المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إيضاح الشرح التفصيلي لهذه الفقرة: - قرة عين المحتاج في شرح مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌لطائف هذا الإسناد:

- ‌شرح الحديث:

- ‌لطائف هذا الإسناد:

- ‌شرح الحديث:

- ‌شرح الأثر:

- ‌مسألتان تتعلّقان بهذا الأثر:

- ‌لطائف هذا الإسناد:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌لطائف هذا الإسناد:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌‌‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌شرح الأثر:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌(المسألة الأولى): في حدّ الغيبة لغةً، وشرعًا:

- ‌(المسألة الثانية): في حكم الغيبة:

- ‌(المسألة الرابعة): قد وردت أحاديث في فضل من ردّ عن عرض أخيه:

- ‌(المسألة الخامسة): في المواضع التي تباح فيها الغيبة:

- ‌[تنبيهات]:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌مسائل تتعلقّ بهذا الحديث:

- ‌(المسألة الأولى): في تخريجه:

- ‌(المسألة الثانية): في فوائده:

- ‌(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌مسألتان تتعلّقان بالحديث المذكور:

- ‌(المسألة الأولى): في تخريجه:

- ‌(المسألة الثانية): في فوائده:

- ‌مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

- ‌(المسألة الأولى): في تخريجه:

- ‌(المسألة الثانية): في فوائده:

- ‌مسائل تتعلّق بحديث جابر رضي الله عنه هذا:

- ‌(المسألة الأولى): في تخريجه:

- ‌(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في أكل لحوم الخيل:

- ‌(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في أكل لحوم الحمر الأهليّة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجمالّي لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجمالّي لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

- ‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

- ‌[تنبيهات]:

الفصل: ‌إيضاح الشرح التفصيلي لهذه الفقرة:

أن يؤلّفه على سبيل الاختصار كما بيّنه في أوائل هذه المقدّمة، وفيما ذكره هنا كفاية لمن تدبّر، وفَهِم مذهب المحدّثين فيما قاموا به من بيان معايب الرواة، والكشف عن مساويهم.

ثم بيّن سبب إلزام المحدّثين أنفسهم الكشفَ عن معايب الرواة المجروحين، وأفتوا به من سألهم، مع أن عرض المسلم حرام كدمه، وذلك لما في رواياتهم من الخطر العظيم؛ لأن الأحاديث إنما تأتي بتحليل الحلال، أو تحريم الحرام، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو الترغيب في الخير، والتحذير عن الشرّ، وهذه الأحكام إنما تؤخذ من أدلّتها الشرعيّة، ومنها الأحاديث، فإذا كان الراوي لها غير متّصف بالعدالة، وهي المراد بالصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من يَعلَم حاله من كونه غير عدل، وسكت عن بيان ما فيه من عدم الأهليّة للرواية، ولم يبيّن ذلك لمن لا يعلمه كان آثمًا بسكوته، غاشّا للمسلمين مع أن الواجب عليه النصيحة؛ فقد أخرج مسلم قوله:"الدين النصيحة"، وذلك لأنه لا يؤمن أن يستعمل بعض الناس ممن سمع تلك الأحاديث المروية من ذلك المجروح، أو بعضها، ولعلها أكاذيب لا يصحّ شيء منها، على أنه لا حاجة إليها؛ لكثرة الأحاديث الصحاح الكافية للاحتجاج بها، والعمل بمقتضاها.

ثم بيّن أن الحامل لكثير ممن يميل إلى نقل الأحاديث الواهية، وروايتها للناس مع علمهم بضعفها ليس إلا إرادة التكثّر بذلك عند عوامّ الناس حيث يقولون: ما أكثر ما جمعه فلان من الأحاديث الكثيرة، ومن ذهب هذا المذهب، وسلك هذا الطريق، فليس له نصيب من حمل العلم، بل كان تسميته جاهلًا أولى من أن يسمّى عالمًا؛ إذ لو كان عالمًا لحمله علمه على الورع والتقوى، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} الآية. والله تعالى أعلم.

