الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
381 -
عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما، قالت: نَحرْنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً، فأكلناه. (1) وفي رواية: ونحن في المدينة. (2)
قوله: (عن أسماء بنت أبي بكرٍ) الصدّيق. (3)
(1) أخرجه البخاري (5191 ، 5193 ، 5200) ومسلم (1942) من طرق عن هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر عن أسماء رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (5192) من رواية عبدة عن هشام بن عروة به.
(3)
والدة عبد الله بن الزبير بن العوام التيمية ، وهي بنت أبي بكر الصديق. وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزي قرشية من بني عامر بن لؤي أسلمت قديماً بمكة. قال ابن إسحاق: بعد سبعة عشر نفساً ، وتزوجها الزبير بن العوام ، وهاجرتْ وهي حامل منه بولده عبد الله فوضعته بقباء ، وعاشت إلى أن ولِي ابنُها الخلافة ، ثم إلى أنْ قُتل ، وماتت بعده بقليل ، وكانت تلقب ذات النطاقين.
قال أبو عمر: سَمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنها هيأت له لَمَّا أراد الهجرة سفرةً فاحتاجت إلى ما تشدّها به فشقَّت خمارها نصفين فشدَّت بنصفه السفرة واتخذت النصف الآخر منطقاً. قال: كذا ذكر ابن إسحاق وغيره
قلت: وأصل القصة في صحيح مسلم. دون التصريح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن السكن من طريق أبي المحياة يحيى بن يعلى التيمي عن أبيه. قال: دخلتُ مكة بعد أنْ قُتل ابنُ الزبير فرأيته مصلوباً ، ورأيت أمَّه أسماء عجوزاً طوالة مكفوفة فدخلتْ حتى وقفتْ على الحجاج ، فقالت: أما آن لهذا الراكب أنْ ينزل ، قال: المنافق. قالت: لا والله ما كان منافقاً ، وقد كان صواماً قواماً. قال: اذهبي فإنكِ عجوز قد خرفت. فقالت: لا والله ما خرفت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومُبير. فأما الكذَّاب فقد رأيناه ، وأما المُبير فأنت هو. فقال الحجاج: منه المنافقون.
وأخرج ابن سعد بسند حسن عن ابن أبي مليكة: كانت تصدع فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي. وما يغفر الله أكثر. وقال هشام بن عروة عن أبيه: بلغتْ أسماء مائة سنة لم يسقط لها سنٌّ ، ولم يُنكر لها عقل. وقال أبو نعيم الأصبهاني: ولدت قبل الهجرة بـ 27 سنة ، وعاشت إلى أوائل سنة 24 ، قيل: عاشت بعد ابنها 20 يوماً ، وقيل غير ذلك. من الإصابة بتجوز. (7/ 486)
قوله: (نَحرْنا) أورده البخاري من رواية سفيان الثّوريّ ، ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولاً بلفظ " نحرنا "، وقال في آخره: تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النّحر.
وأورده أيضاً من رواية عبدة - وهو ابن سليمان - عن هشام بلفظ " ذبحنا "
ورواية ابن عيينة التي أشار إليها. وصلها البخاري من رواية الحميديّ عن سفيان - وهو ابن عيينة - به ، وقال " نحرنا ".
ورواية وكيع. أخرجها أحمد عنه بلفظ " نحرنا "، وأخرجها مسلم عن محمّد بن عبد الله بن نمير حدّثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن هشام " بلفظ " نحرنا ".
وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمر والثّوريّ جميعاً عن هشام بلفظ " نحرنا ".
وقال الإسماعيليّ: قال همّام وعيسى بن يونس وعليّ بن مسهر عن هشام بلفظ " نحرنا " ، واختلف على حمّاد بن زيد وابن عيينة ، فقال أكثر أصحابهما " نحرنا " وقال بعضهم " ذبحنا ".
وأخرجه الدّارقطنيّ من رواية مؤمّل بن إسماعيل عن الثّوريّ ووهيب بن خالد ، ومن رواية ابن ثوبان - وهو عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان - ، ومن رواية يحيى القطّان كلّهم عن هشام بلفظ " ذبحنا " ،
ومن رواية أبي معاوية عن هشام " انتحرنا " ، وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية وأبي أسامة ، ولَم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة عنهما بلفظ " نحرنا ".
وهذا الاختلاف كلّه عن هشام.
وفيه إشعار بأنّه كان تارة يرويه بلفظ " ذبحنا " وتارة بلفظ " نحرنا " ، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأنّ النّحر يطلق عليه ذبح والذّبح يطلق عليه نحر.
ولا يتعيّن مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز ، إلَّا إن رجح أحد الطّريقين.
وأمّا أنّه يُستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله بعض الشّرّاح. فبعيدٌ، لأنّه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرّتين، والأصل عدم التّعدّد مع اتّحاد المخرج.
وقد جرى النّوويّ على عادته في الحمل على التّعدّد ، فقال بعد أن ذكر اختلاف الرّواة في قولها نحرنا وذبحنا: يُجمع بين الرّوايتين بأنّهما قضيّتان، فمرّة نحروها ومرّة ذبحوها.
ثمّ قال: ويجوز أن تكون قصّة واحدة. وأحد اللفظين مجاز والأوّل أصحّ. كذا قال. والله أعلم
تكميل: النّحر في الإبل خاصّة، وأمّا غير الإبل فيذبح، وقد جاءت أحاديث في ذبح الإبل وفي نحر غيرها.
