الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
[وفى شهر دى الحجه من هده السنه توفى الامير شمس الدين سنقر الاشقر، وطقصوا (2)، وجرمك الناصرى، وابو خرص، والهارونى. وكانت وفاتهم بالسجن.
وفيها افرج عن الامير حسام الدين لاجين] (3).
ذكر [حوادث] سنة اثنتين وتسعين وستمايه
النيل المبارك فى هده السنه: الما القديم سته ادرع وعشره اصابع. مبلغ الزياده تسع (6) عشر دراعا وثمانيه عشر اصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفه الامام الحاكم بامر الله ابى (8) العباس امير المومنين. والسلطان الشهيد الملك الاشرف، سلطان الاسلام بساير الممالك الاسلاميه. وبقيه الملوك على حالهم خلا صاحب ماردين؛ فانه توفى وولى ولده حسبما دكرناه.
وفيها عاد السلطان الى دمشق المحروسه على الهجن، ودخل دمشق يوم الاحد تاسع جمادى الاخره. ثم امر بتجهيز العساكر الى سيس. وحضرت رسل سيس، ودخلوا فى مراحم السلطان بمهما رسم، وان صاحبهم طايع لجميع ما يرسم له. وشفّعوا الامرا فيه، واتفق الحال ان يسلموا (14) النواب (298) مولانا السلطان ثلث قلاع من اجلّ حصون صاحب سيس، وهم (15) بهسنا، ومرعش، وتلّ حمدون.
وهده بهسنا قلعه حصينه، ولها ضياع كثيره وهم (16) فم الدربند وباب حلب.
وكانت فى زمان الملك الناصر صاحب الشام داخله فى ديوانه، فلما ملكوا (17) التتار حلب
(1 - 3) ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش
(2)
وطقصوا: وطقصو
(6)
تسع: تسعة
(8)
ابى: أبو
(14)
يسلموا: يسلم
(15)
وهم: وهى
(16)
وهم: وهى
(17)
ملكوا: ملك
كان فى بهسنا نايبا (1) يقال له سيف [الدين] العقرب، فاباعها لصاحب سيس بمايه الف درهم، فاعطاه ستين الف (2) وتسلم القلعه، ومنعه الباقى. واستمرت فى ايدى الارمن الى هدا التاريخ. وكان على المسلمين منها ضرر كبير. فلما كان فى السنه الخاليه وفتح السلطان قلعه الروم، واخد خليفه الارمن-حسبما دكرنا-حصل لصاحب سيس خوف كثير، واختشى على بلاده، فلم يمكنه الاّ المصانعه عن نفسه وبلاده. فان (6) كان وقع فى انفس العالم من السلطان الملك الاشرف هيبه عظيمه، نسبه الملك الظاهر واعظم. ثم ان صاحب سيس ضاعف ايضا الجزيه والحمل، وكثّر فى الهدايا والتحف من كل شى. ثم ان السلطان سير صحبه رسل سيس سيف الدين طوغان والى برّ دمشق بسبب تسليم القلاع المدكوره.
واقام السلطان فى دمشق الى مستهل شهر رجب، ثم توجه الى حمص باكابر الجيش، ثم الى سلميّه، مظهرا ان يقصد الصيد. ثم اضاف الامير حسام الدين مهنا بن عيسى، امير العربان ملك طىّ. وكان، لما اضافه، راى من احواله ما ينافر العقل من الخول والأنعام ما لا يقع عليه حصر، فاستعظم دلك وهاله. فلما انقضت الضيافه قال لمهنا والملوك من اقاربه:«انا قد اكلت ضيافتكم، ولا بد ان تاكلون (14) ضيافتى» ، فامتثلوا دلك. فلما كان فى اثناء الطريق، قبض عليهم. فلما كان بكره يوم الاحد سابع شهر رجب وصل الامير حسام الدين لاجين الى دمشق، وصحبته (299) الامير حسام الدين مهنا ابن (17) عيسى، وجماعه من اقاربه تحت الحوطه.
وولى السلطان مكانه محمد بن ابى بكر [بن على](18) بن حديثه. واعتقل مهنّا بقلعه دمشق.
(1) نايبا: نائب--أضيف ما بين الحاصرتين من م ف وز ت
(2)
ستين الف: ستين ألفا
(6)
فان: فإنه
(14)
تاكلون: تأكلوا
(17)
ابن: بن
(18)
أضيف ما بين الحاصرتين من م ف وز ت وتاريخ الجزرى، مخطوطة جوتا 1560، ق 84 آ--حديثه: كذا فى الأصل وم ف وز ت والمقريزى، السلوك، ج 1 ص 784؛ بينما ورد الاسم فى الجزرى وفى النويرى، نهاية الأرب، ج 29 ص 71، وابن الفرات ج 8 ص 156 «حذيفة»
وفى دلك النهار دخل السلطان دمشق، ثم رسم للامير بدر الدين بيدرا ان ياخد بقيه العساكر ويتوجه الى الديار المصريه، وان يكون بيدرا تحت السناجق [عوض السلطان](3). واختلى بالسلطان بنفسه مع خواصه. فخرج بيدرا من دمشق يوم الخميس حادى عشر رجب، وصحبته الصاحب شمس الدين بن السلعوس.
وتوجه السلطان من دمشق الى مصر يوم السبت ثالث عشر رجب، فوصل الى غزه سابع عشر رجب. وكان قبل خروج السلطان من دمشق قد عاد سيف الدين طوغان، واخبر انه تسلم القلاع المدكوره من الارمن، وسلمها للنواب (7) السلطان.
