الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفلّاس، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيّان، ومحمد بن عوف الطائيّ الحمصيّ، وأبو زرعة الدّمشقيّ، وأبو بكر الرازيّ، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، وغيرهم، وسيأتي ما نُقِل عن هؤلاء من تفتيشهم عن محلّ السماع في السند المعنعن، إن شاء الله تعالى.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ) أي مدّعي علم الحديث، وليس من أهله، قال المجد في "القاموس": وانتحله، وتنَحّله: ادّعاه لنفسه، وهو لغيره. انتهى. وقال في "اللسان": والنِّحْلَةُ -بالكسر-: الدعوى، وانتحل فلان شعر فلان، أو قول فلان: إذا ادّعاه أنه قائله، وتنحّله: ادّعاه، وهو لغيره. انتهى. والمراد أن هذا القائل ليس من أهل الحديث، وإنما هو دعيّ فيه (مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، فِي تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ) متعلّق بـ "منتحلي": أي في الحكم بأنها صحيحة (وَتَسْقِيمِهَا) أي الحكم بأنها مُعَلّة، غير صحيحة (بِقَوْلٍ) متعلّق بـ "تكلّم"(لَوْ) شرطيّة، وفسّرها سيبويه بأنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وفسّرها غيره بأنها حرف امتناع لامتناع (1) ولا يليها غالبا إلا ماضي المعنى، ويقلّ كونه مستقبل المعنى، قال في "الخلاصة":
"لَوْ" حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ وَيَقِلّ
…
إِيلَاؤُهُ مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ
(ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ) أي أعرضنا، وكففنا عن ذكره. قال النوويّ رحِمَهُ الله تعالى: كذا هو في الأصول: "ضربنا"، وهو صحيح، وإن كانت لغة قليلة، قال الأزهريّ: يقال: ضربتُ عن الأمر، وأضربتُ عنه: بمعنى كففتُ، وأعرضتُ، والمشهور الذي قاله الأكثرون: أضربتُ بالألف. انتهى (2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى القلّة في "ضربنا" محلّ نظر؛ إذ قرىء به في السبعة في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} الآية [الزخرف: 5]. قال ابن منظور: وضرَب عنه الذكر، وأضرب عنه: صَرَفه. وأضرب عنه: أي أعرض. وقوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} : أي أنُهملكم، فلا نُعرّفكم ما يجب عليكم؛ لأَنْ كنتم قومًا مسرفين: أي لأن أسرفتم. والأصل في قوله: ضربتُ عنه الذكر، أن الراكب إذا ركب دابّة، فأراد أن يصرفه عن جهته، ضربه بعصاه ليعدله عن الجهة التي يُريدها، فوُضِع الضرب موضع الصرف والْعَدْل. يقال: ضربتُ عنه، وأضربت. وقيل في قوله:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} : إن معناه: أفنضرب القرآن عنكم، ولا ندْعوكم إلى
(1) هذه العبارة هي المشهورة، والأولى أصحّ، انظر حاشية الخضري على ابن عقيل 2/ 196.
(2)
"شرح مسلم" 1/ 128 - 129.
الإيمان به صفحًا: أي معرضين عنكم، أقام "صفحًا" وهو مصدرٌ مقام صافحين، وهذا تقريع لهم، وإيجاب للحجة عليهم، وإن كان لفظه لفظ استفهام. انتهى (1).
(وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا) قال السمين الحلبيّ رحِمَهُ الله تعالى في إعراب الآية المذكورة: قوله: {صَفْحًا} فيه خمسة أوجه: أحدها: أنه مصدر في معنى يَضرب؛ لأنه يقال: ضرب عن كذا، وأضرب عنه: يعني أعرض عنه، وصرف وجهه عنه، والتقدير: أفنصفح عنكم الذكر: أي أفنزيل القرآن عنكم إزالةً ينكر عليهم ذلك. الثاني: أنه منصوب على الحال من الفاعل: أي صافحين. الثالث: أن ينتصب على المصدر المؤكّد لمضمون الجملة، فيكون عامله محذوفًا، نحو:{صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: 88]. قاله ابن عطيّة. الرابع: أن يكون مفعولًا لأجله. الخامس: أن يكون منصوبًا على الظرف. قال الزمخشريّ: و {صَفْحًا} على وجهين: إما مصدر من صَفَح عنه: إذا أعرض عنه، منتصبٌ على أنه مفعول له على معنى: أفنَعزل إنزال القرآن، وإلزام الحجة به إعراضًا عنكم. وإما بمعنى الجانب، من قولهم: نظر إليه بصفح وجهه، وصفح وجهه بمعنى أفننحيه عنكم جانبًا، فينتصب على الظرف، نحو ضَعه جانبًا، وامش جانبًا، ويعضده قراءة "صُفْحًا" بالضمّ. قال السمين: يشير إلى قراءة حسان بن عبد الرحمن الضبعيّ، وسميط بن عمر، وشُبيل بن عزرة قرأوا "صُفْحًا" بضم الصاد، وفيها احتمالان: أحدهما: ما ذكره من كونه لغة في المفتوح، ويكون ظرفًا. وظاهر عبارة أبي البقاء أنه يجوز فيه ما جاز في المفتوح؛ لأنه جعله كالسَّدّ والسُّدّ. الثاني: أنه جمع صَفُوح، نحوُ صَبُور وصُبُر، فيُنصب حالا من فاعل نضرب. انتهى (2).