وقال ابن التّين: الأصل في الإبل النّحر، وفي الشّاة ونحوها الذّبح،
وأمّا البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السّنّة ذكر نحرها. واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح. فأجازه الجمهور. ومنع ابن القاسم.
وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك: من نحر البقر فبئس ما صنع ، ثم تلا {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة. إلى .. فذبحوها وما كادوا يفعلون} وعن أشهب: إنْ ذبحَ بعيراً من غير ضرورة لم يؤكل.
قوله: (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه) وفي رواية للدّارقطنيّ " فأكلناه نحن وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قوله: (وفي رواية: ونحن في المدينة) يستفاد منه أنّ ذلك بعد فرض الجهاد، فيردّ على من استند إلى منع أكلها بعلة أنّها من آلات الجهاد.
ومن قولها " نحن وأهل بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم " الرّدّ على من زعم أنّه ليس فيه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اطّلع على ذلك، مع أنّ ذلك لو لَم يرد لَم يظنّ بآل أبي بكر أنّهم يقدمون على فعل شيء في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلَّا وعندهم العلم بجوازه، لشدّة اختلاطهم بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقتهم له، هذا مع توفّر داعية الصّحابة إلى سؤاله عن الأحكام.
ومن ثَمّ كان الرّاجح ، أنّ الصّحابيّ إذا قال " كنّا نفعل كذا على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم " كان له حكم الرّفع، لأنّ الظّاهر اطّلاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره، وإذا كان ذلك في مطلق الصّحابيّ. فكيف بآل أبي
بكر الصّدّيق؟.
مسائل:
المسألة الأولى: روى عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عطاء قال: الذبح قطع الأوداج، قلت: فذبح ذابحٌ، فلم يقطع أوداجها؟ قال: ما أراه إلَّا قد ذكاها، فليأكلها.
قوله: والذبح قطع الأوداج. جمع ودَجَ بفتح الدال المهملة والجيم. وهو العرق الذي في الأخدع، وهما عرقان متقابلان.
قيل: ليس لكل بهيمة غير ودجين فقط ، وهما محيطان بالحلقوم، ففي الإتيان بصيغة الجمع نظر، ويمكن أن يكون أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها، هكذا اقتصر عليه بعض الشراح.
وبقي وجه آخر. وهو أنه أطلق على ما يقطع في العادة ودجاً تغليباً.
فقد قال أكثر الحنفية في كتبهم: إذا قطع من الأوداج الأربعة ثلاثة حصلت التذكية، وهما الحلقوم والمريء وعرقان من كل جانب.
وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن: إذا قطع الحلقوم والمريء وأكثر من نصف الأوداج أجزأ، فإن قطع أقلَّ فلا خير فيها.
وقال الشافعي: يكفي ولو لم يقطع من الودجين شيئاً، لأنهما قد يسلان من الإنسان وغيره فيعيش.
وعن الثوري: إن قطع الودجين أجزأ ، ولو لم يقطع الحلقوم والمريء.
وعن مالك والليث: يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط.
واحتج له بما في حديث رافع " ما أنهر الدم "(1) وإنهاره إجراؤه، وذلك يكون بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم.
وأما المريء: فهو مجرى الطعام ، وليس به من الدم ما يحصل به إنهار، كذا قال.
المسألة الثانية: روى عبد الرزاق عن نافع ، أنَّ ابن عمر نهى عن النخع ، يقول: يقطع ما دون العظم ، ثم يدع حتى يموت.
قوله " النخع " بفتح النون وسكون الخاء المعجمة. فسره في الخبر بأنه قطع ما دون العظم.
والنخاع: عرق أبيض في فقار الظهر إلى القلب، يقال له خيط الرقبة. وقال الشافعي: النخع أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح، أو تضرب ليعجل قطع حركتها.
وأخرج أبو عبيد في " الغريب " عن عمر ، أنه نهى عن الفرس في الذبيحة.
ثم حكى عن أبي عبيدة ، أنَّ الفرس هو النخع، يقال: فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن ينتهي بالذبح إلى النخاع. وهو عظم في الرقبة.
قال: ويقال أيضاً هو الذي يكون في فقار الصلب شبيه بالمخ ، وهو
(1) متفق عليه. وسيأتي إن شاء الله برقم (393).
متصل بالقفا، نهى أن ينتهى بالذبح إلى ذلك.
قال أبو عبيد: أما النخع فهو على ما قال، وأما الفرس. فيقال هو الكسر، وإنما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد. ويبين ذلك أن في الحديث " ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق ".
قلت: يعني في حديث عمر المذكور، وكذا ذكره الشافعي عن عمر.
المسألة الثالثة: روى أبو موسى الزَّمِن (1) من رواية أبي مجلز ، سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها، فأمر ابن عمر بأكلها.
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح ، أنَّ ابن عباس سُئل عمن ذبح دجاجة فطيَّر رأسها. فقال: ذكاة وَحِية - بفتح الواو وكسر الحاء المهملة بعدها تحتانية ثقيلة - أي: سريعة، منسوبة إلى الوحاء ، وهو الإسراع والعجلة.
وروى ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ، أنَّ جزاراً لأنس ذبحَ دجاجةً فاضطربتْ فذبحها من قفاها فأطار رأسها، فأرادوا طرحها، فأمرهم أنس بأكلها. (2)
(1) هو محمد بن المثنى العنزي. شيخ الشَّيخين.
(2)
هذه الآثار علَّقها البخاري في صحيحه " كتاب الذبائح والصيد " في 24 باب النحر والذبح.