الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصن المرقب، فصالحهم على مثل ذلك. وذلك فى مستهل شهر رمضان. وقرر الهدنه بينهم مده عشره سنين (2) وعشره اشهر وعشره أيام.
ثم رحل [السلطان الملك الظاهر] ونزل بمرج صافيثا. ثم سار يوم الاحد رابع رمضان المعظّم حتى اشرف على حصن عكار. ثم عاد يوم الاربعا سابع الشهر الى المرج، فاقام. ثم سار ونزل على الحصن المدكور-حصن عكار-يوم الاثنين ثانى عشرين رمضان المعظم، ونصب المناجنيق، واصلحوا (6) العساكر الستاير، وجهزوا امرهم، ووقع الحصار.
(140) دكر فتح حصن عكّار
لما كان يوم الاحد ثامن عشرين شهر رمضان المعظّم رمى المنجنيق الدى مقابل باب (10) الشرقى رميا كثيرا، فخسف خسفا كبيرا الى جانب البدنه، ودامت الحجاره الى الليل حتى انفتحت واتسعت. فخاف اهل الحصن خوفا شديدا، فنفدوا رسولا الى السلطان يطلبون الامان. فآمنهم على انفسهم من القتل، ومكنهم من التوجه الى اطرابلس. وجرّد معهم الامير بدر الدين بيسرى ليوصلهم الى مأمنهم. ثم دخل السلطان الى الحصن، ورتب فيه نوابا. ورحل عنه بعد صلاة العيد، ونزل بمرج صافيثا، فأقام حتى تكامل العسكر ثلاثه ايام. وكتبت البشاير الى البلاد الاسلاميه بما فتح الله به.
وكتب الى صاحب طرابلس كتابا (17) انشا القاضى محيى الدين بن عبد الظاهر رحمه الله-ما هدا نسخته:
(2) عشره سنين: عشر سنين
(6)
واصلحوا: وأصلح
(10)
باب: الباب، م ف
(17)
كتابا: كتاب
«بسم الله الرحمن الرحيم» . قد علم القومص بيمند-جعله الله ممن ينظر لنفسه، ويتفكر فى عاقبة يومه وأمسه-نزولنا [بعد حصن الأكراد](2) على حصن عكار، وكيف نقلنا المنجنيقات اليها من جبال تستصعبها الطيور لاختيار الأوكار، وكيف صبرنا على جرها على مناكدة الأوحال ومكابدة الأمطار، وكيف نصبنا المنجنيقات على أمكنة يزلق النمل عليها إذا مشا (5)، وكيف هبطنا فى تلك الأودية التى لو أن الشمس من الغيوم ترى بها ما كان غير جبالنا لها (6) رشا، وكيف صابرت رجالك الذين ما قصرت فى انتخابهم، وحسنت بهم استعانة نايبك الذى انتخا (7) بهم.
وكتابنا يبشرك بأن علمنا الأصفر قد نصب مكان علمك الأحمر، ولصوت الناقوس صار عوضه «الله أكبر» . وإن من بقى من رجالك أطلقوا ولكن جرحا (9) القلوب والجوارح، وسلموا [و](10) لكن من ندب السيف إلى بكاء النوايح.
