الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
413 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً إلى نجدٍ، فخرجت فيها، فأصَبْنا إبلاً وغنماً، فبلغتْ سُهمانُنا اثني عشر بعيراً، ونفّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً. (1)
قوله: (بعث سريّةً إلى نجدٍ) في رواية لهما " قِبل نجد " قبل بكسر القاف وفتح الموحّدة. أي: في جهة نجد، هكذا ذكرها البخاري بعد غزوة الطّائف.
والذي ذكره أهل المغازي: أنّها كانت قبل التّوجّه لفتح مكّة.
فقال ابن سعد: كانت في شعبان سنة ثمان. وذكر غيره ، أنّها كانت قبل مؤتة، ومؤتة كانت في جمادى من السّنة.
وقيل: كانت في رمضان. قالوا: وكان أبو قتادة أميرها، وكانوا خمسة وعشرين، وغنموا من غطفان بأرض محارب مائتي بعير وألفي شاة.
والسّريّة: بفتح المهملة وكسر الرّاء وتشديد التّحتانيّة هي التي تخرج بالليل، والسّارية التي تخرج بالنّهار.
وقيل: سُمِّيت بذلك لأنّها تخفي ذهابها. وهذا يقتضي أنّها أخذت من السّرّ ، ولا يصحّ لاختلاف المادّة.
(1) أخرجه البخاري (2965 ، 4083) ومسلم (1749) من طرق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
وهي قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له: منسر بالنّون والمهملة، فإن زاد على الثّمانمائة سُمِّي: جيشاً، وما بينهما يسمّى: هبطة، فإن زاد على أربعة آلاف يسمّى: جحفلاً، فإن زاد فجيش جرّار، والخميس الجيش العظيم.
وما افترق من السّريّة يسمّى بعثاً، فالعشرة فما بعدها تسمّى حفيرة، والأربعون عصبة، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون ثمّ موحّدة، فإن زاد سُمِّي جمرة بالجيم، والكتيبة: ما اجتمع ولَم ينتشر.
قوله: (فأصبنا إبلاً وغنماً) ولهما من رواية مالك عن نافع " فغنموا إبلاً كثيرةً ".
قوله: (فبلغت سهماننا) في رواية مالك " فكانت سهمانهم " أي: أنصباؤهم، والمراد أنّه بلغ نصيب كل واحدٍ منهم هذا القدر.
وتوهّم بعضهم أنّ ذلك جميع الأنصباء. قال النّوويّ: وهو غلطٌ.
قوله: (اثني عشر بعيراً ، ونفّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً) في رواية مالك " فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونُفّلوا بعيراً بعيراً " هكذا رواه مالكٌ بالشّكّ والاختصار وإيهام الذي نفلهم.
وقد وقع بيان ذلك في رواية ابن إسحاق من نافعٍ عند أبي داود ولفظه " فخرجتُ فيها فأصبنا نعماً كثيراً. وأعطانا أميرنا بعيراً بعيراً لكل إنسانٍ، ثمّ قدِمنا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا. فأصاب كلَّ
رجلٍ منّا اثنا عشر بعيراً بعد الخمس ".
وأخرجه أبو داود أيضاً من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافعٍ. ولفظه " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيشٍ قِبَل نجدٍ وأتبعت سريّةً من الجيش، وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيراً اثني عشر بعيراً، ونفل أهل السّريّة بعيراً بعيراً، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيراً ثلاثة عشر بعيراً ".
وأخرجه ابن عبد البرّ من هذا الوجه ، وقال في روايته " إنّ ذلك الجيش كان أربعة آلافٍ ".
قال ابن عبد البرّ: اتّفق جماعة رواة الموطّأ على روايته بالشّكّ، إلَّا الوليد بن مسلمٍ فإنّه رواه عن شعيبٍ ومالكٍ جميعاً فلم يشكّ، وكأنّه حمل رواية مالكٍ على رواية شعيبٍ.
قلت: وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبيّ عن مالكٍ والليث (1) بغير شكٍّ، فكأنّه أيضاً حمل رواية مالكٍ على رواية الليث.
