الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامّتها عن الضعفاء. قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مُجتنبًا، والثابت مَصدوفًا عنه مُطّرحًا، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلّهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلّمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدّثين، والأعلام من أسلافنا الماضين.
قال ابن رجب: وهذا الذي ذكره الخطيب حقّ، ونجد كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستة، ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزّار، ومعاجم الطبرانيّ، أو أفراد الدارقطنيّ، وهي مجمع الغرائب والمناكير. انتهى كلام ابن رجب رحمهُ اللهُ تعالى (1). وهو بحثٌ نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
75 -
(وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ - يَعْنِي حَمَّادًا- قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ، رَوَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ، فَقَالَ: كَذَبَ، أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
1 -
(حجاج بن الشاعر) هو ابن يوسف الثقفيّ البغداديّ الحافظ، تقدّم في 4/ 38.
2 -
(سليمان بن حرب) الأزديّ الواشحيّ البصريّ، قاضي مكة الحافظ الثقة، تقدّم في 4/ 65.
3 -
(حماد بن زيد) المذكور في السند الماضي. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
عن حمّاد بن زيد رحمهُ اللهُ تعالى، أنه (قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ) السختيانيّ رحمهُ اللهُ تعالى (إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها في الابتداء (رَوَى عَنِ الْحَسَنِ) البصريّ، أنه
(1) راجع "شرح علل الترمذيّ" 1/ 406 - 409 بتحقيق الدكتور نور الدين عتر.
(قَالَ: لَا يُجْلَدُ) بالبناء للمفعول، من الْجَلْد، وهو الضرب بالسوط، يقال: جَلَدتُ الجاني جَلْدًا، من باب ضرب: إذا ضربته بالْمِجْلَد -بكسر الميم- وهو السوط، والواحدة جَلْدة، مثلُ ضَرْب وضَرْبَة. أفاده الفيوميّ (السَّكْرَانُ) بالرفع نائب "يُجْلَد"، و"السكران": خلاف الصاحي، والسُّكْر بضم، فسكون: نقيض الصحو. قاله ابن منظور (1). وقال الفيّوميّ: سَكِر سَكَرًا، من باب تَعِب، وكسر السين في المصدر لغةٌ، فيبقى مثلَ عِنَبٍ، فهو سَكْرانُ والمرأة سَكْرَى، والجمع سُكارى بضم السين، وفتحها لغة، وفي لغة بني أسد يقال في المرأة سكرانة. انتهى (2). وذكر ابن منظور نقلًا عن أبي عليٍّ في "التذكرة" أن من قال: سكرانة، وجب عليه أن يصرف سكران في النكرة (3). (مِنَ النَّبِيذِ) أي من شرب النبيذ، وهو بفتح النون، وكسر الموحّدة، فعيل بمعنى مفعول، سُمي بذلك؛ لأنه يُنبذ: أي يُترك حتى يشتدّ. أفاده الفيوميّ. وقال ابن منظور: النبيذ: ما نُبِذ من عصير ونحوه. قال: وإنما سُمّي نبيذًا لأن الذي يتّخذه يأخذ تمرًا، أو زبيبًا، فينبذه في وعاء، أو سِقَاء ويصبّ عليه ماءً، ويتركه حتى يفور، فيصير مسكرًا. والنبذ: الطرح. وقال أيضًا: النبيذ: هو ما يُعمل من الأشربة، من التمر، والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير، وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب: إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذًا، فصُرِف من مفعول إلى فَعِيل. انتهى (4).
