المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 362 - عن أبي موسى رضي الله عنه ، - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٧

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌باب الأضاحي

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌كتاب العتق

- ‌ باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب بيع المدبّر

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 362 - عن أبي موسى رضي الله عنه ،

‌الحديث الثاني

362 -

عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله - إن شاء الله - لا أحلفُ على يمينٍ فأرى غيرها خيراً منها، إلَّا أتيتُ الذي هو خيرٌ، وتحلَّلتها. (1)

قوله: (إني والله إن شاء الله) قال أبو موسى المدينيّ في كتابه " الثّمين في استثناء اليمين ": لَم يقع قوله " إن شاء الله " في أكثر الطّرق لحديث أبي موسى. انتهى.

وسقط لفظ " والله " من نسخة ابن المنير (2) ، فاعترض بأنّه ليس في حديث أبي موسى يمينٌ.

وليس كما ظنّ ، بل هي ثابتة في الأصول، وإنّما أراد البخاريّ

(1) أخرجه البخاري (2694 ، 4124 ، 5198 ، 5199 ، 6273 ، 6342 ، 7116) ومسلم (1649) من طرق عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم بن عاصم عن زهدم الجرمي: كنا عند أبي موسى فأتي - وذكر دجاجة - وعنده رجلٌ من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي فدعاه للطعام ، فقال: إني رأيته يأكل شيئاً فقذرته. فحلفتُ لا آكل. فقال: هلمَّ فلأحدثكم عن ذاك. إني أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من الأشعريين نستحمِلُه ، فقال: واللهِ لا أحملكم ، وما عندي ما أحملكم. وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهَبِ إبل فسأل عنا ، فقال: أين النفر الأشعريون؟. فأمر لنا بخمس ذود غُر الذرى. فلمَّا انطلقنا قلنا: ما صنعنا؟ لا يبارك لنا. فرجعنا إليه. فقلنا: إنا سألناك أنْ تحملنا فحلفت أن لا تحملَنا. أفنسيتَ؟ قال: لستُ أنا حملتكم ، ولكنَّ الله حملكم. وإني والله. فذكره.

وأخرجه مسلم (1649) من وجوه أخرى عن زهدم به. نحوه.

وأخرجه البخاري (6249 ، 6300 ، 6340) ومسلم (1649) من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه به نحوه. دون مسألة الدجاج.

(2)

هو علي بن محمد الاسكندراني ، سبق ترجمته (2/ 378)

ص: 16

بإيراده (1) بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة.

وأشار أبو موسى المدينيّ في الكتاب المذكور إلى أنّه صلى الله عليه وسلم قالها للتّبرّك لا للاستثناء ، وهو خلاف الظّاهر.

والاستثناء استفعال من الثنيا - بضم المثلثة وسكون النون بعدها تحتانية - ويقال لها الثنوى أيضاً - بواو بدل الياء مع فتح أوله - وهي من ثنيت الشيء إذا عطفته كأن المستثني عطف بعض ما ذكره، لأنها في الاصطلاح إخراج بعض ما يتناوله اللفظ. وأداتها إلَّا وأخواتها.

وتُطلق أيضاً على التعاليق، ومنها التعليق على المشيئة، وهو المراد في هذه ترجمة البخاري " باب الاستثناء في الأيمان "، فإذا قال: لأفعلن كذا إن شاء الله تعالى استثنى، وكذا إذا قال لا أفعل كذا إن شاء الله.

ومثله في الْحُكم أن يقول إلَّا أن يشاء الله، أو إلَّا إن شاء الله، ولو أتى بالإرادة والاختيار بدل المشيئة جاز، فلو لم يفعل إذا أثبت أو فعل إذا نفى لم يحنث، فلو قال إلَّا أنْ غيَّر الله نيتي أو بدل، أو إلَّا أن يبدو لي أو يظهر، أو إلا أنْ أشاء أو أريد أو أختار فهو استثناء أيضاً، لكن يشترط وجود المشروط.

واتفق العلماء كما حكاه ابن المنذر. على أنَّ شرط الحكم بالاستثناء أن يتلفظ المستثني به ، وأنه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ.

وذكر عياض أنَّ بعض المتأخرين منهم خرَّج - من قول مالك: إنَّ

(1) أورد البخاري حديث أبي موسى في باب الاستثناء في الأيمان.

ص: 17

اليمين تنعقد بالنية - أنَّ الاستثناء يجزئ بالنية، لكن نقل في التهذيب أنَّ مالكاً نصَّ على اشتراط التلفظ باليمين.

وأجاب الباجي: بالفرق أنَّ اليمين عقدٌ والاستثناء حَلٌّ، والعقد أبلغ من الحل فلا يلتحق باليمين.

