المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز بالفتح: جمع جنازة، بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش، - فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

[شهاب الدين الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ السِّواك

- ‌باب الوضوء

- ‌بابُ المسح على الخُفَّين

- ‌بابُ الاستنجاء

- ‌باب الغسل

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌بابُ الحَيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الخسوف للقمر والكسوف للشمس

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب قسم الصدقات

- ‌باب الصيام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب الحج

- ‌باب محرمات الإحرام

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب السلم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الحجر

- ‌باب الصلح وما ذكر معه

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الضمان

- ‌باب الشركة

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإقرار

- ‌باب العارية

- ‌باب الغضب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب القراض

- ‌[باب يملك العامل ربع حصته]

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجازة

- ‌بابُ الجُعَالة

- ‌بابُ إحياء المَوات

- ‌بابُ الوَقف

- ‌بابُ الهِبَة

- ‌بابُ اللُّقَطة

- ‌باب اللقيط

- ‌باب الوديعة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب الوصية

- ‌باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القَسْمِ والنُشُوز

- ‌باب الخلع

- ‌بابُ الطَّلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِهار

- ‌باب اللعان

- ‌بابُ العِدَّة

- ‌باب الاستبراء

- ‌بابُ الرّضاع

- ‌باب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب دعوى القتل

- ‌باب البغاة

- ‌باب الردة

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب السرقة

- ‌باب قاطع الطريق

- ‌باب حد الخمر

- ‌باب الصائل

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنيمة

- ‌باب الجزية

- ‌باب الصيد والذبائح

- ‌باب الأضحية

- ‌بابُ العقيقة

- ‌بابُ الأَطِعمة

- ‌باب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌باب الإيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌كتاب القسمة

- ‌باب الشهادة

- ‌باب الدعوى

- ‌بابُ العِتق

- ‌بابُ التدبير

- ‌بابُ الكِتابة

- ‌باب الإيلاد

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائز بالفتح: جمع جنازة، بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش،

‌كتاب الجنائز

بالفتح: جمع جنازة، بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش، وقيل بالفتح: اسم لذلك، وبالكسر: اسم للنعش وعليه الميت، وقيل: عكسه، فإن لم يكن عليه ميت .. فهو سرير ونعش، وهي من جنزه؛ أي: ستره، وذكره هنا دون الفرائض؛ لاشتماله على الصلاة.

(الغسل والتكفين والصلاة

عليه ثم الدفن مفروضات)

(كفاية، ومن شهيداً يقتل

في معرك الكفار لا يغسل)

(ولا يصلى، بل على الغريق

والهدم والمبطون والحريق)

(وكفن السقط بكل حال

وبعد نفخ الروح باغتسال)

(وإن يصح فكالكبير يجعل

وسن ستره، ووتراً يغسل)

(بالسدر في الأولى وبالكافور

الصلب، والآكد في الأخير)

فيها أربع مسائل:

[تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية]

الأولى: غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ثم دفنه .. فروض كفاية في حق الميت المسلم بالإجماع.

أما الكافر .. فتحرم الصلاة عليه حربياً كان أو ذمياً؛ لقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً} ، ولا يجب غسله على المسلمين، ذمياً كان أو حربياً، لكن يجوز لهم، ويجب تكفين الذمي ودفنه على الأصح.

وأشار بقوله: (ثم الدفن) إلى أنه يجب تقديم الصلاة على الدفن، لكن لو دفن قبلها .. لا ينبش القبر، بل يصلى عليه، ويسقط بها الفرض وتصح بعده، والأصح: تخصيص الصحة بمن كان من أهل فرضها وقت الموت.

ولا يصلى على قبور الأنبياء بحال.

ص: 411

ويشترط لصحة الصلاة على الميت: تقدم غسله أو تيممه، فلو مات بهدم ونحوه وتعذر إخراجه وغسله .. لم يصل عليه.

ويشترط: ألا يتقدم على الجنازة الحاضرة ولا القبر على المذهب فيهما.

وأقل الغسل: تعميم بدنه بالماء مرة، ولا تجب نية الغاسل في الأصح، فيكفي غسل الكافر.

