المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 399 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٧

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌باب الأضاحي

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌كتاب العتق

- ‌ باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب بيع المدبّر

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 399 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

‌الحديث الثاني

399 -

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تلبسوا الْحرير ولا الدّيباج ، ولا تشربوا في آنية الذّهب والفضّة ، ولا تأكُلوا في صِحَافها، فإنّها لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة. (1)

قوله: (لا تلبسوا الحَرير) تقدّم الكلام عليه في الذي قبله

قوله: (ولا الديباج) الدّيباج نوعٌ من الحرير ، وهو بكسر المهملة ، وحكي فتحها.

وقال أبو عبيدة: الفتح مُولَّدٌ ، أي: ليس بعربيٍّ.

قوله: (ولا تشربوا في آنية الذّهب والفضّة) ولهما من رواية الحكم عن ابن أبي ليلى ، إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة.

ووقع في رواية ابن عون عن مجاهد عند الشيخين بلفظ " لا تشربوا. ولا تلبسوا. وكذا عند أحمد من وجه آخر عن الحكم.

كذا وقع في معظم الرّوايات عن حذيفة الاقتصار على الشّرب.

ووقع عند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى. بلفظ " نهى أن

(1) أخرجه البخاري (5110 ، 5309 ، 5310 ، 5493 ، 5499) ومسلم (5515) من طريق مجاهد والحكم كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنهم كانوا عند حذيفة بالمدائن، فاستسقى فسقاه مجوسي. وفي رواية (دهقان بقدحِ فضةٍ) فلمَّا وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنَّه يقول: لَم أفعل هذا، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث.

ص: 388

يشرب في آنية الذّهب والفضّة، وأن يؤكل فيها ". ولمسلم نحوه في حديث أمّ سلمة من طريق عثمان بن مرّة عن عبد الله بن عبد الرّحمن عنها " من شرب من إناء ذهب أو فضّة ".

وله من رواية عليّ بن مسهر عن عبيد الله بن عمر العمريّ عن نافع عن زيد بن عبد الله عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عنها " إنّ الذي يأكل ويشرب في آنية الذّهب والفضّة ".

وأشار مسلم إلى تفرّد عليّ بن مسهر بهذه اللفظة، أعني: الأكل.

وقد وقع التّصريح في الحديث بالنّهي والإشارة إلى الوعيد على ذلك.

ونقل ابن المنذر الإجماع على تحريم الشّرب في آنية الذّهب والفضّة ، إلَّا عن معاوية بن قرّة أحد التّابعين فكأنّه لَم يبلغه النّهي.

وعن الشّافعيّ في القديم ، ونقل عن نصّه في حرملة: أنّ النّهي فيه للتّنزيه ، لأنّ علته ما فيه من التّشبّه بالأعاجم.

ونصّ في الجديد على التّحريم، ومن أصحابه من قطع به عنه، وهذا اللائق به لثبوت الوعيد عليه بالنّار كما في الصحيحين عن أم سلمة ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

وإذا ثبت ما نُقل عنه. فلعله كان قبل أن يبلغه الحديث المذكور.

ويؤيّد وهْم النّقل أيضاً عن نصّه في حرملة ، أنّ صاحب " التّقريب " نقل في كتاب الزّكاة عن نصّه في حرملة تحريم اتّخاذ الإناء

ص: 389

من الذّهب أو الفضّة، وإذا حرم الاتّخاذ فتحريم الاستعمال أولى.

والعلَّة المشار إليها ليست متّفقاً عليها، بل ذكروا للنّهي عدّة علل: منها ما فيه من كسر قلوب الفقراء، أو من الخيلاء والسّرف، ومن تضييق النّقدين.

تكميل: اختلف في الإناء الذي فيه شيء من ذلك ، إمّا بالتّضبيب وإمّا بالخلط وإمّا بالطّلاء.

فورد فيه حديث. أخرجه الدّارقطنيّ والبيهقيّ عن ابن عمر رفعه: من شرب في آنيّة الذّهب والفضّة ، أو إناء فيه شيء من ذلك ، فإنّما يجرجر في جوفه نار جهنّم. قال البيهقيّ: المشهور عن ابن عمر موقوف عليه، ثمّ أخرجه كذلك.

وهو عند ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه ، أنّه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضّة ، ولا ضبّة فضّة. ومن طريق أخرى عنه ، أنّه كان يكره ذلك.

وفي " الأوسط " للطّبرانيّ من حديث أمّ عطيّة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفضيض الأقداح، ثمّ رخّص فيه للنّساء.

