الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ، إِلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ -يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ- فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ، فَقَالَ رحمه الله: كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ).
رجال هذا الإسناد: أربعة:
1 -
(محمد بن رافع) أبو عبد الله النيسابوريّ الحافظ، تقدّم في 3/ 18.
2 -
(حجاج بن الشاعر) المذكور في السند الماضي.
3 -
(عبد الرزّاق) بن همّام، أبو بكر الصنعانيّ الحافظ المشهور، تقدّم في 3/ 18.
4 -
(معمر) بن راشد، أبو عروة البصريّ، ثم اليمنيّ الثقة الثبت، تقدّم في 3/ 18. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
عن عبد الرزاق، أنه (قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ) أي ابن راشد (مَا) نافية (رَأَيْتُ أَيُّوبَ) السختيانيّ (اغْتَابَ أَحَدًا) أي ذكره بما يكره من العيوب التي فيه، فإن لم تكن فيه، فهو بُهتان، وهو أشدّ، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته".
(قَطُّ) تقدّم قريبًا الكلام في ضبطها: أي فيما مضى من الزمن (إِلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ - يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ-) هو: عبد الكريم بن أبي الْمُخَارق، واسمه قيس، ويقال: طارق المعلم البصري، نزل مكة. روى عن أنس بن مالك، وعمرو بن سعيد بن العاص، وطاووس، وغيرهم. وروى عنه عطاء، ومجاهد، ومحمد بن إسحاق، وابن جريج، وغيرهم. قال معمر: سألني حماد -يعني ابن أبي سليمان- عن فقهائنا، فذكرتهم، فقال: قد تركت أفقههم، يعني عبد الكريم أبا أمية، قال أحمد بن حنبل: كان يوافقه على الإرجاء. وقال ابن معين: ثنا هشام بن يوسف، عن معمر، قال: قال أيوب: لا تأخذوا عن أبي أمية عبد الكريم، فإنه ليس بثقة. وقال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدثان عنه. وسألت عبد الرحمن عن حديث من حديثه، فقال: دعه، فلما قام ظننت أنه يحدثني به فسألته، فقال: فأين التقوى. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان ابن عيينة يستضعفه، قلت له: هو ضعيف؟ قال: نعم. وقال الدوري عن ابن معين: قد روى مالك عن عبد الكريم، أبي أمية، وهو بصري ضعيف. وقال خالد
الحذاء: كان عبد الكريم إذا سافر يقول أبو العالية: اللهم لا ترد علينا صاحب الأكسية. وعَدّه أبو داود من خير أهل البصرة. وقال النسائي، والدارقطني: متروك. وقال السعدي: كان غير ثقة. وكذا قال النسائي في موضع آخر. وقال ابن حبان: كان كثير الوهم، فاحش الخطأ، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به. وقال أبو داود، والخليلي، وغير واحد: ما روى مالك عن أضعف منه. وقال الحاكم، أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال الجزري: غيره أوثق منه. وذكره ابن الْبَرْقي في طبقة من نُسِب إلى الضعف. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن عبد البر: مجمع على ضعفه. ومن أجلّ من جرحه أبو العالية، وأيوب مع ورعه، غَرّ مالكا سَمْتُهُ، ولم يكن من أهل بلده، ولم يخرج عنه حكما، إنما ذكر عنه ترغيبًا. روى له البخاري تعليقًا، ومسلم حديثًا واحدًا، وأبو داود في "المسائل"، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الحافظ أبو محمد المنذري: لم يخرج له مسلم شيئا أصلًا، لا متابعة، ولا غيره، وإنما أخرج لعبد الكريم الجزري. مات سنة (127) كما جزم به البخاري في "تاريخه الكبير". وفي تاريخ ابن أبي خيثمة ما يقتضي أنه مات سنة ست وعشرين ومائة، وكذلك صرح به في موضع آخر من "تاريخه". فالله أعلم. وقال في "التقريب": ضعيفٌ، له في البخاريّ زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عبّاس في الذكر عند القيام، قال سفيان: زاد عبد الكريم، فذكر شيئًا، وهذا موصول، وعلّم له المزّيّ علامة التعليق، وليس هو معلّقًا، وله ذكر في مقدمة مسلم، وما روى له النسائيّ إلا قليلًا، من السادسة. انتهى.
(فَإِنَّه) أي أيوب (ذَكَرَهُ) أي ذكر عبد الكريم (فَقَالَ رحمه الله الظاهر أن هذه الجملة الدعائيّة من قوِل معمر، دعاء لشيخه أيوب، وأما كونها من أيوب دعاء لعبد الكريم، ففيه بُعْدٌ (كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ) ثم استدلّ على عدم كونه ثقة بقوله: (لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ) قال صاحب "التنبيه": لا أعرف هذا الحديث (لِعِكْرِمَةَ) الظاهر أنه مولى ابن عبّاس رضي الله عنهما (ثُمَّ قَالَ) أي عبد الكريم (سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ) أي ادّعى أنه سمع ذلك الحديث الذي أخبره أيوب عن عكرمة.
قال النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى: هذا القطع بكذبه، وكونه غير ثقة بمثل هذه القضية، قد يُستَشكل من حيث إنه يجوز أن يكون سمعه من عكرمة، ثم نسيه، فسأل عنه، ثم ذكره، فرواه، ولكن عُرِف كذبه بقرائن. انتهى (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما أشار إليه النوويّ أن ما ذكره أيوب
(1)"شرح مسلم" 1/ 104.
