الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا النوع، فيدعون الإسناد العالي إيثارا لطلب المعالي.
وقد حكم بعضُ المتأخرين بإرسال الناقص، ووصل الزائد، وهو الذي ظهر منك أيها الإمام في حكمك هنا، وهو كما قدمناه لا يَسلَم من التعقب بأن يُعتَرَض على أحدهما بالآخر. انتهى. كلام ابن رُشيد.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَذَلِكَ) إشارة إلى ما ذكره من أن قول المخترع المذكور يستلزم أمرًا باطلًا (أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَيْنَا بِإِسْنَادِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) أبي المنذر المدنيّ، تقدمت ترجمته في أوائل هذا الشرح (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير، بن العوّام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العزى، ابن قصي الأسدي، أبي عبد الله المدني، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وقال: كان ثقة كثير الحديث، فقيها، عالما، ثبتا، مأمونا. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وكان رجلا صالحا، لم يدخل في شيء من الفتن. وقال ابن شهاب كان إذا حدّثني عروة، ثم حدثتني عمرة صدّق عندي حديث عمرة حديث عروة، فلما تبحّرتهما إذا عروة بحر لا يُنْزَف. وقال هشام عن أبيه: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج، أو خمس حجج، وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها، إلا وقد وعيته. وعده أبو الزناد في فقهاء المدينة السبعة مع مشيخة سواهم، من أهل فقه وفضل. وقال ضمرة، عن ابن شوذب: وقعت في رجله الآكلة، فنُشرت، وكان يقرأ ربع القرآن نظرا في المصحف، ثم يقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قُطعت رجله. وقال ابن عيينة عن هشام: خرج عروة إلى الوليد، فخرجت برجله آكلة، فقطعها، وسَقَط ابن له عن ظهر بيت له، فوقع تحت أرجل الدواب فوطئته، فقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، اللهم إن كنت أخذت، لقد أعطيت، وإن كنت ابتليت لقد عافيت.
قال خليفة في آخر خلافة عمر: سنة (23) يقال: وُلد عروة بن الزبير. وقال مصعب الزبيري: ولد عروة لست خلون من خلافة عثمان، وكان بينه وبين أخيه عبد الله عشرون سنة. وقال ابن المديني: مات عروة سنة إحدى، أو اثنتين وتسعين، وعنه سنة اثنتين. وعنه سنة (3). وفيها أرخه أبو نعيم، وابن يونس وغيرهما. وذكره ابن زبر فيمن مات في سنة (2) ثم في سنة (4). وقال: هذا أثبت من الأول، وكذا أرخه ابن سعد، وعمرو بن علي، وغير واحد. وقال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين في تسمية تابعي أهل المدينة، ومحدثيهم: أبو بكر بن عبد الرحمن مات سنة (94) وعروة بن الزبير، وسعيد، وعلي بن الحسين، وكان يقال لها: سنة الفقهاء. وقيل: غير ذلك في سنة وفاته.
وقال في "التقريب": ثقة فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان رضي الله عنه. انتهى.
(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين رضي الله عنها، تقدّمت ترجمتها في أوائل هذا الشرح (فَبِيَقِينٍ) الظاهر أن الباء زائدة، و"يقين" نعت لمصدر محذوف: أي علمًا يقينًا؛ وإنما قلت بزيادتها؛ لأن اليقين بمعنى الثابت، والواضح، قال في "المصباح": يَقِنَ الأمر يَيْقَن يَقَنًا، من باب تَعِبَ: إذا ثبت، ووضح، فهو يقينٌ، فعيلٌ بمعنى فاعل، ويُستعمل متعديا أيضًا بنفسه، وبالباء، فيقال: يَقِنتهُ، ويَقِنتُ به، وأيقنت به، وتيقّنته، واستيقنته: أي علمته. انتهى (1).
ويحتمل أن تكون الباء أصليّة سببية، و"يقين" نعت لمحذوف: أي بدليل يقين، أي ثابت وواضح، والجار والمجرور متعلّق بقوله:(نَعْلَمُ) أي نعلم علمًا يقينًا: أي ثابتًا واضحًا، أو نعلم بسبب وجود دليلٍ يقينٍ: أي ثابت واضح (أَنَّ هِشَامًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ) عروة (وَأَنَّ أَبَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ) رضي الله عنها (كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ عَائِشَةَ) رضي الله عنها (قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ يَجُوزُ) أي يمكن، ويحتمل (إِذَا لم يَقُلْ هِشَامٌ فِي رِوَايَةٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ) مقول "يقل"(أَوْ أَخْبَرَنِي) عطف على المقول (أَنْ) بالفتح مصدريّة، والمصدر المؤول فاعل "يجوز" (يَكُونَ بَيْنَهُ) أي بين هشام (وَبَيْنَ أَبِيهِ) عروة (فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِنْسَانٌ آخَرُ) برفع "إنسان" على أنه اسم "يكون" (أَخْبَرَهُ بِهَا) أي بتلك الرواية (عَنْ أَبِيهِ) متعلق بحال مقدّر: أي حال كون ذلك الإنسان راويا عن أبيه عروة (وَلَمْ يَسْمَعْهَا هُوَ) أي لم يسمع تلك الرواية هشام (مِنْ أَبِيهِ) عروة (لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهَا مُرْسَلًا) قال النوويّ رحمه الله تعالى: ضبطناه "لَمّا" بفتح اللام، وتشديد الميم، و"مُرسَلًا" بفتح السين، ويجوز تخفيف "لِمَا" وكسر سين "مرسلًا". انتهى (2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أن قوله: "لما أحب الخ" متعلّقٌ بمحذوف دلّ عليه ما قبله، تقديره: فترك ذكر ذلك الإنسان لما أحبّ الخ، و"لَمّا" بفتح اللام، وتشديد الميم حينيّة ظرف لترك المقدّر، أي ترك ذكر ذلك الإنسان حين أحبّ أن يروي تلك الرواية مرسلًا، أو بكسر اللام، وهي جارّة للتعليل، متعلقة بترك أيضًا، و"ما" مخفّفة الميم، مصدريّة، والتقدير: فترك ذكره لحبه روايتها مرسلا.