قال ابن المنذر: واختلفوا في وقته.

فالأكثر: على أنه يشترط أن يتصل بالحلف.

قال مالك: إذا سكت أو قطع كلامه فلا ثنيا.

وقال الشافعي: يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول، ووصلُه أن يكون نسقاً. فإن كان بينهما سكوت انقطع إلَّا إن كانت سكتةَ تذكّرٍ أو تنفّسٍ أو عِي أو انقطاعِ صوت، وكذا يقطعه الأخذ في كلام آخر.

ولَخَّصه ابن الحاجب فقال: شرطه الاتصال لفظاً ، أو ما في حكمه. كقطعه لتنفس أو سعال ونحوه مما لا يمنع الاتصال عُرفاً.

واختلف هل يقطعه ما يقطعه القبول عن الإيجاب؟. على وجهين للشافعية.

أصحهما: أنه ينقطع بالكلام اليسير الأجنبي، وإن لم ينقطع به الإيجاب والقبول.

وفي وجه: لو تخلل أستغفر الله لم ينقطع، وتوقف فيه النووي (1). ونصُّ الشافعي يؤيده حيث قال: تذكر فإنه من صور التذكر عرفاً،

(1) هو يحيى بن شرف ، سبق ترجمته (1/ 22)

ص: 18

ويلتحق به لا إله إلا الله ونحوها.

وعن طاوس والحسن: له أن يستثنى ما دام في المجلس.

وعن أحمد نحوه ، وقال: ما دام في ذلك الأمر.

وعن إسحاق مثله. وقال: إلا أن يقع السكوت.

وعن قتادة: إذا استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم.

وعن عطاء: قدر حلب ناقة، وعن سعيد بن جبير: إلى أربعة أشهر، وعن مجاهد: بعد سنتين.

وعن ابن عباس أقوال منها: له، ولو بعد حين، وعنه كقول سعيد، وعنه شهر، وعنه سنة، وعنه أبداً.

قال أبو عبيد: وهذا لا يؤخذ على ظاهره؛ لأنه يلزم منه أن لا يحنث أحدٌ في يمينه، وأن لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله - تعالى - على الحالف.

قال: ولكن وجه الخبر سقوط الإثم عن الحالف لتركه الاستثناء؛ لأنه مأمور به في قوله تعالى {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} فقال ابن عباس: إذا نسي أن يقول إن شاء الله يستدركه، ولم يرد أنَّ الحالف إذا قال ذلك بعد أن انقضى كلامه أنَّ ما عقده باليمين ينحل.

وحاصله حمل الاستثناء المنقول عنه على لفظ إن شاء الله فقط، وحمل إن شاء الله على التبرك. وعلى ذلك حمل الحديث المرفوع الذي أخرجه أبو داود وغيره موصولاً ومرسلاً ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله

ص: 19

لأَغزونَّ قريشاً ثلاثاً. ثم سكت. ثم قال: إن شاء الله. أو على السكوت لتنفس أو نحوه.

وكذا ما أخرجه ابن إسحاق - في سؤالِ مَن سأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف -: غداً أُجيبكم، فتأخر الوحي فنزلت {ولا تقولنَّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أنْ يشاءَ الله} فقال: إن شاء الله. مع أنَّ هذا لم يرد هكذا من وجه ثابت.

ومن الأدلة على اشتراط اتصال الاستثناء بالكلام ، قوله في حديث الباب " فليكفر عن يمينه " فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال فليستثن؛ لأنه أسهل من التكفير.

وكذا قوله تعالى لأيوب {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} فإن قوله استثن أسهل من التحيّل لِحل اليمين بالضرب، وللزم منه بطلان الإقرارات والطلاق والعتق فيستثنى من أقرَّ أو طلق أو أعتق بعد زمان ، ويرتفع حكم ذلك.

فالأولى تأويل ما نُقل عن ابن عباس وغيره من السلف في ذلك.

وإذا تقرر ذلك. فقد اختلف. هل يشترط قصد الاستثناء من أول الكلام أو لا؟. حكى الرافعي فيه وجهين.

ونقل عن أبي بكر الفارسي أنه نقل الإجماع على اشتراط وقوعه قبل فراغ الكلام، وعلَّله بأن الاستثناء بعد الانفصال ينشأ بعد وقوع الطلاق مثلاً. وهو واضح.

ونقْلُه مُعارَض بما نقله ابن حزم ، أنه لو وقع متصلاً به كفى.

