المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 396 - عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٧

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌باب الأضاحي

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌كتاب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌كتاب العتق

- ‌ باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب بيع المدبّر

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 396 - عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ

‌الحديث الثاني

396 -

عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البِتْع؟ فقال: كلّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ. (1)

قال المصنِّف: البتع: نبيذ العسل.

قوله: (سئل عن البِتْع) بكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها عين مهملة. زاد شعيب عن الزّهريّ عند البخاري " وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه " ، ومثله لأبي داود من طريق الزّبيديّ عن الزّهريّ.

وظاهره أنّ التّفسير من كلام عائشة.

ويحتمل: أن يكون من كلام مَن دونها، ووقع في رواية معمر عن الزّهريّ عند أحمد مثل رواية مالك (2)، لكن قال في آخره:" والبتع نبيذ العسل ".

وهو أظهر في احتمال الإدراج ، لأنّه أكثر ما يقع في آخر الحديث. وقد أخرجه مسلم من طريق معمر ، لكن لَم يسق لفظه.

ولَم أقف على اسم السّائل في حديث عائشة صريحاً.

لكنّني أظنّه أبا موسى الأشعريّ، ففي صحيح البخاري من طريق سعيد بن أبي بُرْدة عن أبيه عن أبي موسى ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن

(1) أخرجه البخاري (239 ، 5263 ، 5264) ومسلم (2001) من طرق عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها

(2)

رواية مالك هي التي ذكرها المقدسي في الباب. عنه عن الزهري به

ص: 363

فسأله عن أشربة تصنع بها؟ فقال: ما هي؟ قال: البتع والمزر، فقال: كلّ مسكر حرام. قلت لأبي بُرْدة: ما البتع؟ قال: نبيذ العسل.

وهو عند مسلم من وجه آخر عن سعيد بن أبي بُرْدة بلفظ " فقلت: يا رسولَ الله. أفتنا في شرابين كنّا نصنعهما باليمن: البتع من العسل ينبذ حتّى يشتدّ، والمزر من الشّعير والذّرة ينبذ حتّى يشتدّ؟ قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم وخواتمه، فقال: أَنْهى عن كلّ مسكر.

وفي رواية أبي داود التّصريح بأنّ تفسير البتع مرفوع ، ولفظه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب من العسل؟ فقال: ذاك البتع، قلت: ومن الشّعير والذّرة، قال: ذاك المزر. ثمّ قال: أخبر قومك أنّ كلّ مسكر حرام.

وقد سأل أبو وهب الجيشانيّ عن شيءٍ ما سأله أبو موسى. فعند الشّافعيّ وأبي داود من حديثه ، أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المزر ، فأجاب بقوله " كلّ مسكر حرام ".

وهذه الرّواية تفسير المراد بقوله في حديث الباب " كلّ شراب أسكر " ، وأنّه لَم يرد تخصيص التّحريم بحالة الإسكار، بل المراد أنّه إذا كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله ، ولو لَم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه.

ويؤخذ من لفظ السّؤال ، أنّه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه، لأنّه لو أراد السّائل ذلك لقال: أخبِرني عمّا يحلّ منه

ص: 364

وما يحرم؟، وهذا هو المعهود من لسان العرب ، إذا سألوا عن الجنس. قالوا: هل هذا نافع أو ضارّ؟ مثلاً. وإذا سألوا عن القدْر. قالوا: كم يؤخذ منه؟

وفي الحديث أنّ المفتي يجيب السّائل بزيادةٍ عمّا سأل عنه إذا كان ذلك ممّا يحتاج إليه السّائل.

وفيه تحريم كلّ مسكر سواء كان متّخذاً من عصير العنب أو من غيره.

قال المازريّ: أجمعوا على أنّ عصير العنب قبل أن يشتدّ حلال، وعلى أنّه إذا اشتدّ وغلى وقذف بالزّبد حرم قليله وكثيره، ثمّ لو حصل له تخلّل بنفسه حلَّ بالإجماع أيضاً، فوقع النّظر في تبدّل هذه الأحكام عند هذه المتّخذات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعضٍ، ودلَّ على أنّ عِلَّة التّحريم الإسكار ، فاقتضى ذلك أنّ كلّ شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره. انتهى

وما ذكره استنباطاً ثبت التّصريح به في بعض طرق الخبر. فعند أبي داود والنّسائيّ وصحَّحه ابن حبّان من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام.

