الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسين المروزي، ومالك، وغيرهم. وروى عنه الجماعة، سوى النسائي (1)، والفلاس، وغيرهم.
قال أحمد: ما قَدِمَ عليّ خراسانيّ أفقه بدنا منه، وعظمه حجاج الشاعر. وقال يحيى بن زكريا النيسابوري: كان ثقة جليلا. وقال أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: أقدمه الطّاهرية هَرَاة، وكان أحد حفاظ الحديث المتقن الثقة العالم بالحديث، وبالرواة، تولى قضاء سرخس، ثم انصرف إلى نيسابور، إلى أن مات بها سنة (253). وقال ابن حبان: كان ثقة ثبتا صاحب حديث يحفظ، وكتب إليه أحمد بن حنبل: لأبي جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل. قال: ومات سنة (265)، أو قبلها، أو بعدها بقليل.
وقال في "التقريب": ثقة حافظ، من الحادية عشرة. انتهى.
وله في "صحيح مسلم"(22) حديثًا.
2 -
(بشر بن عمر) بن الحكم بن عقبة الزهراني الأزدي، أبو محمد البصري.
روى عن شعبة، ومالك، وهمام، وأبان، وغيرهم. وروى عنه إسحاق بن راهويه، والحسن الخلال، وزيد بن أخرم، والفلاس، وأبو موسى، والذهلي، وجماعة.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال العجلي: بصري ثقة. وقال الحاكم: ثقة مأمون. وقال ابن سعد: كان ثقة، تُوفي بالبصرة في شعبان سنة (207). وكذا أرّخه القَرّاب، وقبله ابن زَبْر. وقال ابن حبان في "الثقات": مات ليلة الأحد، في آخر سنة ست، أو أول سنة سبع. قال: وقد قيل: سنة تسع.
وقال في "التقريب": ثقة، من التاسعة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" خمسة أحاديث برقم 1146 و 1447 و 1669 و 1851 و 2920. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
عن بشر بن عمر الزهرانيّ رحمه اللهُ تعالى، أنه (قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ) إمام دار الهجرة، تقدّمت ترجمته (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو: محمد بن عبد الرحمن، أبو جابر البياضيّ المدني، يروي عن سعيد بن المسيب، وهو الذي يقول فيه الشافعي: من حَدّث عن أبي جابر البياضي، بيض الله تعالى عينيه. وقال يحيى بن سعيد: سألت مالكا عنه، فلم يكن يرضاه. وقال أحمد: منكر الحديث جِدّا. وعن مالك قال: كنا
(1) وذكر أبو علي الجياني في شيوخ ابن الجارود أن النسائي روى عنه. انتهى "تهذيب التهذيب" 1/ 24.
نَتَّهِمُهُ بالكذب. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، حدث عنه ابن أبي ذئب. وروى عباس عن يحيى: كذاب. وقال النسائيّ وغيره: متروك الحديث. وقال ابن أبي مريم، عن ابن معين: ليس بثقة، كذاب. وقال عمرو بن علي: منكر الحديث. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، ورأيتهم يسعون لحديثه. وقال بشر بن عمر: سألت مالكا عن البياضي، فقال: ليس بثقة، فلا تأخذنّ عنه شيئا. وقال النسائي في "التمييز": ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال الحاكم: حَدّث بالمناكير. وقال أبو حاتم: ما أقربه من ابن السلماني. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف، متروك الحديث، ونسبه مالك إلى الكذب على سعيد. وقول الشافعي جواب لمن قال له من أهل المدينة: يروون عنه، فأراد بقدحه هذا من يراه صحيحا، ويأخذ بحديثه حكمًا. وقال ابن أبي حاتم: أراد الشافعي التغليظ على من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عديّ: ضعيف الحديث (1). وليس له في الكتب الستة شيء.
(الَّذِي يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) التابعيّ الإمام الشهير المتقدّم في 4/ 68 (فَقَالَ) مالك (لَيْسَ بِثِقَةٍ) أي ليس محمد بن عبد الرحمن ثقة، وقد عرفت آنفًا أنهم أجمعوا على تضعيفه (وَسَأَلْتُهُ) أي مالكًا (عَنْ صَالِحٍ) هو: ابن نَبْهان المديني، وهو صالح بن أبي صالح، روى عن أبي الدرداء، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وزيد ابن خالد، وغيرهم. وروى عنه موسى بن عقبة، وابن أبي ذئب، وابن جريج، وابن أبي الزناد، والسفيانان، وغيرهم. قال ابن عيينة: سمعت منه، ولعابه يسيل -يعني من الكبر- وما علمت أحدا من أصحابنا يحدث عنه، لا مالك، ولا غيره. وقال الحميدي عن ابن عيينة: لقيته سنة خمس، أو ست وعشرين ومائة، أو نحوها، وقد تغير، ولقيه الثوري بعدي. وقال الأصمعي: كان شعبة لا يحدث عنه. وقال القطان: سألت مالكا عنه، فقال: لم يكن من القراء. وقال عمرو بن علي عن القطان: لم يكن بثقة. وقال أحمد بن حنبل: كان مالك أدركه، وقد اختلط، فمن سمع منه قديما فذاك، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة، وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأسا. وقال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معين عنه، فقال: ليس بقوي في الحديث. قلت: حدث عنه أبو بكر ابن عياش، قال: لا، ذاك رجل آخر. وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة، قلت له: إن مالكا ترك السماع منه، فقال: إن مالكا إنما أدركه بعد أن كَبِرَ وخَرِف، والثوري إنما أدركه بعدما خرف، وسمع منه
(1) انظر "لسان الميزان" 5/ 246 - 247.