ص: 20

واستدل بحديث ابن عمر رفعه: من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث. (1)

واحتجَّ بأنه عقب الحلف بالاستثناء باللفظ، وحينئذ يتحصل ثلاث صور:

أن يقصد من أوله أو من أثنائه - ولو قبل فراغه أو بعد تمامه - فيختص. نقل الإجماع بأنه لا يفيد في الثالث، وأبعد من فهم أنه لا يفيد في الثاني أيضاً.

والمراد بالإجماع المذكور إجماع من قال يشترط الاتصال، وإلَّا فالخلاف ثابت كما تقدم. والله أعلم.

وقال ابن العربي: قال بعض علمائنا: يشترط الاستثناء قبل تمام اليمين.

قال: والذي أقول: إنه لو نوى الاستثناء مع اليمين لم يكن يميناً ولا استثناءً، وإنما حقيقة الاستثناء: أن يقع بعد عقد اليمين فيحلّها الاستثناء المتصل باليمين، واتفقوا على أنَّ من قال: لا أفعل كذا إنْ شاء الله إذا قصد به التبرك فقط ففعل يحنث، وإن قصد الاستثناء فلا حنث عليه.

واختلفوا إذا أطلق ، أو قدَّم الاستثناء على الحلف ، أو أخره. هل يفترق الحكم.؟

(1) سيأتي إن شاء الله كلام الشارح عليه مستوفى في شرح حديث أبي هريرة الآتي برقم (364)

ص: 21

واتفقوا على دخول الاستثناء في كل ما يحلف به إلَّا الأوزاعي فقال: لا يدخل في الطلاق والعتق والمشي إلى بيت الله، وكذا جاء عن طاوس ، وعن مالك مثله، وعنه إلا المشي.

وقال الحسن وقتادة وابن أبي ليلى والليث: يدخل في الجميع إلا الطلاق.

وعن أحمد: يدخل الجميع إلا العتق.

واحتج بتشوف الشارع له، وورد فيه حديث عن معاذ رفعه: إذا قال لامرأته: أنتِ طالق إن شاء الله لم تطلق، وإن قال لعبده: أنتَ حرٌ إن شاء الله فإنه حر.

قال البيهقي: تفرَّد به حميد بن مالك وهو مجهول، واختلف عليه في إسناده.

واحتج من قال: لا يدخل في الطلاق بأنه لا تَحلُّه الكفارة، وهي أغلظ على الحالف من النطق بالاستثناء. فلمَّا لم يَحلّه الأقوى لم يَحلّه الأضعف.

وقال ابن العربي: الاستثناء أخو الكفارة. وقد قال الله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} فلا يدخل في ذلك إلَّا اليمين الشرعية. وهي الله.

قوله: (لا أحلف على يمين) أي: محلوف يمين، فأطلق عليه لفظ يمينٍ للملابسة ، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفاً عليه؛ فهو من مجاز الاستعارة، ويجوز أن يكون فيه تضمين. فقد وقع في روايةٍ لمسلمٍ

ص: 22

" على أمر ".

ويحتمل: أن يكون " على " بمعنى الباء، فقد وقع في رواية النّسائيّ " إذا حلفت بيمينٍ " ورجح الأوّل بقوله " فرأيت غيرها خيراً منها "؛ لأنّ الضّمير في غيرها لا يصحّ عوده على اليمين.

وأجيب: بأنّه يعود على معناها المجازيّ للملابسة أيضاً.

وقال ابن الأثير في النّهاية: الحلف هو اليمين فقوله: أحلف. أي: أعقد شيئاً بالعزم والنّيّة، وقوله " على يمين " تأكيدٌ لعقده وإعلام بأنّه ليست لغواً.

قال الطّيبيّ (1): ويؤيّده رواية النّسائيّ بلفظ " ما على الأرض يمين أحلف عليها " الحديث، قال: فقوله: أحلف عليها صفة مؤكّدة لليمين.

قال: والمعنى لا أحلف يميناً جزماً لا لغو فيها ، ثمّ يظهر لي أمرٌ آخر يكون فعله أفضل من المضيّ في اليمين المذكورة إلَّا فعلته وكفّرت عن يميني.

قال: فعلى هذا يكون قوله " على يمين " مصدراً مؤكّداً لقوله " أحلف ".

تكملةٌ: اختلف هل كفّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن يمينه المذكور؟ كما اختلف هل كفّر في قصّة حلفه على شرب العسل ، أو على غشيان مارية.؟

فروي عن الحسن البصريّ ، أنّه قال: لَم يكفّر أصلاً؛ لأنّه مغفورٌ له

(1) هو الحسن بن محمد ، سبق ترجمته (1/ 23)

ص: 23

، وإنّما نزلت كفّارة اليمين تعليماً للأمّة.