قال ابن عبد البرّ: وقال سائر أصحاب نافعٍ " اثني عشر بعيراً " بغير شكٍّ لَم يقع الشّكّ فيه إلَّا من مالكٍ
قوله: (ونفّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً) في رواية مالك " ونفّلوا بعيراً بعيراً " بلفظ الفعل الماضي من غير مسمّىً.
(1) رواية الليث عن نافع. أخرجها مسلم أيضاً كما سيذكرها الشارح بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قِبَل نجد، وفيهم ابن عمر، وأنَّ سهمانهم بلغت اثني عشر بعيراً، ونفلوا سوى ذلك بعيراً، فلم يغيّره رسول الله صلى الله عليه وسلم "
والنّفل زيادةٌ يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة، ومنه نفل الصّلاة. وهو ما عدا الفرض.
واختلف الرّواة في القسْم والتّنفيل ، هل كانا جميعاً من أمير ذلك الجيش ، أو من النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو أحدهما من أحدهما؟.
فرواية ابن إسحاق صريحةٌ أنّ التّنفيل كان من الأمير ، والقسْم من النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وظاهر رواية الليث عن نافعٍ عند مسلمٍ ، أنّ ذلك صدر من أمير الجيش، وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان مقرّراً لذلك. مجيزاً له لأنّه قال فيه: ولَم يغيّره النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضاً " ونفَّلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً " وهذا يمكن أن يُحمل على التّقرير. فتجتمع الرّوايتان.
قال النّوويّ: معناه أنّ أمير السّريّة نفلهم فأجازه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فجازت نسبته لكلٍّ منهما.
وفي الحديث أنّ الجيش إذا انفرد منه قطعةٌ فغنموا شيئاً كانت الغنيمة للجميع. قال ابن عبد البرّ: لا يختلف الفقهاء في ذلك، أي: إذا خرج الجيش جميعه ثمّ انفردت منه قطعةٌ. انتهى
وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام. فإنّه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدوّ.
بل قال ابن دقيق العيد: إنّ الحديث يستدلّ به على أنّ المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه.
قال: وإنّما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريباً منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا. انتهى.
وهذا القيد في مذهب مالكٍ.
وقال إبراهيم النّخعيّ: للإمام أن ينفّل السّريّة جميع ما غنمته دون بقيّة الجيش مطلقاً، وقيل: إنّه انفرد بذلك.
وفيه مشروعيّة التّنفيل، ومعناه تخصيص من له أثرٌ في الحرب بشيءٍ من المال، لكنّه خصّه عمرو بن شعيبٍ بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم دون من بعده.
نعم. وكره مالكٌ أن يكون بشرطٍ من أمير الجيش ، كأن يحرّض على القتال ، ويعِد بأن ينفّل الرّبع إلى الثّلث قبل القسم، واعتلَّ بأنّ القتال حينئذٍ يكون للدّنيا، قال: فلا يجوز مثل هذا. انتهى.
وفي هذا ردٌّ على من حكى الإجماع على مشروعيّته.
وقد اختلف العلماء ، هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو ممّا عدا الخمس؟. على أقوالٍ.
والثّلاثة الأُوَل مذهب الشّافعيّ ، والأصحّ عندهم أنّها من خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيدٍ عن مالكٍ. وهو شاذٌّ عندهم.
قال ابن بطّالٍ: وحديث الباب يردّ على هذا ، لأنّهم نفّلوا نصف السّدس وهو أكثر من خمس الخمس. وهذا واضحٌ.
وقد زاده ابن المنير إيضاحاً فقال: لو فرضنا أنّهم كانوا مائةً لكان قد حصل لهم ألفٌ ومائتا بعيرٍ. ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعيرٍ وخمسها ستّون، وقد نطق الحديث " بأنّهم نفّلوا بعيراً بعيراً "
فتكون جملة ما نفّلوا مائة بعيرٍ، وإذا كان خمس الخمس ستّين لَم يف كلّه ببعيرٍ بعيرٍ لكلٍّ من المائة، وهكذا كيفما فرضت العدد.
