الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلطنه الملك المظفر سيف الدنيا والدين قطز رحمه الله
وسبب دلك انه لما كان يوم السبت رابع عشرين شهر ذى القعده من هده السنه قبض الامير سيف الدين قطز على الملك المنصور نور الدين علىّ بن الملك المعزّ، واعتقله.
وجلس على سرير الملك، وتلقب بالملك المظفر فى التاريخ المدكور. وكان الامرا المعزيه والبحريه طلبوا دستور (5) من ابن استادهم ليتوجهوا يرموا بندق فى العباسه وغزه، فاغتنم المظفر غيبه الامرا، وقبض على المدكور، ثمّ ان الامرا قبض عليهم (34) من كل جهه مثل النسا، واودعهم الاعتقال. وقيل انه سيّر المنصور وامه واخته الاّ (8) بلاد الاشكرى، وقيل انما سيرهم الملك الظاهر بعد تملكه وقتله للمظفر حسبما ياتى من ذكر ذلك، والله اعلم.
ذكر نبد من بدو (10) شان الملك المظفر
قال العدل امين الدين محمد بن ابراهيم ابن ابى بكر ابن عبد العزيز ابن (11) ابى الفوارس الجزرى: حكى لى والدى عن بدو (12) شان الملك المظفر قطز رحمه الله، قال: لما كان فى رق ابن العديم، او قال بن (13) الزعيم بدمشق بالقصاعين، والصحيح انه ابن الزعيم، اتفق ان استاده غضب عليه يوما لشئ جرا (14) منه. فلطمه على وجهه، ولعن والديه وابوه (15) وجده. ثم انه جلس يبكى وينتحب، وزاد فى بكايه عن حدّ القياس. وحضر الطعام، فامتنع عن الاكل، وضلّ (16) طول يومه يبكى. قال: ثم ان استاده ركب الى وضيفته (17)، وكان [قطز] عنده عزيزا بخلاف غيره من مماليكه،
(5) دستور: دستورا--يرموا بندق: يرمون بندقا
(8)
الا: إلى
(10)
بدو: بدء
(11)
ابن: بن
(12)
بدو: بدء
(13)
بن: ابن
(14)
جرا: جرى
(15)
وابوه: وأباه
(16)
وضلّ: وظلّ
(17)
وضيفته: وظيفته
فاوصى عليه الحاج علىّ الفرّاش؛ وكان الحاج علىّ كبير فى بيت ابن الزعيم. فقال:
«يا حاج، استوصى (2) بهدا المملوك، ولاطفه، وخذ بخاطره، واطعمه، واسقيه» .
قال الحاج علىّ: فاتيته وهو يبكى بعد ركوب استاده. فقلت: له «ما هدا البكا العظيم.
من لطشه تعمل هده العمايل؟ فلو وقع فيك جرح سيف او نشاب كيف كنت تصنع؟» فقال: «والله، يا حاج، ما بكايى وغيضى (5) من لطشه، فان السيوف والله ما تعمل فىّ، وانما غيضى (6) على لعنته لوالدىّ وابى وجدى، وهم والله اخير من ابايه وجدوده» .
فقلت له: «ومن هو ابوك انت، ومن جدك، وانت مملوك تركى، كافر بن (7) كافر» .
فقال: «لا تقل هكذا يا حاج، والله، ما انا الا مسلم ابن مسلم ابن مسلم الى عشر (8) جدود.
انا محمود بن ممدود ابن (35) اخت خوارزم شاه السلجوقى، ولا بد ما املك مصر واكسر التتار». قال الحاج على: فضحكت من قوله وطايبته. وتقلبت الاحوال الى ان ملك مصر وكسر التتار، ودخل [قطز] دمشق وطلبنى، فاحضرنى واعطانى خمس مايه دينار، ورتب لى راتب جيد (12)، رحمه الله.
