الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس عشر
418 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: أجرى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ضمّر من الخيل، من الْحفياء إلى ثنيّة الوداع، وأجرى ما لَم يضمّر من الثّنيّة إلى مسجد بني زريقٍ. قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
قال سفيان: من الْحفياء إلى ثنيّة الوداع: خمسة أميالٍ أو ستةٌ، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريقٍ: ميلٌ. (1)
قوله: (أجرى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ضمّر من الخيل) ولهما من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل التي قد أضمرت. بضمّ أوّله وسكون الضّاد المعجمة.
والمراد به أن تُعلف الخيل حتّى تسمن وتقوى ، ثمّ يُقلل علفها بقدر القوت ، وتدخل بيتاً وتغشّى بالجلال حتّى تحمى فتعرق ، فإذا جفّ عرقها خفّ لحمها وقويت على الجري.
وقوله فيها " أجرى " وفي الرواية الأخرى " سابق " وهو بمعناه.
تكميل: السَّبْق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر ، وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك.
قوله: (من الْحفياء) بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانيّة ومدّ
(1) أخرجه البخاري (410 ، 2713 ، 1714 ، 2715، 6905) ومسلم (1870) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
وسفيان هو الثوري. وقوله هذا ذكره البخاري دون مسلم.
مكانٌ خارج المدينة من جهةٍ (1). ويجوز القصر.
وحكى الحازميّ تقديم الياء التّحتانيّة على الفاء ، وحكى عياض ضمّ أوّله. وخطّأه.
قوله: (إلى ثنيّة الوداع) الثّنيّة ما ارتفع في الأرض.
وقيل: الطّريق في الجبل.
وأخرج البخاري عن السّائب بن يزيد ، قال: أذكر أنّي خرجت مع الصّبيان نتلقّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ثنيّة الوداع مقدمه من غزوة تبوك.
وأنكر الدّاوديّ هذا وتبعه ابن القيّم ، وقال: ثنيّة الوداع من جهة مكّة لا من جهة تبوك ، بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب.
قال: إلَّا أن يكون هناك ثنيّةٌ أخرى في تلك الجهة.
قلت: لا يمنع كونها من جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشّام من جهتها ، وهذا واضحٌ كما في دخول مكّة من ثنيّةٍ والخروج منها من أخرى ، وينتهي كلاهما إلى طريقٍ واحدةٍ.
وأخرج أبو سعيدٍ في " شرف المصطفى "، وروّيناه في " فوائد الْخِلَعيّ " من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعاً: لَمَّا دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن:
طلع البدر علينا من ثنيّة الوداع
…
وجب الشّكر علينا ما دعا لله داع.
قوله: (إلى مسجد بني زريقٍ) زريق - بتقديم الزّاي - مصغّراً.
ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المُصلِّي فيها،
(1) بياض بالأصل. ووادي الحفياء من الجهة الشمالية الغربية من المدينة النبوية.
ويلتحق به جواز إضافة أعمال البرّ إلى أربابها. وإنّما أورد البخاري التّرجمة بلفظ الاستفهام (1) لينبّه على أنّ فيه احتمالاً.
إذ يحتمل: أن يكون ذلك قد علِمَه النّبيّ صلى الله عليه وسلم. بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه.
ويحتمل: أن يكون ذلك ممّا حدث بعده.
والأوّل أظهر. والجمهور على الجواز.
والمخالف في ذلك إبراهيم النّخعيّ. فيما رواه ابن أبي شيبة عنه ، أنّه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ، ويقول: مصلَّى بني فلان لقوله تعالى {وأنّ المساجد لله} .
وجوابه: أنّ الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك.
قوله: (قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى) في رواية لهما " وأنّ عبد الله بن عمر كان ممّن سابق بها "، وزاد الإسماعيليّ من طريق إسحاق - وهو الأزرق - عن الثّوريّ عن عبيد الله عن نافع في آخره: قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى ، فوثب بي فرسي جداراً.
