الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
416 -
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه ، أنّ عبد الرحمن بن عوفٍ، والزبير بن العوام، شكيا القمْلَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ لهما، فرخَّص لهما في قميصِ الحرير، ورأيته عليهما. (1)
قوله: (عبد الرحمن بن عوف) الزُّهري أحد العشرة.
قوله: (والزبير بن العوام) ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، حواريُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وعدد ما بينهما من الآباء سواء، وأمُّه صفية بنت عبد المطلب عمةُ النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يكنى أبا عبد الله، وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين.
قوله: (شكيا القمل) القمل: الحُمنان بضم المهملة وسكون الميم شبة صغار الحلم - بفتح المهملة واللام.
قال أبو عبيدة: القمل عند العرب هو الحمنان ، والحمنان ضرب من القردان واحدتها حمنانة. انتهى
وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند البخاري " من حكّةٍ كانت بهما " ، وكذا قال شعبة في أحد الطّريقين.
(1) أخرجه البخاري (2762 ، 2763 ، 2764 ، 5501) ومسلم (2076) من طرق عن قتادة عن أنس رضي الله عنه. بلفظ " شكوا ".
أما لفظ " شكيا " بالتثنية. فهو عند الترمذي (1722).
وفي رواية همّام عن قتادة عند البخاري في أحد الطّريقين " يعني القمل ".
ورجّح ابن التّين الرّواية التي فيها الحكّة ، وقال: لعلَّ أحدَ الرّواة تأوّلها فأخطأ.
وجمع الدّاوديّ: باحتمال أن يكون إحدى العلّتين بأحد الرّجلين.
وقال ابن العربيّ: قد ورد أنّه أرخص لكلٍّ منهما ، فالإفراد يقتضي أنّ لكلٍّ حكمة.
قلت: ويمكن الجمع بأنّ الحكّة حصلت من القمل فنسبت العلة تارةً إلى السّبب وتارةً إلى سبب السّبب.
ووقع عند البخاري في رواية محمّد بن بشّار عن غندر عن شعبة " رخّص أو أرخص " كذا بالشّكّ ، وقد أخرجه أحمد عن غندر بلفظ " رخصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وكذا قال وكيعٌ عن شعبة. كما في البخاري في كتاب اللباس.
وأمّا تقييده (1) بالحرب. فكأنّه أخذه من قوله في رواية همّامٍ " فرأيته عليهما في غزاة " ، ووقع في رواية أبي داود " في السّفر من حِكّةٍ " وقد ترجم له في اللباس (ما يرخّص للرّجال من الحرير للحكّة) ، ولَم يقيّده بالحرب.
فزعم بعضهم أنّ الحرب في التّرجمة بالجيم وفتح الرّاء.
وليس كما زعم ، لأنّها لا يبقى لها في أبواب الجهاد مناسبةٌ ، ويلزم
(1) أي: البخاري حيث ترجم للحديث في باب الجهاد (باب الحرير في الحرب)
منه إعادة التّرجمة في اللباس ، إذ الحكّة والجرب متقاربان.
وجعل الطّبريُّ جوازَه في الغزو مستنبطاً من جوازه للحكّة.
فقال: دلَّتِ الرّخصة في لبسه بسبب الحكّة أنّ من قصد بلبسه ما هو أعظم من أذى الحكّة كدفع سلاح العدوّ ونحو ذلك فإنّه يجوز.
وقد تبع التّرمذيُّ البخاريَّ فترجم له " باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ".
ثمّ المشهور عن القائلين بالجواز أنّه لا يختصّ بالسّفر ، وعن بعض الشّافعيّة يختصّ. واختاره ابن الصّلاح.
وخصّه النّوويّ في " الرّوضة " مع ذلك بالحكّة ، ونقله الرّافعيّ في القمل أيضاً.
وقال القرطبيّ: الحديث حجّةٌ على من منع ، إلَّا أن يدّعي الخصوصيّة بالزّبير وعبد الرّحمن ، ولا تصحّ تلك الدّعوى.
قلت: قد جنح إلى ذلك عمر رضي الله عنه ، فروى ابن عساكر (1) من طريق ابن عوف عن ابن سيرين ، أنّ عمر رأى على خالد بن الوليد قميصَ حريرٍ ، فقال: ما هذا؟ فذكر له خالد قصّة عبد الرّحمن بن عوف ، فقال: وأنت مثل عبد الرّحمن؟ أو لك مثل ما لعبد الرّحمن؟ ثمّ أمر من حضره فمزّقوه. رجاله ثقاتٌ إلَّا أنّ فيه انقطاعاً.
وقد اختلف السّلف في لباسه.
القول الأول: منع مالكٌ وأبو حنيفة مطلقاً.
(1) هو علي بن الحسن ، سبق ترجمته (1/ 114)
القول الثاني: وقال الشّافعيّ وأبو يوسف بالجواز للضّرورة.
القول الثالث: حكى ابن حبيب عن ابن الماجشون ، أنّه يستحبّ في الحرب.
وقال المُهلَّب: لباسه في الحرب لإرهاب العدوّ ، وهو مثل الرّخصة في الاختيال في الحرب. انتهى
ووقع في كلام النّوويّ تبعاً لغيره ، أنّ الحكمة في لبس الحرير للحكّة لِمَا فيه من البرودة.
وتعقّب: بأنّ الحرير حارٌّ ، فالصّواب أنّ الحكّة فيه لخاصّةٍ فيه لدفعٍ ما تنشأ عنه الحكّة كالقمل. والله أعلم.
تنْبيهٌ: وقع في " الوسيط للغزاليّ ": أنّ الذي رخّص له في لبس الحرير حمزة بن عبد المطلب، وغلَّطوه.