وضربت البشاير بسبب دلك. ووصل صحبته جمله كبيره من هدايا وتحف. ثم دخل السلطان الى الديار المصريه.
وفيها رسم السلطان للامير عز الدين الافرم ان يتوجه الى قلعه الشوبك ويخربها، فعاوده فى دلك قهره (11). وكان هدا الملك طالعه يقتضى بالخراب، كما ان طالع مولانا السلطان الاعظم الملك الناصر-عزّ نصره-يقتضى بالعماره.
وهنا نكته لطيفه: اعتبرت ساير من تضمنه هدا التاريخ المبارك من ملوك الدنيا مند اول زمان، فرايت كل ملك كانت همته الخراب، كانت مدته قصيره، وكل ملك كانت همته العماره، كانت مدته طويله. فلدلك يقال: العماره طبع الحياه، والخراب طبع الموت. وان برهنت عن كل من خرب فقصرت مدته، وعن كل من عمر طالت مدته، خرجت عن الغرض المطلوب، وكان كلام يطول شرحه. لكن الفطن اللبيب، ادا طالع جميع هدا التاريخ، ظهر له صحه الدعوى فى دلك.
(3) أضيف ما بين الحاصرتين من الجزرى ق 84 آ
(7)
للنواب: لنوّاب
(11)
فعاوده فى دلك قهره: فى م ف وز ت «فعاوده فى بقائها فنهره» ، بينما فى الجزرى ق 84 ب «فعادوه فى بقايها فانتهره» --بالخراب: فى م ف وز ت «الخراب»
(300)
والدى اخربه السلطان الشهيد الملك الاشرف من الاماكن، شى كثير فى قلعتى مصر والشام، وكدلك بظاهر دمشق من الميدان الى تحت القلعه. وكان على يده خراب الساحل بكماله. وتعطلت البلاد من الاصناف التى كانت تحمل فى البحر.
حكى الامير جمال الدين اقوش الرومى المعروف بهيطليه لوالدى-رحمهما الله- وانا اسمع، قال: حدثنى الامير عز الدين الافرم، لما رجع من هدم الشوبك، انه وجد بها من جمله ما نقلوه من قلعتها اربعين الف ختمه شريفه بخطوط منسوبه مدهبه، وربعات كثيره كدلك، وكتب (8) عظيمه مدخره من عهد بنى ايوب، وزردخاناه عظيمه القدر. ووجد فى جمله دلك سيف عرضه شبر واربعه اصابع مفتحه، طوله اربعه ادرع، يقال انه سيف خالد بن الوليد رضى الله عنه. وقيل بل صمصامه عمرو ابن معدى كرب الزبيدى، التى تقدم دكرها فى هدا التاريخ عند دكر قتل الخليفه جعفر المتوكل العباسى؛ فى الجزء المختص بدكر بنى العباس.
وفيها كان الختان الشريف الناصرى. وعمل السلطان الشهيد الملك الاشرف مهما عظيما ما راى الناس مثله. ولعب القبق عند قبّه النصر، ولبس الجيش جميعه احمر حتى الغلمان. وكان مهما ما شهد مثله من قبله. وكان الختان المبارك يوم الاثنين الثانى والعشرين من شهر دى الحجه. واخلع السلطان على ساير الامرا والمقدمين واعيان الجيش من المفارده وغيرهم. ونفق فى هدا المهمّ ما لا يحصى كثره من الاموال. ولم تبرح ساير احوال مولانا السّلطان الاعظم الملك الناصر سعيده الحركات، كبيره النعم والبركات، من حال سن الطفوليه الى سن الفحوليه، متصله بالسعد والتوفيق والنصر على الاعدا على طول المدا (20)، ليس لدلك وقت ولا انتها، (301) انشا الله تعالى.
(8) وكتب: وكتبا
(20)
المدا: المدى
وفيها توفى الامير علم الدين سنجر الحلبى، وكان السلطان قبل دلك قد اعاد عليه امرته بعد قطعه حسبما تقدم.
وفيها مسك الامير عز الدين الافرم بعد عودته من خراب الشوبك. ولما افرج قبل دلك عن الامير حسام الدين لاجين بشفاعه بيدرا، سلمه له وقال:«يكون هدا من جملة مماليك يمشى فى خدمتك» .
وقفت على نسخة وصيه السلطان الشهيد الملك المنصور-نوّر الله ضريحه- لولده الملك الاشرف رحمه الله، فكان من جمله فصولها يقول:«واذا اردت ان تفعل أمرا فاستشر الامير شمس الدين الحاج سنقر المسّاح، فانا اعرفه رجلا جيدا عاقلا ديّنا، واذا اشار بشى، ارجع اليه فيه. واحترز من لاجين الاشقر، ولا تغضبه، وإن أغضبته لا تبقيه (10)» . قلت: قلوب الملوك حساسه بوقايع الزمان وحوادث الايام، فلدلك ملكهم الله رقاب الآنام. ينظرون الى حوادث الدهر من خلف ستر رقيق، ويلاقونه بتدبير السداد والتوفيق. فادا حتم الامر المقدور، بطل حدر المحدور (12)، حتى تنفد فيه تصاريف الامور.
وفيها سير الامير عز الدين ايبك الخزندار الى الساحل نايبا عوضا عن الامير سيف الدين طغريل اليوغانى (15).
(10) تبقيه: تبقه
(12)
حدر المحدور: حذر المحذور
(15)
اليوغانى: فى ز ت «الويغانى» ، بينما فى الجزرى، مخطوطة 1560، ق 85 آ، وفى المقريزى، السلوك، ج 1 ص 782 «الإيغانى»