والمخاطب بهذه الأمور أقارب الميت والأجانب وكل من علم بموته، وتسن المبادرة بها إذا علم موته بظهور أماراته مع وجود العلة؛ كأن تسترخي قدماه فلا تنتصبا، أو يميل أنفه، أو ينخسف صدغاه، أو تمتد جلدة وجهه، أو تنخلع كفاه من ذراعيه، أو تتقلص خصيتاه مع تدلى الجلدة.

فإن شك في موته؛ بأن احتمل عروض سكتة أو ظهرت أمارات فزع أو غيره .. وجب التأخير إلى العلم بموته بتغير الرائحة أو غيره.

[لا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه]

الثانية: من قتل شهيداً في قتال الكفار الحربيين بسبب من أسبابه ولو امرأة أو رقيقاً أو صبياً أو مجنوناً؛ كأن قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سلاحه، أو تردى في حملته في وهدة، أو سقط عن فرسه، أو رمحته دابة فمات فيه أو بعده إذا انقضى الحرب ولم تبق فيه حياة مستقرة، أو وجد قتيلاً عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته وإن لم يكن عليه أثر دم؛ لأن الظاهر أن موته بسببه .. لا يغسل ولا يصلى عليه؛ أي: يحرمان وإن كان جنباً أو حائضاً أو نفساء؛ لخبر البخاري عن جابر: (أنه صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم ولم يصل عليهم)؛ وفي لفظ له: (ولم يغسلوا ولم يصل عليهم) بفتح اللام، ولخبر أحمد: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغسلوهم؛ فإن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكاً يوم القيامة" ولم يصل عليهم.

والحكمة في ذلك: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم مع التخفيف عليهم.

ص: 412

وإنما سقط غسل الجنب ونحوه بالشهادة؛ لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب ولم يغسله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "رأيت الملائكة تغسله" رواه ابن حبان والحاكم، فلو كان واجباً .. لم يسقط إلا بفعلنا، ولأنه ظهر عن حدث فسقط بالشهادة كغسل الموت.

وخرج بما ذكر: من انقضى القتال وفيه حياة مستقرة وإن قطع بموته بذلك؛ فإنه يغسل ويصلى عليه؛ لأنه عاش بعده فأشبه ما لو مات بغيره، ومن قتله كافر في غير القتال ولو في أسره، ومن قتل في قتال أهل الذمة أو البغاة أو قطاع الطريق، ومن مات فجأة أو بمرض أو غرق أو هدم، أو بطن أو حرق أو طاعون، أو طلق أو عشقاً أو في غربة، أو في دار الحرب أو نحو ذلك، فيجب غسلهم والصلاة عليهم؛ لأن الأصل وجوبهما، وإنما خالفناه في الميت بسبب قتال الحربيين؛ تعظيماً لأمره وترغيباً فيه.

[الشهداء ثلاثة أقسام]

وبالجملة: فالشهداء ثلاثة أقسام:

- شهيد في حكم الدنيا: بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وفي حكم الآخرة: بمعنى أن له ثواباً خاصاً، وهو من قتل في قتال الحربيين بسببه، وقد قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا.

- وشهيد في الآخرة دون الدنيا: وهو من قتل ظلماً بغير ذلك، والغريق والهدم- بكسر الدال، وهو من مات تحت الهدم- والمبطون والحريق ونحوهم.

- وشهيد في الدنيا دون الآخرة: وهو من قتل في قتال الحربيين بسببه وقد غل من الغنيمة أو قتل مدبراً أو قاتل رياء أو نحوه.

[حكم السقط]

الثالثة: يكفن السقط بتثليث سينه، والأفصح كسرها، وهو الذي أسقطته الحامل قبل تمامه بكل حال من أحواله، فما لم تظهر فيه خلقة الآدمي

تكفي مواراته بخرقة، والمواراة قد تكون على هيئة التكفين، وقد تكون على غير تلك الهيئة، وبعد نفخ الروح؛ أي: ظهور خلق الآدمي يجب تكفينه مع غسله ودفنه ولا يصلى عليه، لأنها أوسع باباً من الصلاة، بدليل أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه.

ص: 413

أما إذا لم يظهر فيه خلق الآدمي .. فلا يجب غسله ولا ستره ولا دفنه؛ لأنها من أحكام من كان حياً أو توقع فيه الحياة، وما قيل من أنه يلف بخرقة ويدفن معاه: أنه يندب، خلافاً لمن زعم وجوبه.

