الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
397 -
عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه ، قال: بلغ عمرَ ، أنّ فلاناً باع خمراً ، فقال: قاتل الله فلاناً ، أَلَم يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: قاتل الله اليهود ، حرّمت عليهم الشّحوم ، فجملوها فباعوها؟. (1)
قوله: (بلغ عمر بن الخطّاب ، أنّ فلاناً باع خمراً) في رواية مسلمٍ وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار " أنّ سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة ".
زاد البيهقيّ من طريق الزّعفرانيّ عن سفيان: عن سمرة بن جندبٍ (2).
قال ابن الجوزيّ والقرطبيّ وغيرهما: اختلف في كيفيّة بيع سمرة للخمر على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية ، فباعها منهم معتقداً جواز ذلك.
وهذا حكاه ابن الجوزيّ عن ابن ناصرٍ ، ورجّحه.
(1) أخرجه البخاري (2110 ، 3273) ومسلم (1582) من طريق سفيان بن عيينة ، ومسلم (1582) من طريق روح بن القاسم كلاهما عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي (6/ 20) عن الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال عمر: إنَّ سمرة بن جندب باع خمراً، قاتل الله سمرة، أَلَم يعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله .. الحديث.
وقال: كان ينبغي له أن يوليهم بيعها ، فلا يدخل في محظورٍ ، وإن أخذ أثمانها منهم بعد ذلك ، لأنّه لَم يتعاط محرّماً ، ويكون شبيهاً بقصّة بريرة حيث قال " هو عليها صدقةٌ ، ولنا هديّةٌ ".
الثّاني: يجوز أن يكون باع العصير ممّن يتّخذه خمراً، والعصير يسمّى خمراً كما قد يسمّى العنب به ، لأنّه يئول إليه. قاله الخطّابيّ.
قال: ولا يظنّ بسمرة أنّه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها، وإنّما باع العصير.
الثّالث: أن يكون خلَّل الخمر وباعها، وكان عمر يعتقد أنّ ذلك لا يحلّها كما هو قول أكثر العلماء، واعتقد سمرة الجواز كما تأوّله غيره أنّه يحلّ التّخليل، ولا ينحصر الحلّ في تخليلها بنفسها.
قال القرطبيّ تبعاً لابن الجوزيّ: والأشبه الأوّل.
قلت: ولا يتعيّن على الوجه الأوّل أخذها عن الجزية ، بل يحتمل أن تكون حصلت له عن غنيمةٍ أو غيرها.
الرابع: قد أبدى الإسماعيليّ في " المدخل " فيه احتمالاً آخر، وهو أنّ سمرة علم تحريم الخمر ، ولَم يعلم تحريم بيعها ، ولذلك اقتصر عمر على ذمّه دون عقوبته، وهذا هو الظّنّ به.
ولَم أر في شيءٍ من الأخبار ، أنّ سمرة كان والياً لعمر على شيءٍ من أعماله، إلَّا أنّ ابن الجوزيّ أطلق أنّه كان والياً على البصرة لعمر بن الخطّاب.
وهو وهْمٌ ، فإنّما ولي سمرة على البصرة لزيادٍ ، وابنه عبيد الله بن
زيادٍ بعد عُمر بدهرٍ، وولاة البصرة لعمر قد ضُبطوا ، وليس منهم سمرة. ويحتمل: أن يكون بعض أمرائها استعمل سمرة على قبض الجزية.
قوله: (قاتل الله اليهود) قال البخاري: قاتلهم الله لعنهم، {قتل} لعن. {الخراصون} . الكذابون. انتهى
استشهد بأنّ قوله تعالى {قتل الخرّاصون} معناه: لعن ، وهو تفسير ابن عبّاسٍ في قُتل.
وقوله " الخرّاصون: الكذّابون " هو تفسير مجاهدٍ. رواهما الطّبريّ في " تفسيره " عنهما.
وقال الهرويّ: معنى قاتلهم قتلهم، قال: وفاعل أصلها أن يقع الفعل بين اثنين، وربّما جاء من واحدٍ كسافرت وطارقت النّعل.
وقال غيره: معنى قاتلهم عاداهم.
وقال الدّاوديّ: من صار عدوّ الله ، وجب قتله.
