الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس عشر
394 -
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، قال: ضحَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبَحهما بيده ، وسَمّى وكبّر ، ووضع رجله على صفاحهما. (1)
قال المصنِّف: الأَملح: الأَغبر. وهو الذي فيه سواد وبياض.
قوله: (ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في رواية شعبة عن قتادة عن أنس. بصيغة الفعل الماضي ، وكذا في رواية أبي عوانة عند البخاري عن قتادة.
وفي رواية همّام عن قتادة عند البخاري " كان يضحّي " ، وهو أظهر في المداومة على ذلك.
قوله: (بكبشين) الكبش فحل الضّأن في أيّ سنّ كان.
واختلف في ابتدائه ، فقيل: إذا أثنى ، وقيل: إذا أربع.
وللبخاري عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يضحّي بكبشين ، وأنا أضحّي بكبشين. هكذا في هذه الطّريق، وقائل ذلك هو أنس بيّنه النّسائيّ في روايته.
وهذه الرّواية مختصرة ، ورواية أبي قلابة عن أنس عند البخاري ،
(1) أخرجه البخاري (5234 ، 5244 ، 5245 ، 6964) ومسلم (1966) من طرق عن قتادة عن أنس رضي الله عنه.
وللبخاري (5234) من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس نحوه.
أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين، فذبحهما بيده. مُبيّنةٌ. لكن في هذه زيادة قول أنس أنّه كان يضحّي بكبشين للاتّباع.
وفيها أيضاً إشعار بالمداومة على ذلك، فتمسّك به مَن قال الضّأن في الأضحيّة أفضل.
قوله: (أملحين) الأملح بالمهملة ، هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر.
ويقال: هو الأغبر. وهو قول الأصمعيّ ، وزاد الخطّابيّ: هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود.
ويقال: الأبيض الخالص. قاله ابن الأعرابيّ. وبه تمسّك الشّافعيّة في تفضيل الأبيض في الأضحيّة.
وقيل: الذي يعلوه حمرة.
وقيل: الذي ينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويأكل في سواد ، ويبرك في سواد، أي: أنّ مواضع هذه منه سود ، وما عدا ذلك أبيض.
وحكى ذلك الماورديّ عن عائشة. وهو غريب.
ولعلَّه أراد الحديث الذي جاء عنها كذا ، لكن ليس فيه وصفه بالأملح، فأخرجه مسلم من حديث عروة عن عائشة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بكبشٍ أقرن ، يطأ في سوادٍ ، وينظر في سوادٍ ، ويبرك في سوادٍ ، فأضجعه ، ثمّ ذبحه ، ثمّ قال: بسم الله. اللهمّ تقبّل من محمّدٍ وآل محمّدٍ ومن أمّة محمّدٍ ، ثمّ ضحّى.
فإن ثبت فلعلّه كان في مرّة أخرى.
واختلف في اختيار هذه الصّفة.
فقيل: لحسن منظره، وقيل: لشحمه وكثرة لحمه.
واستدلّ به على اختيار العدد في الأضحيّة.
ومن ثَمّ قال الشّافعيّة: إنّ الأضحيّة بسبع شياه أفضل من البعير ، لأنّ الدّم المراق فيها أكثر ، والثّواب يزيد بحسبه، وأنّ من أراد أن يضحّي بأكثر من واحد يعجّله.
وحكى الرّويانيّ من الشّافعيّة استحباب التّفريق على أيّام النّحر.
قال النّوويّ: هذا أرفق بالمساكين ، لكنّه خلاف السّنّة.
كذا قال ، والحديث دالٌّ على اختيار التّثنية، ولا يلزم منه أنّ من أراد أن يضحّي بعددٍ فضحّى أوّل يوم باثنين ، ثمّ فرّق البقيّة على أيّام النّحر أن يكون مخالفاً للسّنّة.
وفيه أنّ الذَّكَر في الأضحيّة أفضل من الأنثى ، وهو قول أحمد.
وعنه رواية ، أنّ الأنثى أولى.
وحكى الرّافعيّ فيه قولين عن الشّافعيّ.
أحدهما: عن نصّه في البويطيّ الذّكر ، لأنّ لحمه أطيب. وهذا هو الأصحّ.
والثّاني: أنّ الأنثى أولى.
قال الرّافعيّ: وإنّما يذكر ذلك في جزاء الصّيد عند التّقويم، والأنثى أكثر قيمة فلا تفدى بالذّكر، أو أراد الأنثى التي لَم تلد.
وقال ابن العربيّ: الأصحّ أفضليّة الذّكور على الإناث في الضّحايا ، وقيل: هما سواء.
وفيه استحباب التّضحية بالأقرن ، وأنّه أفضل من الأجمّ ، مع الاتّفاق على جواز التّضحية بالأجمّ ، وهو الذي لا قرن له، واختلفوا في مكسور القرن.
وفيه استحباب مباشرة المضحّي الذّبح بنفسه.