أحاديث منكرات، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يَخْرَف. وقال الجوزجاني: تغير أخيرا، فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول؛ لسنه، وسماعه القديم، وأما الثوري فجالسه بعد التغير. وقال أبو زرعة، والنسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم، والنسائي أيضا: ليس بقوي. وقال النسائي مرة: ليس بثقة، قاله مالك. وقال ابن عدي: لا بأس به، إذا روى عنه القدماء، مثل ابن أبي ذئب، وابن جريج، وزياد بن سعد، ومن سمع منه بآخره، وهو مختلط -يعني فهو ضعيف- إلى أن قال: ولا أعرف له حديثا منكرا، إذا روى عنه ثقة، وحدث عنه من سمع منه قبل الاختلاط. وقال العجلي: تابعي ثقة. وقال الترمذي عن البخاري، عن أحمد بن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرًا، وروى عنه منكرًا، حكاه ابن القطان عن الترمذي هكذا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا النقل عن الترمذيّ يحتاج إلى التثبّت، فإنه مخالف لما سبق عن ابن معين، والجوزجانيّ، وابن عديّ من أن ابن أبي ذئب أحاديثه من صالح مقبولة؛ لأنه ممن سمع قبل اختلاطه، فالله تعالى أعلم.
وقال ابن حبان: تغير سنة (5)، وجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا أيضًا محلّ نظر؛ لأنه سبق أن سماع المتقدّمين منه مقبول، وهو ظاهر في أن أحاديثهم متميّزة، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
قال ابن أبي عاصم: مات سنة خمس وعشرين ومائة. وكذا أرخه ابن سعد، وقال: له أحاديث، ورأيتهم يهابون حديثه. انتهى.
قال الحافظ: والظاهر أنه مات بعدها، فقد تقدم عن ابن عيينة أنه قال: لقيته سنة خمس أو ست. انتهى.
أخرج له أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه.
وقوله: (مَوْلَى) أي عَتيق (التَّوْأَمَةِ) قال الفيّوميّ رحَمه اللهُ تعالى: التّوْءَم: اسم لولد يكون معه آخر في بطن واحد، لا يُقال: تَوْءَمٌ إلا لأحدهما، وهو فَوْعلٌ، والأنثى تَوْءَمة، وزانُ جَوْهَر وجَوهرة، والولدان توأمان، والجمع توائم، وتُؤَام، وزانُ دُخان. وأتأمت المرأة وزانُ أكرمت: وضعت اثنين من حمل واحد، فهي مُتئمٌ، بغير هاء. انتهى (1).
وقال القاضي عياض رحمه اللهُ تعالى: "التوأمة" -بفتح التاء المثناة من فوقُ، ثم واو
(1)"المصباح المنير" 1/ 78 - 79.
ساكنة، ثم همزة مفتوحة- هذا صوابها. قال: وقد يسهل بفتح الواو، ويُنقل إليها حركة الهمزة، قال: ومن ضم التاء، وهمز الواو، فقد أخطأ، وهي رواية أكثر المشايخ والرواة، وكما قيدناه أوّلا قيده أصحاب المؤتلف والمختلف، وكذلك أتقناه على أهل المعرفة من شيوخنا، قال: و"التوأمة" هذه هي بنت أمية بن خلف الْجُمَحيّ. قاله البخارى وغيره. قال الواقديّ: وكانت مع أخت لها في بطن واحد، فلذلك قيل: التوأمة، وهي مولاة أبي صالح من فوقُ. وأبو صالح هذا اسمه نبهان. انتهى كلام القاضي (1).
[تنبيهان]:
(الأول): يُطلق المولى على معان، أوصلها المجد في "القاموس" إلى أحد وعشرين، فقال: والمولى: المالك، والعبد، والمعتِق، والمعتَقُ، والصاحب، والقريب، كابن العمّ ونحوه، والجار، والحليف، والابن، والعمّ، والنزيل، والشريك، وابن الأخت، والوليُّ، والربّ، والناصر، والمنعِمُ، والمنعَمُ عليه، والمحبّ، والتابع، والصهر. انتهى. وقد نظمتها بقولي:
وَيُطْلَقُ الْمَوْلَى عَلَى مَعَانِي
…
قَرَّبْتُهَا بِالنَّظْمِ للْمُعَانِي
الْمَالِكُ الْعَبْدُ وَمُعْتِقٌ أَتَى
…
بالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فَكُلٌّ ثَبَتَا
وَالصَّاحِبُ الْقَرِيبُ كَابْنِ الْعَمِّ
…
وَالْجَارُ وَالنَّزِيلُ عِنْدَ الْقَوْمِ
وَالابْنُ وَالْحَلِيفُ وَالْوَلِيُّ
…
وَالْعَمُّ وَالشَّرِيكُ يَا أُخَيُّ
وَالرَّبُّ وَالنَّاصِرُ وَابْنُ الأُخْتِ
…
وَالصِّهُرُ وَالْمُنْعِمُ كَسْرًا يَأْتِي
وَمُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَتْحًا ثَبَتَا
…
وَالتَّابِعُ الْمُحِبُّ خَاتِمًا أَتَى
فَهَذِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَقَدْ
…
سَرَدَهَا "الْقَامُوسُ" فَاحْفَظْ مَا وَرَدْ
والله تعالى أعلم بالصواب.
