الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
[قال ابن واصل فى تاريخه ان لما قبض السلطان الملك الصالح نجم الدين ايوب رحمه الله-على الامير علا الدين البندقدار الصالحى لأمر بدا منه احضره الى حماه، واعتقل بجامع قلعه حماه. واتفق حضور الملك الظاهر، وهو يوميد مع تاجره، وصحبته خشداش له يقال انه (4). . . فكان الملك المنصور صاحب حماه صبى، وعادته ادا اراد يشترى مماليك، اعرضهم اولا على الصاحبه والدته. فلما بلغه وصول هذين المملوكين، احضرهما واعرضهما على الصاحبه والدته، فراتهما من داخل الستر.
فقالت له: «خذ المملوك الابيض، والاسمر لا يكون بينك وبينه معامله؛ فان فى عينيه شر لايح (8)» . قال: فردهما جميعا على التاجر. فسرّ الصاحبه هدا الفعل منه. وبلغ الامير علا الدين البندقدار وهو معتقل خبرهما، وكان غير مضيق عليه، فاحضرهما وشراهما جميعا، وبقيا عنده فى الاعتقال الى ان فرج الله عنه] (10).
ذكر قتلة الملك المظفر رحمه الله وسلطنة الملك الظاهر
ودلك لما وصل السلطان المرحوم الشهيد سيف الدنيا والدين قطز الى منزلة القصير، ثار قدامه ارنب، فساق عليه، وارماه، وتبعوه (13) الامرا المدكورين. وسبق الامير عز الدين انس الى الارنب وحصلها، فاعجب السلطان منه دلك، كون مثل هدا الامير سبق الى صيده، وترجل عن فرسه وحصله. فقال له:«اسال ما تريد يا بيك ادا دخلنا مصر» . فقال: «يا خوند، الجاريه التى خدها السلطان من سبى التتار» . فقال:
«نعم، وعلىّ جهازها» . فباس الارض، وتقدم ليقبل يد السلطان، فمسك قايم سيفه مع ايده (18). وكانت هده الاشاره بينهم. فبادره بكتوت الجوكندار، وضربه على عاتقه حله،
(1 - 10) ما بين الحاصرتين مكتوب بالهامش--ان: أنه
(4)
انه. . .: بياض فى الأصل، والمقصود «أبيض» --صبى: صبيا
(8)
شر لايح: شرا لائحا
(13)
وتبعوه: وتبعه-- المدكورين: المذكورون
(18)
ايده: يده
ثم ثنى عليه انس، فارماه عن فرسه، ثم رماه بهادر المعزى بسهم، فقتله.
وعجل الله بروحه الى علّيّين، وعوضه عن ملكه بملك جوازه الحور العين، ودلك يوم السبت سادس عشر ذى القعده. (54) وقيل ان اول من ضربه كان الامير ركن الدين بيبرس البندقدارى، وهو الصحيح والله اعلم.
ثم توجهوا الى الدهليز، واجتمعوا، فتقرر (5) الامر للامير ركن الدين بيبرس البندقدارى، بعد محاورات كثيره. فكان اول من تقدم وبايعه الامير فارس الدين اتابك، ثم الامرا على طبقاتهم. ولقب (7) الملك الظاهر.
ثم قال له الامير فارس الدين: «لا يتم لك ما تريد حتى تملك قلعه الحجر (8)» . فركب على فوره، وجدّ فى سوقه، فوجد فى طريقه الامير عز الدين الحلى، وكان النايب بمصر. فعرفه بما تحرر. فاستجاب له، وحلف يمين البيعه، وعاد فى خدمته. وكان قد رتب الامير جمال الدين اقوش النجيبى استادار (11)، والامير عز الدين الافرم امير جاندار، والامير حسام الدين لاجين الدرفيل، والامير سيف الدين بلبان الرومى دواداريه، والامير بها الدين امير اخور، ولم يزل فى جدّه حتى وصل القلعه التسبيح الاول.
وكان الطالع السرطان، والقمر فى تثليث الزهره، ساعه سعد صدفه، لما يريده الله عز وجل من سعاده الاسلام، وعنايته بدين نبيه عليه السلام.
وكانت القاهره قد زينت لدخول المظفر رحمه الله، والناس فى فرح عظيم.