وما اطلقناهم إلاّ (141) ليحدثوا القومص بما جرى، وليحذروا أهل طرابلس لا يغتر بهم حديثك (12) المفترى، وليروهم الجراح التى أريناهم بها نفاذا ومنها تفادا، ولينذرونهم (13) لقاء يومهم هذا، فيقولون للضيوف الضيوف، والحتوف الحتوف، والسيوف السيوف، ويفهمونكم (14) انكم ما بقى من حياتكم إلى القليل، وليحققوا عندكم انهم ما تركونا إلا على الرحيل. فمن زهد فى حياته وذهاب ماله واولاده
(2) أضيف ما بين الحاصرتين من ابن عبد الظاهر، الروض الزاهر، ق 148 ب، تحقيق الخويطر ص 1187 - 1188، والنويرى، نهاية الأرب (مخطوطة مصورة بدار الكتب المصرية 549 معارف عامة) ج 28 ص 103؛ انظر ايضا ملحق 4 لسلوك المقريزى، ج 1 ص 972 - 973
(5)
مشا: مشى
(6)
جبالنا لها: فى ابن عبد الظاهر والنويرى «جبالها»
(7)
انتخا: انتخى
(9)
جرحا: جرحى
(10)
أضيف ما بين الحاصرتين من ابن عبد الظاهر والنويرى-- السيف: فى ابن عبد الظاهر والنويرى «السيوف»
(12)
لا يغتر بهم حديثك: فى ابن عبد الظاهر ق 148 ب، تحقيق الخويطر ص 1188، والنويرى ص 103 «من انهم يغترون بحديثك المفترى» -- تفادا: تفاد
(13)
ولينذرونهم: ولينذروهم، راجع القرآن 6:130 - -فيقولون: فيقولوا
(14)
ويفهمونكم: ويفهموكم--إلى: إلا
فهو يجرد سيفا او يقاتل، ومن ظلم نفسه وذريته بالعناد فما ربك بغافل. وهذا الصدق أول خبر تستمعه، وآخر حبل تقطعه. فتعرف كنايسك وأسوارك أن المناجنيق تسلم عليها إلاّ (3) حين الاجتماع بها عن قريب، وتعلم أجساد جنودك وفرسانك أن السيوف تقول لها (4) عن الضيافة تحذر أن تغيب، وذلك أن أهل عكار ما سدّوا لها جوعا، ولا قضت من ريّها بدمايهم الوطر، وانهم ما اطلقوا الاّ لما عافت شرب دمايهم، وكيف لا وثلثة أرباع عكار عكر.
نعلم (7) القومص هذه الجملة المسرودة ويعمل بها أولا، ويجهز مراكبه ومراكب اصحابه، فقد جهزنا قيودهم وقيوده».
وعمل بعض الفضلا فى دلك <من الرمل>:
(10)
…
إن لسلطان البرايا
زاده الله سعاده
قهر الأعداء رعبا
…
وله بالنصر عاده
حصن عكار فتوح
…
هو عكا وزياده (12)
وفيها صالح السلطان البرنس؛ والسبب فى دلك انه لما فتح حصن عكار (13) بعث الى البرنس رساله مشافهه على لسان رجل من الاخوه الاسبتار يقول له: «اين تروح منى، والله لا بد ان آخد قلبك واشويه، وانت تنظر، وما ينفعك ابغا ابن (15) هلاوون» .
(3) إلا: إلى
(4)
لها: فى ابن عبد الظاهر والنويرى «انها» --تحذر أن تغيب: فى ابن عبد الظاهر ق 149 آ، تحقيق الخويطر ص 1188، والنويرى ج 28 ص 103 «لا تغيب»
(7)
نعلم: فى ابن عبد الظاهر ق 149 آ، تحقيق الخويطر ص 1189، والنويرى ج 28 ص 103 «يعلم» --أولا، ويجهز: فى النويرى «وإلا فيجهز»
(10 - 12) كذا فى الأصل وم ف؛ فى ابن عبد الظاهر، الروض الزاهر، ق 149 آ، تحقيق الخويطر ص 1189، وتاريخ أبى الفداء (ط. استانبول 1286) ج 4 ص 6، والنويرى ص 103: يا مليك الأرض بشرا ك فقد نلت الإراده إنّ عكار يقينا هى عكا وزياده
(13)
حصن عكار: حصن الأكراد، م ف
(15)
ابن: بن
فلما بلغته هده الرساله، (142) اخد [البرنس] يحترس على نفسه، ولا عاد يركب ولا يتصيّد خوفا على نفسه من الاسماعيليه. وكان يحب الركوب للصيد، فامتنع من دلك. فلما بلغ السلطان الملك الظاهر دلك، سيّر اليه غزلان (3) مدبوحه، وضبعا حيا، وحمل ثلج، ورساله يقول له:«لما اتصل بنا امتناعك من التصرف خوفا على نفسك وهجرانك للصيد الدى هو غايه مرامك، بعثنا اليك نصيبا من الاجحاف بك والميل عليك» . ثم رحل السلطان من مرج صافيثا، فنزل على طرابلس رابع شوال.