(الثاني): من المهمّ معرفة الموالي من العلماء والرواة، وهو أقسام: أهمه المنسوبون إلى القبائل مطلقا، كفلان القرشي، ويكون مولى لهم، ثم منهم من يقال: مولى فلان، ويراد مولى عتاقة، وهو الغالب، ومنهم مولى الإسلام، كالإمام البخاري مولى الجعفيين ولاءَ إسلام؛ لأن جده المغيرة كان مجوسيا، فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى، وكذلك الحسن الماسَرْجِسِيّ، أبو علي النيسابوريّ، من رجال مسلم، مولى عبد الله بن المبارك، كان نصرانيا، فأسلم على يديه. ومنهم مولى الْحِلْف، كمالك بن أنس إمام دار الهجرة، ونفرِهِ أصبحيون صَلِيبة، موالي لتيم قريش
(1)"إكمال المعلم" 1/ 157 - 158. و"شرح النووي على مسلم" 1/ 119.
بالحلف. ومن أمثلة مولى القبيلة أبو الْبَخْتَريّ الطائي التابعي، مولى طيء، وأبو العالية رُفيع بن مهران الرِّياحي التابعي، مولى امرأة من بني رِيَاح بن يربوع، حيّ من بني تميم، والليث بن سعد المصري الفَهْمِيّ مولاهم، وعبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم، وعبد الله بن وهب القرشي مولاهم، وعبد الله بن صالح الجهني مولاهم. وربما نُسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب الهاشمي، مولى شُقْران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقيل: مولى الحسين بن علي فليس حينئذ من هذا القسم. ومنه عبد الله بن وهب القرشي الْفِهْريّ، فإنه مولى يزيد بن رُمّانة، مولى يزيد بن أُنيس الفِهْرِيّ. ذكره النوويّ في "التقريب"(1). وإلى هذا أشار السيوطيّ في "ألفيّة الأثر"، حيث قال:
وَلَهُمُ مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي
…
وَمَالَهُ فِي الْفَنِّ مِنْ مَجَالِ
وَلا عَتَاقَةٍ وَلَاءُ حِلْفِ
…
وَلَاءُ إِسْلَامٍ كَمِثْلِ الْجُعْفِي
والله تعالى أعلم بالصواب.
(فَقَالَ) مالك (لَيْسَ) صالح (بِثِقَةٍ) الباء زائدة في خبر "ليس"، كما قال في "الخلاصة":
وَبَعْدَ "مَا" وَ"لَيْسَ" جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ
…
وَبَعْدَ "لَا" وَنَفْيِ "كَانَ" قَدْ يُجَرّ
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله مالك رحمه اللهُ تعالى من أن صالحًا مولى التوأمة ليس بثقة تقدّم أنه مبنيّ على أنه ما لقيه إلا بعد أن خَرِف، فلا ينافي توثيق غيره، فقد قال ابن معين: ثقة حجة، وقال ابن عديّ: لا بأس به إذا سمعوا منه قديمًا. والله تعالى أعلم.
(وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ) -بضمّ الحاء المهملة، مصغّرًا- هو: عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزُّرَقيّ المدني. رَوَى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، وحنظلة بن قيس الزرقي، وغيرهم. وروى عنه شعبة، والثوري، وزياد بن سعد، وغيرهم. قال بشر بن عمر: قال مالك: ليس بثقة. قال عبد الله بن أحمد أنكر أبي ذلك من قول مالك، وقال: قد روى عنه شعبة وسفيان. وقال الدُّوريّ عن ابن معين: ليس يحتج بحديثه. وقال الآجري عن أبي داود: قال مالك: قدم علينا سفيان، فكتب عن قوم يُذَمُّون بالتخنيث -يعني أبا الحويرث منهم- قال أبو داود: وكان يَخضِب رجليه، وكان من مرجئي أهل المدينة. وقال النسائي: ليس
(1) راجع "التقريب" مع شرحه "التدريب" 2/ 382 - 383.
بذاك. وذكره ابن حبان في "الثقات". ونقل ابن عديّ في ترجمته من طريق أحمد بن سعيد ابن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة. وكذا من طريق عثمان الدارمي، عن يحيى. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يُكتَب حديثه، ولا يحتج به. وقال العقيلي: وثقه ابن معين. وقال ابن عدي: ليس له كثير حديث، ومالك أعلم به؛ لأنه مدني، ولم يرو عنه شيئًا. وقال عباس الدُّوريّ عن ابن معين: روى عنه شعبة. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقويّ عندهم. وذكره البخاريّ في "تاريخه"، ولم يتكلّم فيه بشيء. قال: وكان شعبة يقول فيه: أبو الجويرية -يعني بالجيم-، وحكى أبو أحمد الحاكم هذا القول، ثم قال: وهو وَهَمٌ. قال ابن أبي عاصم: مات سنة (128). وقال في موضع آخر: سنة (130)، وكذا أرخه ابن نمير، وابن حبان، وقال مرة: سنة (32).
وقال في "التقريب": صدوقٌ سيّىء الحفظ، ورُمي بالإرجاء، من السادسة. انتهى.
أخرج أبو داود، وابن ماجه.