وللنّسائيّ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه مثله، وسنده إلى عمرو صحيح.

ولأبي داود من حديث عائشة مرفوعاً: كلّ مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق ، فملء الكفّ منه حرام.

ص: 365

ولابن حبّان والطّحاويّ من حديث عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره.

وقد اعترف الطّحاويّ بصحّة هذه الأحاديث.

لكن قال: اختلفوا في تأويل الحديث.

فقال بعضهم: أراد به جنس ما يسكر، وقال بعضهم: أراد به ما يقع السّكر عنده، ويؤيّده ، أنّ القاتل لا يُسمّى قاتلاً حتّى يقتل.

قال: ويدلّ له حديث ابن عبّاس رفعه: حرّمت الخمر قليلها وكثيرها، والسّكر من كلّ شراب.

قلت: وهو حديث أخرجه النّسائيّ ورجاله ثقات، إلَّا أنّه اختلف في وصله وانقطاعه ، وفي رفعه ووقفه.

وعلى تقدير صحّته فقد رجّح الإمام أحمد وغيره أنّ الرّواية فيه بلفظ " والمُسكر " بضمّ الميم وسكون السّين لا " السُّكر " بضمٍّ ثمّ سكون أو بفتحتين.

وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ، ولفظه محتمل، فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحّتها وكثرتها؟.

وجاء أيضاً عن عليّ عند الدّارقطنيّ ، وعن ابن عمر عند ابن إسحاق والطّبرانيّ ، وعن خوّات بن جبير عند الدّارقطنيّ والحاكم والطّبرانيّ ، وعن زيد بن ثابت عند الطّبرانيّ.

وفي أسانيدها مقال، لكنّها تزيد الأحاديث التي قبلها قوّة وشهرة.

قال أبو المظفّر ابن السّمعانيّ - وكان حنفيّاً فتحوّل شافعيّاً -:

ص: 366

ثبتت الأخبار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر، ثمّ ساق كثيراً منها.

ثمّ قال: والأخبار في ذلك كثيرة ، ولا مساغ لأحدٍ في العدول عنها والقول بخلافها، فإنّها حجج قواطع.

قال: وقد زلَّ الكوفيّون في هذا الباب ، ورووا أخباراً معلولةً لا تعارض هذه الأخبار بحالٍ، ومن ظنّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكراً فقد دخل في أمر عظيم وباءَ بإثمٍ كبير، وإنّما الذي شربه كان حلواً ولَم يكن مسكراً.

وقد روى ثمامة بن حزن القشيريّ ، أنّه سأل عائشة عن النّبيذ ، فدعت جارية حبشيّة ، فقالت: سل هذه، فإنّها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الحبشيّة: كنت أنبذ له في سقاء من الليل وأوكيه وأعلقه ، فإذا أصبح شرب منه. أخرجه مسلم.

وروى الحسن البصريّ عن أمّه عن عائشة نحوه.

ثمّ قال: فقياس النّبيذ على الخمر بعلة الإسكار والاضطراب من أجلّ الأقيسة وأوضحها، والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النّبيذ، ومن ذلك أنّ عِلَّة الإسكار في الخمر لكون قليله يدعو إلى كثيره موجودة في النّبيذ، لأنّ السّكر مطلوب على العموم، والنّبيذ عندهم عند عدم الخمر يقوم مقام الخمر ، لأنّ حصول الفرح والطّرب موجود في كلّ منهما، وإن كان في النّبيذ غلظ وكدرة وفي الخمر رقّة وصفاء ، لكن الطّبع يحتمل ذلك في النّبيذ لحصول السّكر كما تحتمل المرارة في الخمر لطلب السّكر.

ص: 367

قال: وعلى الجملة فالنّصوص المصرّحة بتحريم كلّ مسكر قلَّ أو كَثُر مغنية عن القياس. والله أعلم.

