الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الأثر:
عن الحسن بن عليّ الْحُلْوانيّ الحافظ المتقدّم في 3/ 22 أنه (قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ ابْنَ هَارُونَ) الواسطيّ الحافظ المشهور، تقدّم في 4/ 43. وقوله:(وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ) جملة في محلّ نصب على الحال.
و"زياد بن ميمون" هذا: هو الثقفي الفاكهي. روى عن أنس، ويقال له: زياد أبو عمار البصري، وزياد بن أبي عمار، وزياد بن أبي حسان، يدلسونه؛ لئلا يُعْرَف في الحال. قال الليث بن عبدة: سمعت بن معين يقول: زياد بن ميمون ليس يَسْوَى (1) قليلًا، ولا كثيرًا. وقال مرة: ليس بشيء. وقال يزيد بن هارون: كان كذابا. وقال البخاري: تركوه. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أبو داود: أتيته فقال: أستغفر الله، وضعت هذه الأحاديث. وقال بشر بن عمر الزهراني: سألت زياد بن ميمون، أبا عمار عن حديث لأنس، فقال: احسبوني كنت يهوديا، أو نصرانيا، قد رجعت عما كنت أحدث به عن أنس، لم أسمع من أنس شيئًا (2).
(فَقَالَ) يزيد (حَلَفْتُ أَلَّا أَرْوِيَ عَنْهُ) أي عن زياد (شَيْئًا، وَلَا) أروي أيضًا (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ) -بميم مفتوحة، ثم حاء ساكنة مهملة، ثم دال مضمومة مهملة، ثم واو، ثم جيم- ويقال: ابن مَقْدوح بالقاف بدل الحاء، وبالحاء المهملة بدل الجيم الواسطيّ، روى عن أنس وغيره، رماه يزيد بن هارون بالكذب. وقال أبو حاتم: ليس بشيء، ضعيفٌ جدّا. وقال النسائيّ: متروك. وقال ابن عديّ: يُكنى أبا روح. قال البخاريّ: كان يزيد يرميه بالكذب. حدّث عنه أبو أسامة. وقال ابن حبّان: يقلب الأخبار، لا يُحتجّ به. ثم غفل، فذكره في "الثقات". وقد ذكره البخاريّ، والساجيّ، والعقيليّ، وابن الجارود في الضعفاء. وقال النسائيّ في "الجرح والتعديل": ليس بثقة، ولا يُكتب حديثه. وقال ابن عبد البرّ: هو عندهم منكر الحديث، ضعيفٌ جدّا (3).
قال النوويّ رحمه اللهُ تعالى: أما قوله: "حلفت أن لا أروى عنهما" ففعله نصيحةً للمسلمين، ومبالغةً في التنفير عنهما؛ لئلا يَغْتَرّ أحدٌ بهما، فيروي عنهما الكذب، فيقعَ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما راج حديثهما، فاحتُجّ به. وأما حُكْمُهُ بكذب
(1) في "القاموس": هو لا يساوي شيئًا، ولا يَسْوَى كيرضى قليلة. انتهى.
(2)
راجع "ميزان الاعتدال" 2/ 94 - 95.
(3)
راجع "ميزان الاعتدال" 2/ 427. و"لسان الميزان" 2/ 387.
ميمون، فلكونه حَدّثه بالحديث عن واحد، ثم عن آخر، ثم عن آخر، فهو جار على ما قدمناه من انضمام القرائن، والدلائل على الكذب. انتهى (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما أشار إليه النوويّ رحمه اللهُ تعالى أن تكذيب يزيد بن هارون لزياد بن ميمون؛ لكونه حدّثه بحديث واحد مرّة عن بكر المزنيّ، ومرّة عن مُورّق العجليّ، ومرّة عن الحسن البصريّ، ليس لمجرّد الاختلاف، بل لما انضمّ إليه من قرائن، ودلائل تدلّ على كذبه، فلولا تلك القرائن، والدلائل لما جاز له الحكم به؛ لأن مثل هذا لو حصل من الثقات الأثبات، مثل الزهريّ، والأعمش، والثوريّ، ونحوهم لَقُبل عنهم، بل يكون ذلك دليلًا على كثرة شيوخ الراوي، وشدّة عنايته بالطلب، حتى سمع الحديث الواحد عن مشايخ كثرين. والله تعالى أعلم.