(فَقَالَ) مالك (لَيْسَ بِثِقَةٍ) أي ليس أبو الحويرث ثقة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول من مالك رحمه اللهُ تعالى هو الأرجح، فيقدّم على ما سبق من توثيق ابن معين رحمه الله تعالى؛ لأنه بلديّه، فهو أعلم به، فيرجح عليه، وكذا على إنكار أحمد رحمه اللهُ تعالى؛ لأنه ما استند إلا على رواية شعبة، وسفيان، وقد سبق في قول مالك الإشارة إلى أن سبب روايتهما عنه عدم معرفة حاله، فلا يكونان حجة في توثيقه، فتدبّر. والله تعالى أعلم.
(وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ) بن دينار الهاشمي، مولى ابن عباس، أبي عبد الله، ويقال: أبو يحيى المدني. روى عن ابن عباس، وروى عنه ابن أبي ذئب، وصالح بن خَوّات ابن صالح بن خوات، وبُكير بن الأشج، وداود بن الحصين، وغيرهم. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسًا. وقال الدُّوري عن ابن معين: ليس به بأس، وهو أحب إلي من صالح مولى التوأمة، قلت له: ما كان مالك يقول فيه؟ قال: كان يقول: ليس من القراء. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال الجوزجاني، والنسائي: ليس بقوي. وقال ابن سعد: له أحاديث كثيرة، ولا يحتج به. وقال ابن عدي: لم أجد له أنكر من حديث واحد، فذكره من طريق الفضل بن المختار، عن ابن أبي ذئب، عنه، عن ابن عباس مرفوعا:"الوضوء مما خرج، وليس مما دخل". وفي الإسناد الفضل بن المختار، قال ابن عدي: لعل البلاء منه، ثم قال: لم أجد له حديثا منكرا، فأحكم عليه بالضعف، وأرجو أنه لا بأس به. وقال العجلي:
جائز الحديث. وقال أبو زرعة، والساجي: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال البخاري: يتكلم فيه مالك، ويُحتَمل منه. وقال أبو الحسن بن القطان الفاسي: قوله: ويُحتمل منه، يعني من شعبة، وليس هو ممن يُترك حديثه، قال: ومالك لم يضعفه، وإنما شَحّ عليه بلفظة "ثقة". وتعقّبه الحافظ بأن هذا التأويل غير شائع، بل لفظة ليس بثقة في الاصطلاح توجب الضعف الشديد، وقد قال ابن حبان: روى عن ابن عباس ما لا أصل له، حتى كأنه ابن عباس آخر. انتهى. قال الواقدي: مات في وسط خلافة هشام بن عبد الملك. روى له أبو داود حديثا واحدًا في الغسل.
وقال في "التقريب": صدوقٌ سيىء الحفظ، من الرابعة. انتهى.
(الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب، واسمه هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، أبو الحارث المدني، روى عن أخيه المغيرة، وخاله الحارث بن عبد الرحمن القرشي، وصالح مولى التوأمة، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. وروى عنه الثوري، ومعمر، وسعد بن إبراهيم، والوليد بن مسلم. وغيرهم. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: كان ابن أبي ذئب يُشَبّه بسعيد بن المسيب، قيل لأحمد: خلف مثله ببلاده؟ قال: لا، ولا بغيرها. قال: وسمعت أحمد يقول: ابن أبي ذئب كان يُعَدّ صدوقا أفضل من مالك، إلا أن مالكا أشد تنقية للرجال منه، كان ابن أبي ذئب لا يبالي عمن يحدث. وقال البغوي عن أحمد: كان رجلا صالحا، يأمر بالمعروف، وكان يُشَبَّه بسعيد. وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم عن ابن معين: ابن أبي ذئب ثقة، وكل من روى عنه ابن أبي ذئب ثقة، إلا أبا جابر البياضي، وكل من روى عنه مالك ثقة، إلا عبد الكريم أبا أمية. وقال أبو داود: سمعت أحمد ابن صالح يقول: شيوخ ابن أبي ذئب كلهم ثقات، إلا البياضي. وقال يعقوب بن شيبة: ابن أبي ذئب ثقة، صدوق، غير أن روايته عن الزهري خاصة تكلم فيها بعضهم بالاضطراب. قال: وسمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب وعبد الله بن جعفر الْمَخْرَمي، فقدّم أحمد المخرمي على ابن أبي ذئب، فقال يحيى: المخرمي شيخ، وأَيْشٍ روى من الحديث؟ وأَطْرَى ابن أبي ذئب، وقدّمه تقديما كثيرًا، قال: فقلت لعليّ بعدُ: أيهما أحب إليك؟ قال: ابن أبي ذئب. قال: وسألت عليا عن سماعه من الزهري، فقال: هو عَرْضٌ، قلت: وإن كان عرضا كيف هو؟ قال: مقارب. وقال يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي: ما فاتني أحد، فأَسِفتُ عليه ما أسفت على الليث، وابن أبي ذئب. وقال النسائي: ثقة. وقال أحمد بن علي الأبار: سألت مصعبا الزبيري عن ابن أبي ذئب، وقلت له: حدثوني عن أبي عاصم أنه كان قدريا، فقال: معاذ الله،