‌إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(قَالَ مُسْلِم) صاحب الكتاب، والظاهر أنه من كلامه رحمه الله تعالى، ويحتمل أن يكون من الرواة عنه (وَأَشْبَاهُ) -بفتح الهمزة: جمع شَبَه بفتحتين، وبكسر، فسكون، وكأمير: الأمثال. أفاده في "القاموس". وقال في "المصباح": الشَّبَهُ بفتحتين، والشبيه، مثلُ كريم، والشِّبْهُ، مثل حِمْلٍ: المشابه. وَشَبَّهْتُ الشيءَ بالشيء: أقمته مُقامه لصفة جامعة بينهما، وتكون الصفة ذاتيّة، ومعنويّةً، فالذاتيّة: نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد. والمعنويّة: نحو زيد كالأسد، أو كالحمار: أي في شدّته،

ص: 299

وبلادته. وزيد كعمرو: أي في قوّته، وكرمه، وشبهه. وقد يكون مجازًا: نحو الغائب كالمعدوم، والثوب كالدرهم: أي قيمة الثوب تُعادل الدرهم في قدره. انتهى (1).

فـ"أشباه" مبتدأ، مضاف إلى قوله:(مَا) موصولة: أي الذي (ذَكَرْنَا) حُذف ضمير النصب؛ لكونه فضلةً، قال في "الخلاصة":

وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لم يَضِرْ

كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرْ

وقوله: (مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ) بيان لما الموصولة (فِي مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ) متعلّق بكلام: أي في الرواة الذين يُتّهمون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإضافة "متّهمي" إلى "رواة" من إضافة الصفة للموصوف، وإضافة "رواة" إلى الحديث بمعنى اللام (وَإِخْبَارِهِمْ) بكسر الهمزة عطف على "كلام" من عطف المبيِّن بالكسر على المبيّن بالفتح (عَنْ مَعَايِبِهِمْ) بفتح الميم: أي عيوبهم. قال في "اللسان"(2): والْمَعَايب: العيوب، وشيء مَعِيبٌ، ومَعيُوبٌ على الأصل. وتقول: ما فيه مَعَابةٌ، ومَعَابٌ: أي عَيْبٌ، ويقال: موضع عيب. قال الشاعر [من الوافر]:

أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ عِبْتُمُوهُ

وَمَا فِيهِ لِعَيَّابٍ مَعَابُ

وقوله: (كَثِيرٌ) خبر "أشباه"(يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ) أي المبالغة فيه، يقال: استقصى في المسألة، وتقصّى: إذا بلغ الغاية. قاله في "القاموس". والمعنى: أننا لو ذكرنا ما قاله أهل العلم في بيان المجروحين من الرواة، وتتبعنا جميعه لطال هذا الكتاب، وخرجنا من المطلوب؛ لأن الذي طلب منه أن يؤلّف له هذا الكتاب شرط عليه أن لا يكثر عليه، كما فصّله في أول الكتاب. (وَفِيمَا ذَكَرْنَا) أي من أمثلة المجروحين، والجار والمجرور خبر مقدّم، لقوله:(كِفَايَةٌ) أي استغناء عن غيره، يقال: كفى الشيءُ كفايةً، فهو كافٍ: إذا حصل به الاستغناء عن غيره. واكتفيت بالشيء: استغنيتُ به، أو قَنِعتُ به. قاله الفيّومي (3)(لِمَنْ تَفَهَّمَ) أي عرف بالتدريج، قال في "القاموس": وتفهّمه: فهمه شيئًا بعد شيٍء. وقال: فهِمه، كفرح فَهْمًا، ويُحرّك، وهي أفصح، وفَهامة -بالفتح- ويُكسر، وفهاميّة: علمه، وعرفه بالقلب. انتهى. وقال الشارح: قوله: علمه وعرفه بالقلب فيه إشارة إلى الفرق بين الفهم والعلم، فإن العلم مطلق الإدراك، والفهم سُرعة انتقال النفس من الأمور الخارجيّة إلى غيرها. وقيل: تصوّر المعنى من اللفظ. وقيل: هيئة للنفس يتحقّق بها ما يحسن. وفي "إحكام الآمديّ": الفهم: جَوْدة الذهن من جهة

(1)"المصباح المنير" 1/ 303.