وأخرجه مسلم من طريق أيّوب عن نافعٍ. وقال فيه: فسبقت النّاس فطفَّفَ بي الفرس مسجد بني زريق. أي: جاوز بي المسجد الذي كان هو الغاية ، وأصل التّطفيف مجاوزة الحدّ.
قوله: (قال سفيان: من الْحفياء إلى ثنيّة الوداع: خمسة أميالٍ أو ستةٌ، ومن ثنيِّة الوداع إلى مسجد بني زريقٍ: ميلٌ) سفيان هو الثّوريّ
(1) بقوله في كتاب الصلاة (باب هل يقال مسجد بني فلانٍ؟)
، وهو موصول بالإسناد المذكور.
وللبخاري عن أبي إسحاق الفزاري ، فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة - وسابق بين الخيل التي لَم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع ، وكان أمدها مسجد بني زريق ، قلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه. إلَّا أنّ سفيان قال في المسافة التي بين الحفياء والثّنيّة: خمسةٌ أو ستّةٌ ، وقال موسى: ستّةٌ أو سبعةٌ ، وهو اختلافٌ قريبٌ ، وقال سفيان في المسافة الثّانية: ميل أو نحوه.
وقد وقع في رواية التّرمذيّ من طريق عبيد الله بن عمر. إدراج ذلك في نفس الخبر والخبر " بالسّتّة وبالميل "
والأمد الغاية ، قال البخاري: وقوله أمداً: غاية. {فطال عليهم الأمد} وهو تفسيرُ أبي عبيدة في " المجاز " وهو متّفقٌ عليه عند أهل اللّغة.
قال النّابغة: سَبْق الجواد إذا استولى على الأَمَد. (1)
وفي الحديث مشروعيّة المسابقة ، وأنّه ليس من العبث بل من الرّياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة ، وهي دائرةٌ بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك.
قال القرطبيّ: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدّوابّ وعلى الأقدام ، وكذا التّرامي بالسّهام واستعمال الأسلحة لِمَا
(1) وصدر البيت
…
إلَّا لمِثْلِكَ أَو مَن أَنت سابِقُه
…
اللسان (14/ 414)
في ذلك من التّدريب على الحرب.
وفيه جواز إضمار الخيل ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدّة للغزو.
وفيه مشروعيّة الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة ، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به لأنّ قوله " سابق " أي: أمر أو أباح.
تنْبيهٌ: لَم يتعرّض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك ، لكن ترجم التّرمذيّ له " باب المراهنة على الخيل ".
ولعلَّه أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر - المكبّر - عن نافعٍ عن ابن عمر ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن.
وقد أجمع العلماء كما تقدّم على جواز المسابقة بغير عوضٍ.
لكن قصرها مالك والشّافعيّ على الخفّ والحافر والنّصل.
وخصّه بعض العلماء بالخيل.
وأجازه عطاء في كل شيء.
واتّفقوا على جوازها بعوضٍ بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس.
وجوّز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من المتسابقين ، وكذا إذا كان معهما ثالثٌ مُحلِّل ، بشرط أن لا يخرج من عنده شيئاً ليخرج العقد عن صورة القمار ، وهو أن يُخرج كلٌّ منهما سبقاً فمَن غلب أخذَ السّبقين فاتّفقوا على منعه.
ومنهم: من شرط في المُحلِّل أن يكون لا يتحقّق السّبق في مجلس
السّبق. (1)
(1) أخرج أبو داود (2579) وابن ماجه (2876) والإمام أحمد (10557) من حديث أبي هريرة رفعه: من أدخل فرساً بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق، فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين، وهو يأمن أن يسبق، فهو قمار. وسنده ضعيف.
قال أبو داود: رواه معْمرٌ وشُعيْبٌ وعقِيلٌ عن الزهري عن رجال من أهل العلم. وهذا أصح عندنا.
قال في " حاشية الروض "(5/ 353): في كلامه على شروط السبق.