وحكى العدل امين الدين محمد بن ابراهيم المدكور ايضا: قال حدثنى والدى، قال حدثنى الحاج ابو بكر ابن (14) الاسعردى والحاج زكى الدين ابراهيم الجزرى المعروف بالحنبلى استاد الفارس اقطاى قالا: كنا عند قطز فى اول دوله استاده المعز، وقد حضر عنده منجم قد ورد من بلاد الغرب موصوف بحذاقه ومعرفه فى علم الرمل. قال: فامر [قطز] لا كثر من عنده من الحاشيه بالانصراف، وكنا نحن من كبار اصحابه فامرنا بالقعود. ثم قال له:«اضرب وانظر من يملك مصر بعد استادى المعز، ومن يكسر هولاء التتار ويردهم عن مقصدهم» . قال: فضرب وحسب زمانا، وعاد يعدّ على اصابعه.
فقال [قطز] له: «قول (20) ما عندك» . فقال: «يا خوند، بيطلع لى خمس حروف بلا نقط،
(2) استوصى: استوص--اسقيه: اسقه
(5)
وغيضى: وغيظى
(6)
غيضى: غيظى
(7)
بن: ابن
(8)
عشر: عشرة
(12)
راتب جيد: راتبا جيدا
(14)
ابن: بن
(20)
قول: قل--بيطلع لى خمس: تطلع لى خمسة
وابوه ايضا كدلك، وقد تحيرت فى دلك، واسمك انت ثلث (1) حروف، اثنين منهما منقوطه». قال: فتبسم [قطز] وقال: «لم لا تقل (2) محمود ابن ممدود؟» فقال المنجم: «ولا يقع والله غير هدا الاسم» . فقال: «انا هو محمود بن ممدود، وانا الدى اكسر التتار، وآخد تار (4) خالى منهم خوارزم شاه» . قال: فتعجبنا من دلك حتى كان كدلك.
ومن دلك ما نقل عن الشيخ قطب الدين ابن اليونينى (5) فى تاريخه المعروف بتاريخ بغداد ايضا فى سنه تمان وخمسين وستمايه، قال: كان السلطان الملك المظفّر رحمه الله رجلا شجاعا مقداما (7) حتى قيل (36) انه لم يركب الفرس قبله من الترك افرس ولا اشجع منه، ولم يكن يوصف بكرم ولا شح بل كان مقتصدا فى دلك. وهو اول من اجترا على التتار وكسرهم واخرق ناموسهم بعد جلال الدين خوارزم شاه حسبما تقدم من ذكره، فكانت كسره جبر بها الاسلام، والله اعلم.
ومن نبده ما نقل عن الشيخ عبد الرحمن القزوينى: قال حدثنى بعض اصحابى فى عشر (12) شوال سنه احدى وتسعين وستمايه ببعلبك قال: حدتنى المولى تاج الدين احمد بن الاثير الحلبى ان الملك الناصر صاحب الشام لما كان على برزه اخر سنه سبع وخمسين وستمايه وصله قصّاد من مصر يخبروه (14) ان قطز تسلطن بمصر وقبض على ابن استاده.
قال تاج الدين: فطلبنى الملك الناصر اقرا عليه الملطف. فلما فرغ قال: خده ورح الى عند الامير ناصر الدين القيمرى والامير جمال الدين يغمور واوقفهما عليه.
قال [تاج الدين]: فخرجت من بين يديه فلقينى حسام الدين البركتخانى، فسلم على وقال: جاكم الساعه الخبر ان قطز تملك مصر. فقلت: ما سمعت شئ (18). قال [تاج الدين]:
فنظر الىّ طويل (19) وقال: بلى والله يا تاج الدين، ملك مصر قطز وهو الدى يكسر التتار.
