المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع عشر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٧

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌باب الأضاحي

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌كتاب العتق

- ‌ باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب بيع المدبّر

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌الحديث الرابع عشر

‌الحديث الرابع عشر

417 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لَم يوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنةً، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسّلاح، عدّةً في سبيل الله عز رجل. (1)

قوله: (كانت أموال بني النضير) بفتح النّون وكسر الضّاد المعجمة، هم قبيلة كبيرة من اليهود.

قوله: (مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم) أصل الفيء الرّدّ والرّجوع، ومنه سُمِّي الظّلّ بعد الزّوال فيئاً لأنّه رجع من جانب إلى جانب، فكأنّ أموال الكفّار سُمِّيت فيئاً ، لأنّها كانت في الأصل للمؤمنين.

إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، فإذا غلب الكفّار على شيء من المال فهو بطريق التّعدّي ، فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنّه رجع إليهم ما كان لهم.

واختلف العلماء في مصرف الفيء.

القول الأول: قال مالك: الفيء والخمس سواءٌ يجعلان في بيت

(1) أخرجه البخاري (2748 ، 2927، 3809، 4603، 5042، 5043، 6347، 6875) ومسلم (1757) من طرق عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه.

ص: 539

المال ، ويعطي الإمام أقارب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده.

القول الثاني: فرّق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء.

فقال: الخمس موضوع فيما عيّنه الله فيه من الأصناف المسمَّين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدّى به إلى غيرهم.

وأمّا الفيء: فهو الذي يرجع النّظر في مصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة.

وانفرد الشّافعيّ كما قال ابن المنذر وغيره. بأنّ الفيء يخمّس، وأنّ أربعة أخماسه للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة، وأربعة أخماس الخمس لمستحقّ نظيرها من الغنيمة.

وقال الجمهور: مصرف الفيء كلّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واحتجّوا بقول عمر: فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة.

وتأوّل الشّافعيّ قولَ عمر المذكور بأنّه يريد الأخماس الأربعة.

قوله: (مما لَم يوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ) أي: لَم يؤخذ بغلبة الجيش ، وأصل الايجاف الإسراع في السير.

وكان الكفّار بعد الهجرة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: وادَعَهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوّه، وهم طوائف اليهود الثّلاثة قريظة والنّضير وقينقاع.

القسم الثاني: حاربوه ونصبوا له العداوة كقريشٍ.

القسم الثالث: تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب.

ص: 540

فمنهم من كان يحبّ ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر.

ومنهم من كان معه ظاهراً ، ومع عدوّه باطناً وهم المنافقون.

فكان أوّل من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوّال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه، وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبيّ - وكانوا حلفاءه - فوهبهم له، وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات (1). ثمّ نقض العهد بنو النّضير، وكان رئيسهم حييّ بن أخطب. ثمّ نقضت قريظة بعد غزوة الخندق.

وأخرج عبد الرّزّاق في " مصنّفه " عن معمر عن الزّهريّ عن عروة: كانت غزوة بني النّضير - وهم طائفة من اليهود - على رأس ستّة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى نزلوا على الجلاء ، وعلى أنّ لهم ما أقلَّت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة. يعني السّلاح ، فأنزل الله فيهم {سبّح لله - إلى قوله - لأوّل الحشر} ، وقاتلهم حتّى صالحهم

(1) بالفتح ثم السكون وكسر الراء: اتفق الأقدمون على أنها بالشام، واختلفوا في تحديد موقعها .. وإذا كانت أذرعات هي (أذرع) فهي اليوم قريةٌ من عمل حوران داخل الحدود السورية قرب مدينة درعا، شمالاً، يسار الطريق ، وأنت تؤمُّ دمشق .. ورد ذكرها أيام الفتوح، لَمَّا قدم عمر بن الخطاب الشام لقيه المقلّسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان

قال أبو الفتح: وأذرعات: تصرف ولا تصرف. والصرف أمثل، والتاء في الحالين مكسورة، وأما فتحها فمحذور عندنا، لأنها إنْ فتحت زالت دلالتها على الجمع. المعالم الأثيرة في السنة والسيرة (1/ 25) لمحمد شراب رحمه الله.

ص: 541

على الجلاء فأجلاهم إلى الشّام، وكانوا من سبْط لَم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ، ولولا ذلك لعذّبهم في الدّنيا بالقتل والسّباء. وقوله (لأوّل الحشر) فكان جلاؤهم أوّل حشرٍ. حشراً في الدّنيا إلى الشّام.

واتّفق أهل العلم على أنّها نزلت في هذه القصّة، قاله السّهيليّ.

قال: ولَم يختلفوا في أنّ أموال بني النّضير كانت خاصّة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنّ المسلمين لَم يوجفوا بخيلٍ ولا ركاب ، وأنّه لَم يقع بينهم قتال أصلاً.