فإن تيقن حياته؛ كأن صاح أو بكى، أو ظهرت أمارتها؛ كاختلاج أو تحرك .. فكالكبير، فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه؛ لتيقن حياته وموته بعدها، أو لظهورها بالأمارة.

[الأكمل في غسل الميت]

الرابعة: الأكمل في غسل الميت: وضعه بموضع خال من الناس مستور عنهم؛ لا يدخله إلا الغاسل ومن يعينه والولي؛ لأنه كان يستتر عند الاغتسال فيستتر بعد موته، ولأنه قد يكون ببعض بدنه ما يكره ظهوره، وقد تولى غسله صلى الله عليه وسلم علي والفضل بن العباس وأسامة بن زيد يناول الماء والعباس واقف ثم رواه ابن ماجه وغيره، على لوح أو سرير على قفاه، وأخمصاه إلى القبلة وموضع الرأس أعلى.

ويغسل في قميص بال أو سخيف، فإن كان واسعاً .. أدخل يده في كمه، أو ضيقاً .. فتق رأس الدخاريص وأدخلها، وإن لم يوجد أو لم يتأت .. ستر ما بين سرته وركبته، وحرم النظر إليه.

ويكره للغاسل النظر إلى شيء من بدنه، إلا لحاجة، ولا ينظر المعين إلا لضرورة، والبارد أولى من السخن إلا لحاجة، ويكون إناء الماء كبيراً، وينبغي إبعاده بحيث لا يصيبه رشاش.

ويعد الغاسل خرقتين نظيفتين، ويجلسه على المغتسل برفق مائلاً إلى ورائه، ويضع يمينه على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه، ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى، ويمر يساره على بطنه إمراراً بليغاً؛ ليخرج ما فيه، وتكون عنده مجمرة فائحة بطيب، ويكثر المعين صب الماء؛ لئلا تظهر رائحة ما يخرج، ثم يضجعه مستلقياً، ويغسل يساره- وعليها خرقة- سوءتيه وعانته ثم يلقيها، ويغسل يده بماء وأشنان إن تلوثت، وقيل: يغسل كل سوءة بخرقة وهو أبلغ، ثم يتعهد ما على بدنه من قذر ونحوه، ثم يلف أخرى ويدخل إصبعه فمه بماء ويمرها على أسنانه ولا يفتحها، وكذا منخريه ليزيل ما فيهما، ثم يوضئه كالحي بتثليث، وكذا مضمضة واستنشاق في الأصح، ويميل فيهما رأسه.

ص: 414

ثم لحيته بسدر وخطمي ويسرحهما بمشط واسع الأسنان إن تلبدا برفق، ويرد المنتتف إليه، ثم يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه إلى قدميه، ثم الأيسر كذلك، ثم يحوله إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر إلى القدم، ثم يحوله إلى جنبه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك، ويجب الاحتراز عن كبه على الوجه، وهذه غسلة.

ويسن التثليث، فإن لم ينق .. وجب الإنقاء، وسن الإيتار.

ويسن أن يستعان في الأولى بسدر أو خطمي، ثم يصب عليه ماء قراحاً من فرقه إلى قدمه بعد زوال السدر، والأصح: أنه لا يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بسدر ولا بتاليتها، فيغسل بعد زوال السدر ثلاثاً بالماء القراح.

ويسن أن يجعل في الماء القراح كافوراً لا يفحش التغير به أو صلباً، وفي الآخرة آكد، ويتعهد مسح بطنه في كل مرة بأرفق مما قبلها، ثم ينشفه تنشيفاً بليغاً.

ولو خرج آخر غسله أو بعدها نجس .. وجبت إزالته فقط، ولا يقرب المحرم طيباً بخلاف المعتدة.

وقول المصنف: (كفاية) يجوز نصبه وجره.

[كيفية تكفين الذكر والأنثى]

(وذكر كفن في عراض

لفائف ثلاثة بياض)

(لها لفافتان والإزار

ثم القميص البيض والخمار)

ذكر فيهما كيفية تكفين الذكر والأنثى كما سيأتي، وتقدم عليه أن الميت يكفن بما له لبسه حياً، فيجوز تكفين المرأة بالحرير والمزعفر بخلاف الرجل والخنثى، ويعتبر حال الميت سعة وتوسطاً وضيقاً، وتكره المغالاة فيه، والمغسول والقطن أولى من غيرهما.

