الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعمة
الحديث الأول
379 -
عن النّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: إنّ الحلال بيّنٌ، وإنّ الحرام بيّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأَ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أنْ يرتعَ فيه، أَلَا وإنَّ لكل ملكٍ حمىً، أَلا وإنَّ حمى الله محارمُه، أَلَا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صلحتْ صلح الجسد كلّه، وإذا فسدتْ فسد الجسد كلّه، أَلا وهي القلب. (1)
قوله: (النعمان بن بشير). ولأبي عوانة في " صحيحه " من طريق أبي حريز - وهو بفتح الحاء المهملة وآخره زاي - عن الشّعبيّ ، أنّ النّعمان بن بشير خطب به بالكوفة ، وقد دخل النّعمان الكوفة وولي إِمْرتها ، وفي رواية لمسلمٍ ، أنّه خطب به بحمص.
ويجمع بينهما: بأنّه سمع منه مرّتين، فإنّه ولي إمرة البلدين واحدة بعد أخرى.
قوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، وأهوى النعمان بإصبعيه إلى
(1) أخرجه البخاري (52 ، 1946) ومسلم (1559) من طريق زكرياء عن الشعبي عن النعمان رضي الله عنه. واللفظ لمسلم.
وأخرجه مسلم (1559) من طرق أخرى عن الشعبي نحوه.
أذنيه) زادها مسلم والإسماعيلي من طريق زكريا.
وفي هذا ردّ لقول الواقديّ ومن تبعه: إنّ النّعمان لا يصحّ سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على صحّة تحمّل الصّبيّ المميّز ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مات وللنّعمان ثمان سنين، وزكريّاء موصوف بالتّدليس ، ولَم أره في الصّحيحين وغيرهما من روايته عن الشّعبيّ إلَّا معنعناً.
ثمّ وجدته في " فوائد ابن أبي الهيثم " من طريق يزيد بن هارون عن زكريّاء حدّثنا الشّعبيّ، فحصل الأمن من تدليسه.
تكمِلةٌ: توارد أكثر الأئمّة المخرّجين له على إيراده في كتاب البيوع ، لأنّ الشّبهة في المعاملات تقع فيها كثيراً، وله تعلّقٌ أيضاً بالنّكاح وبالصّيد والذّبائح والأطعمة والأشربة وغير ذلك ممّا لا يخفى. والله المستعان.
فائدة: ادّعى أبو عمرو الدّانيّ: أنّ هذا الحديث لَم يروه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم غير النّعمان بن بشير.
فإن أراد من وجه صحيح فمُسلَّمٌ، وإلَّا فقد روّيناه من حديث ابن عمر وعمّار في " الأوسط " للطّبرانيّ، ومن حديث ابن عبّاس في " الكبير " له، ومن حديث واثلة في " التّرغيب " للأصبهانيّ، وفي أسانيدها مقال.
وادّعى أيضاً أنّه لَم يروه عن النّعمان غير الشّعبيّ.
وليس كما قال، فقد رواه عن النّعمان أيضاً خيثمة بن عبد الرّحمن
عند أحمد وغيره، وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره، وسماك بن حرب عند الطّبرانيّ.
لكنّه مشهور عن الشّعبيّ. رواه عنه جمع جمٌّ من الكوفيّين، ورواه عنه من البصريّين عبد الله بن عون، وقد ساق البخاريّ إسناده في البيوع. ولَم يسق لفظه ، فأخرجه أبو داود والنّسائيّ وغيرهما بلفظ " إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات - وأحياناً يقول: مشتبهةٌ - وسأضرب لكم في ذلك مثلاً: إنّ الله حمى حمىً، وإنّ حمى الله ما حرّم، وأنّه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وأنّه من يخالط الرّيبة يوشك أن يجسر ".
قوله: (الحلال بيّن والحرام بيّن) أي: في عينهما ووصفهما بأدلتهما الظّاهرة.
وفيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء، وهو صحيح:
الأوّل: أنّ الشّيء إمّا أن ينصّ على طلبه مع الوعيد على تركه، فهو الحلال البيّن.
الثّاني: أن ينصّ على تركه مع الوعيد على فعله، فهو الحرام البيّن. فمعنى قوله " الحلال بيّن " أي لا يحتاج إلى بيانه ، ويشترك في معرفته كلّ أحدٍ.