قال مُغلطاي: لا يطابق الحديثُ التّرجمةَ (1) إلَّا إن كان الإناء الذي سُقي فيه حذيفة كان مضبّباً ، فإنّ الضّبّة موضع الشّفة عند الشّرب.

وأجاب الكرمانيّ: بأنّ لفظ مفضّض - وإن كان ظاهراً فيما فيه فضّة - لكنّه يشمل ما إذا كان متّخذاً كلّه من فضّة، والنّهي عن

(1) ترجم عليه البخاري رحمه الله في الأطعمة بقوله (باب الأكل في إناء مفضّض)

ص: 390

الشّرب في آنيّة الفضّة يلحق به الأكل للعلة الجامعة ، فيطابق الحديث التّرجمة. والله أعلم.

قوله: (ولا تأكلوا في صحافها) قال صاحب النهاية: الصّحفة إناءٌ كالقصعة المبسوطة. انتهى

والصّحفة: ما تشبع خمسةً ونحوها ، وهي أكبر من القصعة.

قوله: (فإنّها لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة) في رواية لهما " هنَّ لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة " ، كذا فيه بلفظ " هنّ " بضمّ الهاء وتشديد النّون في الموضعين.

وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر - شيخ البخاريّ فيه - عن شعبة عن الحكم بلفظ " هي " بكسر الهاء ثمّ التّحتانيّة، وكذا في رواية غندر عن شعبة، ووقع عند الإسماعيليّ. وأصله في مسلم " هو " أي: جميع ما ذكر.

قال الإسماعيليّ: ليس المراد بقوله: " في الدّنيا " إباحة استعمالهم إيّاه ، وإنّما المعنى بقوله " لهم ". أي: هم الذين يستعملونه مخالفة لزيّ المسلمين. وكذا قوله " ولكم في الآخرة "، أي: تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدّنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله.

قلت: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أنّ الذي يتعاطى ذلك في الدّنيا لا يتعاطاه في الآخرة كما تقدّم في شرب الخمر، وفي لباس الحرير، بل وقع في هذا بخصوصه من حديث أبي هريرة رفعه: من

ص: 391

شرب في آنية الفضّة والذّهب في الدّنيا لَم يشرب فيها في الآخرة، وآنية أهل الجنّة الذّهب والفضّة. أخرجه النّسائيّ بسندٍ قويٍّ.

وفي هذه الأحاديث تحريم الأكل والشّرب في آنية الذّهب والفضّة على كلّ مكلَّف رجلاً كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحليّ للنّساء ، لأنّه ليس من التّزيّن الذي أبيح لها في شيء.

قال القرطبيّ وغيره: في الحديث تحريم استعمال أواني الذّهب والفضّة في الأكل والشّرب، ويلحق بهما ما في معناهما مثل التّطيّب والتّكحّل وسائر وجوه الاستعمالات، وبهذا قال الجمهور.

وأغربت طائفة شذّت: فأباحت ذلك مطلقاً، ومنهم من قصر التّحريم على الأكل والشّرب، ومنهم من قصره على الشّرب ، لأنّه لَم يقف على الزّيادة في الأكل.

قال: واختلف في عِلَّة المنع:

فقيل: إنّ ذلك يرجع إلى عينهما، ويؤيّده قوله " هي لهم ، وإنّها لهم ".

وقيل: لكونهما الأثمان وقيم المتلفات، فلو أبيح استعمالها لجاز اتّخاذ الآلات منهما فيفضي إلى قلّتهما بأيدي النّاس فيجحف بهم.

ومثّله الغزاليّ بالحكّام الذين وظيفتهم التّصرّف لإظهار العدل بين النّاس، فلو منعوا التّصرّف لأخلَّ ذلك بالعدل، فكذا في اتّخاذ الأواني من النّقدين حبس لهما عن التّصرّف الذي ينتفع به النّاس.

ويردّ على هذا جواز الْحُليِّ للنّساء من النّقدين، ويمكن الانفصال

ص: 392

عنه.

وهذه العلة هي الرّاجحة عند الشّافعيّة، وبه صرّح أبو عليّ السّنجيّ وأبو محمّد الجوينيّ.

وقيل: عِلَّة التّحريم السّرف والخيلاء، أو كسر قلوب الفقراء.

ويرِد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النّفيسة وعاليها أنفس وأكثر قيمة من الذّهب والفضّة، ولَم يمنعها إلَّا من شذّ.

وقد نقل ابن الصّبّاغ في " الشّامل " الإجماع على الجواز، وتبعه الرّافعيّ ومن بعده. لكن في " زوائد العمرانيّ " عن صاحب " الفروع " نقل وجهين.

