الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
405 -
عن سهل بن سعدٍ الساعديّ رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: رِباط يومٍ في سبيل الله، خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة، خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرّوحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة، خيرٌ من الدنيا وما عليها. (1)
قوله: (رباط يومٍ في سبيل الله) الرّباط بكسر الرّاء وبالموحّدة الخفيفة. ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفّار لحراسة المسلمين منهم.
قال ابن التّين: بشرط أن يكون غير الوطن. قاله ابن حبيب عن مالك.
قلت: وفيه نظرٌ في إطلاقة ، فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدوّ ، ومن ثَمّ اختار كثيرٌ من السّلف سكنى الثّغور ، فبين المرابطة والحراسة عمومٌ وخصوصٌ وجهيٌّ. قال الله تعالى {يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا .. الآية} .
وأشهر التّفاسير، عن الحسن البصريّ وقتادة {اصبروا} على طاعة الله {وصابروا} أعداء الله في الجهاد {ورابطوا} في سبيل الله.
وعن محمّد بن كعبٍ القرظيّ: اصبروا على الطّاعة ، وصابروا
(1) أخرجه البخاري (2641 ، 2735 ، 3078 ، 6052) ومسلم (1881) من طرق عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سهد رضي الله عنه. واللفظ للبخاري.
لانتظار الوعد ، ورابطوا العدوّ ، واتّقوا الله فيما بينكم ، وعن زيد بن أسلم: اصبروا على الجهاد ، وصابروا العدوّ ، ورابطوا الخيل.
قال ابن قتيبة: أصل الرّباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعداداً للقتال. قال الله تعالى {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل} ، وأخرج ذلك ابن أبي حاتمٍ وابن جرير وغيرهما ، وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأوّل.
وفي الموطّأ (1) عن أبي هريرة مرفوعاً " وانتظار الصّلاة فذلكم الرّباط ". وهو في السّنن (2) عن أبي سعيدٍ. وفي " المستدرك " عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوفٍ ، أنّ الآية نزلت في ذلك ، واحتجّ بأنّه لَم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوٌ فيه رباط. انتهى.
وحمل الآية على الأوّل أظهر.
وما احتجّ به أبو سلمة لا حجّة فيه ، ولا سيّما مع ثبوت حديث الباب ، فعلى تقدير تسليم أنّه لَم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رباطٌ، فلا يمنع ذلك من الأمربه والتّرغيب فيه.
ويحتمل: أن يكون المراد كلاً من الأمرين ، أو ما هو أعمّ من ذلك.
(1) وأخرجه مسلم في الصحيح (251) أيضاً
(2)
هكذا أطلق الشارح. ومراده أحد كتب السنن الأربعة لا مجموعها.
والحديث أخرجه ابن ماجه في " السنن "(776) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيّب عن أبي سعيد الخدري.
قال البوصيري في " الزوائد ": رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه. وله شاهد في صحيح مسلم وغيره.
وأمّا التّقييد باليوم وإطلاقه في الآية. فإنّ مطلقها يقيّد بالحديث فإنّه يشعر بأنّ أقل الرّباط يومٌ لسياقه في مقام المبالغة ، وذكره مع موضع سوطٍ يشير إلى ذلك أيضاً.
ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنّسائيّ وابن حبّان: رباط يومٍ أو ليلة خير من صيام شهر وقيامه.
ولأحمد والتّرمذيّ وابن ماجه عن عثمان: رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل.
قال ابن بزيزة: ولا تعارض بينهما ، لأنّه يُحمل على الإعلام بالزّيادة في الثّواب عن الأوّل ، أو باختلاف العاملين.
قلت: أو باختلاف العمل بالنّسبة إلى الكثرة والقلة ، ولا يعارضان حديث الباب أيضاً ، لأنّ صيام شهر وقيامه خيرٌ من الدّنيا وما عليها.
قوله: (خيرٌ من الدنيا وما عليها) في رواية لهما " خير من الدنيا وما فيها " وللبخاري " خيرٌ مما تطلع عليه الشمس وتغرب " وهو المراد بقوله " خير من الدنيا وما فيها ".
قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقاً له في النّفس لكون الدّنيا محسوسة في النّفس مستعظمة في الطّباع فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلَّا فمن المعلوم أنّ جميع ما في الدّنيا لا يساوي ذرّة ممّا في الجنّة.
والثّاني: أنّ المراد أنّ هذا القدر من الثّواب خير من الثّواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدّنيا كلّها لأنفقها في طاعة الله تعالى.
قلت: ويؤيّد هذا الثّاني. ما رواه ابن المبارك في " كتاب الجهاد " من مرسل الحسن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم عبد الله بن رواحة، فتأخّر ليشهد الصّلاة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم. (1)
والحاصل: أنّ المراد تسهيل أمر الدّنيا وتعظيم أمر الجهاد، وأنّ من حصل له من الجنّة قدر سوط يصير كأنّه حصل له أمر أعظم من جميع ما في الدّنيا. فكيف بمن حصل منها أعلى الدّرجات؟.
والنّكتة في ذلك أنّ سبب التّأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدّنيا ، فنبّه هذا المتأخّر أنّ هذا القدر اليسير من الجنّة أفضل من جميع ما في الدّنيا.
قوله: (وموضع سوط أحدكم من الجنة) وللبخاري عن أنس " ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد - يعني سوطه - خير
(1) وأخرجه أحمد (3/ 341) والترمذي (527) والبيهقي (3/ 187) وغيرهم من طريق الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس نحوه.
قال الترمذي: حديثٌ غريبٌ لانعرفه إلَّا من هذا الوجه ، قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لَم يسمع الحكم من مقسم إلَّا ثلاثة أحاديث وعدَّها شعبة ، وليس هذا الحديث فيما عدَّ شعبة.
قال الترمذي: فكان هذا الحديث لَم يسمعه الحكم من مقسم.
قال ابن حجر في " التلخيص "(2/ 66): وفيه حجاج بن أرطاة ، وأعلَّه الترمذي بالانقطاع ، وقال البيهقي: انفرد به الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف. انتهى
من الدنيا وما فيها " ، شكّ من الرّاوي. هل قال قاب أو قيد؟، وهما بمعنىً ، وهو المقدار.
والقاب بتخفيف القاف وآخره موحّدة معناه القدر.
وقيل: القاب ما بين مقبض القوس وسيته.
وقيل: ما بين الوتر والقوس.
وقيل: المراد بالقوس هنا الذّراع الذي يقاس به، وكأنّ المعنى بيان فضل قدر الذّراع من الجنّة.
وكذلك القِيد. بكسر القاف بعدها تحتانيّة ساكنة ثمّ دالٌّ وبالموحّدة بدل الدّال.
وقوله " يعني سوطه " تفسير للقيد غير معروف، ولهذا جزم بعضهم بأنّه تصحيف ، وأنّ الصّواب " قدّ " بكسر القاف وتشديد الدّال. وهو السّوط المتّخذ من الجلد.
قلت: ودعوى الوهم في التّفسير أسهل من دعوى التّصحيف في الأصل ، ولا سيّما ، والقيد بمعنى القاب كما بيّنته.
قوله: (والرّوحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة) الغدوة: بالفتح المرّة الواحدة من الغدوّ. وهو الخروج في أيّ وقت كان من أوّل النّهار إلى انتصافه.
والرّوحة: المرّة الواحدة من الرّواح. وهو الخروج في أيّ وقت كان من زوال الشّمس إلى غروبها.
قوله: (في سبيل الله) أي: الجهاد.