قال: وقد ألْجَأَ هذا الإلزام بعضهم فادّعى أنّ جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيراً ، فقيل له: فيكون خمسها ثلاثة أبعرةٍ فيلزم أن تكون السّريّة كلّها ثلاثة رجالٍ كذا قيل.
قال ابن المنير: وهو سهوٌ على التّفريغ المذكور، بل يلزم أن يكون أقل من رجلٍ بناءً على أنّ النّفل من خمس الخمس.
وقال ابن التّين: قد انفصل مَن قال من الشّافعيّة بأنّ النّفل من خمس الخمس بأوجهٍ:
الأول: أنّ الغنيمة لَم تكن كلّها أبعرةً ، بل كان فيها أصنافٌ أخرى، فيكون التّنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعضٍ.
ثانيها: أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها ، فضمّ هذا إلى هذا ، فلذلك زادت العدّة.
ثالثها: أن يكون نَفَّل بعض الجيش دون بعضٍ.
قال: وظاهر السّياق يردّ هذه الاحتمالات.
قال: وقد جاء أنّهم كانوا عشرةً، وأنّهم غنموا مائةً وخمسين بعيراً فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسّم عليهم البقيّة. فحصل لكل واحدٍ اثنا عشر بعيراً ثمّ نفّلوا بعيراً بعيراً ، فعلى هذا فقد نفّلوا ثلث الخمس.
قلت: إن ثبت هذا. لَم يكن فيه ردٌّ للاحتمال الأخير ، لأنّه يحتمل
أن يكون الذين نفّلوا ستّةً من العشرة. والله أعلم.
قال الأوزاعيّ وأحمد وأبو ثورٍ وغيرهم: النّفل من أصل الغنيمة.
وقال مالكٌ وطائفةٌ: لا نفل إلَّا من الخمس.
وقال الخطّابيّ: أكثر ما روي من الأخبار يدلّ على أنّ النّفل من أصل الغنيمة ، والذي يقرب من حديث الباب أنّه كان من الخمس لأنّه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم، فكأنّه أشار إلى أنّ ذلك قد تقرّر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزّعة عليهم فيبقى للنّفل من الخمس.
قلت: ويؤيّده ما رواه مسلمٌ في حديث الباب من طريق الزّهريّ ، قال: بلغني عن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّةً بعثها قِبَل نجدٍ من إبلٍ جاءوا بها نفلاً سوى نصيبهم من المغنم. لَم يسق مسلمٌ لفظه ، وساقه الطّحاويّ.
ويؤيّده أيضاً ما رواه مالكٌ عن عبد ربّه بن سعيدٍ عن عمرو بن شعيبٍ ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلَّا الخمس، وهو مردودٌ عليكم. وصله النّسائيّ من وجهٍ آخر حسنٍ عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه.
وأخرجه أيضاً بإسنادٍ حسنٍ من حديث عبادة بن الصّامت ، فإنّه يدلّ على أنّ ما سوى الخمس للمقاتلة.
وروى مالكٌ أيضاً عن أبي الزّناد ، أنّه سمع سعيد بن المسيّب قال: كان النّاس يعطون النّفل من الخمس.
قلت: وظاهره اتّفاق الصّحابة على ذلك.
وقال ابن عبد البرّ: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنىً فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعةٌ فأراد أن ينفّلها ممّا غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثّلث. انتهى.
وهذا الشّرط. قال به الجمهور.
وقال الشّافعيّ: لا يتحدّد، بل هو راجعٌ إلى ما يراه الإمام من المصلحة، ويدلّ له قوله تعالى {قل الأنفال لله والرّسول} ففوّض إليه أمرها، والله أعلم.
وقال الأوزاعيّ: لا ينفّل من أوّل الغنيمة، ولا ينفّل ذهباً ولا فضّةً.
وخالفه الجمهور. وحديث الباب من رواية ابن إسحاق يدلّ لِمَا قالوا.
واستدل به على تعيّن قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها، وفيه نظرٌ. لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتّفاقاً أو بياناً للجواز. وعند المالكيّة فيه أقوالٌ ثالثها التّخيير.
وفيه أنّ أمير الجيش إذا فعل مصلحةً لَم ينقضها الإمام.