إنما كان في زمن المهدي، قد أَخَذُوا أهل القدر، فجاء قوم، فجلسوا إليه، فاعتصموا به، فقال قوم: إنما جلسوا إليه؛ لأنه يرى القدر. وقال الواقدي: كان من أورع الناس، وأفضلهم، وكانوا يرمونه بالقدر، وما كان قدريا، لقد كان يَتّقي قولهم ويعيبه، ولكنه كان رجلا كريما، يَجلِس إليه كل واحد، وكان يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، وأخبرني أخوه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان شديد الحال، وكان من رجال الناس صَرَامةً، وقولا بالحق، وكان يحفظ حديثه، لم يكن له كتاب. وقال يعقوب بن سفيان: قيل لأحمد: من أعلمُ، مالك أو ابن أبي ذئب؟ قال: ابن أبي ذئب أصلح في بدنه، وأورع، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين، وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر، فلم يَهَبْهُ أن قال له الحقَّ، قال: الظلم فاش ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر. قيل له: ما تقول في حديثه؟ قال: كان ثقة صدوقا رجلا صالحا ورعا. وقال المفضل الغلابي عن ابن معين: ابن أبي ذئب أثبت من ابن عجلان في سعيد المقبري. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: ابن أبي ذئب ما حاله في الزهري؟ فقال: ابن أبي ذئب ثقة. وقال جعفر بن أبي عثمان عن ابن معين: لم يسمع ابن أبي ذئب من الزهري، يعني أنه عَرْضٌ. وقال علي عن يحيى بن سعيد: كان عَسِرًا. وقال ابن سعد: قال محمد بن عمر: دخل ابن أبي ذئب على عبد الصمد بن علي، فكلمه في شيء، فقال له: إني لأحسبك مرائيا، قال: فأخذ عودا من الأرض، وقال: مَنْ أُرائي، فو الله للناسُ عندي أهون من هذا. قال: وكان ابن أبي ذئب يفتي بالمدينة، وكان عالما ثقة فقيها ورعا عابدا فاضلا، وكان يُرمَى بالقدر. وقال ابن حبان في "الثقات كان": من فقهاء أهل المدينة وعبادهم، وكان من أقول أهل زمانه للحق، وَعَظَ المهدي، فقال: أما إنك أصدق القوم، وكان مع هذا يرى القدر، وكان مالك يَهجُره من أجله.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد عرفت الجواب عن سبب رميه بالقدر في كلام مصعب الزبيريّ، والحقّ أنه بريء منه. والله تعالى أعلم.
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: سمع ابن أبي ذئب من الزهري؟ قال: نعم، سمع منه. قلت: إنهم يقولون: لم يسمع منه، قال: قد سمع من الزهري. وقال عمرو ابن عليّ الفلاس: ابن أبي ذئب في الزهري أحب إليّ من كل شامي. وقال النسائي في "الكنى": أنا معاوية، سمعت يحيى بن معين يقول: كان يحيى بن سعيد لا يرضى حديث ابن أبي ذئب، وابن جريج عن الزهري، ولا يقبله. وقال الخليلي: ثقة أثنى عليه مالك، فقيه من أئمة أهل المدينة، حديثه مخرج في "الصحيح"، إذا روى عن الثقات، فشيوخه شيوخ مالك، لكنه قد يروي عن الضعفاء، وقد بَيَّنَ ابن أخي الزهري كيفية أخذ ابن أبي ذئب عن عمه، قال: إنه سأل عن شيء، فأجابه، فرد عليه، فتقاولا، فحلف
الزهري أن لا يحدثه، ثم نَدِم ابن أبي ذئب، فسأل الزهري أن يكتب له أحاديث من حديثه، فكتب له، فكان يحدث بها. وقال الواقدي وغيره: وُلد سنة ثمانين، عام الْجُحَاف. وقال إبراهيم بن المنذر، عن ابن أبي فديك: مات سنة ثمان وخمسين ومائة. وقال أبو نعيم وغيره: مات سنة تسع وخمسين. وقال في "التقريب": ثقة فقيه فاضل، من السابعة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(13) حديثًا.
(فَقَالَ) مالك (لَيْسَ بِثِقَةٍ) أي ليس شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة، وقد تقدّم أن الأكثرين وافقوا مالكًا في تضعيفه، وإنما قوّى أمره ابن معين في رواية، وابن عديّ، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
(وَسَأَلْتُهُ) أي مالكًا (عَنْ حَرَامِ) -بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الراء- (ابْنِ عُثْمَانَ) الأنصاري المدني، روى عن ابني جابر بن عبد الله، وروى عنه معمر وغيره. قال مالك ويحيى: ليس بثقة. وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال الشافعي وغيره: الرواية عن حرام حرام. وقال ابن حبان: كان غاليا في التشيع، يَقْلِب الأسانيد، ويرفع المراسيل. وقال إبراهيم بن يزيد الحافظ: سألت يحيى بن معين عن حرام، فقال: الحديث عن حرام حرام. وكذا قال الجوزجاني. وقال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لحرام بن عثمان: عبد الرحمن بن جابر، ومحمد بن جابر، وأبو عتيق هم واحد؟ قال: إن شئت جعلتهم عشرة (1). وحرام ليس من رجال الكتب الستّة.
(فَقَالَ) مالك (لَيْسَ بِثِقَةٍ) أي ليس حرام بن عثمان ثقة، وقد عرفت فيما سبق في ترجمته آنفًا أنهم اتّفقوا على تضعيفه.
وقوله: (وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ، فَقَالَ: لَيْسُوا بثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ) تأكيد لما سبق (وَسَأَلْتُهُ) أي مالكًا (عَنْ رَجُلٍ آخَرَ، نَسِيتُ اسْمَهُ، فَقَالَ) مالك (هَلْ رَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ) مالك (لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي) قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذا تصريح من مالك رحمه الله تعالى بأن من أدخله في كتبه فهو ثقة، فمن وجدناه في كتابه حكمنا بأنه ثقة عند مالك، وقد لا يكون ثقة عند غيره.