(2)

راجع "لسان العرب" 1/ 634.

(3)

"المصباح المنير" 2/ 537.

ص: 300

تهيّئه لاقتناص ما يَرِد عليه من المطالب. انتهى (1).

وعطف قوله: (وَعَقَلَ) -بفتح القاف، وكسرها- على ما قبله من عطف المؤكّد -بالكسر- على المؤكَّد -بالفتح-؛ إذ العقل معناه الفهم، قال في "اللسان": عقل الشيءَ عَقْلًا: فهمه. انتهى. وفي "المصباح": وعقلتُ الشيءَ عَقْلًا، من باب ضَرَب تدبّرته. وعَقِل يعقَلُ من باب تَعِب لغة. انتهى. وقوله (مَذْهَبَ الْقَوْمِ) بالنصب تنازعه الفعلان قبله، كما قال في "الخلاصة":

إِنْ عَامِلَان اقْتَضَيَا فِي اسْمِ عَمَلْ

قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ

وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ البَصْرَهْ

وَاخْتَارَ عَكْسًا غَيْرُهُمْ ذَا أُسْرَهْ

أي عرف طريقهم (فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ) أي مما ذكروا من جرح المتّهمين وغيرهم من الضعفاء. وعطف قوله: (وَبَيَّنُوا) -أي وضّحوه- على ما قبله من عطف المؤكّد على المؤكّد أيضًا.

ولَمّا كان عرض المسلم أمرًا خطرًا، كدمه، وماله، لا يحلّ انتهاكه إلا بمسوّغ شرعيّ، وذلك للحديث المتّفق عليه من حديث ابن عباس، وابن عمر، وأبي بكرة، رضي الله عنهم مرفوعًا بألفاظ مختلفة: "فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا

" الحديث. ولما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا أيضًا: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه"، بيّن المصنّف رحمه الله تعالى الحامل لأهل العلم على كشف معايب الرواة، فقال:

(وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا) أي أهل العلم. وقوله: (أَنْفُسَهُمُ) مفعول، وقوله:(الْكَشْفَ) مفعول ثان (عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ) متعلّق بالكشف، والإضافة بمعنى اللام، كما سبق بيانه، ومثله قوله:(وَنَاقِلِي الْأَخْبَارِ) بفتح الهمزة: جمع خبر، وقد اختُلف هل الخبر والحديث بمعنى واحد، وهو الراجح، أم لا؟ قال في "شرح النخبة": الخبر عند علماء هذا الفنّ مرادف للحديث. وقيل: الحديث ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثمّ قيل لمن يشتغل بالتواريخ، وما شاكلها: الإخباريّ، ولمن يشتغل بالسنة النبويّة: المحدّث. وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلقٌ، فكلّ حديث خبر، من غير عكس. انتهى (2) وقد تقدم البحث في هذا مُسْتَوْفًى في أوائل هذا الشرح، فراجعه تزدد علمًا.

(1)"تاج العروس من جواهر القاموس" 9/ 16.

(2)

راجع "شرح نخبة الفكر" ص 153 - 154 بنسخة "شرح الشرح".

