الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القضاء
الحديث الأول
373 -
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ. (1)
وفي لفظ: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ (2).
قوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه) في رواية الإسماعيليّ من طريق محمّد بن خالد الواسطيّ عن إبراهيم بن سعد عن أبيه ، أنّ رجلاً من آل أبي جهل أوصى بوصايا فيها أَثَرَة في ماله، فذهبتُ إلى القاسم بن محمّد أستشيره ، فقال القاسم: سمعت عائشة. فذكره.
وسيأتي بيان الأثرة المذكورة في رواية المخرميّ المعلّقة عن العلاء بن عبد الجبّار.
قوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا) علَّقه البخاري عن عبد الله بن جعفر المخرميّ - بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الرّاء نسبة إلى المسور بن مخرمة - فجعفر هو ابن عبد الرّحمن بن المسور بن
(1) أخرجه البخاري (2550) ومسلم (1718) من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها.
قال البخاري: رواه عبد الله بن جعفر المخرَّمي وعبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم.
قلت: وقد وصل مسلمٌ رواية ابن جعفر كما سيأتي.
(2)
أخرجه مسلم (1718) من طريق عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم به. وقد علَّقه البخاري كما تقدّم.
مخرمة.
وروايته هذه. وصلها مسلم من طريق أبي عامر العقديّ ، والبخاريّ في " كتاب خلق أفعال العباد " كلاهما عنه عن سعد بن إبراهيم. سألت القاسم بن محمّد عن رجل له مساكن فأوصى بثلث كلّ مسكن منها ، قال: يجمع ذلك كلّه في مسكن واحد. فذكر المتن. وليس لعبد الله بن جعفر في البخاريّ سوى هذا الموضع.
وللدارقطني من طريق عبد العزيز بن محمّد عن عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم بلفظ: من فعل أمراً ليس عليه أمرنا فهو ردّ.
وقد روّيناه في " كتاب السّنّة لأبي الحسين بن حامد " من طريق محمّد بن إسحاق عن عبد الواحد ، وفيه قصّة قال: عن سعد بن إبراهيم قال: كان الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب أوصى بوصيّةٍ، فجعل بعضها صدقة وبعضها ميراثاً وخلط فيها، وأنا يومئذٍ على القضاء، فما دريت كيف أقضي فيها، فصلَّيت بجنب القاسم بن محمّد فسألته ، فقال: أَجِز من ماله الثّلث وصيّة، وردّ سائر ذلك ميراثاً، فإنّ عائشة حدّثتني. فذكره بلفظ إبراهيم بن سعد.
وفي هذه الرّواية دلالة على أنّ قوله في رواية الإسماعيليّ المتقدّمة " من آل أبي جهل " وهمٌ، وإنّما هو من آل أبي لهب، وعلى أنّ قوله في رواية مسلم " يجمع ذلك كلّه في مسكن واحد " هو بقيّة الوصيّة. وليس هو من كلام القاسم بن محمّد، لكن صرّح أبو عوانة في روايته
بأنّه كلام القاسم بن محمّد.
وهو مشكل جدّاً ، فالذي أوصى بثلث كلّ مسكن أوصى بأمرٍ جائز اتّفاقاً.
وأمّا إلزام القاسم بأن يجمع في مسكن واحد ، ففيه نظرٌ. لاحتمال أن يكون بعض المساكن أغلى قيمة من بعض.
لكن يحتمل أن تكون تلك المساكن متساوية فيكون الأولى أن تقع الوصيّة بمسكنٍ واحد من الثّلاثة، ولعلَّه كان في الوصيّة شيء زائد على ذلك يوجب إنكارها كما أشارت إليه رواية أبي الحسين بن حامد. والله أعلم.
وقد استشكل القرطبيّ شارح مسلم ما استشكلته، وأجاب عنه: بالحمل على ما إذا أراد أحد الفريقين الفدية، أو الموصى لهم القسمة وتمييز حقّه، وكانت المساكن بحيث يضمّ بعضها إلى بعض في القسمة، فحينئذٍ تقوم المساكن قيمة التّعديل ويجمع نصيب الموصى لهم في موضع واحد ، ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك. والله أعلم.
وهذا الحديث معدودٌ من أصول الإسلام وقاعدةٌ من قواعده، فإنّ معناه: من اخترع في الدّين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه.
قال النّوويّ: هذا الحديث ممّا ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك.
وقال الطّرقيّ (1): هذا الحديث يصلح أن يسمّى نصف أدلة الشّرع، لأنّ الدّليل يتركّب من مقدّمتين، والمطلوب بالدّليل إمّا إثبات الحكم أو نفيه، وهذا الحديث مقدّمة كبرى في إثبات كلّ حكم شرعيّ ونفيه، لأنّ منطوقه مقدّمة كليّة في كلّ دليل نافٍ لحكمٍ، مثل أن يقال في الوضوء بماءٍ نجس: هذا ليس من أمر الشّرع، وكلّ ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود.
فالمقدّمة الثّانية ثابتة بهذا الحديث، وإنّما يقع النّزاع في الأولى.
ومفهومه أنّ من عمل عملاً عليه أمر الشّرع فهو صحيح، مثل أن يقال في الوضوء بالنّيّة: هذا عليه أمر الشّرع، وكلّ ما كان عليه أمر الشّرع فهو صحيح. فالمقدّمة الثّانية ثابتة بهذا الحديث والأولى فيها النّزاع.
فلو اتّفق أن يوجد حديث يكون مقدّمة أولى في إثبات كلّ حكم شرعيّ ونفيه لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشّرع، لكن هذا الثّاني لا يوجد، فإذا حديث الباب نصف أدلة الشّرع. والله أعلم.
قوله: (ردّ) معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول،
(1) هو الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني. وطرْق: من قرى أصبهان. سكن برد، وكان متفنناً، له تصانيف، إلَّا أنه جهل، وقال بقدم الروح. سمع: عبد الوهاب بن مندة وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا القاسم بن البسري. توفي في شوال ، سنة إحدى وعشرين وخمس مائة. قاله الذهبي في " السير "(14/ 372).
وقال ابن النجار كما في الوافي للصفدي. (6/ 175): له مصنفات حسنة منها كتاب اللوامع في أطراف الصحيحين
مثل خلق ومخلوق ونسخ ومنسوخ، وكأنّه قال: فهو باطل غير معتدّ به.
واللفظ الثّاني وهو قوله " من عمل " أعمّ من اللفظ الأوّل. وهو قوله " من أحدث " فيحتجّ به في إبطال جميع العقود المنهيّة ، وعدم وجود ثمراتها المرتّبة عليها ، وفيه ردّ المحدثات ، وأنّ النّهي يقتضي الفساد، لأنّ المنهيّات كلّها ليست من أمر الدّين فيجب ردّها.
ويستفاد منه أنّ حكم الحاكم لا يغيّر ما في باطن الأمر لقوله " ليس عليه أمرنا " والمراد به أمر الدّين.
وفيه أنّ الصّلح الفاسد منتقض، والمأخوذ عليه مستحقّ الرّدّ.