(1)"المصباح المنير" 2/ 681.
(2)
"شرح صحيح مسلم" 1/ 133.
وأما "مرسلًا" فيحتمل أن يكون بكسر السين، حالًا من فاعل "يرويها"، ويحتمل أن يكون بفتح السين، حالًا من المفعول، إنما ذكّره مع كون الضمير مؤنثًا لعوده إلى الرواية، لتأويلها بالخبر، أو نحوه. ويحتمل أن يكون "مرسلًا" بالفتح مصدرًا ميميّا مفعولًا مطلقًا ليروي، على حذف مضاف: أي رواية إرسال، وهو واضح. والله تعالى أعلم.
وعطف قوله: (وَلَا يُسْنِدَهَا إِلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ) من عطف المؤكّد على المؤكَّد؛ لأنه بمعنى قوله: "أن يرويها مرسلا".
(وَكَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ) أي الإرسال المذكور (فِي هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ) عروة (فَهُوَ أَيْضًا مُمْكِنٌ فِي أَبِيهِ) عروة (عَنْ عَائِشَةَ) رضي الله عنها (وَكَذَلِكَ) أي مثل ما سبق من احتمال الإرسال (كُلُّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ) أي في ذلك الإسناد (ذِكْرُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) برفع "ذكرُ" على أنه اسم "ليس" مؤخّرًا، وخبرها الجارّ والمجرور قبله، وإضافة "ذكر" إلى سماع من إضافة المصدر إلى مفعوله، وإضافة "سماع" إلى "بعضهم" من إضافة المصدر إلى فاعله.
(وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ) بالبناء للمفعول (فِي الْجُمْلَةِ) أي في بعض الروايات (أَنَّ) بفتح الهمزة؛ لوقوعها في محل نائب الفاعل (كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ سَمِعَ مِنْ صَاحِبِهِ سَمَاعًا كَثِيرًا، فَجَائِزٌ) أي ممكنٌ، ومحتملٌ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ) بالبناء للفاعل (فِي بَعْضِ الرِّوَايَةِ، فَيَسْمَعَ مِنْ غَيْرِهِ) أي من غير صاحبه (عَنْهُ) أي عن صاحبه (بَعْضَ أَحَادِيثِهِ) بنصب "بعض" على المفعوليّة ليسمع (ثُمَّ يُرْسِلَهُ عَنْهُ أَحْيَانًا) أي يرويه عن صاحبه منقطعًا؛ لعدم نشاطه (وَلَا يُسَمِّيَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ) أي الواسطة التي بينه وبين صاحبه (وَيَنْشَطَ) بفتح أوله، وثالثه، يقال: نَشِطَ في عمله يَنْشَطُ، من باب تعب: خفَّ، وأسرع. قاله في "المصباح". وقال في "القاموس": نَشِط كسمع نَشَاطًا بالفتح، فهو ناشطٌ، ونَشِيطٌ: طابت نفسه للعمل وغيره. انتهى. وقوله: (أَحْيَانًا) جمع "حين" ظرف لينشط (فَيُسَمِّيَ الرَّجُلَ الَّذِي حَمَلَ عَنْهُ الْحَدِيثَ، وَيَتْرُكَ الْإِرْسَالَ) أي روايته بالانقطاع. (وَمَا) موصول مبتدأ خبره "موجود": أي والذي (قُلْنَا مِنْ هَذَا) الذي ذكرناه من أن من سمع من شخص سماعًا كثيرًا يجوز أن يروي عنه بواسطة، فيذكرها أحيانًا لنشاطه، ويتركها أحيانًا لعدم نشاطه (مَوْجُودٌ فِي الْحَدِيثِ، مُسْتَفِيضٌ) أي كثير مشتهر (مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، وَأئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ) من عطف المؤكد على المؤكّد، ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاصّ؛ لأن أئمة أهل العلم يشمل ثقات المحدثين وغيرهم (وَسَنَذْكُرُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى الْجِهَةِ) أي الطريقة (الَّتِي ذَكَرْنَا) آنفًا، وهي الرواية بذكر الواسطة عند النشاط، وعدمه عند عدمه (عَدَدًا) مفعول به لسنذكر: أي روايات متعدّدةً،