قال الجامِع عفا الله تعالى عنه: يستفاد مما سبق أن نصب قول المصنّف رحِمَهُ الله تعالى: "صفحًا" يحتمل الأوجه الخمسة: لأنه إما مفعول مطلق مُلاقٍ لعامله، وهو "ضربنا". أو منصوب على الحال من الفاعل: أي صافحين. أو مؤكّد لمضمون الجملة، فيكون عامله محذوفًا، نحو قوله تعالى:{صُنْعَ اللَّهِ} : أي صفحنا صفحًا. أو مفعول لأجله. أو يكون بمعنى جانب منصوبًا على الظرفيّة: أي ضربنا عنه جانبًا. والله تعالى أعلم.
وقوله: (لَكَان رَأْيًا مَتِينًا) جواب "لو". و"المتين" بفتح الميم: فعيل بمعنى فاعل، من مَتُن الشيء، من باب كرُم: إذا اشتدّ، وقَوِي: أي لكان إعراضنا عنه، وعدم ذكرنا
(1) راجع "لسان العرب" 1/ 546 - 547.
(2)
راجع "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" 6/ 91 - 92.
له رأيا قويّا. وقوله: (وَمَذْهَبًا صَحِيحًا) مؤكّد لما قبله (إِذ الإعراض)"إذ" تعليليّة: أي لأن الإعراض (عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ) أي المرميّ، وهو بضم الميم، وتشديد الطاء المهملة: اسم مفعول من باب الافتعال، مبالغة في الطرح: أي الرمي (أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ) أي أحقّ وأولى لإماتة ذلك القول، وإعدامه. (وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ) أي إسقاطه، والخامل بالخاء المعجمة: الساقط، يقال: خمل الرجل خُمُولًا، من باب قعد، فهو خامل: أي ساقط النَّبَاهة، لا حظّ له، مأخوذ من خَمَل المنزل خُمُولًا: إذا عَفَا ودَرَس. قاله الفيّومي (1). (وَأَجْدَرُ) أي أحقّ (أنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ) أي ذكره، وإشاعته (تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ) فيه أن ذكر القول السيّىء، والفعل السخيف يكون ضررًا على العوامِّ، إذ فيه تنبيه لهم، وإلفات لأنظارهم نحوه، وربّما يتسبّب لاقتفاء آثارهم السيّئة (غيْرَ أَنَّا) بفتح الهمزة؛ لوقوعه موقع المضاف إليه (لَمَّا) -بفتح اللام، وتشديد الميم- أي حين (تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ) جمع عاقبة، وهي آخر الشيء، وإضافة "شرور" إليه بمعنى "في": أي من الشرور الحاصلة في آخر الأمر (وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ) -بفتحتين- جمع جاهل، ككامل وكملة (بِمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ) -بضم الميم، وفتح الدال المهملة: جمع مُحدَثة، وهي الأمور التي ابتدعها أهل الأهواء. قاله الفيّوميّ. وإضافته إلى "الأمور" من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي الأمور المحدثة، والجار والمجرور متعلّق بـ "الجهلة"(وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإِ الْمُخْطِئِينَ) أي تصويبه، يعني أنهم لجهلهم إذا سمعوا، أو رأوا شيئا محدثًا يعتقدونه صوابًا (وَالْأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ) بالجرّ عطفًا على "اعتقاد" (عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) متعلّق بـ "ساقطة": أي الأقوال التي لا قيمة لها عندهم؛ لكونها خطأ (رَأَيْنَا الْكَشْفَ) أي الإيضاح والتبيين (عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ) أي قول المنتحل (وَرَدَّ مَقَالَتِهِ) بنصب "ردّ" عطفًا على "الكشف"، ويحتمل جرّه عطفًا على "فساد": أي رأينا الكشف عن ردّ مقالته (بقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا) أي يناسبها. يقال: لاق الشيءُ بغيره يليق به: إذا لزِقَ، وما يليق به أَن يفعل كذا: أي لا يَزْكُو، ولا يناسبه. أفاده الفيّوميّ. (مِنَ الرَّدِّ) بيان لما يليق. وقوله:(أَجْدَى عَلَى الأَنَامِ) مفعول ثانٍ لرأينا. ومعناه: أفضل لهم، قال الفيّوميّ رحِمَهُ الله تعالى: جدا فلان علينا جَدْوًا، وجَدًا، وزانُ عصًا: إذا أفضل، والاسم الْجَدْوى، وجدوته، واجتديته، واستجديته: سألته، فأجدى عليّ: إذا أعطاك، وأجدى أيضًا: أصاب الْجَدْوى، وما أجدى فعله شيئًا مستعار من الإعطاء، إذا لم يكن فيه نفعٌ، وأجدى عليك الشيءُ: كفاك. انتهى (2).
و"الأنام" كسحاب، والآنام كساباط، والأنيم كأمير: الخلق، أو الجنّ والإنس،
(1)"المصباح المنير" 1/ 182.
(2)
"المصباح المنير" 1/ 94.