وأقله: ثوب، وهو ما يستر العورة، أو جميع البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، وجهان: أصحهما في "الروضة" و"المجموع": أولهما؛ فيختلف قدره بذكورة الميت وأنوثته لا برقه وحريته؛ كما اقتضاه كلامهم، وهو الظاهر في "الكفاية"، وجزم بالثاني الإمام

ص: 415

والغزالي والبغوي وجمهور الخراسانيين، وقال النووي في "مناسكه": إنه المذهب الصحيح، وجزم به صاحب "الحاوي الصغير"، ورجحه جمع من المتأخرين، وجمع بينهما بحمل الأول على بيان الواجب لحق الله تعالى، والثاني على بيان الواجب لحق الميت الذي يتقدم به على غيره.

والأفضل للذكر: ثلاث لفائف بيض؛ لخبر "الصحيحين" عن عائشة قالت: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة)، ويجوز رابع وخامس من غير كراهة.

والأفضل للمرأة- أي: والخنثى-: خمسة؛ رعاية لزيادة الستر فيهما، والزيادة على الخمسة مكروهة في الذكر وغيره؛ وهي إزار، ثم قميص، ثم خمار، ثم لفافتان بيض، والإزار والمئزر: ما تستر به العورة، والخمار ما يغطى به الرأس؛ لخبر أبي داوود:(أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الغاسلات في تكفين أبنته أم كلثوم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر).

و(الحقا) بكسر الحاء: الإزار، و (الدرع): القميص.

وتبسط أحسن اللفائف وأوسعها والثانية فوقها، والثالثة فوق الثانية، ويذر على كل واحدة حنوط وكافور؛ يذر على الأولى قبل وضع الثانية، وعلى الثانية قبل وضع الثالثة، ويوضع الميت فوقها مستلقياً على ظهره وعليه حنوط وكافور.

ويستحب تبخير الكفن بالعود أولاً، ويدس بين ألييه قطن عليه حنوط وكافور، ثم تشدان بخرقة، ويجعل على منافذ بدنه من المنخرين والأذنين والعينين قطن عليه حنوط وكافور، وتلف عليه اللفائف؛ بأن يثنى كل منها من طرف شقه الأيسر على الأيمن، ثم من طرف شقه الأيمن على الأيسر كما يفعل الحي بالقباء، ويجمع الفاضل عند رأسه ورجليه، ويكون الذي عند رأسه أكثر، ويشد بشداد خوف الانتشار عند الحمل، فإذا وضع في قبره .. نزع الشداد.

ولا يلبس المحرم الذكر مخيطاً، وتقدم أنه لا يستر رأسه ولا وجه المحرمة.

ولو أوصى بأن يكفن في ثوب واحد .. نفذت وصيته.

ص: 416

والأصح: الاقتصار على ثوب إذا طلبه الغرماء المستغرقون، أو كفنه من تلزمه نفقته، أو كفن من بيت المال حيث يجب؛ لفقد تركته ومن عليه نفقته، أو من مال المسلمين عند فقد بيت المال، وكذا من وقف الأكفان كما في "فتاوى ابن الصلاح".

والأصح: منعه إذا لم يوص به الميت وطلبه بعض الورثة، وكذا لو اتفقوا، علي الأقيس في "الزوائد" و"المجموع".

وقوله: (لفائف) بالصرف للوزن.

[أركان الصلاة على الميت]

(والفرض للصلاة كبر ناويا

ثم اقرأ "الحمد" وكبر ثانيا)

(وبعده صل على المقفى

وثالثا تدعو لمن توفي)

(من بعده التكبير والسلام

وقادر يلزمه القيام)

ذكر فيها أركان الصلاة على الميت وهي سبعة:

أولها: القيام إن قدر عليه كغيرها من الفرائض.