وقد اختلف العلماء في رواية العدل عن المجهول، هل يكون تعديلا له، فذهب بعضهم إلى أنه تعديل، وذهب الجماهير إلى أنه ليس بتعديل، وهذا هو الصواب، فإنه قد يروي عن غير ثقة، لا للاحتجاج به، بل للاعتبار والاستشهاد، أو لغير ذلك. أما
(1)"لسان الميزان" 2/ 182 - 183.
إذا قال مثل قول مالك، أو نحوه، فمن أدخله في كتابه فهو عنده عدل. وأما إذا قال: أخبرني الثقة، فإنه يكفي في التعديل عند من يوافق القائل في المذهب، وأسبابِ الجرح على المختار، فأما من لا يوافقه، أو يجهل حاله، فلا يكفي في التعديل في حقه؛ لأنه قد يكون فيه سبب جرح لا يراه القائل جارحا، ونحن نراه جارحا، فإن أسباب الجرح تَخْفَى، ومختلف فيها، وربما لو ذكر اسمه اطلعنا فيه على جارح. انتهى كلام النوويّ (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي تمام البحث في هذه المسألة في المسائل الآتية آخر الباب إن الله تعالى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمه الله تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
93 -
(وحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، وَكلانَ مُتَّهَمًا).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
1 -
(الفضل بن سهل) الأعرج البغداديّ، خراسانيّ الأصل، تقدّم في 4/ 41.
2 -
(يحيى بن معين) بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن، وقيل في نسبه: غير ذلك الْمُرّيّ الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، إمام الجرح والتعديل.
رَوَى عن عبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وحفص بن غياث، وجرير ابن عبد الحميد، وحجاج بن محمد، وخلق كثير. وروى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، ورووا هم أيضا، والباقون له بواسطة عبد الله بن محمد المسندي، وهناد بن السري، والفضل بن سهل الأعرج، وخلق كثير.
قال ابن عدي عن شيخ له: كان معين على خراج الري، فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث. وقال أحمد بن يحيى بن الجارود وغيره: قال ابن المديني: ما أعلم أحدا كتب ما كتب يحيى بن معين. وقال محمد بن نصر الطبري: دخلت على ابن معين فوجدت عنده كذا وكذا سَفَطًا (2)، وسمعته يقول: كل حديث لا يوجد ها هنا، وأشار بيده إلى الأَسْفاط فهو كذب. قال: وسمعته يقول: قد كتبت بيدي ألف ألف حديث. وقال صالح جزرة: ذُكر لي أن يحيى
(1)"شرح مسلم" 1/ 120.
(2)
قال في "القاموس": السَّفَطُ محرّكةً: كالْجُوالق، أو كالْقُفّة، جمعه أسفاط. انتهى.
ابن معين خَلّف من الكتب لما مات ثلاثين قِمَطْرًا وعشرين حُبّا (1). وقال مجاهد بن موسى: كان ابن معين يكتب الحديث نيفا وخمسين مرة. وقال الدُّوري عن ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال ابن سعد: كان قد أكثر من كتابة الحديث، وعُرف به، وكان لا يكاد يُحَدِّث. وقال الدوري: سمعته يقول: القرآن كلام الله تعالى، وليس بمخلوق. وسمعته يقول: الإيمان يزيد وينقص، وهو قول، عمل. وقال علي بن أحمد بن النضر عن ابن المديني: انتهى العلم إلى يحيى بن آدم، وبعده إلى يحيى بن معين. وفي رواية عنه: انتهى العلم إلى ابن المبارك، وبعده إلى ابن معين. وقال صالح جزرة: سمعت ابن المديني يقول: انتهى العلم إلى ابن معين. وقال أبو زرعة الرازي وغيره عن علي: دار حديث الثقات على ستة، ثم قال: ما شذ عن هؤلاء يصير إلى اثني عشر، ثم صار حديث هؤلاء كلهم إلى ابن معين. قال أبو زرعة: ولم يُنتفع به؛ لأنه كان يتكلم في الناس، ويُرْوَى هذا عن علي من وجوه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: ولم يُنتفع به الخ محل نظر؛ لأنه إن أراد أنه لم يُنتفع بعلمه فليس بصحيح؛ لأنه ما من محدث إلا وانتفع بكلامه في الرجال، وإن أراد قلة الرواية عنه، فليس لكلامه في الناس، إذ لا يوجد أحد من أهل الحديث أعرض عن ابن معين لهذا المعنى، وإنما قلت الرواية عنه؛ لقلة تحديثه، كما يأتي في كلام ابن سعد قريبًا، فليُتنبّه. والله تعالى أعلم.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: انتهى العلم إلى أربعة، أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، وعلي بن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين أكتبهم له. وفي رواية عنه: أعلمهم بصحيحه وسقيمه ابن معين. وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بعلل الحديث ابن المديني، وبفقهه أحمد بن حنبل، وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين. وفي رواية عنه: يحيى أعلم بالرجال والكنى. وقال الآجري: قلت لأبي داود: أيما أعلم بالرجال، علي أو يحيى؟ قال: يحيى عالم بالرجال، وليس عند علي من خبر أهل الشام شيء. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عليا يقول: كنت إذا قَدِمت إلى بغداد منذ أربعين سنة كان الذي يذاكرني أحمد بن حنبل، فربما اختلفنا في الشيء، فنسأل يحيى بن معين، فيقوم فيخرجه، ما كان أعرفه بموضع حديثه! . وقال ابن البراء عن ابن المديني:
(1)"الْقِمَطرُ" بكسر، ففتح، فسكون: ما تُصان فيه الكتب. و"الْحُبّ" بضم الحاء المهملة، وتشديد الموحّدة: الْجَرّة، أو العظيمة منها، أو الخشبات الأربع، توضع عليها الجرّة ذات الْعُرْوتين. قاله في "القاموس".
