الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
383 -
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ، قال: أصابتْنا مجاعةٌ ليالي خيبر، فلمَّا كان يوم خيبر، وقعنا في الْحُمر الأهلية فانتحرناها، فلمَّا غلتْ بِها القدور، نادى منادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أكفئوا القدور، وربَّما قال: ولا تأكلوا من لحوم الْحمر الأهليّة شيئاً. (1)
الحديث السادس
384 -
عن أبي ثعلبة الْخُشنيّ رضي الله عنه، قال: حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهليّة. (2)
قوله: (عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه) اسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي. شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة.
وعُمِّر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة ، وذلك سنة سبع وثمانين. (3)
(1) أخرجه البخاري (2986) ومسلم (1937) من طرق عن سليمان الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (5206) ومسلم (1936) من طريق ابن شهاب الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة رضي الله عنه.
(3)
قال الشارح في " الفتح "(7/ 5): وضبَطَ أهلُ الحديث آخرَ من مات من الصحابة – وهو على الإطلاق - أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه ، وكان موته سنة مائة ، وقيل: سنة سبع ومائة ، وقيل: سنة عشر ومائة. وهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر: على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحدٌ.
قوله: (وقعنا في الحمر الأهلية، فانتحرناها) ذكر الواقديّ. أنّ عدّة الْحُمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين. كذا رواه بالشّكّ.
قوله: (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقع عند مسلم عن أنس ، أنّ الذي نادى بذلك هو أبو طلحة. وعزاه النّوويّ لرواية أبي يعلى. فنُسب إلى التّقصير.
ووقع عند مسلم أيضاً " أنّ بلالاً نادى بذلك " ، ووقع عند النّسائيّ عن أبي ثعلبة فيه قصّة ، ولفظه: غزونا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر والنّاس جياع، فوجدوا حمراً إنسيّة ، فذبحوا منها، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الرّحمن بن عوف فنادى: ألا إنّ لحوم الحمر الإنسيّة لا تحلّ.
ولعلَّ عبد الرّحمن نادى أوّلاً بالنّهي مطلقاً، ثمّ نادى أبو طلحة وبلال بزيادةٍ على ذلك ، وهو قوله " فإنّها رجس، فأكفئت القدور وإنّها لتفور باللحم ".
ووقع في الشّرح الكبير للرّافعيّ: أنّ المنادي بذلك خالد بن الوليد. وهو غلط ، فإنّه لَم يشهد خيبر ، وإنّما أسلم بعد فتحها.
قوله: (ولا تأكلوا من لحوم الْحُمر الأهليّة شيئاً) زاد الشيخان: قال ابن أبي أوفى: فتحدّثنا أنّه إنّما نهى عنها ، لأنّها لَم تُخمّس، وقال بعضهم: نهى عنها البتّة ، لأنّها كانت تأكل العذرة. (1).
وفيه اختلافهم في سبب النّهي ، هل هو لكونها لَم تخمّس ، أو
(1) تقدّم في حديث جابر رضي الله عنه الماضي كلام الشارح عن هذه العلل ، وعن حكم أكل الحمر الأهليّة. فراجعه.
لتحريم الحمر الأهليّة؟.
وفي الحديث إشعار بأنّ عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات وانطلاق الأيدي فيها. ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد ظهر أنّه لَم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر إلَّا لأنّها لَم تُخمّس.
وأمّا حديث ثعلبة بن الحكم قال: أصبْنا يوم خيبر غنماً .. فذكر الأمر بإكفائها. وفيه: فإنّها لا تحلّ النّهبة. (1)
قال ابن المنذر: إنّما كان ذلك لأجل ما وقع من النّهبة، لأنّ أكل نَعَم أهل الحرب غير جائز.
ومن أحاديث الباب. حديث عبد الله بن أبي أوفى أيضاً: أصبنا طعاماً يوم خيبر، فكان الرّجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ، ثمّ ينصرف. أخرجه أبو داود والحاكم والطّحاويّ. ولفظه " فيأخذ منه حاجته ".
وللبخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنّا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه.
قوله " ولا نرفعه " أي: ولا نحمله على سبيل الادّخار.
ويحتمل: أن يريد ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة. أو إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا نستأذنه في أكله ، اكتفاءً بما سبق منه من الإذن.
(1) أخرجه ابن ماجه (3938) والطيالسي رقم (1195) وأحمد (5/ 367) والطبراني في " الكبير "(1371 - 1380) من طرق عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم رضي الله عنه به. وصحَّحه ابن حبان (1679) والحاكم (2/ 134)
والجمهور. على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به ، وكلّ طعام يعتاد أكله عموماً، وكذلك علف الدّوابّ، سواء كان قبل القسمة أو بعدها، بإذن الإمام وبغير إذنه. والمعنى فيه. أنّ الطّعام يعزّ في دار الحرب فأبيح للضّرورة.
والجمهور أيضاً. على جواز الأخذ ولو لَم تكن الضّرورة ناجزة.
واتّفقوا على جواز ركوب دوابّهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب، ورَدُّ ذلك بعد انقضاء الحرب.
وشرطَ الأوزاعيّ فيه إذن الإمام، وعليه أن يردّه كلَّما فرغتْ حاجتُه، ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر بردّه انقضاء الحرب لئلا يعرّضه للهلاك.
وحجّته حديث رويفع بن ثابت مرفوعاً: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابّة من المغنم فيركبها حتّى إذا أعجفها ردّها إلى المغانم ، وذكر في الثّوب مثل ذلك.
وهو حديثٌ حسنٌ. أخرجه أبو داود والطّحاويّ.
ونُقل عن أبي يوسف ، أنّه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقي دابّته أو ثوبه ، بخلاف من ليس له ثوب ولا دابّة.
وقال الزّهريّ: لا يأخذ شيئاً من الطّعام ولا غيره إلَّا بإذن الإمام.
وقال سليمان بن موسى: يأخذ إلَّا إن نهى الإمام.
وقال ابن المنذر. قد وردت الأحاديث الصّحيحة في التّشديد في الغلول، واتّفق علماء الأمصار على جواز أكل الطّعام، وجاء الحديث
بنحو ذلك فليقتصر عليه، وأمّا العلف فهو في معناه.
وقال مالك: يباح ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطّعام.
وقيّده الشّافعيّ بالضّرورة إلى الأكل حيث لا طعام.
تنْبيهٌ: قوله: " البتّة " معناه القطع، وألفها ألف وصلٍ.
وجزم الكرمانيّ بأنّها ألف قطع على غير القياس، ولَم أر ما قاله في كلام أحدٍ من أهل اللّغة.
قال الجوهريّ: الانبتات الانقطاع، ورجل منبتٌّ. أي: منقطع به، ويقال: لا أفعله بتّةً ، ولا أفعله البتّة لكل أمرٍ لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر. انتهى.
ورأيته في النّسخ المعتمدة بألف وصلٍ. والله أعلم
قوله في حديث أبي ثعلبة: (حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهليّة). وقع عند النّسائيّ من وجه آخر عن أبي ثعلبة فيه قصّة ، ولفظه: غزونا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر والنّاس جياع، فوجدوا حمراً إنسيّة فذبحوا منها، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الرّحمن بن عوف فنادى: ألا إنّ لحوم الحمر الإنسيّة لا تحلّ. (1)
(1) تقدّم الكلام على مسائله مستوفاة ، في حديث جابر رضي الله عنه المتقدم قريباً (382).