الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن قتلة استاده المدكور قال: اتفق ان استادنا طلع القلعه على عادته لياخد لبعض البحريه مالا من الخزاين. فقال له المعز: «لم يكن فى الخزاين ثم حاصلا، اصبر فادا وصل شى خده» . فقال: «لا اصبر، وانت تبخل علينا بمال حصلته سيوفنا» . واغلظ للمعز فى الكلام، فقال له المعز:«اذا انقضت الخدمه اطلع الظهر، وادخل انا وانت الى الخزانه لترا (5) بعينيك، وافعل ما تختار» . ثم أن المعز رتّب له فى دهليز الخزانه مماليكا.
وطلع استادنا بعد الظهر، وقام معه المعز، وتقدم الفارس امامه الى عطفة الدهليز، ووثبوا (7) عليه المماليك، فقتلوه. ورجع المعز، وامر بغلق باب القلعه. وشاع الخبر، فركبت مماليكه وخشداشيته، وظنوا انه مسكه، واتوا الى باب القلعه لخلاصه، وهم فى نحو سبع مايه فارس شره (9) البحريه. فرما اليهم براسه من فوق السّور.
فلما عاينوه نظروا الى بعضهم البعض وقالوا: «قد فات الامر فيه، ونحن مبغوضين، (10) والعامه وحدهم يكفونا (11)» . فولوا هاربين على وجوههم، لا يلوى احد على اخيه، طالبين الشام. وتفرقوا فرقا، فمنهم من طلب الكرك الى نحو الملك المغيث، ومنهم من قصد دمشق الى الملك الناصر، ومنهم من طلب الصعيد، ومنهم من طلب الامان.
قال ايبك: وكنت انا وخشداشى سنقر الكبير، ومعنا اثنى عشر نفر (14) قد اخد كل واحد فرسه وجنيبه وهجينا
(24) ذكر المدينه الخضراء
قال ايبك: فطلعنا من القاهره فى الليل، وقصدنا البرّيه خوفا من المسك والتتبع. فاوقعنا الله تعالى فى تيه بنى اسراييل. فبقينا خمسه ايام فى البريه، وفرغ ما كان معنا من الماء، واشرفنا على الهلاك. ولم نزل سايرين طول تلك الليله
(5) لترا: لترى--مماليكا: مماليك
(7)
ووثبوا: ووثب
(9)
شره: المقصود «شره من البحريه» --فرما: فرمى
(10)
مبغوضين: مبغوضون
(11)
يكفونا: يكفوننا
(14)
اثنى: اثنا--نفر: نفرا
الخامسه الى ان طلعت الشمس علينا فى اليوم السادس، فلاح لنا على بعد سواد صفه عماره، فقصدناها فاتيناها الظهر. وقد هجّرت علينا الأرض، ووقفت خيلنا من العطش، فوجدنا مدينه باسوار وابواب جميعها زجاج اخضر. فدخلناها فوجدنا الرمل السافى ينبع من الأرض كنبع الماء حتى وصل الى السقوف بتلك الآدر، وكدلك الأسواق، وبعضها ليس فيها رمل، ودكاكين على حالها مفتحه وفيها قماش، فلمسناه فعاد كالهبا وكدلك جميع ما نلمسه منها، والنحاس يتفتت كالرمل فقتشناها جهد الطاقه، فوجدنا فى دكان صينيه نحاس وفيها ميزان، فحين لمسناه تفتت من ايدينا. ثم وجدنا فى تلك الصينيه تسع (8) دنانير دهب لم تتغير منقوش عليها صورة غزال وحوله اسطر عبرانيه. وبقينا فى تلك المدينه ونحن ما لنا همّ الاّ التدوير على الماء. فوجدنا فى مكان اثر رشح، فخفرنا هناك تقدير دراعين، فظهرت بلاطه خضراء، فقلعناها فوجدناه صهريجا فيه ماء ابرد من الثلج، فشربنا وسقينا خيلنا وحمدنا الله تعالى على دلك. ثم حطبنا ونحرنا هجينا وشوينا لحمه واكلنا واسترحنا دلك اليوم. ثم اجتهدنا فى تلك المدينه على أن نلقا (13) فيها شى من المال، فلم نجد غير تلك التسع دنانير، ثم خرجنا وملينا (14) اوعيتنا من دلك الماء. (25) وسرنا ونحن لا نعرف اين نتجه، فبقينا كدلك يوم (15) وليله.
فوقعنا الله تعالى على قبيله عرب من بنى مهدى عرب الكرك، فاخدونا وطلعوا بنا الكرك الى الملك المغيث. فرسم لنا باقامه، ونزلنا فى الربظ (17)، ثم قصدنا دكان يهودى صيرفى شيخ، فاصرفنا منه دهيب (18) كان معنا، ثم اوريناه دينار من تلك الدنانير.
فلما رآه صرخ وغشى عليه ساعه، ثم افاق فسألناه، فقال:«هدا الدهب ضرب فى ايام نبينا موسى بن عمران، فمن اين لكم هدا؟» فاحكينا له امرنا. فقال: «صدقتم،
(8) تسع: تسعة
(13)
نلقا: نلقى--شى: شيئا--التسع: التسعة
(14)
وملينا: وملأنا
(15)
يوم: يوما
(17)
الربظ: الربض
(18)
دهيب: ذهيبا-- اوريناه: أريناه--دينار: دينارا