قال البخاري: وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحدٍ.

وقد ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم ، أنّ عامر بن الطّفيل أعتق عمرو بن أُميَّة لَمَّا قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمّه، فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لَم يشعر به عمرو، فقال لهما عمرو: ممّن أنتما؟ فذكرا أنّهما من بني عامر فتركهما حتّى ناما فقتلهما عمرو وظنّ أنّه ظفر ببعض ثأر أصحابه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال: لقد قتلت قتيلين لأودينّهما. انتهى

وخبرُ غزوة بئر معونة بعد غزوة أحد، وفيها عن عروة ، أنّ عمرو بن أُميَّة الضّمريّ كان مع المسلمين، فأسره المشركون.

قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النّضير يستعينهم في ديتهما فيما حدّثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النّضير وبني

ص: 542

عامر عقد وحلف، فلمّا أتاهم يستعينهم ، قالوا: نعم. ثمّ خلا بعضهم ببعضٍ ، فقالوا: إنّكم لن تجدوه على مثل هذه الحال. قال: وكان جالساً إلى جانب جدار لهم، فقالوا: مَن رجلٌ يعلو على هذا البيت فيلقي هذه الصّخرة عليه فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السّماء ، فقام مظهراً أنّه يقضي حاجة ، وقال لأصحابه: لا تبرحوا، ورجع مسرعاً إلى المدينة، واستبطأه أصحابه فأخبروا أنّه توجّه إلى المدينة، فلحقوا به، فأمر بحربهم والمسير إليهم، فتحصّنوا، فأمر بقطع النّخل والتّحريق ".

وذكر ابن إسحاق: أنّه حاصرهم ستّ ليالٍ، وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنّعوا، فإن قوتلتم قاتلنا معكم، فتربّصوا، فقذف الله في قلوبهم الرّعب فلم ينصروهم، فسألوا أن يخلّوا عن أرضهم على أنّ لهم ما حملت الإبل فصولحوا على ذلك.

وروى البيهقيّ في " الدّلائل " من حديث محمّد بن مسلمة ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النّضير وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاثة أيّام.

قال ابن إسحاق: فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشّام، قال: فحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّهم جلوا عن الأموال من الخيل والمزارع ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة. قال ابن إسحاق: ولَم يسلم منهم إلَّا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما.

وروى ابن مردويه قصّة بني النّضير بإسنادٍ صحيحٍ إلى معمر عن

ص: 543

الزّهريّ أخبرني عبد الله بن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفّار قريش إلى عبد الله بن أبيّ وغيره ممّن يعبد الأوثان قبل بدر يهدّدونهم بإيوائهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويتوعّدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمّ ابنُ أبيٍّ ومَن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم، فلمّا سمعوا ذلك عرفوا الحقّ فتفرّقوا. فلمّا كانت وقعة بدر كتبت كفّار قريش بعدها إلى اليهود: أنّكم أهل الحلقة والحصون،، يتهدّمونهم، فأجمع بنو النّضير على الغدر.

فأرسلوا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتّبعناك. ففعل. فاشتمل اليهود الثّلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النّضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النّضير، فأخبر أخوها النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبّحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثمّ غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النّضير، فقاتلهم حتّى نزلوا على الجلاء وعلى أنّ لهم ما أقلت الإبل إلَّا السّلاح، فاحتملوا حتّى أبواب بيوتهم، فكانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أوّل حشر النّاس إلى الشّام " وكذا أخرجه عبد بن حميدٍ في " تفسيره " عن عبد الرّزّاق.

ص: 544

وفي ذلك ردّ على ابن التّين في زعمه أنّه ليس في هذه القصّة حديث بإسنادٍ.

قلت: فهذا أقوى ممّا ذكر ابن إسحاق ، من أنّ سبب غزوة بني النّضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرّجلين، لكن وافق ابنَ إسحاق جلُّ أهل المغازي، فالله أعلم.

وإذا ثبت أنّ سبب إجلاء بني النّضير ما ذكر من همّهم بالغدر به صلى الله عليه وسلم ، وهو إنّما وقع عند ما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلَي عمرو بن أُميَّة، تعيّن ما قال ابن إسحاق، لأنّ بئر معونة كانت بعد أحد بالاتّفاق.

وأغرب السّهيليّ فرجّح ما قال الزّهريّ، ولولا ما ذكر في قصّة عمرو بن أُميَّة لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرّجيع، والله أعلم.

قوله: (وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً) وللبخاري " إنّ الله قد خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيءٍ " ، وفي رواية مسلم " بخاصّةٍ لَم يخصص بها غيره ".

وفي رواية سفيان عن معمرٍ عن الزّهريّ. في البخاري " كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبيع نخل بني النّضير ، ويحبس لأهله قوت سنتهم " أي: ثمر النّخل.