ص: 301

(وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ) بالبناء للفاعل: أي بينوا ما ذُكر من المعايب، فاسم الإشارة يرجع إلى المعايب، وإنما أفرده باعتبار المذكور. قال الفيّوميّ: أفتى العالم: إذا بيّن الحكم. (حِينَ سُئِلُوا) بالبناء للمفعول، والظرف متعلّق بـ "أفتوا" (لِمَا) بكسر اللام متعلّقٌ بـ "ألزموا" (فِيهِ) الضمير يعود على اسم الإشارة قبله: أي لما في معايب الرواة (مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ) من إضافة الصفة للموصوف: أي من الخطر العظيم، و"الخطر" بفتحتين: الإشراف على الهلاك، وخوف التلَف. قاله في "المصباح".

(إِذِ) تعليليّة: أي لأن (الْأَخْبَارُ) بفتح الهمزة: جمع خبر (فِي أَمْرِ الدِّينِ) متعلّق بحال محذوف: أي حال كونها كائنة في أمر الدين؛ إذ القاعدة أن الجملة والظرف، والجارّ والمجرور بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات. ويحتمل أن يكون المقدّر صفة، بناء على أن المعرّف بـ "أل" الجنسية كالنكرة، كقول الشاعر [من الكامل]:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

فَمَضَيْتُ ثُمَّةَ قُلْتُ لَا يَعْنِينِي

(إِنَّمَا تَأْتِي، بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ، أَوْ تَرْهِيبٍ) فيه أن المصنّف رحمه الله تعالى مذهبه أن الترغيب والترهيب، كالتحليل والتحريم، ونحوهما لا يثبُت إلا بالأخبار الصحيحة، وهذا هو المذهب الحقّ، فما اشتهر من أنها تثبت بالأحاديث الضعاف، قولٌ مرذول، والله تعالى أعلم.

(فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ) -بفتح الميم، وسكون العين، وكسر الدال المهملتين، آخره نون- قال في "القاموس": المَعْدِن كمجلِسٍ: منبت الجواهر، من ذهب ونحوه؛ لإقامة أهله فيه دائمًا، أو لإنبات الله عز وجل إياه فيه. انتهى. وقال في "المصباح": المعدن مثالُ مجلسٍ: اسم المكان؛ لأن أهله يقيمون عليه الصيف والشتاء، أو لأن الجوهر الذي خلقه الله فيه عَدَن به: أي أقام. قال في "مختصر العين": مَعْدِن كلّ شيء حيث يكون أصلُهُ. انتهى. والمراد هنا: أن الراوي ليس محلًّا (لِلصِّدْقِ) بكسر، فسكون: خلاف الكذب (وَالْأَمَانَةِ) بالفتح: خلاف الخيانة، وعطفه على ما قبله من عطف العامّ على الخاصّ؛ لأن الصدق أن لا يُخبر بخلاف الواقع، والأمانة تعمّ هذا، وتعمّ ما إذا أخبر بالواقع، ولكنه ليس له، بأن أخبر بالحديث الصحيح، مما لم يسمعه. والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ أَقْدَمَ) بالألف، قال الفيّومي: أقدم على قِرْنِه: اجترأ عليه. وفي "القاموس": أقدم على الأمر: شَجُعَ. انتهى (عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ) أي تشجّع، واجترأ على الرواية عن هذا الراوي الذي ليس معدنا للصدق (مَنْ) بالفتح، موصولة، فاعل "أقدم"(قَدْ عَرَفَهُ) أي عرف أنه ليس معدنا للصدق (وَلَمْ يُبَيِّنْ) بالبناء للفاعل، من التبيين، وهو التوضيح

ص: 302

(مَا فِيهِ) أي من الجرح الذي يمنع قبول روايته (لِغَيْرِهِ) من السامعين (مِمَّنْ جَهِلَ) بكسر الهاء (مَعْرِفَتَهُ) أي معرفة حاله من الضعف (كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ) أي لسكوته على المنكر، وقد أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم بإزالته، فقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

(غَاشًّا) اسم فاعل من غَشّه غَشّا، من باب نصر، والاسم الْغِشّ بالكسر: أي لم يَنصحه، وزيّن له غير المصلحة. قاله الفيّوميّ (لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ) "العوام": جمع عامّة، وهو خلاف الخاصّة، مثلُ دابّة ودوابّ، والهاء في "العامّة" للتأكيد. قاله الفيّوميّ. وإضافة "عوام" للمسلمين بمعنى "من". والمراد بالعوام هنا من ليس لهم دراية بأحوال الرواة.

