الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
387 -
عن زهدم بن مضرّبٍ الجرمي، قال: كنا عند أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه فدعا بمائدة وعليها لحم دجاجٍ، فدخل رجلٌ من بني تيم الله، أحمر شبيهٌ بالموالي، فقال له: هلمّ، فتلكّأ، فقال: هلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه. (1)
قوله: (عن زهدم بن مضرّب الجرمي) بفتح الزّاي. هو ابن مضرّب - بضمّ أوّله وبفتح الضّاد المعجمة وتشديد الرّاء المكسورة بعدها موحّدة - والجرميّ - بفتح الجيم - بصريّ ثقة، ليس له في البخاريّ سوى حديثين: هذا الحديث. وقد أخرجه في مواضع له، وحديث آخر. أخرجه عن عمران بن حصينٍ في " المناقب "(2) ، وذكره في مواضع أخرى أيضاً.
قوله: (وعليها لحم دجاجٍ) الدجاج اسم جنس مثلث الدّال، ذكره المنذريّ في الحاشية وابن مالك وغيرهما، ولَم يحك النّوويّ الضّمّ.
والواحدة دجاجة مثلث أيضاً، وقيل: إنّ الضّمّ فيه ضعيف.
قال: الجوهريّ دخلتها الهاء للوحدة مثل الحمامة.
(1) تقدّم تخريجه ضمن الحديث رقم (362) فانظره.
(2)
صحيح البخاري (3450) ومسلم (214) مرفوعاً: خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم .. الحديث.
وأفاد إبراهيم الحربيّ في " غريب الحديث ": أنّ الدّجاج بالكسر اسم للذّكران دون الإناث ، والواحد منها ديك، وبالفتح الإناث دون الذّكران والواحدة دجاجة بالفتح أيضاً.
قال: وسمّي لإسراعه في الإقبال والإدبار. من دجّ يدجّ ، إذا أسرع.
قلت: ودجاجة اسم امرأة - وهي بالفتح فقط - ويسمّى بها الكبّة من الغزل.
قوله: (فدخل رجلٌ من بني تيم الله) هو اسم قبيلةٍ ، يقال لهم أيضاً تيم اللات ، وهم من قضاعة.
قوله: (أحمر شبيهٌ بالموالي) أي: العجم.
قال الدّاوديّ: يعني أنّه من سبي الرّوم.
كذا قال. فإن كان اطّلع على نقلٍ في ذلك ، وإلَّا فلا اختصاص لذلك بالرّوم دون الفرس أو النّبط أو الدّيلم.
وهذا الرّجل. هو زهدم الرّاوي أَبْهَم نفسه، فقد أخرج التّرمذيّ من طريق قتادة عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجاً ، فقال: ادن فكل، فإنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله. مختصراً.
وقد أشكل هذا ، لكونه وصف الرّجل في رواية الباب: بأنّه من بني تيم الله ، وزهدم من بني جرم.
فقال بعض النّاس: الظّاهر أنّهما امتنعا معاً زهدم والرّجل التّيميّ.
وحَمْلُه على دعوى التّعدّد استبعاد أن يكون الشّخص الواحد ينسب
إلى تيم الله وإلى جرم، ولا بُعد في ذلك ، بل قد أخرج أحمد الحديث المذكور عن عبد الله بن الوليد - هو العدنيّ - عن سفيان هو الثّوريّ عن أيّوب عن أبي قلابة فقال في روايته: عن رجلٍ من بني تيم الله ، يقال له زهدم ، قال: كنّا عند أبي موسى، فأتى بلحم دجاج.
فعلى هذا فلعلَّ زهدماً كان تارة ينسب إلى بني جرم ، وتارة إلى بني تيم الله.
وجَرْم قبيلة في قضاعة ، ينسبون إلى جرم بن زبان - بزايٍ وموحّدة ثقيلة - ابن عمران بن الحاف بن قضاعة.
وتيم الله بطن من بني كلب ، وهم قبيلة في قضاعة أيضاً ، ينسبون إلى تيم الله بن رفيدة - براءٍ وفاء مصغّراً - ابن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، فحلوان عمّ جرم.
قال الرّشاطيّ في الأنساب: وكثيراً ما ينسبون الرّجل إلى أعمامه.
قلت: وربّما أبهم الرّجل نفسه كما جاء في عدّة مواضع، فلا بُعد في أن يكون زهدم صاحب القصّة ، والأصل عدم التّعدّد.
وقد أخرج البيهقيّ من طريق الفريابيّ عن الثّوريّ بسنده المذكور إلى زهدم ، قال: رأيت أبا موسى يأكل الدّجاج فدعاني ، فقلت: إنّي رأيته يأكل نتناً، قال: ادنه فكل. فذكر الحديث المرفوع.
ومن طريق الصّعق بن حزن عن مطر الورّاق عن زهدم ، قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل لحم دجاج ، فقال: ادن فكل،
فقلت: إنّي حلفت لا آكله. الحديث، وقد أخرجه موسى عن شيبان بن فرّوخ عن الصّعق ، لكن لَم يسق لفظه، وكذا أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " من وجه آخر عن زهدم نحوه وقال فيه. فقال لي: ادن فكل، فقلت: إنّي لا أريده. الحديث.
فهذه عدّة طرق صرّح زهدم فيها بأنّه صاحب القصّة. فهو المعتمد.
ولا يعكّر عليه إلَّا ما وقع في الصّحيحين ممّا ظاهره المغايرة بين زهدم والممتنع من أكل الدّجاج، ففي رواية عن زهدم: كنّا عند أبي موسى ، فدخل رجلٌ من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي. فقال: هلمّ، فتلكّأ .. الحديث.
