لورود النص بها في قتل النفس، وليس غيرها في معناه، فتجب الكفارة على القاتل وإن كان صبياً أو مجنوناً، فتجب في مالهما فيعتق الولي منه، فلو أعتق من مال نفسه عنهما: فإن كان أباً أو جداً. جاز، أو عبداً .. فيكفر بالصوم، أو مياً فتكفيره بالعتق، بأن يسلم عبده فيعتقه، وسواء أكان القتل عمداً أم خطأ أم شبه عمد، مباشرة أم سببا.
ويشترط لوجبها: أن يكون آدمياً معصوماً بإيمان أو أمان، فتجب بقتل مسلم ولو بدار الحرب، وذمي ومعاهد، ومستأمن وجنين، ورقيق نفسه ونفسه، ولا تجب بقتل الحربي، ولا بتقل نساء أهل الحرب وصبيانهم؛ لعدم ضمانهم، وتحريم قتلهم لحق الغانمين لا لحق الله
تعالى، ولا بقتل صائل دفعاً، ولا بقتل باغ عادلاً وعكسه، ولا على الجلاد القاتل بأمر الإمام ظلماً وهو جاهل به؛ لأنه سيف الإمام وآله سياسته، ولا على العائن؛ لأن العين لا تفضي إلى القتل اختيارً أو لا تعد من أسباب التلف.
وعلى كل من الشركاء في القتل كفارة، لأن كلاً منهم قاتل وهي لا تتجزأ.
وكفارة القتل؛ ككفارة الظهار في أن من قدر على إعتاق رقبة مؤمنة سليمة من عيب يخل بالعمل فاضلة عن كفايته .. لزمه، ومن لم يقدر عليه .. صام شهرين متتابعين؛ كما تقدم في الظهار، ولا إطعام فيها اقتصاراً على الوارد فيها من إعتاق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد .. فصيام شهرين متتابعين، ولا يحمل المطلق هنا على المقيد في كفارة الظهار الوارد فيها:{فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} كما في (الأيمان) لأن هذا في أصل وذاك في وصف.