في رواية أبي داود من طريق أسامة بن زيد عن ابن شهاب: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النّضير، وخيبر، وفدك. فأمّا بنو النّضير فكانت حبساً لنوائبه، وأمّا فدك فكانت حبساً لأبناء السّبيل،

ص: 545

وأمّا خيبر فجزّأها بين المسلمين ثمّ قسّم جزءاً لنفقة أهله، وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين.

ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشتري السّلاح والكراع، وذلك مفسّرٌ لرواية معمر عند مسلم " ويجعل ما بقي منه مجعل مال الله " ، وزاد أبو داود في رواية أبي البختريّ المذكورة " وكان ينفق على أهله ويتصدّق بفضله ".

وهذا لا يعارض حديث عائشة ، أنّه صلى الله عليه وسلم توفّي ودرعه مرهونة على شعير (1). لأنّه يُجمع بينهما بأنّه كان يدّخر لأهله قوت سنتهم ثمّ في طول السّنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيءٍ منه فيخرجه، فيحتاج إلى أن يعوّض من يأخذ منها عوضه، فلذلك استدان.

قوله: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنةً) قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادّخار للأهل قوت سنة ، وفي السّياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث " كان لا يدّخر شيئاً لغدٍ "(2) فيحمل على الادّخار لنفسه ، وحديث الباب على الادّخار لغيره، ولو كان له في ذلك مشاركة، لكنّ المعنى أنّهم المقصد بالادّخار دونه حتّى

(1) انظر حديث عائشة المتقدِّم في باب الرهن رقم (283)

(2)

أخرجه الترمذي (2362) والبيهقي في " الشعب "(3/ 59) وابن حبان في " صحيحه "(6356) والمقدسي في " المختارة "(1601) والبغوي في " شرح السنة "(13/ 253) من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به.

وقال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ ، وقد روي هذا الحديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

تنبيه: عزى الحديثَ الشارح رحمه الله في موضع آخر لمسلم. وهو وهمٌ منه.

ص: 546

لو لَم يوجدوا لَم يدّخر.

قال: والمتكلمون على لسان الطّريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السّنة خارجاً عن طريقة التّوكّل. انتهى.

وفيه إشارة إلى الرّدّ على الطّبريّ حيث استدل بالحديث على جواز الادّخار مطلقاً خلافاً لمن منع ذلك، وفي الذي نقله الشّيخ تقييد بالسّنة اتّباعاً للخبر الوارد.

لكن استدلال الطّبريّ قويّ، بل التّقييد بالسّنة إنّما جاء من ضرورة الواقع ، لأنّ الذي كان يدّخر لَم يكن يحصل إلَّا من السّنة إلى السّنة، لأنّه كان إمّا تمراً وإمّا شعيراً، فلو قدّر أنّ شيئاً ممّا يدّخر كان لا يحصل إلَّا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادّخار لأجل ذلك، والله أعلم.

ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في طول السّنة ربّما استجرّه منهم لمن يرد عليه ويعوّضهم عنه، ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتاً لأهله. (1)

واختلف في جواز ادّخار القوت لمن يشتريه من السّوق.

قال عياض: أجازه قوم واحتجّوا بهذا الحديث، ولا حجّة فيه لأنّه إنّما كان من مغلٍّ الأرض، ومنعه قوم إلَّا إن كان لا يضرّ بالسّعر، وهو متّجه إرفاقاً بالنّاس.

ثمّ محلّ هذا الاختلاف إذا لَم يكن في حال الضّيق، وإلَّا فلا يجوز

(1) انظر حديث عائشة المتقدِّم في البيوع برقم (283)

ص: 547

الادّخار في تلك الحالة أصلاً.

قوله: (ثم يجعل ما بقي في الكراع والسّلاح، عدّةً في سبيل الله عز وجل الكراع بضم الكاف وتخفيف الراء اسم لجميع الخيل.

والمجنّ: بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون. أي: الدرقة. من جملة آلات السّلاح. كما روى سعيد بن منصور بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عمر ، أنّه كانت عنده درقةٌ ، فقال: لولا أنّ عمر قال لي: احبس سلاحك ، لأعطيت هذه الدّرقة لبعص أولادي.

قال ابن المنير: وجه هذه التراجم (1) دفع من يتخيّل أنّ اتّخاذه هذه الآلات ينافي التّوكّل ، والحقّ أنّ الحذر لا يردّ القدر ، ولكن يضيّق مسالك الوسوسة لِما طُبع عليه البشر.

(1) قال البخاري: باب المجن ومن يتّرس بترس صاحبه. ثم روى حديث أنس: كان أبو طلحة يتتَّرس بترس صاحبه. وحديثَ سهل. في كسر البيضة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر حديث الباب.

ص: 548