فإنّ ظاهره أنّ الدّاخل دخل وزهدم جالس عند أبي موسى، لكن يجوز أن يكون مراد زهدم بقوله " كنّا " قومه الذين دخلوا قبله على أبي موسى، وهذا مجاز قد استعمل غيرُه مثلَه كقول ثابت البنانيّ: خطبنا عمران بن حصينٍ. أي: خطب أهل البصرة، ولَم يدرك ثابتٌ خطبةَ عمران المذكورة.
فيحتمل: أن يكون زهدم دخل فجرى له ما ذكر، وغاية ما فيه أنّه أبهم نفسه، ولا عجب فيه. والله أعلم
قوله: (هلمّ، فتلكّأ) بمثنّاةٍ ولامٍ مفتوحتين وتشديدٍ. أي: تمنّع وتوقّف وزنه ومعناه. وللبخاري " فدعاه إليه ، فقال: إنّي رأيته يأكل شيئاً فقذرته ، فحلفت لا آكله فقال: هلمّ ".
وله أيضاً " قال: ادن أخبرك أو أحدّثك " كذا للأكثر ، فعل أمر من الدّنوّ، ووقع عند المستملي والسّرخسيّ " إذاً " بكسر الهمزة وبذالٍ معجمة مع التّنوين حرف نصب.
وعلى الأوّل فقوله " أخبرك " مجزوم، وعلى الثّاني هو منصوب، قوله " فقذرته " بكسر الذّال المعجمة.
وفي رواية أبي عوانة " إنّي رأيتها تأكل قذراً " ، وكأنّه ظنّ أنّها أكثرت من ذلك بحيث صارت جلالة ، فبيّن له أبو موسى أنّها ليست كذلك ، أو أنّه لا يلزم من كون تلك الدّجاجة التي رآها كذلك أن يكون كلّ الدّجاج كذلك.
قوله: (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه) فيه جواز أكل الدّجاج إنسيّه ووحشيّه، وهو بالاتّفاق إلَّا عن بعض المتعمّقين على سبيل الورع، إلَّا أنّ بعضهم استثنى الجلالة وهي ما تأكل الأقذار، وظاهر صنيع أبي موسى أنّه لَم يبال بذلك.
والجلالة. عبارة عن الدّابّة التي تأكل الجلة - بكسر الجيم والتّشديد - وهي البعر.
وادّعى ابن حزم اختصاص الجلالة بذوات الأربع، والمعروف التّعميم.
وقد أخرج ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن ابن عمر ، أنّه كان يحبس الدّجاجة الجلالة ثلاثاً.
القول الأول: قال مالك والليث: لا بأس بأكل الجلالة من
الدّجاج وغيره، وإنّما جاء النّهي عنها للتّقذّر.
وقد ورد النّهي عن أكل الجلالة من طرق:
أصحّها. ما أخرجه التّرمذيّ وصحَّحه وأبو داود والنّسائيّ من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاس ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثّمة، وعن لبن الجلالة، وعن الشّرب من في السّقاء. وهو على شرط البخاريّ في رجاله، إلَّا أنّ أيّوب رواه عن عكرمة ، فقال: عن أبي هريرة.
وأخرجه البيهقيّ والبزّار من وجه آخر عن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة ، وعن شرب ألبانها وأكلها وركوبها. ولابن أبي شيبة بسندٍ حسن عن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها ، أو يشرب لبنها.
ولأبي داود والنّسائيّ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة، وعن الجلالة، عن ركوبها وأكل لحمها. وسنده حسن.
القول الثاني: أطلق الشّافعيّة كراهة أكل الجلالة إذا تغيّر لحمها بأكل النّجاسة، وفي وجه إذا أكثرت من ذلك، ورجّح أكثرهم أنّها كراهة تنزيه، وهو قضيّة صنيع أبي موسى.
ومن حجّتهم: أنّ العلف الطّاهر إذا صار في كرشها تنجّس فلا تتغذّى إلَّا بالنّجاسة، ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنّجاسة. فكذلك هذا.
وتعقّب: بأنّ العلف الطّاهر إذا تنجّس بالمجاورة جاز إطعامه للدّابّة ، لأنّها إذا أكلته لا تتغذّى بالنّجاسة وإنّما تتغذّى بالعلف، بخلاف الجلالة.
القول الثالث: ذهب جماعة من الشّافعيّة ، وهو قول الحنابلة إلى أنّ النّهي للتّحريم، وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء، وهو الذي صحَّحه أبو إسحاق المروزيّ والقفّال وإمام الحرمين والبغويّ والغزاليّ. وألحقوا بلبنها ولحمها بيضَها.
وفي معنى الجلالة ما يتغذّى بالنّجس كالشّاة ترضع من كلبة، والمعتبر في جواز أكل الجلالة زوال رائحة النّجاسة بعد أن تعلف بالشّيء الطّاهر على الصّحيح.
وجاء عن السّلف فيه توقيت. فعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر ، أنّه كان يحبس الدّجاجة الجلالة ثلاثاً. كما تقدّم.
وأخرج البيهقيّ بسندٍ فيه نظر عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً ، أنّها لا تؤكل حتّى تعلف أربعين يوماً.
وفي الحديث دخول المرء على صديقه في حال أكله، واستدناء صاحب الطّعام الدّاخل وعرضه الطّعام عليه ولو كان قليلاً، لأنّ اجتماع الجماعة على الطّعام سبب للبركة فيه.