وقد قال عبد الله بن المبارك: لا يصحّ في حلّ النّبيذ الذي يسكر كثيره عن الصّحابة شيء ولا عن التّابعين، إلَّا عن إبراهيم النّخعيّ، قال: وقد ثبت حديث عائشة " كلّ شراب أسكر فهو حرام ".

وأمّا ما أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي وائل: كنّا ندخل على ابن مسعود فيسقينا نبيذاً شديداً، ومن طريق علقمة: أكلْتُ مع ابن مسعود. فأُتينا بنبيذٍ شديد نبذتْه سيرين فشربوا منه.

فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:

أحدها: لو حُمل على ظاهره لَم يكن معارِضاً للأحاديث الثّابتة في تحريم كلّ مسكر.

ثانيها: أنّه ثبت عن ابن مسعود تحريم المسكر قليله وكثيره، فإذا اختلف القليل عنه كان الموافق لقول إخوانه من الصّحابة مع موافقة الحديث المرفوع أولى.

ثالثها: يحتمل أن يكون المراد بالشّدّة شدّة الحلاوة أو شدّة الحموضة ، فلا يكون فيه حجّة أصلاً.

وأسند أبو جعفر النّحّاس عن يحيى بن معين ، أنّ حديث عائشة " كلّ شراب أسكر فهو حرام " أصحُّ شيء في الباب.

وفي هذا تعقّب على من نقل عن ابن معين ، أنّه قال: لا أصل له.

وقد ذكر الزّيلعيّ في " تخريج أحاديث الهداية " - وهو من أكثرهم

ص: 368

اطّلاعاً -: أنّه لَم يثبت في شيء من كتب الحديث نقل هذا عن ابن معين. انتهى

وكيف يتأتّى القول بتضعيفه مع وجود مخارجه الصّحيحة؟!. ثمّ مع كثرة طرقه، حتّى قال الإمام أحمد: إنّها جاءت عن عشرين صحابيّاً، فأورد كثيراً منها في " كتاب الأشربة " المفرد.

فمنها ما تقدّم. ومنها حديث ابن عمر المتقدّم.

وحديث عمر بلفظ " كلّ مسكر حرام " عند أبي يعلى. وفيه الإفريقيّ، وحديث عليّ بلفظ " اجتنبوا ما أسكر " عند أحمد. وهو حسن، وحديث ابن مسعود عند ابن ماجه من طريق ليّن بلفظ عمر، وأخرجه أحمد من وجه آخر ليّن أيضاً بلفظ عليّ، وحديث أنس أخرجه أحمد بسندٍ صحيح بلفظ " ما أسكر فهو حرام ".

وحديث أبي سعيد أخرجه البزّار بسندٍ صحيح بلفظ عمر، وحديث الأشجّ العصريّ. أخرجه أبو يعلى كذلك بسندٍ جيّد وصحَّحه ابن حبّان، وحديث ديلم الحميريّ. أخرجه أبو داود بسندٍ حسن في حديث فيه " قال: هل يسكر؟ قال: نعم، قال: فاجتنبوه ".

وحديث ميمونة. أخرجه أحمد بسندٍ حسن بلفظ " وكلّ شراب أسكر فهو حرام " وحديث ابن عبّاس. أخرجه أبو داود من طريق جيّد بلفظ عمر، والبزّار من طريق ليّن بلفظ " واجتنبوا كلّ مسكر ".

وحديث قيس بن سعد. أخرجه الطّبرانيّ بلفظ حديث ابن عمر،

ص: 369

وأخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ حديث عمر، وحديث النّعمان بن بشير. أخرجه أبو داود بسندٍ حسن بلفظ " وإنّي أنهاكم عن كلّ مسكر " وحديث معاوية. أخرجه ابن ماجه بسندٍ حسن بلفظ عمر.

وحديث وائل بن حجر. أخرجه ابن أبي عاصم، وحديث قرّة بن إياس المزنيّ. أخرجه البزّار بلفظ عمر بسندٍ ليّن، وحديث عبد الله بن مغفّل. أخرجه أحمد بلفظ " اجتنبوا المسكر " وحديث أمّ سلمة. أخرجه أبو داود بسندٍ حسن بلفظ " نهي عن كلّ مسكر ومفتّر ".