ثانيها: النية كغيرها، ولخبر:"إنما الأعمال بالنيات"، ويغني مطلق الفرض عن فرض الكفاية، ولا يجب تعيين الميت ولا معرفته، بل لو نوى على من صلى عليه الإمام .. جاز، ولو عينه وأخطأ .. لم يصح إلا مع الإشارة، ولو نوى أحدهما غائباَ والآخر حاضراً .. صح؛ إذ توافق النيات ليس بشرط كما مر.

ثالثها: أربع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام؛ للاتباع، رواه الشيخان، ولو كبر زائداً .. لم يضر.

رابعها: قراءة (الفاتحة) كغيرها من الصلوات، ولخبر البخاري: أن ابن عباس قرأها في

ص: 417

صلاة الجنازة وقال: (لتعلموا أنها سنة)، ولعموم خبر:"لا صلاة لمن لم يقرأ بـ (فاتحة الكتاب) " بعد التكبيرة الأولى؛ لخبر البيهقي عن جابر: (أنه صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعاً وقرأ بـ"أم القرآن" بعد التكبيرة الأولى)، ولخبر النسائي بإسناد على شرط الشيخين عن أبي أمامة قال:(السنة في صلاة الجنازة: أن يقرأ في التكبيرة الأولى بـ"أم القرآن" مخافتة، ثم يكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة)، وتجزئ (الفاتحة) بعد غير التكبيرة الأولى.

خامسها: الصلاة على المقفى بكسر الفاء المشددة؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم عقب التكبيرة الثانية؛ لخبر: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور والصلاة على" رواه البيهقي وغيره وضعفوه، لكن له ما يعضده، وأقلها:(اللهم؛ صل على محمد)، أو نحوه.

سادسها: الدعاء بعد الثالثة للميت بالخصوص بما يقع عليه اسم الدعاء نحو: (اللهم؛ ارحمه)، أو:(اللهم؛ اغفر له) لخبر أبي داوود والبيهقي وابن حبان: "إذا صليتم على الميت .. فأخلصوا له الدعاء"، فلا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ولا يجب عقب الرابعة ذكر.

سابعها: السلام، وهو كسلام غيرها من الصلوات في كيفيته وتعدده ونية الخروج معه، وغير ذلك.

ويندب إكثار الدعاء للميت عقب الثالثة فيقول: (اللهم؛ اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم؛ من أحييته منا .. فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا .. فتوفه على الإيمان، اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها إلي ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم؛ إنه نزل بك، وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلي رحمتك، وأنت غنى عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم؛ إن كان محسناً .. فرد في إحسانه، وإن كان مسيئاً .. فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة

ص: 418

القبر وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك، يا أرحم الراحمين).

وفي المرأة يقول: (هذه أمتك وبنت عبديك

)، ويؤنث الضمائر ويجوز تذكيرها بقصد الشخص.

ويقول في الطفل بعد الأول: (اللهم؛ اجعله فرطاً لأبويه، وسلفاً وذخراً، وعظة واعتباراً وشفيعاً، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره).

ويقول بعد الرابعة: (اللهم؛ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده).

وتشترط شروط الصلوات في هذه الصلاة، ويسقط فرضها بواحد، ولا يسقط بالنساء وهناك رجل أو صبى مميز.

ويحرم نقل الميت إلى بلد آخر، وقيل: يكره إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، وحيث منع لا تنفذ وصيته به.

وقول المصنف: (كبر) في الموضعين و (اقرأ) و (صل) بلفظ الأمر فيها.

[دفن الميت وما يتعلق بالقبر]

(ودفنه لقبلة قد أوجبوا

وسن في لحد بأرض تصلب)

ذكر فيه أنه يجب دفن الميت؛ أي: في قبر أقله حفرة تمنع الرائحة والسبع، قال الرافعي: والغرض من ذكرهما- إن كانا متلازمين- بيان فائدة الدفن، وإلا .. فبيان وجوب رعايتهما فلا يكفي أحدهما. انتهى.

وأنه يجب أن يوضع في القبر للقبلة؛ كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو دفن مستديراً أو مستلقياً .. نبش ووجه للقبلة ما لم يتغير، فإن تغير .. لم ينبش وجوباً، وأما الاضطجاع على الأيمن .. فسنة، فلو وضع على يساره مستقبل القبلة .. كره.

ويندب أن يوسع القبر ويعمق قامة وبسطة؛ بأن يقوم رجل معتدل ويبسط يديه مرفوعتين، وهي أربعة أذرع ونصف.