فلما اصبح الصباح، وانتظروا (17) الناس ان يكون الصباح للملك المظفر، فصبّحوا
(5) فتقرر. . .: من هنا إلى نهاية المجلد الثامن من «كنز الدرر» يوجد تشابه إلى حد ما مع ما ذكره مفضل بن أبى الفضائل فى كتابه «النهج السديد» . وسوف يشير المحقق إلى مواضع التطابق عند الضرورة مستخدما مخطوطة باريس للنهج السديد (رقم 4525) وما نشره بلوشيه Blochet فى Patrologia Orientalis،vol .Xll،XIV،XX ومشيرا إلى ذلك بحرفى م ف
(7)
ولقب الملك: ولقب بالملك، م ف
(8)
قلعه الحجر: قلعة مصر، م ف
(11)
استادار: استادارا
(17)
وانتظروا: وانتظر
السلطان الملك الظاهر هدا فى القلعه. واما القاهره فلما طلع النهار لم يشعر الناس الا بمنادى ينادى: ترحموا على الملك المظفر، وادعوا للسلطان الملك الظاهر سلطانكم.
فلحق الناس خوفا عظيما (4) من عودة البحريه؛ لما كانوا يعهدونه منهم من الجور والفساد. وكان الملك المظفر قد احدث (55) حوادث كثيره لاجل تحصيل الاموال لاجل العدو وتحريك التتار؛ منها تسقيع (6) الاملاك وتقويمها وزكاتها، وعن كل انسان دينار. فبلغ دلك فى كل سنه ستمايه الف دينار. فاطلقه لهم السلطان الملك الظاهر، وكتب به مسموحا (8)، وقرئ فى الجوامع على المنابر. فطابت قلوب الناس، وحمدوا الله عز وجل، وزادوا فى الزينة اكثر مما كانت.
ولمّا اسفرت الليله التى وصل فيها السلطان الملك الظاهر الى القلعه المحروسه، عن يوم الاحد سابع عشر ذى القعده، جلس السلطان الملك الظاهر فى ايوان القلعه بدست المملكه الشريفه بالديار المصريه وما معها. وكتب الى الملك الاشرف صاحب حمص، والى الملك المنصور صاحب حماه، والى المظفر عثمان صاحب صهيون، والى الاسماعيليه، والى المظفر علا الدين بن الملك الرحيم بدر الدين لولو صاحب الموصل، والى الامير علم الدين سنجر الحلبى نايب دمشق، فانه كان قد استنابه بها الملك المظفر رحمه الله.
ولما بلغ الامير علم الدين الحلبى دلك طمعت اماله فى الملك. فجمع من كان عنده من الامرا الذين رتبهم الملك المظفر بالشام مع اعيان الدماشقه، والزمهم بالأيمان له، فاجابوه الى دلك. فلما تم له تلقب بالملك المجاهد. وكتب الى النوّاب بالقلاع،
(4) خوفا عظيما: خوف عظيم
(6)
تسقيع: كذا بالأصل، فى م فى «تصقيع»
(8)
مسموحا: توقيعا، م ف
وطلب تسليمها. فمنهم من اجاب، ومنهم من امتنع. وبعث الى الاشرف صاحب حمص، والى المنصور صاحب حماه، والى الامرا العزيزيه بحلب يستميلهم اليه، ويرغبهم فى طاعته، واوعدهم الاحسان والاموال والاقطاعات.
(56)
وفى سادس شهر ذى الحجه من هده السنه خطب للسلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين (5) بيبرس البندقدارى على المنابر بدمشق، وذكر بعده الملك المجاهد.
وكدلك ضربت سكه الدرهم والدينار بينهما جميعا.
وكان لما تملك السلطان الملك الظاهر لقب نفسه الملك القاهر. وكان الوزير بمصر الصاحب زين الدين بن الزبير، وكان فاضلا، صاحب ادب وترسّل وتاريخ، عارف (8) بامور الناس، فاشار عليه ان يغيّر هدا اللقب، وقال:«ما لقب به احد فافلح، قد لقب به القاهر فى خلفا بنى العباس، فلم يكمل سنه حتى خلع وسمل، ولقب به القاهر بن (10) صاحب الموصل، فلم تطل ايامه حتى سم ومات» . فغير بالظاهر.
ولما ملك السلطان الملك الظاهر الديار المصرية، كان المظفر علا الدين بن بدر الدين لولو صاحب الموصل مستوليا فى دلك الوقت على حلب، فاسا (13) السيره، وظلم وعسف، وجبا من الحلبيين خمسين الف دينار. وكان بحلب يوميد الامير حسام الدين لاجين الجو كندار العزيزى. فاتفق من بها من الامرا العزيزيه والناصريه على قبض المظفر واستعاده ما اخده من الناس منه. فمسكوه، واعتقلوه فى قلعه شغر (16). وقدّموا عليهم الامير حسام الدين لاجين العزيزى، وفوّضوا اليه امورهم، ودلك فى سابع دى الحجه. وكان الامير حسام الدين لاجين العزيزى، قد اخد ادنا من الملك المظفر قطز رحمه الله-وتوجه لاستخلاص ما كان له بحلب من الاموال والودايع التى كانت له
(5) ركن الدنيا والدين: بالأصل: «ركن الدين الدنيا والدين»
(8)
عارف: عارفا
(10)
بن: ابن
(13)
فاسا: فأساء--وجبا: وجبى.