والمعنى أن من أقدم على الرواية عن هؤلاء يصير غاشّا للمسلمين، وقد ذمّ الشارع الغاشّ، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"من غشّ فليس منّي"، وفي لفظ الترمذي:"من غشّنا، فليس منّا". وأيضًا ترك الواجب عليه نحو المسلمين، وهو النصيحة لهم، وقد أخرج مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدين النصيحة"، قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

قال العلّامة الجزائريّ رحمه الله تعالى: وإنما قصر مسلم غشّهم على عوامّ المسلمين، مع أن كثيرًا من خواصّهم قد لحقهم من ذلك ما لحق عوامّهم؛ لأن الخواصّ كان يمكنهم أن يقفوا على حقيقة الأمر، ولكنهم قصّروا، فكأنه جعلهم هم الغاشّين لأنفسهم، فإن كثيرًا منهم كان إذا رأى حديثًا قد ذكره أحد أولئك الغاشّين للأمة في دينها من غير بيان لحاله، فإن كان موافقًا لرأيه، أو لرأي من يَهْوَى أن ينتصر له، كيفما كان الحال، بادر لنقله، ونشره، والاستشهاد به من غير بحث عنه، مع معرفته بأن في كثير مما يُروى الموضوعَ والضعيفَ الذي اشتدّ ضعفه، وإن كان مخالفًا لرأيه، أو لرأي من يحبّ أن ينتصر له، فإن وجده غير قابل للتأويل على وجه يوافق ما يذهب إليه تركه، وكثيرًا ما يخطر في باله أن مخالفه ربّما وقف عليه، واستند إليه، فيُعِدّ له حينئذ تأويلًا ربما كان هو أول الضاحكين على نفسه منه، وذلك استعدادًا لهجوم الخصم قبل أن يَهْجُم عليه، وإن وجده قابلًا للتأويل على وجه يوافق ما يَهوَاه تساوى عنده الحالات، وسكنت نفسه، ومن نظر في الكتب المؤلّفة في تخريج الأحاديث المذكورة في كثير من كتب الكلام، أو الفقه، أو الأصول، أو التفسير رأى من كثرة الأحاديث الضعيفة الواهية التي يوردونها للاحتجاج أمرًا هائلًا، وقد حكم أهل البصيرة من العلماء

ص: 303

الأعلام بأن هؤلاء الذين يوردونها للاستشهاد بها لا يُعذرون، إلا من لم يُقصّر منهم في البحث والاجتهاد، فإنه إذا أخطأ بعد ذلك لم يكن ملومًا. انتهى المقصود من كلام الجزائريّ (1). وهو بحث نفيس جدّا. والله تعالى أعلم.

(إِذْ) تعليليّة أيضًا: أي لأنه (لَا يُؤْمَنُ) بالبناء للمفعول، من الأمن: ضدّ الخوف (عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ) بكسر الميم، من باب فَهِم (تِلْكَ الْأَخْبَارَ) بفتح الهمزة (أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا) بالبناء للفاعل: أي يعمل بجميع ما دلت عليه. قال في "القاموس": واستَعْمَله: عَمِل به. انتهى. وقال في "المصباح": واستعملت الثوبَ ونحوَه: أي أعملته فيما يُعَدّ له. انتهى. (أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا) أي يعمل ببعض ما دلّت عليه (وَلَعَلَّهَا) أي لعلّ جميعها (أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ) -بفتح الهمزة-: جمع أُكذُوبة بضمها، وهو الخبر الكاذب (2). وقوله:(لَا أَصْلَ لَهَا) مؤكّد لما قبله.