وقيل: العلة في المنع التّشبّه بالأعاجم.

وفي ذلك نظرٌ. لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرّد التّشبّه لا يصل إلى ذلك.

واختلف في اتّخاذ الأواني دون استعمالها.

والأشهر المنع وهو قول الجمهور، ورخّصت فيه طائفة، وهو مبنيّ على العلة في منع الاستعمال، ويتفرّع على ذلك غرامة أرش ما أفسد منها وجواز الاستئجار عليها.

وتمسّك بالحديث من منع استعمال النّساء للحرير والدّيباج، لأنّ حذيفة استدلَّ به (1) على تحريم الشّرب في إناء الفضّة ، وهو حرام على النّساء والرّجال جميعاً ، فيكون الحرير كذلك.

(1) يشير إلى سبب ورود الحديث ، وقد تقدّم ذكره في تخريج الحديث.

ص: 393

والجواب: أنّ الخطاب بلفظ " لكم " للمذكّر، ودخول المؤنّث فيه قد اختلف فيه؛ والرّاجح عند الأصوليّين عدم دخولهنّ.

وأيضاً فقد ثبت إباحة الحرير والذّهب للنّساء ، وأيضاً فإنّ هذا اللفظ " الذّهب والفضّة والحرير والدّيباج هي لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة " مختصر (1).

وقد تقدّم بلفظ " لا تلبسوا الحرير ولا الدّيباج، ولا تشربوا في آنية الذّهب والفضّة " ، والخطاب في ذلك للذّكور.

وقوله: " هي لهم في الدّنيا "، تمسّك به مَن قال: إنّ الكافر ليس مخاطباً بالفروع.

وأجيب: بأنّ المزاد هي شعارهم وزيّهم في الدّنيا، ولا يدلّ ذلك على الإذن لهم في ذلك شرعاً.

تكميل: زاد البخاري من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى فيه " وعن لُبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه ".

وقد أخرج البخاريّ ومسلم حديث حذيفة من عدّة أوجه ليس فيها هذه الزّيادة، وهي قوله " وأن نجلس عليه ".

وهي حجّة قويّة لِمَن قال بمنع الجلوس على الحرير ، وهو قول الجمهور، خلافاً لابن الماجشون والكوفيّين وبعض الشّافعيّة.

وأجاب بعض الحنفيّة: بأنّ لفظ " نهى " ليس صريحاً في التّحريم.

وبعضهم باحتمال أن يكون النّهي ورد عن مجموع اللّبس والجلوس

(1) أخرجه البخاري بهذا اللفظ (5493)

ص: 394

لا عن الجلوس بمفرده.

وهذا يردّ على ابن بطّال دعواه: أنّ الحديث نصّ في تحريم الجلوس على الحرير، فإنّه ليس بنصٍّ ، بل هو ظاهر.

وقد أخرج ابن وهب في " جامعه " من حديث سعد بن أبي وقّاص ، قال: لأَنْ أقعد على جمر الغضا ، أحبّ إليّ من أن أقعد على مجلس من حرير.

وأدار بعض الحنفيّة الجواز والمنع على اللّبس لصحّة الأخبار فيه، قالوا: والجلوس ليس بلبسٍ.

واحتجّ الجمهور بحديث أنس " فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس "(1) ، ولأنّ لبس كلّ شيء بحسبه.

واستُدل به على منع النّساء من افتراش الحرير ، وهو ضعيف ، لأنّ خطاب الذّكور لا يتناول المؤنّث على الرّاجح.

ولعلَّ الذي قال بالمنع تمسّك فيه بالقياس على منع استعمالهنّ آنية الذّهب مع جواز لبسهنّ الحليّ منه، فكذلك يجوز لبسهنّ الحرير ، ويمنعن من استعماله، وهذا الوجه صحَّحه الرّافعيّ. وصحّح النّوويّ الجواز.

واستُدلّ به على منع افتراش الرّجل الحرير مع امرأته في فراشها.

ووجَّهه المجيز لذلك من المالكيّة: بأنّ المرأة فراش الرّجل ، فكما جاز له أن يفترشها وعليها الحليّ من الذّهب والحرير ، كذلك يجوز له

(1) تقدَّم برقم (77).

ص: 395

أن يجلس وينام معها على فراشها المباح لها.

تنْبيهٌ: الذي يمنع من الجلوس عليه هو ما منع من لبسه ، وهو ما صنع من حرير صرف ، أو كان الحرير فيه أزيد من غيره.

ص: 396