الثالث: أن لا ينصّ على واحدٍ منهما ، فهو مشتبهٌ لخفائه فلا يدرى هل هو حلال أو حرام، وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه ، لأنّه إن كان في نفس الأمر حراماً فقد برئ من تبعتها ، وإن كان حلالاً فقد
أجر على تركها بهذا القصد ، لأنّ الأصل في الأشياء مختلفٌ فيه حظراً وإباحةً.
والأوّلان قد يردان جميعاً ، فإن علم المتأخّر منهما ، وإلا فهو من حيّز القسم الثّالث.
قوله: (وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ) بوزن مفتعلات بتاءٍ مفتوحة وعين خفيفة مكسورة ، والمعنى أنّها موحّدة اكتسبت الشّبه من وجهين متعارضين.
وللبخاري " وبينهما مشبّهات " بوزن مفعّلات بتشديد العين المفتوحة ، وهي رواية مسلم، أي: شبّهت بغيرها ممّا لَم يتبيّن به حكمها على التّعيين.
ورواه الدّارميّ عن أبي نعيمٍ - شيخ البخاريّ فيه - عن زكريّاء بلفظ " وبينهما متشابهات ".
قوله: (لا يعلمهنّ كثير من النّاس) أي: لا يعلم حكمها.
وجاء واضحاً في رواية التّرمذيّ بلفظ " لا يدري كثيرٌ من النّاس أمن الحلال هي أم من الحرام ".
ومفهوم قوله " كثير " أنّ معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من النّاس وهم المجتهدون، فالشّبهات على هذا في حقّ غيرهم، وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدّليلين.
قوله: (فمن اتّقى الشّبهات) بالضّمّ جمع شبهة. أي: حذر منها كذا عند مسلم والإسماعيليّ " الشّبهات " وللبخاري " المشبّهات "
والاختلاف في لفظها بين الرّواة نظير التي قبلها.
قوله: (استبرأ) بالهمز بوزن استفعل من البراءة، أي: برّأ دينه من النّقص وعرضه من الطّعن فيه؛ لأنّ من لَم يعرف باجتناب الشّبهات لَم يسلم لقول من يطعن فيه.
وفيه دليل على أنّ من لَم يتوقّ الشّبهة في كسبه ومعاشه فقد عرّض نفسه للطّعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدّين ومراعاة المروءة.
قوله: (ومن وقع في الشّبهات) فيها أيضاً ما تقدّم من اختلاف الرّواة.
واختلف في حكم الشّبهات.
فقيل: التّحريم، وهو مردود. وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف. وهو كالخلاف فيما قبل الشّرع.
وحاصل ما فسّر به العلماء الشّبهات أربعة أشياء:
أحدها: تعارض الأدلة كما تقدّم.
ثانيها: اختلاف العلماء ، وهي منتزعة من الأولى.
ثالثها: أنّ المراد بها مسمّى المكروه ، لأنّه يجتذبه جانبا الفعل والتّرك.
رابعها: أنّ المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطّرفين من كلّ وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى، بأن يكون متساوي الطّرفين باعتبار ذاته، راجح
الفعل أو التّرك باعتبار أمر خارج.
ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القبّاريّ (1) عنه ، أنّه كان يقول: المكروه عَقَبةٌ بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرّق إلى الحرام، والمباح عَقَبةٌ بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرّق إلى المكروه.
وهو منزعٌ حسنٌ.
ويؤيّده رواية ابن حبّان من طريقٍ ذكَرَ مُسلمٌ إسنادها ، ولَم يسق لفظها ، فيها من الزّيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه.
والمعنى أنّ الحلال حيث يخشى أن يئول فعله مطلقاً إلى مكروه أو محرّم ينبغي اجتنابه، كالإكثار مثلاً من الطّيّبات، فإنّه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحقّ أو يفضي إلى بطر النّفس، وأقلّ ما فيه الاشتغال عن مواقف العبوديّة، وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان.
والذي يظهر لي رجحان الوجه الأوّل على ما سأذكره، ولا يبعد أن يكون كلّ من الأوجه مراداً.
