الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن اقسنقر، ثم كان استادارا. وتنقلت به الاحوال حتى استقل بالملك ولقب بالملك الرحيم حسبما تقدم. واستبد بملك الموصل وبلادها مدة سبع واربعين سنه، وسعد سعاده عظيمه جدا، ودخل فى طاعه هلاوون. وقد تقدم من حسن تدبيره وسياسته ما يغنى عن زيادة ذكره. وملك بعده ولده الملك الصالح اسماعيل، وسياتى من اخباره مع التتار ما يمكن من القول فى معناه انشاء الله تعالى. وبلغ من العمر نيف وخمسه (5) وثمانين سنه ولا لحقه هرم، والدى يراه يظن انه فى سن الاربعين لقوته ونهظته (6) وصباحته. ولم تسقط عليه حال فى مملكته الى ان توفى رحمه الله تعالى].
وفيها توفى منيف بن شيحه صاحب المدينه على ساكنها السلم (8) وملك بعده جمّاز.
وملك الموصل: الملك الصالح بن الملك الرحيم، هو الملك الصالح اسماعيل ابن (9) الملك الرحيم بدر الدين لولو النورى.
ذكر [حوادث] سنة ثمان وخمسين وستمايه
النيل المبارك فى هده السنه: الما القديم خمسه ادرع وسته عشر اصبعا. مبلغ الزياده ثمانيه عشر دراعا وسبع (13) عشر اصبعا.
ما لخص من الحوادث
وليس للمسلمين خليفه فيدكر. والتتار ملاك الدنيا من مطلع الشمس الى حدود الفراه (16)، وجميع ملوك الاسلام تحت طاعتهم من الدين لم يزيلوا ملكهم. وصاحب الشام الملك الناصر يوسف بن العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين. وسلطان الاسلام بالديار المصريه السلطان الملك المظفر سيف الدنيا والدين قطز رحمه الله.
(5) نيف وخمسه: نيفا وخمسا
(6)
ونهظته: ونهضته
(8)
السلم: السلام
(9)
ابن: بن
(13)
وسبع: وسبعة
(16)
الفراه: الفرات
ونزل هلاوون فى اول هده السنه على ماردين وحاصرها ولم يتم له فيها امر، فرحل ونزل حلب، وسيّر [هلاوون] يطلب صاحب ماردين، فسير ولده تجت الطاعه، واحتج انه مريض عاجز عن الحركه. ثم انه اوقع الحصار على حلب، وهرب الملك الناصر وترك حريمه مع حريم الملوك بقلعه حلب، واخذ هلاوون مدينه حلب، (40) وكان الحصار عليها مده سبعه ايام، وبدل (5) السيف فى اهلها. وبعد ايام قلايل اخد القلعه الشهبا، وامر بمن كان فيها من حريم الملوك مثل حريم صاحب ميافارقين وبنات الملك الناصر وخواته (7)، فاوقف الجميع بين يديه فى موقف السبى شبه الجوار. كل هدا وابن صاحب ماردين قايم ينظر، وكان قصد [هلاوون] ان يخيف بذلك ساير الملوك الخارجين عن الطاعه. ثم التفت هلاوون الى الرسل، وقال: كيف ترون صنع رب السما فى من يعصى علينا، ولو علم الناصر ان له بنا قدره لما هرب وترك حريمه. ثم انه اخرج من كان بها من البحريه معتقلين، وهم: سكز وبرامق وسنقر الاشقر.
(12)
[وكان نزول هلاوون على محاصره حلب ثانى صفر من هده السنه. وكان بها يوميد الملك المعظم ابن (13) السلطان صلاح الدين نايبا بها عن الملك الناصر صاحبها. وكان الملك الناصر نازل (14) بجموعه على يرزه، ظاهر دمشق، ثم انه عاد يتقدم أولا فاولا قدام التتار حتى وصل الى قطيا، ثم خشى من المصريين على نفسه فدخل البريه حتى مسك. ووصل الملك المنصور صاحب حماه وبقيه من معه من الملوك اولاد ايوب الى الديار المصريه، واحسن اليهم الملك المظفر قطز. ولما كسر التتار اعاد الملك المنصور الى مملكه حماه.
