الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح صفد المحروسه
ولما نزل السلطان الملك الظاهر رحمه الله على صفد فى التاريخ المدكور نصب المناجنيق، ودام عليها الحصار من ثامن رمضان المعظم الى مستهل شوال. فجدّ فى قوة الزحف بعد تمكن النقوب وتعليق الاسوار. فلما كان يوم الثلثا خامس عشر شوال المبارك طلبوا الامان. (105) فشرط عليهم لا (5) يستصحبوا معهم مالا ولا سلاحا، ورسم ان يفتشوا عند خروجهم، فان وجد مع احد منهم شئ من دلك انتقض العهد.
فلما كان يوم الجمعه ثامن عشر شوال طلعت السناجق المنصوره السلطانيه على الاسوار، وعلت على الابراج، وقد خلت من تلك الأعلاج، مويده بالظفر والنصر، مرفوعه على قمم الاعدا وحصونها بالغلبه والقهر. ووقف السلطان بنفسه الكريمه على بابها، واخرج من كان بها من الديويه والاسبتار فى حال اضيق من سوار. فلما خلت دخل اليها الامير بدر الدين بيليك الخزندار نايب السلطنه المعظمة وتسلمها.
ثم قيل ان جماعه من الملاعين الفرنج معهم اشياء من الاموال، ففتشوا فوجدوا دلك صحيحا، فامر السلطان بضرب رقابهم. ثم امر بعمارتها وتحصينها، ونقل اليها الدخاير والسلاح واقتطع بلادها للجند. وجعل مقدمهم الامير علا الدين الكبكى، ونيابه البر فى نواحيها الامير عز الدين العلايى، ونيابه القلعه بها الامير مجد الدين الطورى.
وحكى الامير ركن الدين بيبرس العلايى ان السلطان لم يحلف لاهل صفد، وانما اجلس مكانه كرمون اغا التترى (18)، وأوقف الامرا فى خدمته، فحلف لهم كرمون.
وكان عمل عليهم وزيرهم وكان نصرانيا، فنزلوا على يمين كرمون، فلما نزلوا جعلوا
(5) لا: ان لا، م ف
(18)
التترى، وأوقف: فى الأصل «الترى واقف»
عليهم الحجة انهم استصحبوا معهم الاموال وخرجوا عن الشرط، فضربت رقابهم عن اخرهم. وكانوا نحو من الفى فارس.
فلما قتلوا سيّروا اهل عكا يقولوا (3) للسلطان: «تصدق علينا بنقل اجساد هولاء الشهدا الى عكا لاجل البركه بهم» . (106) فترك السلطان الرسول عنده، ثم اخد جماعه من العساكر وساق من أول الليل، فما اصبح الاّ وهو على باب عكا. فلما فتحوا الباب وخرجوا لقضا حوايجهم ساق عليهم، فقتل منهم خلق كثير (6) وعاد من فوره. فلما وصل الى الدهليز طلب الرسول وأعاد الرساله فقال:«عود (7) اليهم، فقد عملنا عندهم شهدا وكفيناكم مؤونه النقل وكلفته» .
ثم دخل السلطان بعد رحيله من على صفد الى دمشق يوم الخميس مستهل دى القعده، وقد زينت له احسن زينه، ونزل بالقلعه. وامر العساكر بالمسير الى سيس والغاره عليها، فخرجوا من دمشق يوم السبت ثالث دى القعده. وقدم عليهم الملك المنصور صاحب حماه، وفوض التدبير للامير شمس الدين اقسنقر الفارقانى.
فوصلوا الى الدربندات التى منها الدخول الى سيس. وكان صاحبها قد بنا (13) عليها ابرجه، وجعل فيها عده من المقاتله فملكوها (14) المسلمون، وقتلوا بعض من كان بها، وهربوا (15) الباقى. ثم هدموها، ودخلوا الى بلاد سيس. فقتلوا ونهبوا وسبوا ومسكوا ابن صاحب سيس، واسمه ليفون ابن هيثوم (16)، وكدلك اسروا ابن اخيه وجماعه من اكابرهم. ودخلوا المدينه، ونهبوها واخدوا ما فيها. وعادوا بعد ما اخلوا الأوطان من القطّان. فخرج السلطان اليهم والتقاهم، ودلك فى ثانى شهر دى الحجه.
(3) يقولوا: يقولون
(6)
خلق كثير: خلقا كثيرا
(7)
عود: عد
(13)
بنا: بنى
(14)
فملكوها: فملكها
(15)
وهربوا: وهرب
(16)
ابن هيثوم: بن هيثوم
وفيها نهب السلطان قارا. وسبب دلك ان ركابيا من ركابيه الديار المصريه كان خدم مع الطواشى شهاب الدين مرشد مقدم عسكر حماه، وخرج معه عند منصرفه من الرساله التى قدم فيها. فحصل للركابى مرض، فانقطع قريبا من قارا، وامسا (3) عليه الليل (107) فلم يشعر إلاّ وقد اتاه رجلين (4) من اهل قارا. وقالوا له «انت الليله ضيفنا» ، وحملوه (5) الى قارا. فاقام عندهم ثلاثه ايام، ثم تعافا. فاخداه اوليك الرجلان تحت الليل، وهو مكتوف، وقد وضعوا (6) فى فيه مسد يمنعه من العياط. ومضوا به الى حصن الاكراد، فاباعوه (7) باربعين دينار صوريه.
واتفق ان فى تلك السنه توجه بعض تجار دمشق الى حصن الاكراد، واشترى اسارا (9) واشترى دلك الركابى فى الجمله. فلما دخل دمشق واطلق الركابى، خدم ركبدارا مع بعض الاجناد. فلما نزل السلطان على قارا، حضر دلك الركابى الى عند الامير فارس الدين اتابك، فانهى له قصته. فقال:«تعرف الرجل الدى اخدك واباعك» ، قال:«نعم» ، فنفده مع جانداريه، فوجدوا احد الرجلين، فمسكوه واحضروه الى اتابك. فدخل اتابك على السلطان واعلمه بصورة الحال. فامر باحضارهما بين يديه. فانكر دلك الرجل القارى، فقال الركابى:«انا اعرف دورهما وما فيهما» ، فاعترف القارى بدلك وقال:«نحن وكل من فى هده البلد يفعل دلك» .
وكان قد حضر من قارا رهبان بضيافه للسلطان، وهم بباب الدهليز. فلما ثبت دلك عند السلطان امر بالقبض على الرهبان، وركب بنفسه الكريمه وقصد الدياره التى خارج قارا، فقتل جميع من بها ونهبها، ثم عاد وامر العسكر بالركوب،
(3) وامسا: وأمسى
(4)
رجلين: رجلان--وقالوا: وقالا
(5)
وحملوه: وحملاه-- عندهم: عندهما--تعافا فاخداه اوليك: تعافى فأخذه ذانك
(6)
وضعوا: وضعا--مسد: مسدّا--ومضوا: ومضيا
(7)
فاباعوه: فأباعاه--دينار: دينارا
(9)
اسارا: أسارى