ويختلف ذلك باختلاف النّاس: فالعالِم الفطن لا يخفى عليه تمييز
(1) بالفتح وتشديد الموحدة. القدوة الزاهد أحمد أبو القاسم بن منصور الاسكندراني، توفي سنة 662، وقد أسنَّ. تبصير المنتبه (3/ 1153) لابن حجر.
الحكم فلا يقع له ذلك إلَّا في الاستكثار من المباح أو المكروه. كما تقرّر قبل، ودونه تقع له الشّبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال.
ولا يخفى أنّ المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهيّ في الجملة، أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهيّ غير المحرّم على ارتكاب المنهيّ المحرّم إذا كان من جنسه. أو يكون ذلك لشبهةٍ فيه ، وهو أنّ من تعاطى ما نُهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع ، فيقع في الحرام ولو لَم يختر الوقوع فيه.
ووقع عند البخاري من رواية أبي فروة عن الشّعبيّ في هذا الحديث " فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم كان لِما استبان له أترك، ومن اجترأ على ما يشكّ فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان ".
وهذا يرجّح الوجه الأوّل كما أشرت إليه.
وأبو فروة المذكور هو الأكبر. واسمه عروة بن الحارث الهمدانيّ الكوفيّ، ولهم أبو فروة الأصغر الجهنيّ الكوفيّ. واسمه مسلم بن سالمٍ ، ما له في البخاريّ سوى حديث واحدٍ في أحاديث الأنبياء.
تنْبيهٌ: استدل به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي الاستدلال بذلك نظر، إلَّا إن أراد به أنّه مجمل في حقّ بعض دون بعض، أو أراد الرّدّ على منكري القياس فيحتمل ما قال. والله أعلم.
قوله: (وقع في الحرام كالراعي يرعى) وللبخاري " ومن وقع في
الشّبهات كراعٍ يرعى " ، هكذا في جميع نسخ البخاريّ محذوف جواب الشّرط إن أعربت " من " شرطيّة.
وقد ثبت المحذوف في رواية الدّارميّ عن أبي نعيمٍ - شيخ البخاريّ فيه - عن زكريّاء فقال " ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام، كالرّاعي يرعى ".
ويمكن إعراب " مَن " في سياق البخاريّ موصولة فلا يكون فيه حذف، إذ التّقدير والذي وقع في الشّبهات مثل راعٍ يرعى.
والأوّل أولى. لثبوت المحذوف في صحيح مسلم وغيره من طريق زكريّا التي أخرجه منها البخاري، وعلى هذا فقوله " كراعٍ يرعى " جملة مستأنفة وردت على سبيل التّمثيل للتّنبيه بالشّاهد على الغائب ، والحمى المحميّ، أطلق المصدر على اسم المفعول.
وفي اختصاص التّمثيل بذلك نكتة، وهي أنّ ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصّة يتوعّدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشّديدة، فمثّل لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم.
فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبعده أسلم له ولو اشتدّ حذره.
وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه، فلا يأمن أن تنفرد الفاذّة فتقع فيه بغير اختياره، أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه. فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقّاً، وحماه محارمه.
تنْبيهٌ: ادّعى بعضهم أنّ التّمثيل من كلام الشّعبيّ، وأنّه مدرج في الحديث، حكى ذلك أبو عمرو الدّانيّ.
ولَم أقف على دليله إلَّا ما وقع عند ابن الجارود والإسماعيليّ من رواية ابن عون عن الشّعبيّ، قال ابن عون في آخر الحديث: لا أدري المثل من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو من قول الشّعبيّ.
قلت: وتردُّدُ ابنِ عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجاً؛ لأنّ الأثبات قد جزموا باتّصاله ورفعه، فلا يقدح شكّ بعضهم فيه.
وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرّواة - كأبي فروة عن الشّعبيّ - لا يقدح فيمن أثبته؛ لأنّهم حفّاظ. ولعل هذا هو السّرّ في حذف البخاريّ قوله " وقع في الحرام " ليصير ما قبل المثل مرتبطاً به فيسلم من دعوى الإدراج.
وممّا يقوّي عدم الإدراج رواية ابن حبّان الماضية، وكذا ثبوت المثل مرفوعاً في رواية ابن عبّاس وعمّار بن ياسر أيضاً.