ص: 419

ويسن دفنه في لحد بأرض صلبة؛ بأن يحفر في أسفل حائط القبر الذي من جهة القبلة مقدار ما يسع الميت؛ لخبر مسلم عن سعد ابن أبي وقاص: أنه قال في مرض موته: (الحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً؛ كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن كانت الأرض رخوة .. فالشق أفضل؛ بأن يحفر في وسطه كالنهر، ويبنى الجانبان باللبن أو غيره، ويوضع الميت بينهما، ويسقف عليه باللبن أو غيره.

قال في "المجموع": ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت.

[المواضع التي يجوز فيها نبش القبر]

ويحرم نبش القبر إلا إذا بلى الميت، ويعرف من أهل الخبرة، أو دفن لغير القبلة كما مر، أو بلا غسل على المذهب بشرط عدم التغير على الصحيح، أو دفن في أرض مغصوبة وشح صاحبها ويسن له تركه، أو كفن بمغصوب أو مسروق في الأصح، أو وقع في القبر خاتم أو نحوه، أو بلع مال الغير ثم مات وطولب به، فيشق جوفه ويرد، قال في "المعدة": إلا أن تضمن الورثة بدله فلا ينبش في الأصح، أو مال نفسه فوجهان، أصحهما: المنع، أو لحق أرض الدفن سيل أو نداوة في الأصح، أو قال:(إن ولدت ذكراً .. فأنت طالق طلقة، أو أنثى .. فطلقتين)، فولدت ميتاً ودفن ولم يعرف، أو ماتت وفي جوفها ولد ترجى حياته .. شق جوفها وأخرج، فإن لم يرج ولم تكن دفنت .. تركت حتى يموت، أو دفن الكافر في حرم مكة، لا إن دفن بلا كفن، أو كفن في حرير في الأصح.

ويسن جمع الأقارب في موضع، وزيارة القبور للرجال، وتكره للنساء، والدفن بالمقبرة أفضل، ويكره المبيت بها.

(تعزية المصاب فيها السنة

ثلاث أيام توالى دفنه)

(وجوزوا البكا بغير ضرب

وجه ولا نوح وشق ثوب)

فيهما مسألتان:

ص: 420

[استحباب التعزية]

الأولى: تعزية المصاب بالميت؛ أي: جميع من أصيب به؛ بأن حصل له عليه وجد من أقاربه وغيرهم ولو صبياناً ونساء قبل الدفن وبعده .. سنة، ولكن تأخيرها أفضل؛ لاشتغال أهل الميت بتجهيزه، إلا أن يرى من أهل الميت جزعاً شديداً فيختار تقديمها؛ ليصبرهم، ومعناها: الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة؛ لخبر "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها: "اتقى الله واصبري"، ثم قال:"إنما الصبر- أي: الكامل- عند الصدمة الأولى"، ولخبرهما عن أسامة بن زيد قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن ابناً لها في الموت فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب"، ولخبر البيهقي:"من عزى أخاه بمصيبته .. كساه الله تعالى من حلل الكرامة يوم القيامة"، لكن لا يعزى الشابة من الرجال إلا محارمها وزوجها، ومن يباح نظره إليها كعبدها.

وتمتد التعزية ثلاثة أيام تقريباً؛ لأن الحزن فيها موجود، وتكره بعدها؛ إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن بقوله:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" رواه البخاري، ومن هنا كان ابتداء الثلاثة من الموت كما هو ظاهر كلام "الروضة" و"أصلها"، وبه صرح جمع منهم القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ والماوردي وابن أبي الدم والغزالي في "خلاصته"، والقول بأن ابتداءها من الدفن مفرع على ابتداء التعزية منه أيضاً لا من الموت، قال بعضهم: فقول النووي في "مجموعه" وغيره: قال أصحابنا: وقتها من الموت إلى الدفن وبعده بثلاثة أيام .. مراده به

ص: 421

ما قلناه، بقرينة قوله بعد: قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابها قبل الدفن وبعده بثلاثة أيام، وبه قال أحمد. انتهى، والذي قلناه هو قول أحمد؛ كما اقتضاه كلام "المستوعب" وغيره من كتب الحنابلة. انتهى.