قال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه": قوله: "ولعلها أو أكثرها الخ" هكذا هو في الأصول المحقّقة من رواية الفُرَاويّ، عن الفارسيّ، عن الْجُلُوديّ. وذكر القاضي عياض أنه هكذا في رواية الفارسيّ، عن الْجُلُوديّ، وأنها الصواب، وأنه وقع في روايات شيوخهم، عن الْعُذْريّ، عن الرازيّ، عن الْجُلُوديّ:"وأقلّها، أو أكثرها". قال القاضي: وهذا مُختَلّ، مُصَحَّفٌ (3). قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر، ولا ينبغي أن يُحكَم بكونه تصحيفًا، فإن لهذه الرواية وجهًا في الجملة لمن تدبّرها. انتهى (4).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن ما قاله القاضي، هو الصواب؛ إذ قوله:"وأقلها، أو أكثرها أكاذيب" غير مستقيم المعنى، وتأويله تكلّف بارد، فلا حاجة إليه مع وجود الرواية على المعنى الصحيح، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب.

ثم إنه لا حاجة إلى الأخبار الواهية؛ لأن الله أغنانا عنها بما صحّ لدينا من الأخبار، فقد أكمل لنا الدين بما أنزله في كتابه الكريم، وبما صحّ عن الذي قال الله عز وجل في حقّه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، قال الله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 38]، وقال: " {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: 44]، فقد بين مجمل الكتاب بما صحّ من أحاديثه، فلا مجال لذكر ما لم يصحّ عنه، كما أشار إليه المصنّف رحمه الله تعالى، بقوله:

(1) نقله في "فتح الملهم" 1/ 144.

(2)

راجع "المعجم الوسيط" 2/ 781.

(3)

راجع "إكمال المعلم" 1/ 162 - 163.

(4)

راجع "شرح مسلم" 1/ 124.

ص: 304

(مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ) بفتح الهمزة: جمع خبر بمعنى الحديث (الصِّحَاحَ) بكسر الصاد المهملة: جمع صحيح، وهو: ما جمع الشروط التي اعتبرها العلماء في قبول خبر الآحاد، وقد بيّنها الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى، كما تقدم بيان كلامه في أوائل بهذا الشرح.

(مِنْ رِوَايَةِ الثّقَاتِ) جمع ثقة، كعِدَة وعِدات. قال الفيّوميّ: وَثِقتُ به أَثِقُ بكسرهما ثِقةً، ووُثُوقًا: ائتمنته، وهو، وهي، وهم، وهنّ ثِقَة، أي يطلق الثقة بلفظ واحد على المفرد، وضدّه، والمذكر، وضدّه؛ لأنه مصدرٌ، وقد يُجمع في الذكور والإناث، فيقال: ثقات، كما قيل: عِدَات. انتهى (1).

(وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ) -بفتح القاف، وتخفيف النون: أي أهل الرضى، يقال: قَنِعتُ به قَنَعًا، من باب تَعِب، وقَنَاعةً: رَضِيتُه. وهو مجرورٌ عطفًا على "الثقات". والمراد المرضيّون عند الجميع، كما قال الله عز وجل:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية [البقرة: 282]. وهم العدول، كما قال تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية [الطلاق: 2]. وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "وأهل القناعة" هي: بفتح القاف: أي الذين يُقنع بحديثهم؛ لكمال حفظهم، وإتقانهم، وعدالتهم. انتهى (2).

وقوله: (أَكْثَرُ) بالرفع خبر "أنّ"(مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ) بالبناء للمفعول: أي يُلجأ، يقال: ضَرّه إلى كذا، واضطرّه بمعنى ألجأه إليه، وليس له منه بُدّ (3) (إِلَى نَقْلِ) أي رواية (مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ) فإضافة "نقل" إلى "من" من إضافة المصدر إلى فاعله. والمعنى: إلى العمل بحديث من ليس ثقة (وَلَا مَقْنَعٍ) -بفتح الميم، والنون، بينهما قاف ساكنة-: موضِع القناعة، والرضى به. قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: هو شاهد مَقْنَعٌ، مثالُ جَعْفَر: أي يُقْنَعُ به، ويُستعمل بلفظ واحد مطلقًا. انتهى (4).