(فَقَالَ) أي الحسن (كَذَبَ) أي عمرو بن عبيد في نسبته إلى الحسن ما لم يقله، ثم ذكر مستند تكذيبه، فقال:(أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ) أي إن مذهب الحسن رحمهُ اللهُ تعالى في هذه المسألة خلاف ما حكاه عنه عمرو بن عبيد، وذلك أن مذهبه إيجاب الجلد على من سكر من شرب النبيذ، فتكون حكايته عنه أنه قال: لا يُجلَد السكران من النبيذ كذبًا عليه. والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بقول الحسن هذا:
(المسألة الأولى): أن ما ذهب إليه الحسن من جلد السكران من النبيذ هو ما عليه أهل العلم، ولا خلاف بينهم في ذلك، وكذا فيمن شرب الخمر، ولو لم يسكر، وإنما اختلفوا فيما إذا شرب غير الخمر من الأنبذة المسكرة، فقال الجمهور: كلّ مسكر حرام قليله وكثيره، وهو خمر، حكمه حكم عصير العنب في تحريمه، ووجوب الحد على شاربه. قال ابن قُدامة: رُوي تحريم ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وأنس، وعائشة رضي الله عنهم. وبه قال
(1)"لسان العرب" 4/ 372.
(2)
"المصباح المنير" 1/ 281.
(3)
"لسان العرب" 4/ 372.
(4)
"لسان العرب" 3/ 511.
عطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة في عصير العنب إذا طُبخ، فذهب ثلثاه، ونقيع التمر والزبيب، إذا طُبخ وإن لم يذهب ثلثاه، ونبيذِ الحنطة، والذرة، والشعير، ونحو ذَلك، نقيعا كان، أو مطبوخا، كل ذلك حلال، إلا ما بلغ السُّكر، فأما عصير العنب إذا اشتد، وقذف زبده، أو طُبخ فذهب أقل من ثلثيه، ونقيع التمر والزبيب، إذا اشتد بغير طبخ، فهذا محرم قليله وكثيره؛ لما روى ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"حُرِّمت الخمرة لعينها، والمسكر من كل شراب".
وحجة الأولين ما رواه ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل مسكر خمر، وكل خمر حرام". أخرجه مسلم، وغيره. وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام". حديث صحيح، أخرجه أبو داود، وغيره.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الْفَرَق فملء الكف منه حرام". حديث صحيح أيضًا، أخرجه أبو داود وغيره. وقال عمر رضي الله عنه:"نزل تحريم الخمر، وهي من العنب، والتمر، والعسل، والشعير، والخمرُ: ما خامر العقل". متفق عليه.
والجواب عما احتجّ به الآخرون أن حديثهم غير صحيح، والصحيح من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما -كما قال النسائيّ وغيره-: ما رواه محمد بن عبيد الله أبو عون الثقفيّ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:"حُرّمت الخمر قليلها وكثيرها، وما أسكر من كل شراب".
وقال ابن المنذر رحمهُ اللهُ تعالى: جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة، ذكرناها مع عللها. وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، فضعفها كلها، وبين عللها.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وقد استوفى بيان علل الأحاديث التي احتجّوا بها الإمام النسائيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "سننه"، فراجعه مع ما كتبته في شرحي عليه.
والحاصل أن ما ذهب إليه القائلون بإباحة النبيذ المسكر ما لم يسكر به قول باطلّ، منابذ للأدلّة الصحيحة الكثيرة التي تنصّ على أن كلّ ما أسكر فهو خمر، تشمله أدلّة تحريم الخمر من الكتاب والسنّة.