وقد جرى المصنف على ظاهر كلام "المجموع" حيث قال: (ثلاث أيام توالى دفنه). وما ذكر من أن التعزية تنتهي بثلاثة أيام محله في غير الغائب، أما الغائب من المعزي أو المعزى .. فتمتد التعزية إلى قدومه، قال المحب الطبري: والظاهر: امتدادها بعده ثلاثة أيام.

وحذف المصنف التاء من (ثلاث) للوزن، أو باعتبار الليالي.

ويقال في تعزية المسلم بالمسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك)، وبالكافر:(أعظم الله أجرك، وصبرك، وأخلف عليك)، وفي تعزية الكافر بالمسلم:(غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك).

[حكم البكاء على الميت]

الثانية: جوز العلماء البكاء قبل الموت وبعده بغير ضرب وجه ولا نوح ولا شق ثوب؛ أي: ونحوها؛ لخبر "الصحيحين" عن أنس قال: (دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبراهيم ولده يجود بنفسه، فجعلت عيناه تذرفان) أي: يسيل دمعهما، وخبر البخاري عن أنس قال:(شهدنا دفن بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت عينيه تدمعان وهو جالس على القبر)، وخبر مسلم عن أبي هريرة:(أنه صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله).

أما ضرب الوجه، والندب بتعديد شمائله، والنوح وهو رفع الصوت بالندب، والجزع بشق الثوب ونشر الشعر وضرب الصدر .. فيحرم كل منها؛ لخبر "الصحيحين":"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعي بدعوى الجاهلية"، وفي رواية لمسلم في (كتاب

ص: 422

الجهاد) بلفظ: (أو) بدل (الواو)، ولخبر مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها .. تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" و (السربال): القميص كالدرع، و (القطران) بكسر الطاء وسكونها: دهن شجر تطلى به الإبل الجرب ويسرج به، وهو أبلغ في اشتعال النار في النائحة.

[مسائل منثورة تتعلق بالباب]

ولنختم الباب بمسائل منثورة:

الرجال أولى بغسل الرجل، والنساء بالمرأة، وللرجل غسل زوجته ولها غسله بلا مس؛ لئلا ينتقض وضوء الحي وإن انقضت عدتها وتزوجت لا مطلقته ولو كانت رجعية، وله غسل أمته إلا المعتدة والمزوجة والمستبرأة، وليس لأمته غسله، ولرجال المحارم غسلها.

ولو مات رجل وليس هناك إلا أجنبية أو عكسه .. يمما، والصغير الذي لا يشتهى والخنثى يغسله الفريقان.

والرجال يقدمون على الزوجة، وأولاهم بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم.

والأولى بغسل المرأة نساء القرابة، وأولاهن ذات رحم محرم وإن كانت حائضاً، وإن تساوتا .. فالتي في محل العصوبة؛ فالعمة أولى من الخالة، فإن عدمت المحرمية .. فالقربى فالقربى، ثم ذات الولاء، ثم الأجنبيات، ثم الزوج، ثم رجال المحارم كترتيبهم في الصلاة.

وأولى الناس بالصلاة على الميت وإن أوصى لغيره: الأب ثم أبوه وإن علا، ثم الابن ثم أبنه وإن سفل، ثم العصبات على ترتيب الإرث، ويقدم الأجنبي على امرأة قريبة.

ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ من أم .. قدم كما يقدم الأخ من الأبوين، ثم المولى المعتق، ثم عصباته، ثم السلطان، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، فيقدم أبو الأم، ثم الأخ للأم، ثم الخال، ثم العم للأم، فإن استوى اثنان في درجة .. قدم الأسن العدل.

ويدخل الميت القبر أولاهم بالصلاة عليه، لكن الزوج أحق، ثم الأفقه القريب على الأقرب، ثم الأقرب فالأقرب من المحارم، ثم عبيدها، ثم الخصيان، ثم العصبة، ثم ذوو

ص: 423

الأرحام الذين لا محرمية لهم، ثم صالح الأجانب، ويستحب أن يكون عددهم وعدد الغاسلين وتراً، ويجزئ كاف.

وقوله: (البكا) بالقصر، وهو الدمع، وأما بالمد .. فهو رفع الصوت كما قاله الجوهري.

ص: 424