الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث. وقال ابن حبان: كان فقيها ورعا عابدًا متقنًا. وقال أبو جعفر الطبري: كان قارئا عالمًا. وقال العجلي. مكي تابعي ثقة. وقال الذهبي في آخر ترجمته: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد، والاحتجاج به. وقال أيضًا: قرأ عليه عبد الله بن كثير. قال الهيثم بن عدي: مات سنة مائة. وقال يحيى بن بكير: مات سنة إحدى، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. وقال أبو نعيم مات سنة اثنتين. وقال سعيد بن عفير وأحمد: مات سنة ثلاث. وقال ابن حبان: مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة، وهو ساجد، وكان مولده سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر. وقال يحيى القطان: مات سنة أربع ومائة. وقال في "التقريب": ثقة، إمام في التفسير والعلم، من الثالثة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(38) حديثًا. والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه مسلسل بالمكيين من رَبَاح، وشيخ المصنف، وشيخ شيخه بصريّان. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ. (ومنها): أن قوله: "يعني العقَديّ" فيه قاعدة من القوأعد المصطلحيّة، وهي أن شيخ المصنّف لم ينسب أبا عامر إلى قبيلته، فأراد المصنّف أن يَنسبه؛ ليُعْرَف، فلو قال:"حدّثنا أبو عامر العقَديّ" لكان زائدًا على شيخه، ففصله بـ "يعني"؛ تمييزًا بين كلام شيخه، وبين ما زاده عليه وقد تقدم تمام البحث في هذا مستوفي في المسألة السادسة من مقدمة هذا الشرح، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
(عَنْ مُجَاهِد) بن جبر الإمام المشهور رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أنه (قَالَ: جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما (فَجَعَلَ) أي شرع بُشير (يُحَدِّثُ) وفي الرواية الماضية: "يُحدّثه" بالضمير، وهو لابن عبّاس رضي الله عنهما (وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) أي جعل يكرّر الأحاديث المرفوعة (فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ) بفتح الذال المعجمة، من باب علِمَ: أي لا يستمع، ولا يُصغي إليه بأذنه، ومنه قوله تعالى:{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]. أي سمعت، ومنه سُمّيت الأذن (1). (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ) بُشير (يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا) استفهاميّة مبتدأ، خبرها قوله:(لِي) أي أيُّ شيء ثبت؟ ، والاستفهام للإنكار. وقوله:(لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي) جملة في محلّ نصب على الحال (أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ ولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَسْمَعُ) أي سماع قبول.
(1)"إكمال المعلم" 1/ 121. و "المفهم" 1/ 123.
[تنبيه]: الظاهر أن هذه القصّة واقعة أخرى غير القصة المذكورة في الرواية الماضية. ويحتمل أن تتّحد القصّتان، فيكون في الرواية الأولى اختصار، وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما ظنّ أن غرضه مجرّد إسماعه الحديث، فلما قال له:"ما لي لا أراك تسمع الخ" عرف أن مقصوده تحقيق أحاديثه بعرضها عليه، فاعتذر إليه بأنه إنما لم يستمع لكون الناس سلكوا في الحديث مسلكًا غير مرضيّ بحملهم الصحيح والسقيم، ثم قال له: أما إذا أردت التحقيق، فاقرأها عليّ حتى أستمع، فجعل يحدّثه، فقال له: عُد لحديث كذا ولحديث كذا. لكن الاحتمال الأول هو ظاهر سياق الروايتين، فهو أولى. والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (إِنَّا كُنَّا مَرَّةً) أي مرّةً من المرّات، ووقتًا من الأوقات، وذلك قبل أن يفشو الكذب (إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ابْتَدَرَتْهُ) أي تسابقته (أَبْصَارُنَا) بفتح الهمزة: جمع بصر (وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ) أي مِلْنا إليه. قال في "المصباح": صَغَيتُ إِلى كذا أصْغَى -بفتحتين-: مِلْتُ، وصَغَتِ النُّجوم: مالت للغروب، وصَغِىَ يَصْغَى صَغًى، من باب تَعِبَ، وصُغِيّا على فُعُول، وصغَوْتُ صُغُوًّا، من باب قَعَدَ لُغة أيضًا، وبالأولى جاء القرآن في قوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وأصغيت الإناء بالألف: أملته، وأصغيتُ سمعي ورأسي كذلك. انتهى (1). (بِآذَانِنَا) بالمدّ: جمع أذُن. والمراد أنهم يقبلون ذلك الحديث، ويأخذونه عن ذلك الرجل؛ لظهور صدقه؛ لأن ذلك العصر أهله أهل صدق وورع، فلا يُخشى أن يحدّثوا بما لا أصل له (فَلَمَّا رَكِبَ) بكسر الكاف (النَّاسُ الصَّعْبَ) بفتح، فسكون (وَالذَّلُولَ) بفتح الذال المعجمة، وقد تقدّم معناهما قبل حديث (لم نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ)"ما" موصول اسميّ مفعول "نأخذ"، فالاستثناء مفرّغ: أي لم نأخذ من حديث الناس إلا الحديث الذي نعرف ثقة نَقَلَته، وصحّة مَخْرجه؛ لأن ما ليس كذلك يُخشَى أن يكون كذبًا.
قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هذا الذي قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما يشهد بصحّة ما تأوّلنا عليه قول ابن سيرين -يعني الآتي- فإن ابن عبّاس كان في أول مرّة يُحدّث عن الصحابة، ويأخذ عنهم؛ لأن سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قليلًا؛ لصغر سنّه، فكان حاله مع الصحابة كما قال، فلمّا تلاحق التابعون، وحدّثوا، وظهر له ما يُوجب الريبة لم يأخذ عنهم، كما فعل مع بُشير العدويّ. انتهى كلام القرطبيّ (2).