ولما ملكوا (19) التتار حلب اختشوا اهل حماه، فسيروا مفاتيح البلد لهلاوون، فجعل فيها شحنه من قبله، وكدلك ملكوا دمشق عنوه بالسيف. وكان اسم الشحنه الدى تركوه بحماه خسرو شاه، يقال انه من خالد بن الوليد رضى الله عنه. ثم ان
(5) وبدل: وبذل
(7)
وخواته: وأخواته--الجوار: الجوارى
(12)
ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش--وكان: فى الأصل «كان»
(13)
ابن: بن
(14)
نازل: نازلا
(19)
ملكوا: ملك--اختشوا: اختشى
التتار كبسوا على جيوش المسلمين بنابلس، ومن هناك تشتت جموع عساكر الملك الناصر، وتمزقوا كلّ ممزّق (2)، ووصل من وصل منهم الى الديار المصريه. ولما استحكم امر هلاوون بالشام جميعه كتب الى مصر. وجعل النايب بحلب عماد الدين القزوينى وعز الدين كنجى، ومعهما من المفعل كا كلاغه وبغراغه، وجعل رجوع الجميع الى ما يامر به الملك الاشرف صاحب حمص. ولما اتوا الى مدينه الصبيبه نزل اليهم صاحبها الملك السعيد ابن الملك العزيز ابن (6) الملك العادل، واختلط بهم وفعل كل قبيح، وسياتى ما كان عاقبة امره].
ثم انه كتب الى الملك المظفر قطز صاحب مصر كتابا ما هذا نسخته:
«بسم إله السماء الواجب حقه، الذى ملكنا أرضه وسلطنا على خلقه، الذى يعلم به الملك المظفر صاحب مصر وأعمالها، وساير أمرايها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصغارها، إنا جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيضه (12)، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر.
فاتعظوا بغيركم، وسلموا إلينا أمركم، قبل أن يكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطاء.
فنحن ما نرحم من بكا (14)، ولا نرق لمن شكا. فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد.
فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب. فأى أرض تأويكم، وأى بلاد تحميكم، وأى دلك ترا (16)، ولنا الماء والثرا. فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص. فحيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال. (41) فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاكم (18) علينا لا يسمع، لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن ردّ السلام، وخنتم الإيمان،
(2) كل ممزق: قارن القرآن 34:7
(6)
ابن: بن
(12)
غيضه: غضبه، انظر المقريزى، السلوك، ج 1 ص 28
(14)
بكا: بكى--شكا: شكى
(16)
ترا: ترى--والثرا: والثرى
(18)
ودعاكم: ودعاؤكم
وفشا فيكم العقوق والعصيان. فابشروا بالمذلّة والهوان. {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (1)، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (2).
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة. فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لدنياكم علينا من سبيل. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا ردّ الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وتورى شراراها، فلا تجدون منا جاها ولا عزا، ولا كتابا ولا حرزا، إذا أزّتكم رماحنا أزّا. وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية. فقد أنصفناكم، إذا أرسلنا إليكم، ومننّا برسلنا عليكم. ثم كتب <من الطويل>:
ألا قل لمصرها هلاوون قد أتا (10)
…
بحدّ سيوف تمتضى وبواتر،
يصير عزيز القوم فيها أذلّة
…
ونلحق (11) أطفالا لهم بالأكابر».
فلما وصلت هده المراسله الى الملك المظفر رحمه الله، جمع الامرا، وضرب مشور، فاتفق الراى على ضرب رقاب الرسل، والتجهيز له وملتقاه، ويعطى الله النصر لمن يشا. فضربت رقاب رسله، وكانوا نيف (14) واربعين نفرا، وعلقت رؤوسهم على باب زويله. ثم نادوا فى القاهره ومصر الجهاد فى سبيل الله. واجتمعت العساكر من كل فج عميق، وجاات (16) العربان من البلاد، وخلق كثيره من التركمان والاكراد، وبايعوا الله عز وجل بنيات صادقه وقلوب موافقه، وخرجوا طالبين التتار.
(1) القرآن 46:20، قارن ايضا القرآن 6:93،45:28،36:54
(2)
القرآن 26:227.
(10)
اتا: أتى--تمتضى: تنتضى، انظر المقريزى، السلوك، ج 1 ص 428
(11)
نلحق: فى المقريزى «يلحق»
(14)
نيف: نيفا
(16)
جاات: جاءت