فبعث اليه البرنس يقول: «لاى سبب قصدنا السلطان؟» فاجابه «لارعا (7) زرعكم، واخرب دياركم، واعود انشا الله فى السنه الاتيه اليكم لاخد ارواحكم» . فبعث [البرنس] الى السلطان يستعطفه ويلافيه، ويساله ان يبعث اليه من يثق به. فسير اليه السلطان الامير فارس اتابك والامير سيف الدين بلبان الدوادار الرومى.
حدثنى الوالد-سقى الله عهده-قال: كنت مع الامير مخدومى سيف الدين الدوادار، لما بعثه السلطان الى صاحب طرابلس. قال: فالتقاهم ملتقا (12) حسنا، وقام بواجب خدمتهما أتم قيام. وكان السلطان قد اقترح مقترحات شرطها عليه، وهى ان يكون للسلطان من كوم عينا (14) من اعمال طرابلس-نصفان بالسويه، وان يكون له دار وكاله، وزكاه، ونايب، ومشد، وديوان، وان يعطى العساكر النفقه من يوم خروجهم.
قال [الوالد]: فلما وقف الابرنس على دلك، امتنع وعزم على القتال وقال لهما:
«ان السلطان لما اخد انطاكيه منى بالسيف كان عدرى مبسوطا عند الفرنج، ولما قصد حصن عكار طلب منى ان انزل عن نصف بلادى، فلم اجبه خوفا من الفرنج ان
(3) غزلان: غزلانا
(7)
لارعا: لأرعى
(12)
ملتقا: ملتقى
(14)
من كوم عينا: كذا فى الأصل وفى م ف؛ فى اليونينى، ذيل مرآة الزمان، ج 2 ص 450 «من مكان عينه» -- نصفان: كذا فى الأصل وفى م ف؛ فى اليونينى ص 450 «نصفا»
يعيرونى بتسليمى البلاد من غير (143) قتال. وانا اعلم انى لا اقدر به، ولكنى لا يحسن بى ان اسلم اليه البلد من غير قتال، حتى لا يكون دلك سبّة علىّ بين ملوك الفرنج».
قال الوالد-رحمه الله: فعدنا بتلك الرساله الى السلطان، واقام الامير فارس الدين عند البرنس. فنظر السلطان فى دلك بعين المصلحه المحاسنه. ثم أن الامير سيف الدين الدوادار تردد فى المراسله دفعات الا (6) ان وقع الاتفاق على ان تكون عرقه للبرنس وجبيل واعمالها، وان يكون ساحل انطرطوس وساحل المرقب وساحل بانياس مع جميع بلاد هده النواحى مناصفات بينه وبين الداويه والاسبتار، [و](8) التى كانت خاصّا لهم-وهى فارس (9) وحمص القديمه-تعود خاصا للسلطان. وشرط السلطان أن تكون عرقا واعمالها، وهى سته وخمسين (10) قريه، صدقه من السلطان عليه، فلم يختر [البرنس] دلك. فلما بلغ السلطان امتناعه عن دلك، صمّم على الشروط الاوله (12). فلما لم يكن للبرنس بدّ من المطاوعه، لما دخله من الخوف، أجاب وعقد الصلح بينهم مده عشر سنين وعشره اشهر. وهدا البرنس كان من اشد ملوك الفرنج بأسا، وبدل (14) فى رضى التتار نفسه وماله، ولم يزل دلك دابه معهم الى ان نصر الله عز وجل المسلمين على يد السلطان الشهيد الملك المظفر قطز-رحمه الله-وساير ملوك المسلمين مع كافه امة محمد اجمعين.
فلما حصل الاتفاق على دلك ورحل السلطان عايدا الى دمشق المحروسه، ركب البرنس البحر، وتوجه الى ابغا ملك التتار مستصرخا به على السلطان. فلما حضر عنده، دكر له ما فتحه الله على يد السلطان الظاهر من البلاد والحصون، ودكر قوة
(6) الا: إلى
(8)
أضيف ما بين الحاصرتين من اليونينى ص 450
(9)
فارس: كذا فى الأصل وم ف؛ فى اليونينى «بارين»
(10)
سته وخمسين: ست وخمسون
(12)
الاوله: الأولى
(14)
وبدل: وبذل