الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وإسحاق بن إبراهيم، كلهم عن ابن عيينة، قال ابن نمير: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن عبيد بن عمير، قال: قالت أم سلمة: لما مات أبو سلمة قلت: غريب، وفي أرض غربة، لأبكينه بكاء يُتَحَدَّث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه، إذ أقبلت امرأة من الصعيد، تريد أن تُسعِدني، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه مرتين"، فكففت عن البكاء، فلم أبك (1).
قال الشيخ المعلّميّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بعد أن ذكر الحديث المذكور: ما نصّه: فهو في النهي عن النياحة، وهو ثابتٌ بأحاديث كثيرة، وفيه فضيلة لأبي سلمة، وذلك أيضًا ثابتٌ. انتهى (2).
(وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وُلِدَ) بالبناء للمفعول (فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) يعني أنه كان رجلًا كبيرًا يسمع من أم سلمة رضي الله عنها، ولكن ما أتى التصريح بسماعه منها حسب زعم المصنّف، وقد عرفت ما فيه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(وَأَسْنَدَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَخْبَارٍ).
إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:
ذكر رَحِمَهُ اللهَ تعالى أيضًا مثالًا آخر -حسب زعمه- لما ادّعاه من إلزامه خصمه، وذلك أن قيس بن أبي حازم، وهو ممن أدرك زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم روى عن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، وكلّها معنعنة، ولم يثبت -حسبما ادعاه- سماعه منه، وقد صحح تلك الأحاديث أهل العلم، وهي بزعم المنتحل ضعيفة لإمكان الإرسال، هذا خلاصة ما أشار إليه، وسيأتي ما فيه من الانتقاد في الشرح التفصيليّ، وفي كلام ابن رُشيد -إن شاء الله تعالى-.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَأَسْنَدَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) واسمه حصين بن عوف، ويقال: عوف بن عبد الحارث، ويقال: عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي الأحمسي، أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية، ورحل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فقبض وهو في الطريق، وأبوه له
(1) راجع "صحيح مسلم" بنسخة شرح النوويّ 2/ 635 "كتاب الجنائز".
(2)
راجع رسالته ص 367 - 368.
صحبة، ويقال: إن لقيس رؤية ولم يثبت. روى عن أبيه، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وسعيد، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وقيل: لم يسمع منه، وأبي عبيدة، وبلال مولى أبي بكر، ومعاذ، وغيرهم.
قال علي بن المديني: روى عن بلال ولم يلقه، وعن عقبة بن عامر، ولا أدري سمع منه أم لا، ولم يسمع من أبي الدرداء، ولا من سلمان. وقال إسحاق بن إسماعيل عن ابن عيينة: ما كان بالكوفة أحدٌ أروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيس. وقال الآجري عن أبي داود: أجود التابعين إسنادا قيس بن أبي حازم، رَوَى عن تسعة من العشرة، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف. وقال يعقوب بن شيبة: وقيس من قدماء التابعين، وقد روى عن أبي بكر فمن دونه، وأدركه وهو رجل كامل، ويقال: إنه ليس أحد من التابعين جمع أَنْ رَوَى عن العشرة مثله، إلا عبد الرحمن بن عوف، فإنا لا نعلمه روى عنه شيئًا، ثم قد روى بعد العشرة عن جماعة من الصحابة، وكبرائهم، وهو متقن الرواية، وقد تكلم أصحابنا فيه، فمنهم من رفع قدره وعظمه، وجعل الحديث عنه من أصح الإسناد، ومنهم من حمل عليه، وقال: له أحاديث مناكير، والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث على أنها عندهم غير مناكير، وقالوا: هي غرائب، ومنهم من حمل عليه في مذهبه، وقالوا: كان يحمل على علي، والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان، ولذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه. وقال ابن خِرَاش: كوفي جليل، وليس في التابعين أحد، روى عن العشرة إلا قيس بن أبي حازم. وقال ابن معين: هو أوثق من الزهري، وقال مرّة: ثقة. وقال أبو سعيد الأشج: سمعت أبا خالد الأحمر يقول لعبد الله بن نمير: يا أبا هشام أما تذكر إسماعيل بن أبي خالد، وهو يقول: حدثنا قيس هذه الأُسطوانة -يعني في الثقة؟ -. وقال يحيى بن أبي غنية: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: كبر قيس حتى جاز المائة بسنين كثيرة، حتى خَرِف، وذهب عقله. وقال ابن المديني: قال لي يحيى بن سعيد: قيس بن أبي حازم منكر الحديث، ثم ذكر له يحيى أحاديث مناكير، منها حديث الحوأب.
وقال الذهبي: أجمعوا على الاحتجاج به، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه. كذا قال.
قال عمرو بن علي، مات سنة أربع وثمانين. وقال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: مات سنة سبع، أو ثمان وتسعين. وقال خليفة، وأبو عبيد: سنة ثمان. وقال الهيثم بن عدي: مات في آخر خلافة سليمان. أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(26) حديثًا.
(وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) يعني أنه رجل كبير (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) متعلّقٌ بـ"أسند"(عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) متعلّق بحال محذوف: أي حال كون أبي مسعود راويًا عن
النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقوله: (ثَلَاثَةَ أَخْبَارٍ) بالنصب على المفعولية لأسند.
[تنبيه]: هذه الأخبار الثلاثة المشار إليها هنا:
[أولها]: ما أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاريّ، قال:
حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل، قال: حدثني قيس، عن عقبة بن عمرو، أبي مسعود، قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن، فقال:"الإيمان يمان، هَهنا، إلا إن القسوة، وغلظ القلوب في الفدادين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان، في ربيعة ومضر"(1).
[الحديث الثاني]: هو ما أخرجاه أيضًا، واللفظ للبخاريّ، قال:
حدثنا شهاب بن عباد، قال: حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس قال: سمعت أبا مسعود يقول: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر، لا ينكسفان لموت أحد من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما، فقوموا فصلوا"(2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث مما انتُقد على المصنّف حيث ذكره من أمثلة ما لم يأت فيه سماع قيس من أبي مسعود مع أنه قد ثبت عند البخاريّ في هذه الرواية تصريحه بسماعه منه. فتبصّر. والله تعالى أعلم.
[الحديث الثالث]: هو ما أخرجاه أيضًا، واللفظ للبخاريّ، قال:
حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا إسماعيل، قال: سمعت قيسا، قال: أخبرني أبو مسعود، أن رجلا قال: والله يا رسول الله، إني لأتأخر عن صلاة الغداة، من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال:"إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس، فليتجوز، فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وهذا الحديث أيضًا مما انتُقد على المصنّف، فقد ثبت قول قيس: أخبرني أبو مسعود رضي الله عنه، فتفطّن. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَصَحِبَ عَلِيًّا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا).
(1) أخرجه البخاريّ في "بدء الخلق" 6/ 403 ومسلم في "الإيمان" 2/ 218.
(2)
رواه البخاريّ في "الكسوف" 3/ 611. ومسلم 2/ 218.