واستدل على مشروعيّة استحسان الأضحيّة صفة ولوناً.
قال الماورديّ: إن اجتمع حسن المنظر مع طيب المخبر في اللحم فهو أفضل، وإن انفردا فطيب المخبر أولى من حسن المنظر.
وقال أكثر الشّافعيّة: أفضلها البيضاء ثمّ الصّفراء ثمّ الغبراء ثمّ البلقاء ثمّ السّوداء.
قوله: (أقرنين) أي: لكلٍّ منهما قرنان معتدلان.
قوله: (ذبحهما بيده) اتّفقوا على جواز التّوكيل فيها للقادر، لكن عند المالكيّة رواية بعدم الإجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم: يكره لكن يستحبّ أن يشهدها، ويكره أن يستنيب حائضاً أو صبيّاً أو كتابيّاً، وأوّلهم أولى ثمّ ما يليه.
قوله: (وسَمّى وكبّر) في رواية شعبة عن قتادة " يُسمي ويكبر " ، وهي أظهر في وقوع ذلك عند الذّبح.
وفي الحديث غير ما تقدّم مشروعيّة التّسمية عند الذّبح، وتقدَّم بيان من اشترطها في صفة الذّبح.
وفيه استحباب التّكبير مع التّسمية. (1)
قوله: (ووضع رجله على صِفَاحِهما) أي: على صفاح كلّ منهما عند ذبحه، والصّفاح - بكسر الصّاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة - الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحيّة.
وإنّما ثنّى إشارة إلى أنّه فعل في كلّ منهما، فهو من إضافة الجمع إلى المثنّى بإرادة التّوزيع.
وفيه استحباب وضع الرّجل على صفحة عنق الأضحيّة الأيمن، واتّفقوا على أنّ إضجاعها يكون على الجانب الأيسر ، فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذّابح في أخذ السّكّين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار.
تكميل: قال البخاري في " صحيحه ": ويُذكر سمينين.
أي: في صفة الكبشين، وهي في بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة. أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " من طريق الحجّاج بن محمّد عن شعبة.
وقد ساقه البخاري في الباب من طريق شعبة عنه. وليس فيه " سمينين " وهو المحفوظ عن شعبة.
وله طريق أخرى ، أخرجها عبد الرّزّاق في " مصنّفه " عن الثّوريّ
(1) قال العلامة ابن قدامة في المُغني: التسمية المعتبرة قوله: " بسم الله ". لأن إطلاق التسمية ينصرف إلى ذلك، وقد ثبت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال: بسم الله، والله أكبر. وكان ابن عمر يقوله. ولا خلاف في أن قوله:" بسم الله " يجزئه. انتهى
عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة ، أو عن أبي هريرة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحّي ، اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين ، فذبح أحدهما عن محمّد وآل محمّد ، والآخر عن أمّته ، من شهد لله بالتّوحيد وله بالبلاغ.
وقد أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الرّزّاق ، لكن وقع في النّسخة " ثمينين " بمثلثةٍ أوّله بدل السّين. والأوّل أولى.
وابن عقيل المذكور في سنده مختلف فيه، وقد اختلف عليه في إسناده: فقال زهير بن محمّد وشريك وعبيد الله بن عمرو كلّهم عنه عن عليّ بن الحسين عن أبي رافع، وخالفهم الثّوريّ كما ترى.
ويحتمل: أن يكون له في هذا الحديث طريقان، وليس في روايته في حديث أبي رافع لفظ " سمينين ". وأخرج أبو داود من وجه آخر عن جابر: ذبح النّبيّ صلى الله عليه وسلم كبشين أقرنين أملحين موجوءين.
قال الخطّابيّ: الموجوء - يعني بضمّ الجيم وبالهمز - منزوع الأنثيين، والوجاء الخصاء ، وفيه جواز الخصي في الضّحيّة، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو، لكن ليس هذا عيباً ، لأنّ الخصاء يفيد اللحم طيباً ، وينفي عنه الزّهومة وسوء الرّائحة.
وقال ابن العربيّ: حديث أبي سعيد ، يعني الذي أخرجه التّرمذيّ بلفظ " ضحّى بكبشٍ فحل "، أي: كامل الخلقة لَم تقطع أنثياه ، يردّ رواية موجوءين.
وتعقّب: باحتمال أن يكون ذلك وقع في وقتين.
وأخرج أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أحمد بن حنبل عن عبّاد بن العوّام أخبرني يحيى بن سعيد - وهو الأنصاريّ - سمعت أبا أُمامة بن سهل بن حنيف يقول: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحيّة فيسمّنها ويذبحها في آخر ذي الحجّة.
قال أحمد: هذا الحديث عجيبٌ.
قال ابن التّين: كان بعض المالكيّة يكره تسمين الأضحيّة لئلا يتشبّه باليهود، وقول أبي أُمامة أحقّ، قاله الدّاوديّ.