الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(195) ذكر السلطان الملك السعيد ونسبه وما لخّص من سيرته وخبره
هو السلطان الملك السعيد ناصر الدين محمد بركه خان ابن (2) السلطان الشهيد الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى الصالحى. امه بنت الامير حسام الدين بركه خان الخوارزمى. ولد بمنزله العشّ من ضواحى القاهره فى شهر صفر سنه ثمان وخمسين وستمايه. جلس على تخت الملك بالديار المصريه بقلعه الجبل المحروسه يوم وصول الامير بدر الدين بيليك الخزندار بالجيوش فى تاريخ ما تقدم، وخطب له فى ساير الممالك الاسلاميه. واستقر بنيابه السلطنه الامير شمس الدين اقسنقر الفارقانى بعد وفاه الامير بدر الدين الخزندار بالسبب المقدم دكره. وله من الاخوه نجل السلطان الشهيد الملك الظاهر من الدكور: الملك المسعود نجم الدين خضر، كان سماه السلطان باسم الشيخ خضر لمحبته فيه، والملك العادل بدر الدين سلامش. ومن الخوات (10) البنات سبع.
وكان السلطان الملك الظاهر قد تزوّج من النسا: ام الملك السعيد المدكوره، وبنت الامير سيف الدين نوكلى (12) التترى، وبنت الامير سيف الدين كراى التترى، وبنت الامير سيف الدين تماجى (13) التترى، وشهرزوريه اول ما قدم ديار مصر فى ايام الملك المظفر قطز رحمه الله.
ولمّا استقر السلطان الملك السعيد بالملك قبض على الامير شمس الدين سنقر الاشقر يوم الجمعه [خامس وعشرين ربيع الأوّل](16)، والامير بدر الدين بيسرى معه.
وفى يوم السبت [ثامن عشر ربيع الآخر](17) قبض على الامير شمس الدين الفارقانى مع
(2) ابن: بن
(10)
الخوات: الأخوات
(12)
نوكلى: كذا فى الأصل وفى المقريزى، السلوك ج 1 ص 640؛ بينما ورد الاسم فى ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة، ج 7 ص 179 «نوكاى»
(13)
تماجى: كذا فى الأصل والمقريزى؛ فى ابن تغرى بردى «نوغاى»
(16)
أضيف ما بين الحاصرتين من اليونينى ج 3 ص 234
(17)
أضيف ما بين الحاصرتين من اليونينى ج 3 ص 235
جماعه من الامرا، واعتقلهم بقلعه الجبل المحروسه، واقام فى النيابه الامير شمس الدين سنقر الالفى. وفى يوم الاحد تاسع عشر (2) الشهر أفرج الله عز وجل عن الاميرين (196) شمس الدين سنقر الاشقر، وبدر الدين بيسرى. وفى الجمعه الاخرى قبض على خاله الامير بدر الدين محمد بن بركه خان.
وفيها فى سابع المحرّم توفى الشيخ خضر بن ابى بكر بن موسى العدوى المهرانى، شيخ السلطان الملك الظاهر بقلعه الجبل المحروسه فى الاعتقال. وكانت وفاته قبل وفاه السلطان باحد وعشرين يوم (7)، ودفن فى سفح الجبل المقطّم.
ذكر الشيخ خضر وبدو (8) شانه الى وفاته
كان مبتدا امره يخدم ببلد الجزيره أكابرها. وخدم عند نور الدين علىّ، ثم انتقل من عنده الى عند الشيخ شمس الدين محمد بن (10) اخت الشيخ جمل الحريرى الشاعر؛ وشمس الدين المدكور صاحب الملك المعظم صاحب الجزيره العمريه. ثم رتبه الشيخ شمس الدين المدكور لشيل زبايل دور السلطان والقلعه بجامكيه وجرايه، ومعه بهيمتين (12) يشيل عليهما.