على تكذيب عبد الكريم ليس كافيًا، إلا بانضمام قرائن خارجيّة، فإن مثل هذا لو وُجد من ثقة حافظ لقُبل منه حملًا على أنه سمعه من الشيخ، ثم نسيه، فلما سأل من سمعه من ذلك تذكّره، فجعل يحدّث به من الشيخ، لكن لما ثبت عند أيوب كذب عبد الكريم بقرائن أخرى، ضمّ إليها هذا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
69 -
(حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى، فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: كَذَبَ، مَا سَمِعَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا، يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
1 -
(الفضل بن سهل) الأعرج البغداديّ، خراسانيّ الأصل، ثقة تقدّم في 4/ 41.
2 -
(عفّان بن مسلم) الصفّار البصريّ الثقة الثبت، تقدّم في 4/ 24.
3 -
(همّام) بن يحيى بن دينار الأزدي الْعَوْذي الْمُحَلِّمِيّ (1) مولاهم، أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر البصري.
رَوَى عن عطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن أبي طلحة، وزيد بن أسلم، وأبي جمرة الضبعي، وقتادة، وغيرهم. ورَوَى عنه الثوري، وابن المبارك، وابن علية، وعفّان، وغيرهم.
قال عُمَر بن شَبّةَ عن عفان: كان يحيى بن سعيد يَعتَرض على همام في كثير من حديثه، فلما قَدِم معاذ نظرنا في كتبه، فوجدناه يوافق هماما في كثير مما كان يحيى ينكره، فكفّ يحيى بعدُ عنه. وقال أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون: كان همام قويا في الحديث. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: همام ثبت في كل المشايخ. وقال الأثرم عن أحمد: كان عبد الرحمن يرضاه. وقال أبو حاتم عن أحمد: سمعت ابن مهدي يقول: همام عندي في الصدق مثل ابن أبي عروبة. وقال ابن مُحْرِز عن أحمد: همام ثقة، وهو أثبت من أبان العطار في يحيى بن أبي كثير. وقال الدُّوري عن ابن معين: كان يحيى بن سعيد يروي عن أبان، ولا يروي عن همام، وهمام عندنا أفضل من أبان.
(1)"العوذيّ" -بفتح العين المهملة، وسكون الواو، وكسر الذال المعجمة-: نسبة إلى عَوْذ بطن من الأزد. قاله في "اللبّ" 2/ 123. و"الْمُحَلّميّ" -بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد اللام المكسورة-: نسبة إلى مُحَلِّم بن ذُهل بن شيبان. قاله في "الأنساب" 5/ 216.
وقال الحسين بن الحسن الرازي عن ابن معين: ثقة، صالح، وهو أحب إلي في قتادة من حماد بن سلمة. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: همام في قتادة أحب إلي من أبي عوانة. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين مثله، وزاد: قلت: همام أحب إليك في قتادة، أو أبان؟ قال: ما أقربهما، كلاهما ثقتان. وقال ابن المديني لما ذكر أصحاب قتادة: كان هشام أرواهم عنه، وسعيد أعلمهم به، وشعبه أعلمهم بما سمع عن قتادة مما لم يسمع، قال: ولم يكن همام عندي بدون القوم فيه، ولم يكن ليحيى فيه رأي، وكان ابن مهدي حسن الرأي فيه. وقال ابن عمار: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بهمام، ويقول: ألا تعجبون من عبد الرحمن يقول: من فاته شعبة يسمع من همام. وقال عمرو ابن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن همام، وكان عبد الرحمن يحدث عنه. قال: وسمعت إبراهيم بن عرعرة قال ليحيى: ثنا عفان، ثنا همام، فقال له: اسكت ويحك. قال عمرو بن علي: الأثبات من أصحاب قتادة بن أبي عروبة، وهشام، وشعبة، وهمام. وقال ابن المبارك: همام ثبت في قتادة. وقال محمد بن المنهال الضرير: سمعت يزيد بن زريع يقول: همام حفظه رديء، وكتابه صالح. وقال ابن سعد: كان ثقة، ربما غَلِطَ في الحديث. وقال ابن أبي حاتم سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: لا بأس به. قال: وسئل أبي عن همام وأبان من تقدم منهما؟ قال: همام أحب إلي ما حدث من كتابه، وإذا حدث من حفظه فهما متقاربان في الحفظ والغلط. قال: وسألت أبي عن همام؟ فقال: ثقة صدوق، في حفظه شيء، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة، وأبان العطار، في قتادة. وقال ابن عدي: أخبرني إسحاق بن يوسف، أظنه عن عبد الله ابن أحمد عن أبيه: قال: شهد يحيى بن سعيد في حداثته شهادة، فلم يَعُدّله همام، فنَقِمَ عليه. وقال ابن أبي خيثمة: قال عبد الرحمن بن مهدي: ظَلَمَ يحيى بن سعيد همام ابن يحيى، لم يكن له به علم، ولا مجالسة. وقال الحسن بن علي الحلواني: سمعت عفان يقول: كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه، ولا ينظر فيه، وكان يخالَف، فلا يرجع إلى كتابه، ثم رجع بعدُ فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرا، فنستغفر الله تعالى.
قال الحافظ: وهذا يقتضي أن حديث همام بآخره أصح ممن سمع منه قديمًا، وقد نص على ذلك أحمد بن حنبل. وقال أبو بكر البرديجي: همام صدوق، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وأبان العطار أمثل منه. وقال العجلي: بصري ثقة. وقال الحاكم: ثقة حافظ. وقال الساجي: صدوق سيىء الحفظ، ما حدث من كتابه فهو صالح، وما حدث من حفظه فليس بشيء. وقال ابن عدي: وهمام أشهر، وأصدق من أن يُذكر له حديث، وأحاديثه مستقيمة عن قتادة، وهو متقدم في يحيى بن أبي كثير. قال