[فائدة حسنة]: ذكر العلامة اللغويّ أحمد بن محمد الفيّومي رحمهُ اللهُ تعالى في كتابه الممتع "المصباح المنير" فائدة تتعلّق بالحديث المذكور: "ما أسكر كثيره، فقليله
حرام": قال: نُقل عن بعضهم أنه أعاد الضمير على "كثيره"، فيبقى المعنى على قوله: فقليل الكثير حرام، حتى لو شرب قَدَحين من النبيذ مثلًا، ولم يَسْكَر بهما، وكان يَسكَر بالثالث، فالثالث كثير، فقليل الثالث، وهو الكثير حرام، دون الأولين. وهذا كلام منحرف عن اللسان العربيّ؛ لأنه إخبار عن الصلة دون الموصول، وهو ممنوع باتّفاق النحاة، وقد اتّفقوا على إعادة الضمير من الجملة على المبتدإ؛ ليُرْبَطَ به الخبرُ، فيصير المعنى: الذي يُسكِرُ كثيره، فقليل ذلك الذي يُسكر كثيره حرام، وقد صَرَّح به في الحديث، فقال: "كلُّ مُسكِر حرامٌ، وما أسكر منه الفرق، فملء الكفّ منه حرام" (1). ولأن الفاء جواب لِمَا في المبتدإ من معنى الشرط، والتقدير: مهما يكن من شيء يُسكر كثيره، فقليل ذلك الشيء حرام. ونظيره: الذي يقوم غلامه فله درهم، والمعنى: فلذلك الذي يقوم غلامه، ولو أُعيد الضمير على الغلام بقي التقدير: الذي يقوم غلامه، فللغلام درهم، فيكون إخبارًا عن الصلة دون الموصول، فيبقى المبتدأ بلا رابط، فتأمّله. وفيه فساد من جهة المعنى أيضًا؛ لأنه إذا أريد: فقليل الكثير حرام يبقى مفهومه: فقليل القليل غير حرام، فيؤدّي إلى إباحة ما لا يُسكر من الخمر، وهو مخالف للإجماع. انتهى كلام الفيّوميّ رحمهُ اللهُ تعالى، وهو تحقيق نفيسٌ جدّا (2). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): أنه اختلف أهل العلم في حدّ السُّكْر الذي يجب فيه الجلد:
قال الموفّق أبو محمد بن قُدامة رحمهُ اللهُ تعالى: حد السكر الذي يحصل به فسق شارب النبيذ، ويُختَلَف معه في وقوع طلاقه، ويَمنَع صحة الصلاة منه، هو الذي يجعله يَخْلِط في كلامه، ما لم يكن قبل الشرب، ويُغَيِّره عن حال صحوه، ويَغْلِب على عقله، ولا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين فعله وفعل غيره، ونحوَ هذا قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور.
وزعم أبو حنيفة أن السكران هو الذي لا يَعْرِف السماء من الأرض، ولا الرجل من المرأة.
وحجة الأولين قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قَدّموا رجلا منهم في الصلاة، فصلى بهم، وترك في قراءته ما غَيَّرَ المعنى، وقد كانوا قاموا إلى
(1) حديث صحيح، راوه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ.
(2)
"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" 1/ 282.
الصلاة، عالمين بها، وعرفوا إمامهم، وقَدّموه ليؤمهم، وقصد إمامتهم، والقراءة لهم، وقصدوا الائتمام به، وعرفوا أركان الصلاة، فأتوا بها، ودلت الآية على أنه ما لم يعلم ما يقول، فهو سكران. وفي حديث حمزة عَمّ النبي صلى الله عليه وسلم حين غَنّته قَيْنَة، وهو سكران [من الوافر]:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
…
وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ
وكان عليٌّ أناخ شارفين له بفناء البيت الذي فيه حمزة، فقام إليهما، فبقر بطونهما، واجتبّ أسنمتهما، فذهب علي، فاستعدى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حمزة محمرة عيناه، فلامه النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه، وإلى زيد بن حارثة، فقال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فانصرف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد فَهِمَ ما قالت القينة في غنائها، وعرف الشارفين، وهو في غاية سكره. ولأن المجنون الذاهب بالعقل بالكلية يَعرف السماء من الأرض، والرجل من المرأة، مع ذهاب عقله، ورفع القلم عنه. انتهى كلام ابن قُدامة رحمهُ اللهُ تعالى (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن الأرجح في حدّ السكر هو ما ذهب إليه الأولون؛ لوضوح أدلّته.