والشرط الرابع. كون العوض معلوماً مباحاً، بلا نزاع، (والخامس) الخروج عن شُبه القمار، فأمَّا من غير المتسابقين فبلا نزاع، ومن أحدهما عند الجمهور، وأما منهما فقيل: إلا بمحلِّل، وأجازه الشيخ وتلميذه وغيرهما من غير محلِّل.
وقال (أي ابن القيم): عدم المحلل أولى، وأقرب إلى العدل، من كون السبق من أحدهما، وأبلغ في تحصيل مقصودِ كلٍ منهما، وهو بيان عجز الآخر، وأكل المال بهذا أكل للمال بحق، وأن هذا العمل للمسلمين مأمور به، وليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة، وأنَّ الميسر والقمار منه لم يحرم بمجرد المخاطرة، بل لأنه أكل للمال بالباطل، أو للمخاطرة المتضمنة له.
فقال في خبر " من أدخل فرساً بين فرسين ": إنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. بل من كلام سعيد بن المسيب، وجوازه بغير محلِّل هو مقتضى المنقول عن أبي عبيدة بن الجراح، وما علمتُ في الصحابة من اشترط المحلِّل، وإنما هو معروف عن سعيد بن المسيب، وعنه تلقاه الناس، ولهذا قال مالك: لا نأخذ بقول سعيد.
وذكر ابن القيم وغيره من الحفاظ: أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال رجل عند جابر بن زيد: إنَّ أصحاب محمد لا يرون بالدخيل بأساً، فقال: هم كانوا أعفَّ من ذلك.
قال ابن القيم: انظر إلى فقه الصحابة وجلالهم، أنهم كانوا أعف من أن يحتاجوا إلى دخيل، ونحن نقول كما قال جابر. وذكر المذاهب.
ثم قال: ونتولى علماء المسلمين، ونتخير من أقوالهم ما وافق الكتاب والسنة، ونزنها بهما، وبهذا أوصانا أئمة الإسلام.
وقال في الخبر على تقدير صحته: الذي يدلُّ عليه لفظه أنه إذا استبق اثنان، وجاء ثالث دخل معهما، فإن كان يتحقق من نفسه سبقهما كان قماراً، لأنه دخل على بصيرة أنه يأكل ما لهما، وإنْ دخل معهما وهو لا يتحقق أن يكون سابقًا، بل يرجو ما يرجوانه، ويخاف ما يخافانه، كان كأحدهما، ولم يكن أكله سبقهما قماراً.
وأما اشتراط الدخيل - الذي هو شريك في الربح، بريء من الخسران - فكالمُحلّل في النكاح، والخبر يدلُّ على جواز حِل السبّق من كل باذل، وإذا كان منهما لم يختص أحدهما ببذل ماله لمن يغلبه، بل كل منهما باذلٌ مبذول له باختيار فهما سواء في البذل والعمل، ويسعد الله بسبقه من شاء من خلقه.
وقال: والعقد المشتمل على الإخراج منهما أحلُّ من العقد الذي انفرد أحدهما فيه بالإخراج. انتهى من الحاشية.
وفيه أنّ المراد بالمسابقة بالخيل كونها مركوبةً لا مجرّد إرسال الفرسين بغيرٍ راكبٍ لقوله في الحديث " وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها ".
كذا استدل به بعضهم. وفيه نظرٌ ، لأنّ الذي لا يشترط الرّكوب لا يمنع صورة الرّكوب.
وإنّما احتجّ الجمهور بأنّ الخيل لا تهتدي بأنفسها لقصد الغاية بغيرٍ راكبٍ ، وربّما نفرت.
وفيه نظرٌ ، لأنّ الاهتداء لا يختصّ بالرّكوب فلو أنّ الفرس كان ماهراً في الجري بحيث لو كان مع كل فرسٍ ساعٍ يهديها إلى الغاية لأمكن.
وفيه جواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيباً لها في غير الحاجة كالإجاعة والإجراء.
وفيه تنزيل الخلق منازلهم ، لأنّه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر ، ولو خلطهما لأتعب غير المضمر.