(1) ثلث: ثلاثة--اثنين منهما: اثنان منها
(2)
تقل: تقول--ابن: بن
(4)
تار: ثأر
(5)
اليونينى: فى الأصل «الموسى» ؛ انظر ذيل مرآة الزمان، ج 1 ص 380
(7)
مقداما: فى الأصل «مقدما»
(12)
عشر: عاشر
(14)
يخبروه: يخبرونه
(18)
شئ: شيئا
(19)
طويل: طويلا
فقلت: ايش هدا القول، ومن اعلمك بهدا؟ فقال [حسام الدين]: والله، هدا قطز هو خشداشى، كنت انا وهو عند الهيجاوى ونحن صبيان، وكان عليه قمل كثير، فكنت اسرّح راسه، وكلما قتلت قمله يعطينى فلس (3) او صفعه. فلما كان فى بعض الايام اخدت عنه قمل (4) كثير، وشرعت اصفعه، ثم تنهدت وقلت:«اتمنى على الله اميريه خمسين فارس (5)» . قال [حسام الدين]: فشال راسه من حجرى وقال: «طيّب قلبك، انا اعطيك امريه (6) خمسين فارس» . قال: فصفعته واحده قويه وقلت:
«وايش هو انت (7) حتى تعطينى امريه» . (37) فقال: «انت تتمنى امريه خمسين، وانا والله اعطيك» . قال [حسام الدين]: فصفعته اخرى اقوى من الاوله (8)، وقلت:«انت تجننت» . فقال: «لا والله يا خشداشى، الاّ انا املك مصر واكسر التتار» . فقلت:
«من اين لك هدا؟» فقال [قطز]: «والله رايت النبى صلى الله عليه وسلم فى منامى فقال لى: انت تملك مصر وتكسر التتار. وقول النبى صلى الله عليه وسلم فما فيه شك» .
قال [حسام الدين]: فسكت عنه، وكنت اعرف منه الصدق فى حديثه. فتنقلت به الاحوال الى ان صار الحاكم فى الدوله المصريه، وما اشك انه يملك مصر ويكسر التتار كما قال. قال القاضى تاج الدين، فلما قال لى هدا قلت له: يهنيك (14) والله ملك مصر.
فقال: والله ولا يكسر التتار احد غيره. فلم تمضى (15) الا اشهر حتى خرج وكسر التتار.
قال القاضى تاج الدين: ثم رايت حسام الدين البركتخانى بالديار المصريه بعد كسره التتار وهو امير خمسين فارس (17)، فسلم علىّ وقال: تذكر، يا مولانا تاج الدين، ما قلت لك فى الوقت الفلانى. قلت: نعم. قال [حسام الدين]: والله حال ما عاد الملك الناصر الى حلب طلبت انا مصر، واجتمعت بالسلطان المظفر رحمه الله، واوفانى بوعده، واعطانى امريه (20) خمسين فارس كما ترا.
(3) فلس: فلسا--صفعه: المقصود «أصفعه»
(4)
قمل كثير: قملا كثيرا
(5)
فارس: فارسا
(6)
امرية: إمرة--فارس: فارسا
(7)
وايش هو انت، انظر النجوم الزاهرة ج 7 ص 88 س 6 و 7 - امريه: إمرة
(8)
الاوله: الأولى
(14)
يهنيك: يهنئك
(15)
تمضى: تمض
(17)
فارس: فارسا
(20)
امريه: إمرة--فارس: فارسا--ترا: ترى
قلت: كان بين الوالد، سقى الله عهده، وبين القاضى تاج الدين بن الاثير المشار اليه صحبه اكيده من ايام استاد الوالد الامير سيف الدين بلبان الدوادار الرومى رحمهما الله. وكان للعبد اخوين (3) اكبر منى، وكان القاضى تاج الدين ادا هل الشهر يسير يطلبنا الثلاث (4) ويبصر الهلال على وجوهنا. وكان يقول للوالد: يا جمال الدين، انا استبارك بوجوه بنيك، فانهم (5) حسنه. وثوارثنا الصحبه مع اولاده، القاضى عماد الدين اسماعيل، ثم صحب المملوك القاضى علا الدين على ولده الى ان توفى فى تاريخ ما ياتى ذكره انشاء الله تعالى.