قوله: (ألا وإن لكل ملكٍ حِمى، أَلَا وإنَّ حِمى الله محارمه) وللبخاري " ألا وإنّ حمى الله في أرضه ".
والمراد بالمحارم فعل المنهيّ المحرّم أو ترك المأمور الواجب، ولهذا وقع في رواية أبي فروة عن الشعبي عند البخاري التّعبير بالمعاصي بدل المحارم.
وقوله " ألا " للتّنبيه على صحّة ما بعدها، وفي إعادتها وتكريرها دليل على عظم شأن مدلولها.
قوله: (مضغة) أي: قدر ما يمضغ، وعبّر بها هنا عن مقدار القلب في الرّؤية، وسمّي القلب قلباً لتقلّبه في الأمور، أو لأنّه خالص ما في البدن، وخالص كلّ شيء قلبه، أو لأنّه وضع في الجسد مقلوباً.
وقوله: (إذا صلحت .. وإذا فسدت) هو بفتح عينهما وتضمّ في المضارع. وحكى الفرّاء ، الضّمّ في ماضي صلح، وهو يضمّ وفاقاً إذا صار له الصّلاح هيئة لازمة لشرفٍ ونحوه، والتّعبير بإذا لتحقّق الوقوع غالباً، وقد تأتي بمعنى إن كما هنا.
وخصّ القلب بذلك لأنّه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرّعيّة، وبفساده تفسد. وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحثّ على صلاحه، والإشارة إلى أنّ لطيب الكسب أثراً فيه. والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركّبه الله فيه.
ويستدلّ به على أنّ العقل في القلب، ومنه قوله تعالى {فتكون لهم قلوب يعقلون بها} . وقوله تعالى {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} .
قال المفسّرون: أي: عقْل. وعبّر عنه بالقلب لأنّه محلّ استقراره.
فائدة: لَم تقع هذه الزّيادة التي أوّلها " ألا وإنّ في الجسد مضغة " إلَّا في رواية الشّعبيّ، ولا هي في أكثر الرّوايات عن الشّعبيّ، إنّما تفرّد بها في الصّحيحين زكريّا المذكور عنه، وتابعه مجاهد عند أحمد، ومغيرة وغيره عند الطّبرانيّ.
وعبّر في بعض رواياته عن الصّلاح والفساد بالصّحّة والسّقم، ومناسبتها لِما قبلها بالنّظر إلى أنّ الأصل في الاتّقاء والوقوع هو ما كان بالقلب؛ لأنّه عماد البدن.
وقد عظّم العلماء أمر هذا الحديث فعدّوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبى داود، وفيه البيتان المشهوران وهما:
عمدة الدّين عندنا كلمات مـ
…
سندات من قول خير البريّه
اترك المشبهات وازهد ودع
…
ما ليس يعنيك واعملن بنيّه (1)
والمعروف عن أبي داود عدّ " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه .. الحديث "(2) بدل " ازهد فيما في أيدي النّاس "(3) وجعله بعضُهم ثالثَ ثلاثة حذف الثّاني.
وأشار ابن العربيّ: إلى أنّه يمكن أن ينتزع منه وحده جميع الأحكام.
قال القرطبيّ: لأنّه اشتمل على التّفصيل بين الحلال وغيره، وعلى
(1) حديث النية هو حديث عمر المتقدِّم برقم (1).
أمَّا حديث (ودع ما ليس يعنيك) فأخرجه مالك في " الموطأ "(3350) وأحمد (3/ 259) والترمذي (2317) وابن ماجة (3976) وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (6585) ومسلم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً " دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
(3)
أخرجه ابن ماجه (4102) والحاكم (4/ 348) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله دُلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يُحبّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يُحبّك الناس.
تعلّق جميع الأعمال بالقلب، فمن هنا يمكن أن تردّ جميع الأحكام إليه.
وفي الحديث دليلٌ على جواز الجرح والتّعديل. قاله البغويّ في " شرح السّنّة "
واستنبط منه بعضهم منع إطلاق الحلال والحرام على ما لا نصَّ فيه ، لأنّه من جملة ما لَم يستبن. لكنّ قوله صلى الله عليه وسلم: لا يعلمها كثيرٌ من النّاس. يشعر بأنّ منهم من يعلمها.