فاستمر على دلك مده، ثم انهم اطلعوا عليه انه قد افسد بعض جوار (14) الدار، فرسموا بقطع عصبه فهرب الى حلب، وخدم عند ابن قراطاى صوره بابا. ثم انه حصل منه ما لا يليق مع بعض الجوار (16)، فاطلع عليه فهرب الى دمشق، والتجا الى الامير ضياء الدين القيمرى، واستمر عنده بجبل المزه، واقام بمغاره فى زاويه. فيقال عنه انه اجتمع بجماعه من الصالحين وبشروه بما يكون منه، واطلعوه على كثير
(2) تاسع عشر: فى الأصل «عاشر» ، والصيغة المثبتة من اليونينى ج 3 ص 235.
(7)
يوم: يوما
(8)
وبدو: وبدء
(10)
بن: ابن--جمل الحريرى: كمال الجزيرى، م ف
(12)
بهيمتين: بهيمتان
(14)
جوار: جوارى
(16)
الجوار: الجوارى
من احواله مع السلطان الملك الظاهر. واتفق ان السلطان طلع يوما الى سطح المزه، فساق الى تلك المغار (2) التى فيها الشيخ خضر. فنظر اليه، فسلم عليه وتحدث معه، فبشره بالملك، وعرفه متى يصير اليه.
فلما حصل للسلطان الظاهر المقصود، كان الشيخ خضر قد احتوى على عقل (197) الامير سيف قشتمر العجمى، احد الامراء البحريه من الصالحيه الكبار، وكان يخبره عن السلطان الملك الظاهر قبل تملكه بجميع ما يتم له. فلما ملك السلطان، قال له قشتمر العجمى:«عندى شخص فقير خبرنى عنك كيت وكيت» .
فتدكره السلطان. فلما نزل على الطور، نوبة توجه (8) الى الكرك، سأل من قشتمر عنه، فاخبره انه انقطع فى مغار عند قبر ابى هريره رضى الله عنه، فقصده السلطان واجتمع به، ودكره اجتماعه به بسطح المزه، فامره بملازمته.
وكان يخبره بساير احواله قبل وقوعها، فلم يخرم شئ وكدلك فى ساير فتوحاته متى يكون فتحها، فلا يتعدا (12) دلك. فحيّر عقل السلطان، وعاد الغالب على امره فى جميع احواله؛ ومن جملة دلك: لما عاد السلطان من دمشق استشاره فى توجهه الى الكرك، فلم يشر عليه بدلك وقال:«ليس لك فى دلك خيره، بل اقصد مصر» . فخالفه [السلطان الملك الظاهر] وتوجه الى نحو الكرك، فتقنطر وانكسر فخده (15).
واتفقت له معه اشياء، إمّا عن اطلاع وإما صدفيات، والله اعلم.
ثم ان السلطان اعتبق به اعتباقا عظيما، وبنى له زاويه على الخليج بظاهر القاهره، واوقف عليها احكار (18) عظيمة يجبا منها فى السنه فوق العشرين الف درهم، وكدلك بالقدس الشريف زاويه، وبدمشق زاويه، وببعلبك وبحماه، وبحمص،
(2) المغار: المغارة
(8)
توجه: توجهه
(12)
يتعدا: يتعدى
(15)
فخده: فخذه
(18)
احكار: أحكارا--يجبا: يجبى
فى كل منهم (1) زاويه وفقرا ومريدين ونواب. وكان يتصرف فى جميع مملكه السلطان الملك الظاهر تصرّف الحكام، وكتبه ممثّله لا تردّ فى ساير الممالك الاسلاميه الداخله فى سلطان الملك الظاهر.
ثم انه هدم بدمشق كنيسه اليهود وبناها زاويه. وهدم بالقدس كنيسه النصارا، تعرف بالمصلبه، وكانت عظيمه عند النصارا (5)، وقتل قسيسها بيده، وعملها زاويه له. وكدلك (198) باسكندريه هدم كنيسه الروم، كانت كرسيا من كراسيهم، يعتقدون (7) فيها البتركيه، ويزعمون ان راس يحيى بن زكريا-عليهما السلام-مدفونا (8) بها، فصيرها مسجدا وسماها المدرسه الخضراء.
وكان له فى كل مدينه زاويه، وله بها نايبا (9). وكانوا جميعهم على غير الطريق الحميده، يقطعون الطريق، ويحمون المفسدين، وياخدون المصانعات، ويرتكبون الفواحش، ويفسدون فى نساء العالم (11) واولادهم لهم وللشيخ خضر. ولم يزل دلك فعلهم القبيح حتى مسك.