ثم بيّن رحمه الله تعالى الباعث على رواية الأخبار الواهية، وهو حبّ المحمدة عند الناس، وهو مطلب ذميم، ومرتع وَخِيم، ومقصد خسيسٌ، ومطمح نجيس؛ {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} الآية [البقرة: 61]، فقال:

(وَلَا أَحْسِبُ) -بفتح السين، على القياس، وكسرها على السماع، قال الفيّوميّ: حَسِبت زيدًا قائمًا أَحْسَبه، من باب تَعِب في لغة جميع العرب، إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضًا على غير قياس. انتهى. والمعنى: لا أظنّ (كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ) بتشديد الراء، من التعريج، وهو الوقوف عند الشيء. يقال: ما

(1)"المصباح المنير" 2/ 647.

(2)

"شرح مسلم" 1/ 124.

(3)

"المصباح" 2/ 360.

(4)

"المصباح" 2/ 517.

ص: 305

عرّجت على الشيء بالتثقيل: أي ما وقفت عنده، وعرّجت عنه: عدَلتُ عنه، وتركته. قاله في "المصباح". (مِنَ النَّاسِ) بيان لمن (عَلَى مَا وَصَفْنَا) متعلّق بيعرّج (مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضِّعَافِ) "من" بيان لما. وعطف قوله:(وَالْأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ) على ما قبله؛ إيذانًا بأن ضعف أحدهما لا يستلزم ضعف الآخر، فقد يكون المتن صحيحًا، والسند ضعيفًا، وبالعكس. ويحتمل أن يكون من عطف الخاصّ على العامّ، بجعل الحديث شاملًا للسند والمتن.

و"الأسانيد" بفتح الهمزة: جمع سند بفتحتين (1)، وهو طريق المتن. (وَيَعْتَدُّ) بفتح أوله، من الاعتداد، يقال: اعتددت بالشيء على افتعلت: أي أدخلته في العدّ والحساب، فهو مُعتدّ به: محسوب، غير ساقط. قاله في "المصباح"(بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ، وَالضَّعْفِ) -بضم الضاد، وفتحها، وعطفه على ما قبله عطف تفسير؛ لأن التوهّن هو الضعف، ولعلّ جعله من باب التفعّل للتكثير (إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ) بفتح أوله، وكسر الميم: أي يُغريه، ويبعثه، يقال: حمله على الأمر يحمله، من باب ضرب: أغراه به. قاله في "القاموس"(عَلَى رِوَايَتِهَا، وَالِاعْتِدَادِ بِهَا، إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ) أي كثرة الأحاديث (بِذَلِكَ) أي بما ذكر من الأحاديث الضعاف (عِنْدَ الْعَوَامِّ) تقدّم تفسيرهم قريبًا (وَلأَنْ) بكسر اللام، وهي جارّة، "أن" مصدريّة، والظاهر أن اللام زائدة، والمصدر المؤوّل معطوف على "التكثّر": أي وإلا إرادة القول الخ (يُقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلَانٌ مِنَ الْحَدِيثِ)"ما" الأولى تعجبية، مبتدأ، و"أكثر" فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر وجوبا عائد على "ما"، والجملة خبر المبتدإ، و"ما" الثانية موصولة مفعول "أكثر"(وَأَلَّفَ) من التأليف، وهو أخصّ من الجمع؛ لأنه يحتاج إلى النظر في تناسب الأشياء، بخلاف الجمع، فإنه أعم من ذلك. وقوله:(مِنَ الْعَدَدِ) بيان لما جمع، وهو بمعنى المعدود: أي المعدود من الأحاديث الكثير.