ما رأيت يحيى بن معين استَفْهَم حديثا، ولا رَدّه. وقال عمرو الناقد: ما كان في أصحابنا أعلم بالإسناد من يحيى بن معين، ما قدر أحد يَقلِب عليه إسنادا قط. وقال الإسماعيلي: سئل الْفَرْهَيَاني عن يحيى، وأحمد، وعلي، وأبي خيثمة، قال: أما علي فأعلمهم بالعلل، وأما يحيى فأعلمهم بالرجال، وأحمد بالفقه، وأبو خيثمة من النبلاء. وقال حنبل عن أحمد: كان ابن معين أعلمنا بالرجال. وقال القواريري: قال لي يحيى: ما قدم علينا مثل هذين الرجلين: أحمد ويحيى. وقال عبد الخالق بن منصور: قلت لابن الرومي: سمعت بعض أصحاب الحديث يحدث بأحاديث يحيى، ويقول: حدثني من لم تَطلُع الشمس على أكبر منه، فقال: وما تعجب؟ سمعت ابن المديني يقول: ما رأيت في الناس مثله. وقال أيضا: قلت لابن الرومي: سمعت أبا سعيد الحداد يقول: الناس كلهم عيال على يحيى بن معين، فقال: صدق، ما في الدنيا مثله. قال: وسمعت ابن الرومي يقول: ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى. وقال هارون ابن بشير الرازي: رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة، رافعا يديه، يقول: اللهم إن كنتُ تكلمتُ في رجل، وليس هو كذابا، فلا تغفر لي.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: مثل هذا الكلام من يحيى يُحمل على أنه قاله ليعلم الناس أنه إنما يتكلم فيمن يستحقّ ذلك، ولا يفعل ذلك تفكّهًا بأعراض الناس، وإلا فلا ينبغي لمسلم أن يقول: اللهم لا تغفر لي، وإن كانت ذنوبه من الموبقات. فليُفهم. والله تعالى أعلم.
وقال هارون بن معروف: قَدِمَ علينا بعض الشيوخ من الشام، فكنت أول مَنْ بَكّر عليه، فسألته أن يُملي عليّ شيئا، فأخذ الكتاب يملي، فإذا بإنسان يَدُقّ الباب، فقال الشيخ: مَنْ هذا؟ قال: أحمد بن حنبل، فأذن له، والشيخ على حالته، والكتاب في يده، لا يتحرك، فإذا بآخر، فذكر أحمدَ بنَ الدَّوْرقي، وعبدَ الله بنَ الرومي، وزهيرَ بنَ حرب كلهم يدخل، والشيخ على حالته، فإذا بآخر يدق الباب، قال الشيخ: مَنْ هذا؟ قال: يحيى بن معين، فرأيت الشيخ ارتعدت يده، ثم سقط الكتاب من يده. وقال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين: قَدِمَ علينا عبد الوهاب بن عطاء، فكتب إلى أهل البصرة: وقَدِمت بغداد، وقَبِلَني يحيى بن معين، والحمد لله. وقال ابن أبي الْحَوَاريّ: ما رأيت أبا مسهر يَسْهُل لأَحد من الناس سهولته ليحيى بن معين، ولقد قال له يوما: هل بقي معك شيء؟ . وقال عبد الخالق بن منصور: قلت لابن الرومي: سمعتُ أبا سعيد الحداد يقول: لولا ابن معين ما كتبت الحديث. قال: وإنا لنذهب إلى المحدث، فننظر في كتبه، فلا نرى فيها إلا كل حديث صحيح، حتى يجيء أبو زكريا، فأول شيء يقع في يده الخطأ، ولولا أنه عَرّفناه لم نعرفه. فقال ابن الرومي: وما تعجب؟ لقد نفعنا الله
تعالى به، ولقد كان المحدث يحدثنا لكرامته، ولقد كنا في مجلس لبعض أصحابنا، فقلت له: يا أبا زكريا ما نفيدك حديثا؟ وفينا يومئذ علي، وأحمد، فقال: وما هو؟ فقلت حديث كذا وكذا، فقال: هذا غلط، فكان كما قال. قال ابن الرومي: وكنت عند أحمد، فجاء رجل، فقال: يا أبا عبد الله انظر في هذه الأحاديث، فإن فيها خطأ، قال: عليك بأبي زكريا، فإنه يعرف الخطأ، قال: وكنت أنا وأحمد نَختَلِف إلى يعقوب ابن إبراهيم في المغازي، فقال أحمد: ليت أن يحيى هنا، قلت: وما تصنع به؟ قال: يعرف الخطأ. وقال علي بن سهل بن المغيرة: سمعت أحمد يقول في دهليز عفان، فذكر نحو هذه القصة. وقال عبد الخالق: حدثني أبو عمرو أنه سمع أحمد بن حنبل يقول: السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور. وقال ابن أبي حاتم: سمعت عباسًا الدُّوري يقول: رأيت أحمد يسأل يحيى بن معين عند رَوْح بن عبادة مَنْ فلان؟ ما اسم فلان؟ . وقال الأصم عن الدوري: رأيت أحمد في مجلس روح بن عبادة سنة خمس ومائتين يسأل يحيى بن معين عن أشياء، يقول: يا أبا زكريا كيف حديث كذا؟ وكيف حديث كذا؟ يريد أن يستثبته في أحاديث قد سمعوها، كلما قال يحيى كتبه أحمد، وقلما سمعت أحمد يسميه باسمه، بل يكنيه. وقال سليمان بن عبد الله: سمعت أحمد يقول: هَهنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن، يُظهر كذب الكذابين، يعني ابن معين. وقال الأثرم: رأى أحمد يحيى بن معين بصنعاء، يكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، فقال له أحمد: تكتب هذه الصحيفة، وتعلم أنها موضوعة؟ ، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال: نعم أكتبها فأحفظها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء إنسان بعده، فيجعل أبان ثابتًا. وقال أحمد بن علي الأبار عن ابن معين: كتبنا عن الكذابين، ثم سَجَرنا به التنور. وقال أبو حاتم: إذا رأيت البغدادي يُحِبّ أحمد فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض ابن معين، فاعلم أنه كذاب. وقال محمد بن هارون الفلاس: إذا رأيت الرجل يقع في ابن معين، فاعلم أنه كذاب، إنما يُبغضه لما بَيَّنَ من أمر الكذابين. وقال محمد بن رافع: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كل حديث لا يعرفه ابن معين فليس هو بحديث. وفي رواية: فليس هو ثابتا. وقال الحسن بن عُلَيْل العنزي: ثنا يحيى بن معين قال: أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثًا، ما أعلمت به أحدًا، وأعلمته فيما بيني وبينه، ولقد طلب إليّ خلف بن سالم أن أذكرها، فَمَا قلت له. قال يحيى: وما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته، وما استقبلت رجلا في وجهه بما يكره، ولكن أُبَيّن له خطأه، فإن قبل، وإلا تركته. وقال موسى بن حمدون عن أحمد بن عقبة: سمعت يحيى بن معين يقول: من لم يكن سمحا في الحديث كان كذابا، قيل له: وكيف يكون سمحا؟ قال: إذا شك في
الحديث تركه. وقال سعيد بن عمرو البردعي: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أحد ممن امتحن فأجاب، وذكر ابن معين وأبا نصر التمار. وقال الخطيب: كان إماما ربانيا عالما حافظا ثبتا متقنا. وقال ابن حبان في "الثقات": أصله من سَرَخْسَ، وكان من أهل الدين والفضل، وممن رفض الدنيا في جمع السنن، وكثرت عنايته بها، وجمعه وحفظه إياها، حتى صار عَلَمًا يُقتَدى به في الأخبار، وإماما يُرجع إليه في الآثار. وقال العجلي: ما خلق الله تعالى أحدا كان أعرف بالحديث من يحيى بن معين، ولقد كان يجتمع مع أحمد، وابن المديني، ونظرائهم، فكان هو الذي ينتخب لهم الأحاديث، لا يتقدمه منهم أحد، ولقد كان يؤتى بالأحاديث قد خُلطت، وتلبست، فيقول: هذا الحديث كذا، وهذا كذا، فيكون كما قال. وقال أبو بكر بن المقري: سمعت محمد بن عقيل البغدادي يقول: قال إبراهيم بن هانئ رأيت أبا داود يقع في يحيى بن معين، فقلت: تقع في مثل يحيى بن معين؟ فقال: من جَرّ ذيول الناس جَرُّوا ذيله.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: وُلد يحيى بن معين سنة ثمان وخمسين ومائة، ومات بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وقد استوفى خمسًا وسبعين سنة، ودخل في الست. وقال البخاريّ: مات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة، إلا نحوًا من عشرة أيام. وقال الحسين بن فَهْم: سمعت ابن معين يقول: وُلدت في خلافة أبي جعفر سنة ثمان وخمسين ومائة في آخرها. وقال الدوري نحو ما قال البخاري، وزاد قبل أن يحج. وفيها أرخه غير واحد، زاد عباس في موضع آخر: ونودي بين يديه: هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزاد إبراهيم بن المنذر: فرأى رجل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مجتمعين، فسألهم، فقال:"جئت لهذا الرجل، أصلي عليه، فإنه كان يذب الكذب عن حديثي". وقال حُبَيش بن مبشر: رأيت يحيى بن معين في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وأعطاني، وزوجني ثلاثمائة حوراء، وأدخلني عليه مرتين. وقال عبد الله بن أحمد: قال فيه بعض أهل الحديث [من الكامل]:
ذَهَبَ الْعَلِيمُ بِعَيْب كُلِّ مُحَدِّثٍ
…
وَبِكُلِّ مُخْتَلِفٍ مِنَ الإِسْنَادِ
وَبِكُلِّ وَهْمٍ فِي الْحَدِيثِ وَمُشْكِلٍ
…
يُعْنَى بِهِ عُلَمَاءُ كُلِّ بِلَادِ
وقال في "التقريب": ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل، من العاشرة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" ثلاثة أحاديث فقط برقم 1018 و 1424 و 1542.
3 -
(حجاج) بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد، مولى سليمان بن مجالد،