وقال البيضاويّ: قاتل: أي عادى أو قتل، وأخرج في صورة المبالغة، أو عبّر عنه بما هو مسبّبٌ عنهم ، فإنّهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله ، ومن حاربه حرب ، ومن قاتله قتل.
قوله: (حرّمت عليهم الشّحوم) أي: أكلها، وإلا فلو حرّم عليهم بيعها لَم يكن لهم حيلةٌ فيما صنعوه من إذابتها.
قوله: (فجملوها) بفتح الجيم والميم. أي: أذابوها، يقال: جمله إذا أذابه، والجميل الشّحم المذاب.
ووجه تشبيه عمر بيع المسلمين الخمر ببيع اليهود المذاب من الشّحم الاشتراك في النّهي عن تناول كلٍّ منهما، لكن ليس كلّ ما حرم تناوله حرم بيعه كالحمر الأهليّة وسباع الطّير، فالظّاهر أنّ اشتراكهما في كون كلٍّ منهما صار بالنّهي عن تناوله نجساً ، هكذا حكاه ابن بطّالٍ عن الطّبريّ. وأقرّه.
وليس بواضحٍ ، بل كلّ ما حرم تناوله حرم بيعه، وتناول الحمر والسّباع وغيرهما ممّا حرّم أكله إنّما يتأتّى بعد ذبحه، وهو بالذّبح يصير ميتةً ، لأنّه لا ذكاة له وإذا صار ميتةً صار نجساً ولَم يجز بيعه.
فالإيراد في الأصل غير واردٍ، هذا قول الجمهور ، وإن خالف في بعضه بعض النّاس.
وأمّا قول بعضهم: الابن إذا ورث جارية أبيه حرُم عليه وطؤها ، وجاز له بيعها وأكل ثمنها.
فأجاب عياضٌ عنه: بأنّه تمويهٌ ، لأنّه لَم يحرم عليه الانتفاع بها مطلقاً ، وإنّما حرم عليه الاستمتاع بها لأمرٍ خارجيٍّ، والانتفاع بها لغيره في الاستمتاع وغيره حلالٌ إذا ملكها، بخلاف الشّحوم فإنّ المقصود منها وهو الأكل كان محرّماً على اليهود في كل حالٍ ، وعلى كل شخصٍ فافترقا.
وفي الحديث لعن العاصي المعين.
ولكن يحتمل: أن يقال إنّ قول عمر " قاتل الله سمرة " لَم يرد به ظاهره ، بل هي كلمةٌ تقولها العرب عند إرادة الزّجر فقالها في حقّه
تغليظاً عليه.
وفيه إقالة ذوي الهيئات زلاتهم ، لأنّ عمر اكتفى بتلك الكلمة عن مزيد عقوبةٍ ونحوها، وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرّم.
وفيه تحريم بيع الخمر. وقد نقل ابن المنذر وغيره في ذلك الإجماع، وشذّ مَن قال يجوز بيعها ، ويجوز بيع العنقود المستحيل باطنه خمراً.
واختلف في عِلَّة ذلك. فقيل: لنجاستها ، وقيل: لأنّه ليس فيها منفعةٌ مباحةٌ مقصودةٌ ، وقيل: للمبالغة في التّنفير عنها.
وفيه أنّ الشّيء إذا حرم عينه حرم ثمنه، وفيه دليلٌ على أنّ بيع المسلم الخمر من الذّمّيّ لا يجوز، وكذا توكيل المسلم الذّمّيّ في بيع الخمر، وأمّا تحريم بيعها على أهل الذّمّة فمبنيٌّ على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع، وفيه استعمال القياس في الأشباه والنّظائر.
واستدل به على تحريم بيع جثّة الكافر إذا قتلناه وأراد الكافر شراءه.
وعلى منع بيع كل محرّمٍ نجسٍ - ولو كان فيه منفعةٌ - كالسّرقين، وأجاز ذلك الكوفيّون.
وذهب بعض المالكيّة: إلى جواز ذلك للمشتري دون البائع لاحتياج المشتري دونه، وتقدّم من حديث جابرٍ (1) بيان الوقت الذي قال فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم هذه المقالة.
وفيه البحث عن الانتفاع بشحم الميتة وإن حرم بيعها، وما يستثنى من تحريم بيع الميتة.
(1) في البيوع برقم (275)