(وَمَنْ ذَهَبَ فِي الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ) أي قصد هذا القصد، يقال: ذهب مذهب فلان: إذا قصد قصده وطريقته. قاله الفيّوميّ. وعلى هذا فعطف قوله: (وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ) من عطف التفسير على المفسّر (فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ) أي لا حظّ له في العلم. قال الفيّوميّ: النصيب: الْحِصّة، والجمع أَنْصِبةٌ، وأَنصباء، ونُصُبٌ بضمتين. انتهى.

والمعنى: أن من سلك هذا المسلك في جمعه للعلم لا يحصل له شيء مما أُعدّ لأهل العلم، من الفضل، والشرف في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ

(1) انظر "المعجم الوسيط" 1/ 454. ولعل هذا اصطلاح لأهل الحديث، وإلا فما أثبت أهل اللغة للسند جمعًا إلا الأسناد بفتح، فسكون، فليُحرّر. والله تعالى أعلم.

ص: 306

آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الآية [المجادلة: 11] الآية. وأخرج الشيخان عن معاوية رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين". وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نَفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحَفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بَطّأ به عمله لم يُسْرِع به نسبه".

وأخرج أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا، يبتغي فيه علمًا، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها، رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر"(1).

وعن صفوان بن عسّال المراديّ رضي الله عنه قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو في المسجد متّكىء على بُرد له أحمر، فقلت له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني جئت أطلب العلم، فقال:"مرحبًا بطالب العلم، إن طالب العلم تحُفّه الملائكة وتُظلّه بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضًا، حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبّتهم لما يطلُب". أخرجه أحمد، والطبراني بسند جيّد، واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

فهذا الفضل العظيم لا يحصل لمن سلك المسلك المذكور، بل خسر الدنيا والآخرة، فقد أخرج أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:"صحيح على شرط الشيخين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما مما يُبتَغَى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليُصِيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يَجِد عَرْفَ الجنة يوم القيامة" -يعني ريحها-.

وأخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به، فعَرّفه نعمه فعرفها، قال:

(1) الحديث قال الترمذي: ليس عندي بمتصل، ولكن الألباني حسّنه لغيره، انظر "صحيح الترغيب والترهيب" 1/ 138 - 139.

ص: 307

فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استُشهدتُّ، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحب أن يُنفَقَ فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار".

اللهم بارك لنا فيما علّمتنا، وزدنا علمًا، ولا تجعل علمنا وبالًا علينا بمنك وكرمك، آمين آمين آمين.

(وَكَانَ) ذلك الذاهب هذا المذهب (بِأَنْ يُسَمَّى) بالبناء للمفعول (جَاهِلًا أَوْلَى مَنْ أَنْ يُنْسَبَ) بالبناء للمفعول أيضًا (إِلَى عِلْمٍ) أي لأن علمه لم ينفعه، فهو والجاهل سواء في عدم الانتفاع بالعلم، بل أسوأ حالًا؛ لما أسلفناه من الوعيد الشديد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بهذا الباب، "باب الكشف عن معايب الرواة":

اعلم -رحمك الله تعالى- أن هذا الباب من أهم الأبواب التي ينبغي العناية بها؛ لأن فيه خطرًا عظيمًا، حيث يتضمّن هتك عرض المسلم، وهو من أخطر المسالك، وأدهى المهالك، وقد قال الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} الآية [الحجرات: 12]. وقد خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: "فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام

" الحديث، متّفقٌ عليه. وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدّثون، والحكام". وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما، فإن القدح إنما يجوز للضرورة، فليُقدّر بقدرها انتهى.

فإذا عرفت كون هذا الأمر من الخطورة بمكان، فينبغي أن نركّز فيه، ونوضّحه، حتى يتبيّن للناس ما فيه من العواقب الوخيمة، والنتائج الأليمة، فيكونوا على بصيرة من أمرهم، فنذكره في مسائل:

ص: 308