(16)
شغر: فى الأصل «شغل» ، فى ذيل مرآة الزمان لليونينى ج 1 ص 374 «الثغر»
من ايام الملك الناصر. ولما اتفق ما اتفق، وهو يومئذ بحلب، اجمعوا (1) اهل حلب على تقديمه كماد كرناه. فكتب اليه الحلبى المنعوت بالملك (57) المجاهد بان يدخل تحت طاعته، ويخطب له بحلب، وان يكون نايبا له بها، ويزيده على اقطاعه زيادات كثيرة، فابا (3)، وقال:«انا نايب لمن ملك مصر» .
وفيها عادت التتار الى حلب يوم الخميس سادس عشر شهر ذى الحجه. فخرج منها الامير حسام الدين ومن معه من الامرا، فى بكره اليوم المدكور. وكان مقدم التتار بيدرا، فلما وصلوا حلب نادوا فى شوارعها وعلى الموادن (7) الامن والسلامه، واقرّوا اهلها فى منازلهم، وجعلوا فى البلاد الشحانى من قبلهم، واستمروا كدلك.
واما الامرا الدين كانوا بحلب وخرجوا مع الامير حسام الدين لاجين المدكور، فانهم لما وصلوا الى اعمال حماه بعثوا الى الملك المنصور صاحبها يحذرونه (10) من التتار، وسيروا عليه باجتماع الكلمه. فظن ان دلك حيله عليه، فلما تحقق دلك، خرج اليهم ولحق بهم، وسار معهم الى حمص، ثم وصلت غاره التتار الى حماه.
وكان فى تلك السنه غلاء عظيم بساير الشام فى جميع الاشيا، وبلغ الرطل الخبز درهمين.
وفيها توفى الملك السعيد نجم الدين ايل غازى بن المظفر ناصر الدين ارتق صاحب ماردين. ولما اتصل بالتتار خبر وفاته، بعثوا الى ولده المظفر وطلبوه بالدخول تحت الطاعه. فبعث اليهم شخص (17) يسمى عز الدين بن الشماع، ليتعرف منهم ما اضمروه له.
(1) اجمعوا: أجمع
(3)
فأبا: فأبى
(7)
الموادن: المآذن
(10)
يحدرونه: يحذرونه
(17)
شخص: شخصا
فلما اجتمع بمقدميهم، وهما قطز نوين وجرموك (1)، فقالوا له ان بين الملك المظفر قرارسلان وبين هلاوون وعدا، ان والده متى مات، وتسلم الملك بعده ان يدخل تحت الطاعه. فقال لهم عز الدين بن الشماع:«هدا صحيح، لكن انتم اخربتم بلاده، وقتلتم رعيته، فباى شى يدخل تحت الطاعه، (58) ويدارى عنه» . فقالوا: «علينا كلما يشتهى، ونحن نضمن له متى دخل تحت الطاعه وقام بوعده، وبلغ القان، عوّضه عن جميع دلك» . فعاد عز الدين، وعرفه دلك. فاعاده [المظفر] يقول:
«انا اسيّر رجل (7) من عندى الى هلاوون، وابعثوا لى رهاين تكون عندى الى ان يرجعوا (8) رسلى» . واستقر الحال ان المقدم قطز نوين يبعث ولده، والمقدم جرموك يبعث ابن اخيه رهاين. فلما بعثوا الرهاين سيّر الملك المظفر قرا ارسلان نور الدين محمود ابن اخى الملك السعيد بركتخان. وتوجّه صحبته قطز نوين بنفسه، فوصلوا الى هلاوون، وادوه الرساله. فاجاب، وكتب لهم بدلك فرامين، وبعث معهم قصّاد (11) من جهته، ابقا (12) نور الدين عنده. وامر التتار بالرحيل عن ماردين، فرحلوا. ثم بعث هلاوون الرسل، وصحبتهم كوهداى، وهو من اكابر مقدميه. فوصل الى ماردين، وتقرر امر الصلح بينهم. واسلم كوهداى على يد المظفر، وزوجه اخته، واستقر عندهم.
(1) وجرموك: كذا فى الأصل، وورد الاسم «جرمون» فى مفضل P .O .، ج 12 ص 72 والحاشية لبلوشيه، وفى اليونينى، ذيل مرآة الزمان، ج 1 ص 378.
(7)
رجل: رجلا، فى م ف «رسلا»
(8)
يرجعوا: يرجع
(11)
قصاد: قصادا
(12)
ابقا: وأبقى