الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح القصير
وهو بين حارم وانطاكيه، كان فيه رجل قسيس معظم عند الفرنج. وكان السلطان الملك الظاهر قد امر التركمان مع عساكر حلب بالنزول عليه ومحاصرته. ثم بعث اليه الامير المرحوم سيف الدين بلبان الدوادار. فلم يزل يخادع القسيس، ويلاينه ويخاشنه، حتى انزله من الحصن وتسلمه منه بالملاطفه والمكايده وحسن التصرف وبراعه التلطف. ودلك فى الثالث والعشرين من جمادى الاولى.
وفيها وفد على السلطان شكنده (7)، ابن عمّ داود ملك النوبه، متظلما من بن عمه داود. ودكر ان الملك كان له دونه. وكان داود ايضا قد تقدمت اساءته على اغارته على عيداب (9) -حسبما دكرناه. فلما استقر ركاب السلطان بالقاهره المحروسه جرّد الامير شمس الدين اقسنقر الفارقانى والامير عز الدين الافرم الى النوبه، (164) وصحبتهم (10) ثلثمايه فارس، وشكنده صحبتهم. وأمرهم ان ادا فتحوا البلاد يسلموها له على ان يكون لشكنده النصف والربع من البلاد، والربع يكون خالصا للسلطان. فخرجوا مستهل شعبان، فوصلوا نقله فى الثالث عشر من شوال. فلما أحس بهم الملك داود، خرج اليهم فى اخوته وبنى عمه وجيوشه، ركاب (14) على النجب بايديهم الحراب، وليس عليهم غير اكسيه سود يسمونهم (15) الدكاديك. فناوشوهم القتال، فلم تكن غير ساعه، وولوا (16) السودان منهزمين، بعد ما قتل منهم خلق كثير بالنشاب وغيره، واسروا منهم ما لا يقع عليه الحصر، حتى ابيع كل راس منهم بثلثه الدراهم (17).
(7) شكنده: كذا فى الأصل وم ف واليونينى ج 3 ص 117؛ وورد الاسم فى النويرى، نهاية الأرب (مخطوطة مصوّرة بدار الكتب المصرية 549 معارف عامة) ص 108، وابن الفرات ج 7 ص 48، والمقريزى، السلوك، ج 1 ص 621 «مشكد» --بن عمه: ابن عمه
(9)
عيداب: عيذاب
(10)
وصحبتهم: وصحبتهما
(14)
ركاب: ركابا
(15)
يسمونهم: يسمونها
(16)
وولوا: وولى
(17)
الدراهم: دراهم
وانهزم الملك داود فيمن انهزم، وقطع بحر النيل الى البر الغربى، ثم هرب فى الليل الى بعض الحصون. فبلغ خبره الامير عز الدين والامير شمس الدين، فركبوا (2) بمن معهما، وساروا فى طلبه ثلاثه ايام مجدين. فلما احس [داود] بهم ترك امه واخته وابنة اخيه، ونجا بنفسه وابنه. فاخدوا (4) الامرا حريمه، ورجعوا الى مدينه دنقله، فاقاموا بها حتى ملكوا شكنده. ورتبوا على كل بالغ فى البلاد دينار (5) فى السنه جزيه، وان يحمل للسلطان فى كل سنه ما قرر عليه. وقرروا عليه ايضا ان دو وبريم-وهما قلعتان حصينتان قريبتان من اسوان بينهم (7) سبعه ايام-يكونا خاصا للسلطان، واقاموا بشى (8) نايبا بهما للسلطان.
ثم عادت الامرا (9) الى الديار المصريه، ومثلوا بين يدى السلطان فى الخامس من دى الحجه، ومعهما اخو الملك داود أسيرا (10). فشكر لهما السلطان دلك، واخلع عليهما. ثم وصل بعد ايام الملك (11) داود، واخيه (11_) الآخر وابن اخيه، فحبسوا. ثم وصل السبى، فابيع بمايه الف درهم وعشره (12) الاف (165) درهم. وتقدم مرسوم السلطان ان لا يباع منهم شئ على دمى (13)، ولا يفرق بين الام والاولاد.
وكان الملك داود لما هرب قصد ملك الابواب، وهو ملك من ملوك النوبه له اقليم متسع، فحمله الخوف من السلطان الملك الظاهر انه مسك الملك داود وسيره الى السلطان. فوصل فى قبضة الاسر فى الثالث عشر (16) من المحرم سنه خمس وسبعين وستمايه.
