الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العشرون
423 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميّةً، ويقاتل رياءً، أيّ ذلك في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله. (1)
قوله: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل) وللبخاري من رواية سليمان بن حرب عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل " جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل ". ولهما من رواية غندر عن شعبة " قال أعرابي ".
وهذا يدلّ على وهْم ما وقع عند الطّبرانيّ من وجه آخر عن أبي موسى ، أنّه قال: يا رسولَ الله. فذكره، فإنّ أبا موسى - وإن جاز أن يُبهم نفسه - لكن لا يصفها بكونه أعرابيّاً.
وهذا الأعرابيّ يصلح أن يُفسَّر بلاحق بن ضميرة، وحديثه عند أبي موسى المدينيّ في " الصّحابة " من طريق عفير بن معدان. سمعت لاحق بن ضميرة الباهليّ ، قال: وفدت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألته عن الرّجل يلتمس الأجر والذّكر؟. فقال: لا شيء له. الحديث، وفي إسناده ضعف.
(1) أخرجه البخاري (123 ، 2655، 2958، 7020) ومسلم (1904) من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي موسى.
وروّينا في " فوائد أبي بكر بن أبي الحديد " بإسنادٍ ضعيف عن معاذ بن جبل أنّه قال: يا رسولَ الله كلّ بني سلمة يقاتل فمنهم من يقاتل رياء .. الحديث.
فلو صحّ لاحتمل أن يكون معاذ أيضاً سأل عمّا سأل عنه الأعرابيّ، لأنّ سؤال معاذ خاصّ وسؤال الأعرابيّ عامّ، ومعاذ أيضاً لا يقال له أعرابيّ. فيحمل على التّعدّد (1)
قوله: (عن الرجل يقاتل شجاعةً) في رواية منصور عن أبي وائل في الصحيحين " فقال: ما القتال في سبيل الله؟ فإنّ أحدنا يقاتل ". وفي رواية شعبة عن عمرو " الرّجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ".
أي: ليذكر بين النّاس ، ويشتهر بالشّجاعة ، وهي رواية الباب حيث قال " ويقاتل شجاعة ".
قوله: (ويقاتل حَميَّةً) أي: لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب، وزاد في رواية منصور " ويقاتل غضباً " أي: لأجل حظّ نفسه.
ويحتمل: أن يفسّر القتال للحميّة بدفع المضرّة، والقتال غضباً بجلب المنفعة.
قوله: (ويقاتل رياءً) في رواية لهما " والرّجل يقاتل ليُرى مكانه "
(1) ويقوِّيه رواية مسلم (1904) قال أبو موسى: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، الرجل يقاتل منا شجاعة
…
"
فمرجعه إلى السّمعة ، ومرجع رواية الباب إلى الرّياء ، وكلاهما مذموم.
فالحاصل من رواياتهم. أنّ القتال يقع بسبب خمسة أشياء:
طلب المغنم، وإظهار الشّجاعة، والرّياء، والحميّة، والغضب، وكلّ منها يتناوله المدح والذّمّ، فلهذا لَم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنّفي.
قوله: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله) أي: كلمة توحيد الله ، وهي المراد بقوله تعالى {قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} الآية.
ويحتمل: أن يكون المراد بالكلمة القضيّة ، قال الرّاغب: كلّ قضيّة تسمّى كلمة ، سواء كانت قولاً أو فعلاً ، والمراد هنا حكمه وشرعه ، والمراد دعوة الله إلى الإسلام.
ويحتمل: أن يكون المراد ، أنّه لا يكون في سبيل الله إلَّا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط ، بمعنى أنّه لو أضاف إلى ذلك سبباً من الأسباب المذكورة أخلَّ بذلك.
ويحتمل: أن لا يخلّ إذا حصل ضمناً لا أصلاً ومقصوداً.
وبذلك صرّح الطّبريّ فقال: إذا كان أصل الباعث هو الأوّل لا يضرّه ما عرض له بعد ذلك، وبذلك قال الجمهور.
لكن روى أبو داود والنّسائيّ من حديث أبي أُمامة بإسنادٍ جيّد قال: جاء رجل فقال: يا رسولَ الله: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر
والذّكر مالَه؟ قال: لا شيء له، فأعادها ثلاثاً كلّ ذلك يقول: لا شيء له، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لا يقبل من العمل إلَّا ما كان له خالصاً. وابتغي به وجهه.
ويمكن أن يُحمل هذا على من قصدَ الأمرين معاً على حدّ واحد فلا يخالف المرجّح أوّلاً، فتصير المراتب خمساً:
أن يقصد الشّيئين معاً، أو يقصد أحدهما صرفاً أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمناً، فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمناً، وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان، وهذا ما دلَّ عليه حديث أبي موسى.
ودونه أن يقصدهما معاً فهو محذور أيضاً على ما دلَّ عليه حديث أبي أُمامة، والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفاً، وقد يحصل غير الإعلاء وقد لا يحصل ففيه مرتبتان أيضاً.
قال ابن أبي جمرة: ذهب المحقّقون إلى أنّه إذا كان الباعث الأوّل قصد إعلاء كلمة الله لَم يضرّه ما انضاف إليه. انتهى
ويدلّ على أنّ دخول غير الإعلاء ضمناً لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصليّ ، ما رواه أبو داود بإسنادٍ حسن عن عبد الله بن حوالة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولَم نغنم شيئاً، فقال: اللهمّ لا تكِلْهم إلى .. الحديث.
وفي إجابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، لأنّه لو أجابه بأنّ جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل
أن يكون ما عدا ذلك كلّه في سبيل الله وليس كذلك، فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهيّة القتال إلى حال المقاتل فتضمّن الجواب وزيادة.
ويحتمل: أن يكون الضّمير في قوله " فهو " راجعاً إلى القتال الذي في ضمن قاتل ، أي: فقتاله قتال في سبيل الله، واشتمل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه وطلب ثوابه وطلب دحض أعدائه. وكلّها متلازمة.
والحاصل ممّا ذكر. أنّ القتال منشؤه القوّة العقليّة والقوّة الغضبيّة والقوّة الشّهوانيّة، ولا يكون في سبيل الله إلَّا الأوّل.
وقال ابن بطّال: إنّما عدل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن لفظ جواب السّائل ، لأنّ الغضب والحميّة قد يكونان لله. فعدلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد دفع الإلباس وزيادة الإفهام.
وفيه بيان أنّ الأعمال إنّما تحتسب بالنّيّة الصّالحة، وأنّ الفضل الذي ورد في المجاهد يختصّ بمن ذكر.
وفيه جواز السّؤال عن العلة، وفيه ذمّ الحرص على الدّنيا وعلى القتال لحظّ النّفس في غير الطّاعة.
تكميل: زاد الشيخان " فرفع رأسه إليه، وما رفع رأسه إليه إلَّا أنه كان قائماً، فقال: من قاتل .. "
فيه أنّ العالم الجالس إذا سأله شخصٌ قائمٌ لا يعدّ من باب من أحبّ أن يتمثّل له الرّجال قياماً. بل هذا جائز، بشرط الأمن من
الإعجاب. قاله ابن المنير.
وظاهره أنّ القائل هو أبو موسى، ويحتمل: أن يكون من دونه فيكون مدرجاً في أثناء الخبر.