وسبب مسكه انه كان تسلط على الامير بدر الدين الخزندار، وعلى الصاحب بها الدين بن حنا تسليطا عظيما حتى لا عادت لهم (14) معه يد تبسط. وكان السلطان قد اطلق له شيا، فتوقف فيه الخزندار. فقال له بحضره السلطان:«كانك تشفق على السلطان واولاده مثلما فعل قطز باولاد استاده الملك المعز» . فخافه الخزندار، وكدلك الصاحب بها الدين. فاتفقا عليه مع الامير عز الدين ملك الامراء بدمشق، فانه طلب نواب الشيخ خضر الدين بالشام؛ وهم الشيخ اسماعيل، والشيخ مظفر،
(1) منهم: منها--ومريدين: ومريدون
(5)
النصارا: النصارى--المصلبه: فى الأصل وفى ابن الفرات ج 7 ص 103 «المصليه» ، والصيغة الصحيحة المثبتة من م ف واليونينى ج 3 ص 267
(7)
يعتقدون: يعقدون، م ف--البتركيه: البطركية، م ف
(8)
مدفونا: مدفون
(9)
نايبا: نائب
(11)
العالم: الناس، م ف
(14)
لهم: لهما
واخر من اتباعه يسمى محمد بن بطيح، وخوّفهم ثم قال لهم:«اعترفوا على الشيخ بما صنع، وانا اصطنعكم واجعل لكم راتبا، وتكونوا (2) انتم اصحاب هده الزوايا، لا يغيّر عليكم فيها مغيّر» . فدكروا عنه اشيا قباح (3) تسدّ المسامع، واشهدوا عليهم فى محاضر بعدّه من العدول مثبوته على قاضى دمشق.
وكاتب النايب بالشام فى دلك للسلطان، فسير طلب هولاء المدكورين على البريد، وعقد لهم مجلسا (6) بين يدى السلطان. واحضر الشيخ خضر، وقالوا له:
«هولاء نوابك، ايش تقول فيهم» . فقال «مهما قالوه عنّى صحيح» . فقابلوه على اشيا كثيره قبيحه مثل اللواط والزنا. ومن جمله دلك: كان (199) قد نفّد صاحب اليمن للسلطان هديه، فى جملتها كرّ يمنى ما رئ (9) مثله، فاخده الشيخ خضر من السلطان، ثم انه دفعه لبعض ملاح القاهره. فقابلوه ايضا على دلك، وربما احضروا التى أخدت دلك الكرّ، واحضرته، واعترفت على الشيخ بالزناء. فلما تبث (11) دلك عليه، وتحققه السلطان أمر بالحوطه عليه، واطلق اصحابه، وعادوا الى دمشق. واجتمع عند السلطان جماعه من الامراء، منهم الامير فارس الدين اتابك، والامير سيف الدين قلاوون، وقشتمر العجمى، وبيسرى، والامير بدر الدين الخزندار. فشاورهم السلطان فى امره فقال اتابك:«هدا مطلع على اسرار الدوله وبواطن احوالها، ولا يجب ابقاه (16) فى الوجود» . ووافقوه الحاضرين على دلك.
فلما تعين للشيخ خضر الموت قال: «يا بيبرس، انا اعلم ان اجلى (17) قد قرب وايضا اجلك، وبينى وبينك مده يسيره، ايام لا اشهر ولا اعوام. من مات منا قبل صاحبه، لحقه الاخر عن قريب. فافهم هدا، ولا تعجل على دهاب نفسك» . فلما سمع السلطان دلك منه وجم، ولم يردّ جواب (20)، وقال للامرا:«ما ترون فى امره؟» .
(2) وتكونوا: وتكونون
(3)
قباح: قباحا
(6)
مجلسا: مجلس
(9)
رئ: رئى
(11)
تبث: ثبت
(16)
ابقاه: ابقاؤه--ووافقوه الحاضرين: ووافقه الحاضرون
(17)
اجلى: فى الأصل «أجله» والصيغة المثبتة هى الصحيحة من م ف
(20)
جواب: جوابا