(2) فركبوا: فركبا
(4)
فاخدوا: فأخذ
(5)
دينار: دينارا
(7)
بينهم: بينهما--يكونا: يكونان
(8)
بشى: كذا فى الأصل وفى تاريخ ابن الفرات ج 7 ص 46؛ فى م ف «كشى»
(9)
عادت الامرا: عاد الأميران--ومثلوا: ومثلا
(10)
أسيرا: أسير
(11)
الملك. . . وابن اخيه: كذا فى الأصل؛ وفى اليونينى ج 3 ص 118 «أم داؤد وأخته وابنة أخيه»
(11_) واخيه: وأخوه
(12)
وعشره: كذا فى الأصل وفى م ف؛ فى اليونينى ج 3 ص 118 «وعشرين»
(13)
دمى: ذمى
(16)
الثالث عشر: كذا فى الأصل وم ف؛ وفى اليونينى ج 3 ص 118 «ثانى»
ولما اجلسوا الملك شكنده حلفوه بما هدا نسخته:
«والله والله والله، وحقّ الثالوث المقدّس، والإنجيل الطاهر، والسيدة الطاهرة العذراء أم الفرد (3)، والمعمودية، للأنبياء والرسل، والحواريين، والقديسين، والشهداء الأبرار، وإلا أجحد المسيح كما جحده يودس، واقول فيه ما قالت اليهود وأعتقد ما يعتقدونه، وإلاّ أكون يودس الذى طعن المسيح بالحربة-إنّنى أخلصت نيّتى وطويتى من وقتى هذا وساعتى هذه لمولانا السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس-خلّد الله ملكه-، وإننى أبذل جهدى وطاقتى فى تحصيل مرضاته، وإننى ما دمت نايبه لا أقطع ما قرّر علىّ فى كلّ سنه [تمضى](8)، وهو ما تصل (9) من مشاطرة بلادى على ما كان يتحصّل لمن تقدّم من الملوك بالنوبه، وأن يكون النصف من المتحصّل لمولانا السلطان-عزّ نصره-مخلص (10) من كل فن، والنصف الآخر مرصّدا لعمارة البلاد وحفضها (11) من عدو يطرقها، وأن يكون علىّ فى كل سنة من الأفيلة ثلاثة، ومن الزرافات ثلاثة (12)، ومن إناث الفهود خمسة، ومن الصهب الجياد ماية، ومن الأبقار الجيدة أربع ماية رأس.
وإنّنى أقرّر على كل نفر من الرعية الذين تحت يدى فى البلاد من العقلاء البالغين دينار (166) عين (15). وأنه مهما كان لداود ملك النوبة كان ولأخوه شنكوا
(3) الفرد: فى م ف والنويرى، نهاية الأرب، ص 109 (انظر ملحق 5 لكتاب السلوك للمقريزى ص 973 - 974)، وابن الفرات ج 7 ص 47، والقلقشندى ج 13 ص 290 «النور» --للأنبياء: والأنبياء
(8)
أضيف ما بين الحاصرتين من م ف والنويرى ص 109
(9)
تصل: فى النويرى، وابن الفرات ج 7 ص 48، والقلقشندى ج 13 ص 291 «تفضل» -- بلادى: فى النويرى وابن الفرات والقلقشندى «البلاد»
(10)
مخلص: مخلصا--فن: كذا فى الأصل وم ف؛ وفى النويرى وابن الفرات والقلقشندى «حقّ»
(11)
وحفضها: وحفظها
(12)
ومن الزرافات ثلاثة: ومن الزرافات ثلاث--خمسة: خمس
(15)
دينار عين: دينارا عينا--ولأخوه: ولأخيه--شنكوا: شنكو، كذا بالأصل وفى ابن الفرات؛ بينما ورد الاسم فى اليونينى ج 3 ص 117 «جنكو» ، وفى النويرى ص 109 «سنكو»
ولأمه ولأقاربه، ومن عهد (1) من عسكره [بسيوف العسكر المنصور]، أحمله إلى الأبواب العالية، وإننى لا أترك شيا (2) منه قلّ ولا جلّ ولا أخفيه، ولا أمكن أحدا من إخفايه.
ومتى خرجت عن جميع ما قررته وذكرته، أو عن شئ منه-من هذا المذكور أعلاه كلّه-كنت بريا من الله تعالى، ومن السيد المسيح، ومن السيدة الطاهرة، وأخسر دين النصرانية، وأصلّى إلى غير الشرق، وأكفر بالصليب ومن صلب عليه، وأعتقد ما يعتقدونه اليهود فى المسيح. ثم إننى لا أترك أحدا من العربان ببلاد النوبة صغيرا ولا كبيرا، ومن وجدته أحتطت عليه وأرسلته إلى الأبواب العالية.
وإننى مهما سمعته من الأخبار الضارّة (8) والنافعة طالعت به مولانا السلطان فى وقته، وإنّنى لا أنفرد بشئ من الاشياء. وإنّنى عبد مولانا السلطان-عزّ نصره- وغرس صنايعه، وعتيق سيفه المنصور. وأنا ولىّ من والاه وعدوّ من عاداه، والله على ما أقول وكيل وشهيد».
ثم حلفت ساير خواصه ورعيته. ثم حلف الملك شكنده (12) يمين ثانى أن متى ورد عليه مرسوم، فى ليل كان او نهار، صباحا او مسا، يطلبه الى الابواب الشريفه، ان يحضر لوقته وساعته، ولا يتاخر عن الحضور بوجه من الوجوه الاّ بمقدار ما يدبر ما يحتاج اليه من امور سفره. وتقررت هده الأيمان تاسع عشر دى الحجه من هده السنه المدكوره.
(1) عهد: كذا بالأصل؛ وفى النويرى ص 109 «قتل» --أضيف ما بين الحاصرتين من م ف
(2)
شيا: شيئا
(8)
الضارة: فى النويرى ص 109 «السارة»
(12)
يمين ثانى: يمينا ثانيا