حدثنى والدى رحمه الله عن القاضى تاج الدين المدكور (38) قال، حدثنى الامير عز الدين ابن (9) ابى الهيجا ان الامير سيف الدين بلغاق حدثه ان الامير بدر الدين بكتوب الاتابكى حدثه قال: كنت انا وقطز الملك المظفر، وبيبرس البندقدارى الملك الظاهر، خشداشيه فى حال الصبى، نكون اكثر اوقاتنا مجتمعين نركب جميع (11) ونمشى جميع (12) فاتفق ان نحن يوما رءينا منجم فى بعض الطرقات بالديار المصريه، فوقفنا عليه فقال له قطز: ابصر لى. قال [بدر الدين] فضرب، ثم صوّب فيه النظر وحسب، وعاد يكرر اليه النظر طويل (14). فقال [قطز]: ايش تقول تكلم. فقال: انت تملك مصر وتكسر التتار. قال فتضاحكنا منه. ثم قال له بيبرس البندقدارى: وابصر لى انا ايضا. قال [بدر الدين]: فضرب، ثم عاد ينظر الى الاخر طويل (16) وقال: ان هدا لعجيب، وانت والله ايضا تملك مصر وغيرها، ويطول ايامك، فازداد ضحكنا.
ثم قلت: وانا ايضا ابصر لى. فضرب وقال: وانت يحصل لك امريه (18) كبيره، وهدا سببها-واومى (19) الى البندقدارى-ويقتل هدا-واشار الى قطز. قال [بدر الدين]:
فو الله ما اخرم قوله كلمه واحده. وهدا ما حكاه القاضى تاج الدين بن الاثير للوالد رحمهما الله جميعا.
(3) اخوين: أخوان
(4)
الثلاث: الثلاثة
(5)
فانهم: فإنها--وثوارثنا: وتوارثنا
(9)
ابن: بن
(11)
جميع: جميعا
(12)
جميع: جميعا--رءينا: رأينا--منجم: منجما
(14)
طويل: طويلا
(16)
طويل: طويلا
(18)
امريه: إمرة
(19)
واومى: وأومأ
(1)
[وفيها ولد الملك المظفر تقى الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقى الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن عمر بن شاهنشاه ابن (2) ايوب صاحب حماه. وامه عايشه خاتون بنت الملك العزيز، وام جده ملكه خاتون بنت بنت الملك العادل، كما قال فيهم الشاعر <من المنسرح>:
طوبى لفرعيه من هنا وهنا
…
طوبى لأعراقه التى تنسخ
وكانت ولادته الساعه العاشره من ليله الاحد خامس عشر المحرم سنه سبع وخمسين وستمايه] (7).
وفيها مسك المغيث صاحب الكرك جماعه من البحريه واودعهم الاعتقال بالكرك لما توجه البندقدارى الى الملك الناصر صاحب الشام.
وفيها كثرت الاراجيف فى الشام باسره بسبب التتار. ووردت الاخبار انهم قطعوا الفراه (11)، واغاروا على بعض اعمال حلب؛ فهرب كثير من الدماشقه بعد ما اباعوا حواصلهم، وخرجوا على وجوههم جافلين متفرقين فى البلاد والجبال الى الحصون والى ديار مصر. وكان دلك فى الشتا وقوه زخمه، فمات خلق كثير فى الطرقات، (39) ونهبوهم (14) الجبليه وتبث بدمشق من قوى قلبه وسجع نفسه.
وفيها ارسل الملك المغيث البحريه الدين كانوا عنده الى الملك الناصر مقيدين على الجمال، من جملتهم سنقر الاشقر وسكز وبرامق.
وفيها توفى الملك الرحيم بدر الدين لولو صاحب الموصل، وكان قد توجه الى هلاوون، واستنابه على ملك الموصل. (18) [كان بدر الدين لولو صاحب الموصل فى اول امره مملوكا لنور الدين ارسلان شاه ابن عز الدين مسعود ابن (19) مودود ابن زنكى
(1 - 7) ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش
(2)
ابن: بن
(11)
الفراه: الفرات
(14)
نهبوهم: نهبهم--وتبث: وثبت
(18)
ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش
(19)
ابن: بن