وتعقّب: بما أخرجه التّرمذيّ من حديث عمر - في قصّة حلفه على العسل أو مارية - " فعاتبه الله ، وجعل له كفّارة يمين " ، وهذا ظاهر في أنّه كفّر ، وإن كان ليس نصّاً في ردّ ما ادّعاه الحسن.

وظاهرٌ أيضاً في حديث الباب " وكفّرت عن يميني " أنّه لا يترك ذلك، ودعوى أنّ ذلك كلّه للتّشريع بعيدٌ.

قوله: (إلَّا أتيتُ الذي هو خيرٌ، وتحلَّلتها) في رواية لهما من وجه آخر عن حمّاد بن زيدٍ عن غيلان بن جريرٍ عن أبي بُرْدة عن أبي موسى " إلَّا كفّرت عن يميني، وأتيت الذي هو خيرٌ ".

وللبخاري حدّثنا أبو النّعمان حدّثنا حمّادٌ ، وقال " إلَّا كفّرت عن يميني وأتيت الذي هو خيرٌ ، أو أتيت الذي هو خيرٌ وكفّرت "(1) فزاد فيه التّردّد في تقديم الكفّارة وتأخيرها، وكذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد. بالتّرديد فيه أيضاً.

قوله: (وتحلَّلتها)(2) كذا في رواية حمّاد وعبد الوارث وعبد الوهّاب كلّهم عن أيّوب. (3) ولَم يذكر في رواية عبد السّلام (4) عن

(1) الخلاف في تقديم الحنث على الكفارة والعكس في حديث أبي موسى كحديث عبد الرحمن بن سمرة المتقدّم.

وقد تقدّم الكلام على الخلاف في المسألة مستوفى في الحديث الماضي.

(2)

لفظة (تحلّلتها) إنما جاءت في رواية زهدم عن أبي موسى ، أمّا رواية أبي بردة ففيها (كفّرت) وكلا الطريقين متفقٌ عليهما.

(3)

رواية حماد هي رواية العمدة هنا. أمَّا عبد الوهاب فساقها البخاري. وأحالها مسلمٌ على رواية حماد. أمَّا رواية عبد الوارث فانفرد البخاري بها.

(4)

ابن حرب. وقد ذُكرت لفظة (تحلَّلتها) في بعض نسخ البخاري من طريقه.

ص: 24

أيوب عند البخاري " وتحلَّلتها " ، وكذا لَم يذكرها أبو السّليل عن زهدم عند مسلم.

ووقع في رواية حماد عن غيلان عن أبي بُرْدة في الصحيحين " إلَّا كفّرت عن يميني " بدل " وتحللتها ".

ومعنى تحللتها: فعلت ما ينقل المنع الذي يقتضيه إلى الإذن فيصير حلالاً، وإنّما يحصل ذلك بالكفّارة.

ويؤيّد أنّ المراد بقوله " تحلَّلتها " كفّرت عن يميني ، وقوع التّصريح به في رواية حمّاد بن زيد وعبد السّلام وغيرهما.

وهو يرجّح أحد احتمالين ، أبداهما ابن دقيق العيد (1).

ثانيهما: إتيان ما يقتضي الحنث ، فإنّ التّحلّل يقتضي سبق العقد، والعقد هو ما دلت عليه اليمين من موافقة مقتضاها، فيكون التّحلّل الإتيان بخلاف مقتضاها.

لكن يلزم على هذا أن يكون فيه تكرارٌ لوجود قوله " أتيت الذي هو خيرٌ " فإنّ إتيان الذي هو خيرٌ تحصل به مخالفة اليمين والتّحلّل منها.

لكن يمكن أن تكون فائدته التّصريح بالتّحلّل، وذكره بلفظٍ يناسب الجواز صريحاً ليكون أبلغ ممّا لو ذكره بالاستلزام.

وقد يقال: إنّ الثّاني أقوى ، لأنّ التّأسيس أولى من التّأكيد.

(1) هو محمد بن علي ، سبق ترجمته (1/ 12)

ص: 25

وقيل: معنى " تحلّلتها " خرجت من حرمتها إلى ما يحلّ منها ، وذلك يكون بالاستثناء بشرطه السّابق.

لكن لا يتّجه في هذه القصّة (1) إلَّا إن كان وقع منه استثناء لَم يشعروا به ، كأن يكون قال: إن شاء الله مثلاً ، أو قال: والله لا أحملكم إلَّا إن حصل شيء ، ولذلك قال: وما عندي ما أحملكم.

(1) تقدّم ذِكر سبب الحديث في تخريج حديث الباب. فانظره.

ص: 26