وحاصله أن يصل إلى أن يَخْلِط في كلامه، ما لم يكن قبل الشرب، ويُغَيِّره عن حال صحوه، ويَغْلِب على عقله، ولا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين فعله وفعل غيره. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في أقوال أهل العلم في جلد السكران:
قال العلّامة الموفّق رحمهُ اللهُ تعالى: ما خلاصته: يجب الحد على من شرب قليلا من المسكر أو كثيرا، ولا نعلم بينهم خلافا في ذلك، في عصير العنب، غير المطبوخ، واختلفوا في سائرها، فذهب إمامنا -يعني أحمد- إلى التسوية بين عصير العنب وكل مسكر، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، والأوزاعي، ومالك، والشافعي.
وقالت طائفة: لا يُحَدّ إلا أن يُسْكِر، منهم: أبو وائل، والنخعي، وكثير من أهل الكوفة، وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور: من شربه مُعتقدا تحريمه حُدّ، ومن شربه متأولا فلا حد عليه؛ لأنه مختلف فيه، فأشبه النكاح بلا ولي.
وحجة الأولين ما رواه أبو داود، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من شرب
(1)"المغني" 12/ 506 - 507.
الخمر فاجلدوه" (1). وقد ثبت أن كل مسكر خمر، فيتناول الحديث قليله وكثيره، ولأنه شراب فيه شدة مُطْرِبة فوجب الحد بقليله كالخمر، والاختلاف فيه لا يمنع وجوب الحد فيها، بدليل ما لو اعتقد تحريمها، وبهذا فارق النكاح بلا ولي ونحوه من المختلف فيه، وقد حَدّ عمر قُدامة بن مظعون وأصحابه، مع اعتقادهم حل ما شربوه (2). والفرق بين هذا وبين سائر المختلف فيه من وجهين: أحدهما: أن فعل المختلف فيه هاهنا داعية إلى فعل ما أُجمع على تحريمه، وفعل سائر المختلف فيه يَصرف عن جنسه من المجمع على تحريمه. الثاني: أن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد استفاضت بتحريم هذا المختلف فيه، فلم يبق فيه لأحد عذر في اعتقاد إباحته، بخلاف غيره من المجتهدات. قال أحمد بن القاسم: سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يقول: في تحريم المسكر عشرون وجها عن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعضها: "كل مسكر خمر"، وبعضها: "كل مسكر حرام". انتهى كلام ابن قدامة رحمهُ اللهُ تعالى، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
76 -
(وحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: بَلَغَ أَيُّوبَ أَنِّي آتِي عَمْرًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَوْمًا، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِهِ، كَيْفَ تَأْمَنُهُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة، وقد تقدّموا في السند الماضي سوى:
1 -
(سلّام بن أبي مطيع) واسمه سعد الخزاعي مولاهم، أبو سعيد البصري، روى عن قتادة، وغالب القطان، وأبي عمران الجوني، وأيوب السختياني، وغيرهم. وروى عنه ابن مهدي، وابن المبارك، ويونس بن محمد، وسليمان بن حرب، وغيرهم. قال عبد الله بن أحمد في "العلل" عن أبيه: ثقة، صاحب سنة، كان ابن مهدي يحدث عنه. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال الآجري عن أبي داود: سمعت أبا سلمة، سمعت سلام بن أبي مطيع، وكان يقال: هو أعقل أهل البصرة، قال أبو داود: وهو القائل: لأن ألقى الله بصحيفة الحجاج، أحب إلي من أن ألقاه بصحيفة عمرو بن عبيد. وقال أبو داود أيضا: سلام ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن حبان: كان سيّىء الأخذ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (3).
(1) حديث صحيح، أخرجه أحمد 2/ 136 وأبو داود 2/ 474 والترمذيّ 6/ 223 والنسائيّ 8/ 281 وابن ماجه 2/ 859.
(2)
رواه البيهقيّ في "سننه" 8/ 316.
(3)
قلت: لعل ابن حبّان أراد روايته عن قتادة خاصّة، كما يأتي في كلام ابن عديّ، فتأمّل.