(وَقَالَ) يزيد بن هارون، مستشهدًا على تركه الرواية عن زياد بن ميمون (لَقِيتُ) بكسر القاف (زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ) بالنصب على المفعوليّة (فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ) قال صاحب "التنبيه": لا أعرف هذا الحديث. انتهى (2). (فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ) بفتح الموحّدة، وسكون الكاف (الْمُزَنِيِّ) بضم الميم، وفتح الزاي: نسبة إلى مزينة بنت كلب بن وَبْرَةَ، قبيلة كبيرة. كما في "اللباب"(3).
وبكر هذا: هو ابن عبد الله بن عمرو المزني، أبو عبد الله التابعيّ الجليل الفقيه البصري. رَوَى عن أنس بن مالك، وابن عباس، وابن عمر، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم. وروى عنه ثابت البناني، وسليمان التيمي، وقتادة، وغالب القطان، وغيرهم. قال ابن المديني: له نحو خمسين حديثا، قال: أدركت ثلاثين من فرسان مزينة، منهم عبد الله بن مغفل، ومعقل بن يسار، وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون. وقال ابن حبان في "الثقات": روى عن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني، وله صحبة، وكان عابدا فاضلا، وهو والد عبد الله بن بكر. وقال حميد الطويل: كان بكر مجاب الدعوة. وقال ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: لم يسمع بكر من المغيرة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: روايته عن أبي ذر مرسلة. وقال العجلي: بصري تابعي ثقة. وكان بكر يقول: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أَثِمْت، وهو سوء الظن بأخيك. وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتا مأمونا حجة، وكان فقيهًا، مات سنة (108). وقال ابن المديني وغيره: مات سنة (106)، ورجّح ابن سعد الأوّل، وبالثاني قال البخاري، وابن أبي خيثمة، وأبو نصر الكلاباذي، وغيرهم.
(1)"شرح مسلم" 1/ 113.
(2)
"تنبيه المعلم" ص 36.
(3)
راجع "الأنساب" 5/ 277 - 279 و"اللباب" 3/ 204 - 205.
وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ جليلٌ، من الثالثة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" عشرة أحاديث.
(ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ) أي رجعت إلى زياد (فَحَدَّثَنِي بِهِ) أي بالحديث الذي حدّثه به عن بحكر (عَنْ مُوَرِّقٍ) -بضم الميم، وفتح الواو، وكسر الراء المشدّدة، آخره قاف- وهو مُوَرّق بن مُشَمْرِج -بضم الميم، وفتح الشين المعجمة، وسكون الميم، وكسر الراء، آخره جيم- ويقال: ابن عبد الله العجليّ، أبو معتمر البصري، ويقال: الكوفي. روى عن عمر، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وابن عباس، وغيرهم. وروى عنه قتادة، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، ومجاهد، وغيرهم. قال النسائي: ثقة. وقال العجليّ: بصري تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن سعد: كان ثقة عابدا، قالوا: تُوُفّي في ولاية عمر بن هُبَيرة على العراق. وقال الهيثم بن عدي، والقَرّاب: مات سنة ثلاث. وقال ابن حبان: كان من العباد الْخُشُنِ، مات سنة خمس ومائة. وقال خليفة، وابن قانع: مات سنة ثمان.
وقال في "التقريب": ثقة عابدٌ، من كبار الثالثة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" أربعة أحاديث برقم 1886 و 1887 و 4455 و 4456.
(ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ) أي البصريّ، تقدّمت ترجمته. وقوله:(وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ) من كلام الحلوانيّ: أي كان يزيد بن هارون ينسب زياد بن ميمون، وخالد بن محدوج إلى الكذب.
(قَالَ الْحُلْوَانِيُّ) هو الحسن بن عليّ، شيخ المصنّف.
[تنبيه]: قوله: "قال" معطوف على "قال" المذكور في قوله السابق: "قال: سمعت يزيد بن هارون" بحذف حرف العطف، وحذف حرف العطف وحده في سعة الكلام جائز على القول الراجح عند النحاة، كما في قول الشاعر [من الخفيف]:
كَيْفَ أَصْبَحْتَ كَيْفَ أَمْسَيْتَ مِمَّا
…
يَغْرِسُ الْوُدَّ فِي فُؤَادِ الْكَرِيمِ
أراد كيف أصبحت، وكيف أمسيت. وفي الحديث:"تصدّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرّه، من صاع تمره". رواه مسلم في "صحيحه". وسُمع من العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا. أي أكلت خبزًا، ولحمًا، وتمرًا. قال الأشمونيّ: ولا يكون ذلك إلا في الواو، و"أو" انتهى. ومثال "أو" أثر عمر رضي الله عنه في "صحيح
البخاري": "صلّى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء". والله تعالى أعلم (1).
[تنبيه آخر]: نُقل عن الحافظ ابن منده أنه وصف مسلمًا بالتدليس، حيث قال: إنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه: "قال لنا فلان"، وهو تدليس، وردّ عليه الحافظ أبو الفضل العراقيّ، كما ذكره الحافظ في "رسالته" في المدلّسين. فتنبّه. والله تعالى أعلم.
(سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ) بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التَّنُّوري (2)، أبو سهل البصري. روى عن أبيه، وعكرمة بن عمار، وحرب بن شداد، وغيرهم. وروى عنه ابنه عبد الوارث، وأحمد، وإسحاق، والحسن بن علي الحلواني، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق، صالح الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة -إن شاء الله-. وقال الحاكم: ثقة مأمون. وقال ابن قانع: ثقة يخطىء. ونقل ابن خلفون: توثيقه عن ابن نمير. وقال علي بن المديني: عبد الصمد ثبت في شعبة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مات سنة ست، أو سبع ومائتين. وقال ابنه عبد الوارث وغيره: مات سنة سبع. وقال البلاذري: مات آخر سنة ست، أو أول سنة سبع. وقال في "التقريب": صدوق، ثبتٌ في شعبة، من التاسعة. انتهى. أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(65) حديثًا.
وقوله: (وَذَكَرْتُ) بالبناء للفاعل، والتاء ضمير المتكلّم، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل "سمعتُ": أي والحال أني قد ذكرتُ (عِنْدَهُ) ظرف لذكرتُ: أي عند عبد الصمد (زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ) بالنصب على المفعولية لذكرت. وقوله: (فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ) هكذا النسخ، والظاهر أن الفاء زائدة، والجملة في محل نصب على أنه مفعول ثان لسمعت، على القول بأنها من النواسخ، أو على الحال من "عبد الصمد" على قول الجمهور. ويحتمل أن يكون مفعول سمعت أو الحال (3) محذوفًا، والتقدير: سمعت عبد الصمد يُكذّب زياد بن ميمون، ويكون قوله:"فنسبه إلى الكذب" جملةً مؤكّدةً. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمه الله تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
82 -
(وحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ
(1) راجع شرح الأشموني على "الخلاصة" 3/ 116 - 117. مع "حاشية الصبّان".
(2)
بفتح المثنّاة، وتشديد النون-: نسبة إلى عمل التّنّور المعروف، وبيعها. قاله في "اللباب" 1/ 226.
(3)
وحذف الحال يجوز، كما بيّنه ابن هشام رحمه اللهُ تعالى في "مغني اللبيل" 2/ 634.