وحديث بريدة. أخرجه مسلم في أثناء حديث ، ولفظه مثل لفظ عمر، وحديث أبي هريرة. أخرجه النّسائيّ بسندٍ حسن كذلك.

ذكر أحاديث هؤلاء التّرمذيّ في الباب.

وفيه أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند النّسائيّ بلفظ عمر، وعن زيد بن الخطّاب أخرجه الطّبرانيّ بلفظ عليّ " اجتنبوا كلّ مسكر ".

وعن الرّسيم (1) أخرجه أحمد بلفظ " اشربوا فيما شئتم ، ولا تشربوا مسكراً " وعن أبي بُرْدة بن نيار. أخرجه ابن أبي شيبة بنحو هذا

(1) قال الشارح في " الإصابة "(2/ 403): رسيم العبديّ الهجريّ: وهو عند ابن ماكولا بوزن عظيم، قال ابن نقطة: بل هو مصغر، وقال: إنه نقله من خط أبي نعيم.

قلت: وكذلك رأيته في أصلين من كتاب ابن السكن وابن أبي حاتم.

روى حديثه ابن أبي شيبة، وأحمد من طريق يحيى بن غسان، عن ابن الرّسيم، عن أبيه، قال: وفدنا على النبي صلى الله عليه وسلم فنهانا عن الظروف، ثم رجعنا إليه في العام الثاني فقال: اشربوا فيما شئتم .. الحديث. وقال ابن مندة في سياقه عن أبيه: وكان فقيهاً من أهل هجر. قال ابن السّكن: إسناده مجهول. انتهى.

ص: 370

اللفظ.

وعن طلق بن عليّ. رواه ابن أبي شيبة بلفظ " يا أيّها السّائل عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أحداً من المسلمين " ، وعن صحار العبديّ. أخرجه الطّبرانيّ بنحو هذا، وعن أمّ حبيبة. عند أحمد في " كتاب الأشربة " ، وعن الضّحّاك بن النّعمان. عند ابن أبي عاصم في " الأشربة " ، وكذا عنده عن خوّات بن جبير.

فإذا انضمّت هذه الأحاديث إلى حديث ابن عمر وأبي موسى وعائشة زادت عن ثلاثين صحابيّاً، وأكثر الأحاديث عنهم جياد ، ومضمونها أنّ المسكر لا يحلّ تناوله ، بل يجب اجتنابه. والله أعلم.

وقد ردّ أنسٌ الاحتمال الذي جنح إليه الطّحاويّ.

فقال أحمد: حدّثنا عبد الله بن إدريس سمعت المختار بن فلفل ، يقول: سألت أنساً فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفّت ، وقال: كلّ مسكر حرام. قال: فقلت له: صدقت المسكر حرام، فالشّربة والشّربتان على الطّعام؟ فقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام.

وهذا سند صحيح على شرط مسلم ، والصّحابيّ أعرف بالمراد ممّن تأخّر بعده، ولهذا قال عبد الله بن المبارك ما قال.

واستدل بمطلق قوله " كلّ مسكر حرام " ، على تحريم ما يسكر - ولو لَم يكن شراباً - فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها.

وقد جزم النّوويّ وغيره: بأنّها مسكرة.

وجزم آخرون: بأنّها مخدّرة، وهو مكابرة ، لأنّها تحدث بالمشاهدة

ص: 371

ما يحدث الخمر من الطّرب والنّشأة والمداومة عليها والانهماك فيها، وعلى تقدير تسليم أنّها ليست بمسكرةٍ ، فقد ثبت في أبي داود " النّهي عن كلّ مسكر ومفتّر " وهو بالفاء، والله أعلم. (1)

(1) قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (34/ 205): وأما " الحشيشة " الملعونة المسكرة: فهي بمنزلة غيرها من المسكرات ، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء؛ بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً: كالبنج فإنَّ المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير.

وأما قليل " الحشيشة المسكرة " فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام. يتناول ما يسكر.

ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولاً أو مشروباً؛ أو جامداً أو مائعاً. فلو اصطبغ كالخمر كان حراماً ، ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراماً.

ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم. فإذا قال كلمة جامعة كانت عامَّة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها. سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن. فلما قال: كل مسكر حرام " تناول ذلك ما كان بالمدينة من خمر التمر وغيرها ، وكان يتناول ما كان بأرض اليمن من خمر الحنطة والشعير والعسل وغير ذلك ، ودخل في ذلك ما حدث بعده من خمر لبن الخيل الذي يتخذه الترك ونحوهم.

فلم يفرق أحدٌ من العلماء بين المسكر من لبن الخيل والمسكر من الحنطة والشعير ، وإن كان أحدهما موجوداً في زمنه كان يعرفه ، والآخر لم يكن يعرفه؛ إذ لم يكن بأرض العرب من يتخذ خمراً من لبن الخيل.

وهذه " الحشيشة " فإنَّ أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة. حيث ظهرت دولة التتر؛ وكان ظهورها مع ظهور سيف جنكسخان لَمَّا أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلَّط الله عليهم العدو.

وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات. وهي شرٌّ من الشراب المسكر من بعض الوجوه ، والمسكر شرٌّ منها من وجه آخر. فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولاً تورث التخنيث والديوثة ، وتفسد المزاج. فتجعل الكبير كالسفتجة ، وتوجب كثرة الأكل ، وتورث الجنون ، وكثيرٌ من الناس صار مجنوناً بسبب أكلها

الخ كلامه رحمه الله.

ص: 372

قوله: (كلّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ) أي: كان من شأنه الإسكار سواء حصل بشربه السّكر أم لا.

قال الخطّابيّ: فيه دليل على أنّ قليل المسكر وكثيره حرام من أيّ نوعٍ كان؛ لأنّها صيغة عموم أشير بها إلى جنس الشّراب الذي يكون منه السّكر. فهو كما لو قال: كلّ طعامٍ أشبع فهو حلال ، فإنّه يكون دالاًّ على حل كل طعامٍ من شأنه الإشباع وإن لَم يحصل الشّبع به لبعضٍ دون بعض.

ووجه احتجاج البخاريّ (1) بالحديث على عدم جواز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر ، أنّ المسكر لا يحلّ شربه ، وما لا يحلّ شربه ، لا يجوز الوضوء به اتّفاقاً (2). والله أعلم.

وذهب الأوزاعيّ: إلى جواز الوضوء بالأنبذة كلّها.

وهو قول عكرمة مولى ابن عبّاس ، وروي عن عليّ وابن عبّاس. ولَم يصحّ عنهما.

وقيّده أبو حنيفة في المشهور عنه: بنبيذ التّمر ، واشترط أن لا يكون بحضرة ماءٍ ، وأن يكون خارج المصر أو القرية.

وخالفه صاحباه فقال محمّد: يجمع بينه وبين التّيمّم ، قيل: إيجاباً ، وقيل: استحباباً. وهو قول إسحاق.

وقال أبو يوسف بقول الجمهور: لا يتوضّأ به بحالٍ، واختاره

(1) بوَّب البخاري على حديث الباب (باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر)

(2)

أي: المسكر ، أمّا النبيذ ففيه خلاف مشهور سيذكره الشارح رحمه الله.

ص: 373

الطّحاويّ.

وذكر قاضي خان ، أنّ أبا حنيفة رجع إلى هذا القول ، لكن في المقيّد من كتبهم: إذا ألقى في الماء تمراتٍ فحلا ولَم يزل عنه اسم الماء جاز الوضوء به بلا خلاف. يعني عندهم.

واستدلّوا بحديث ابن مسعود. حيث قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ: ما في إداوتك؟ قال: نبيذٌ ، قال: ثمرةٌ طيّبةٌ وماءٌ طهورٌ. رواه أبو داود والتّرمذيّ ، وزاد " فتوضّأ به "

وهذا الحديث أطبق علماء السّلف على تضعيفه.

وقيل: - على تقدير صحّته - إنّه منسوخ؛ لأنّ ذلك كان بمكّة ، ونزول قوله تعالى {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا} إنّما كان بالمدينة بلا خلاف.

أو هو محمولٌ على ماءٍ أُلقيت فيه تمراتٌ يابسةٌ لَم تغيّر له وصفاً ، وإنّما كانوا يصنعون ذلك؛ لأنّ غالب مياههم لَم تكن حلوة.

ص: 374