[مسألة]: تتعلّق بآثار ابن عبّاس رضي الله عنهما المتقدّمة:
(1)"المصباح المنير" 1/ 342.
(2)
"المفهم" 1/ 124.
(اعلم): أنه يتعلّق بهذه الآثار أنواع من الآداب:
(منها): الإعراض عمن يُحدّث بالأحاديث التي لا أصل لها، وعدم استماعها. (ومنها): ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من تعظيم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترامهم لحاملها. (ومنها): أن من أدب طالب الحديث أن يعطي كلّه للحديث؛ لأنه لا تحصل له الاستفادة التامة إلا بذلك، كما قيل: العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يُعطك شيئًا. (ومنها): أنه لا ينبغي للطالب أن يُبقي حال استماعه ذرّة من ذرّاته تلتفت إلى غيره، بل يُحضر قلبه كلّه كما أحضر جسمه، فإذا سمع المحدّث شرع في التحديث دنا منه، وابتدره في أول مجلسه، وابتداء إلقائه، فيُلقي نظره عليه، ويُصغي بأذنه إليه، فإن وصول العلم إلى القلب إنما يتمّ عن طريقي السمع، والبصر، فإذا نظر إلى الشيخ بعينيه، وأصغى إليه بأذنيه، فقد حصل له التلقّي التامّ، وإن تخلّف أحدهما نقصت الاستفادة بقدر ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
22 -
(حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا، وَيُخْفِي عَنِّي، فَقَالَ: وَلَدٌ نَاصِحٌ، أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الْأُمُورَ اخْتِيَارًا، وَأُخْفِي عَنْهُ، قَالَ: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيْءُ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ، إِلَّا أَنْ يَكونَ ضَلَّ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
1 -
(داود بن عمرو الضبيّ) هو: داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي، أبو سليمان البغدادي، كذا نسبه ابن سعد وغيره، وقال الحاكم أبو أحمد: داود بن عمرو بن المسيب، ويقال: ابن زهير.
رَوَى عن نافع بن عمر الجمحي، وابن أبي الزناد، ومسلم بن خالد الزنجي، وغيرهم. وروى عنه مسلم، وهو من كبار شيوخه، وروى له النسائي بواسطة الفضل بن سهل الأعرج، وأبو يحيى صاعقة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
قال موسى بن هارون الحمال: حدثنا أبو الحسن بن العطار شيخ لنا ثقة، أنه رأى أحمد بن حنبل يأخذ لداود بن عمرو بالركاب. قال ابن محرز: سئل عنه ابن معين؟ فلم يعرفه، ثم بلغني أنه قال: لا بأس به، وأنه سأل سعدويه عنه، فحمده. وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن عمرو بن زهير الثقة المأمون. وقال ابن قانع: ثقة ثبت. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال موسى بن هارون وغيره: مات في صفر سنة
(228)
. وقيل: في ربيع الأول (1).
وقال في "التقريب": ثقة، من العاشرة.
تفرّد به مسلم، والنسائي، وله في "صحيح مسلم" حديثان فقط برقم (4244) حديث: "حوضي مسيرة شهر
…
"، و (4245) حديث: "إني على الحوض حتى أنظر من يرد
…
".
2 -
(نافع بن عمر) بن عبد الله بن جَمِيل بن عامر بن حِذْيَم بن سلامان بن ربيعة ابن سعد بن جُمَح الجمحي الحافظ المكي.
رَوَى عن ابن أبي مليكة، وسعيد بن حسان الحجازي، وسعيد بن أبي هند، وغيرهم. ورَوى عنه عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، ويحيى القطان، وابن المبارك، وداود بن عمرو الضبّيّ، وغيرهم.
قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أثبت الناس. وقال أبو طالب عن أحمد: ثبت ثبت، صحيح الكتاب. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: نافع بن عمر أثبت من عبد الله بن مؤمل. وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هو أحب إلي من عبد الجبار بن الورد، وهو أصح حديثًا، وهو في الثقات ثقة. وقال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه؟ فقال: ثقة، قلت: يُحتج بحديثه؟ قال: نعم. وقال ابن سعد عن شهاب بن عباد: مات بمكة سنة تسع وستين ومائة، وكان ثقة، قليل الحديث، فيه شيء. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مات بِفَخّ سنة تسع وستين ومائة.
وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ، من كبار السابعة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" ثلاثة أحاديث: الحديثان المذكوران في ترجمة داود بن عمرو قبله، و (3229) حديث:"قضى باليمين على المدّعى عليه".
3 -
(ابن أبي مُليكة) هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة زُهير بن عبد الله بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أبو بكر، ويقال: أبو محمد التيمي المكي، كان قاضيا لابن الزبير، ومؤذنا له.
روى عن العبادلة الأربعة، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن السائب المخزومي، وغيرهم. ورَوَى عنه ابنه يحيى، وابن أخته عبد الرحمن بن أبي بكر، وعطاء بن أبي رباح، ونافع بن عمر الجمحي، وغيرهم.
(1) وقال في "تهذيب التهذيب": وحكى ابن الجوزي في "الضعفاء" أن أبا زرعة، وأبا حاتم قالا: إنه منكر الحديث. فيحرر هذا. انتهى. قيل: إنما قالا ذلك في داود بن عطاء المدينيّ، لا في داود بن عمرو هذا. انظر ما كتبه الدكتور بشار في هامش "تهذيب الكمال" 8/ 430. والله تعالى أعلم.